1086 – 1088 (مكرر) رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري.
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي
وشارك عبدالله البلوشي أبوعيسى ونورس
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
وإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
بَاب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا 1086 – حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
1087 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَاً إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ * تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1088 – حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ * تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
——–
1 – قوله (في كم يقصر؟) يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر، ولا يسوغ له في أقل منها قاله الحافظ في الفتح.
قوله (وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا) أي مسيرته كما في آخر أحاديث الباب.
2 – قوله (“وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد” وهي ستة عشر فرسخا) قلت أخرجه أبو بكر النبيسابوري كما في الزيادات على كتاب المزني 79 ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى نا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، نا حَجَّاجٌ، نا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ به.
5397وقال الألباني إسناده صحيح كما في إرواء الغليل
تابعه ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ به أخرجه أبو بكر النيسابوري كما في الزيادة على كتاب المزني 80 وزاد في آخره وقال لي مالك والليث مثله. وأما قوله (وهي ستة عشر فرسخا) فليست في الأثر لكن أخرج ابن أبي شيبة في المصنف8136 بسند صحيح «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى أَرْضٍ لَهُ بِذَاتِ النُّصْبِ فَقَصَرَ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا»
3 – قال النووي:”الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة، والإصبع ست شعيرات معترضة” قال الحافظ في الفتح:”وهذا الذي قاله هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان، وقيل هو أربعة آلاف ذراع” انتهى وقيل أقل من ذلك.
قلت قدرت الميل وفق قول النووي فوجدته ثلاثة آلاف متر معتبرا أن الذراع تعادل نصف متر تقريبا.
قال ابن المنذر في الأوسط: اجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم علي ان للذي يريد السفر ان يقصر الصلاه اذا خرج عن جميع بيوت القريه التي منها يخرج.
4 – الحديث الأول حديث ابن عمر أخرجه من طريق أبي أسامة ويحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع ثم قال تابعه أحمد عن ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر …
قلت وأخرجه مسلم أيضا 1338 من هذين الطريقين وزاد ثالثا وهو عبد الله بن نمير عن عبيد الله به، تابعه الضحاك عن نافع به أخرجه مسلم في صحيحه 1338.
5 – قوله (لا تسافر المرأة) لا الناهية وهي تفيد التحريم صرحت به رواية مسلم (لا يحل) أي يحرم. وقد وردت في حديث أبي هريرة كما في آخر أحاديث الباب قوله (المرأة) أي لضعفها حتى لا يطمع فيها من في قلبه مرض. قوله (ثلاثة أيام) لا مفهوم له وقد ترجم عليه ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه فقال بَابُ الزَّجْرِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَغَيْرِ زَوْجِهَا بِذِكْرِ خَبَرٍ فِي التَّاقِيتِ غَيْرِ دَالٍ تَوْقِيتُهُ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ التَّاقِيتِ مِنَ السَّفَرِ مُبَاحٌ سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ وَغَيْرِ زَوْجِهَا إِذَا كَانَ سَفَرُهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ
وقال البيهقي في السنن الكبرى: وهذه الرواية في الثلاثة واليومين واليوم صحيحة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا من غير محرم فقال: ” لا ” وسئل عنها تسافر يومين من غير محرم فقال: ” لا ” ويوما فقال: ” لا ” فأدى كل واحد منهم ما حفظ ولا يكون عدد من هذه الأعداد حدا للسفر، وبالله التوفيق.
6 – قوله (إلا مع ذي محرم) أو زوج أخرجه مسلم 1340 من حديث أبي سعيد الخدري
وفي رواية مسلم من طريق الضحاك (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) وهي ثابتة أيضا في حديث أبي هريرة كما سيأتي، وقوله (تؤمن بالله واليوم الآخر) أي أن الإيمان الكامل إنما يتم بترك المحرمات ومن المحرمات سفر المرأة بغير محرم أو زوج.
7 – قوله (تابعه أحمد عن ابن المبارك عن عبيد الله) قال الحافظ في الفتح هو ابن محمد المروزي، قلت ورواه الإمام أحمد في مسنده ومن طريقه أبو داود في سننه 1729 عن يحيى القطان عن عبيد الله به
حديث أبي هريرة (“لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخرأن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة”، تابعه يحيى بن أبي كثير وسهيل ومالك عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه) متفق عليه، قلت في إسناده اختلاف بعضهم رواه عن سعيد المقبري عن أبيه كما رواه البخاري مسندا وبعضهم أسقط “عن أبيه”، قال ابن حبان في صحيحه: “سمع هذا الخبر سعيد المقبري عن أبي هريرة وسمعه من أبيه عن أبي هريرة فالطريقان جميعا محفوظان “.
فوائد الباب:
8 – لا تحج المرأة المسافرة إلا مع زوج أو ذي محرم.
المحرم كالأب والابن والأخ. ذو مَحْرَم: مَحْرَمُ المرأَة مَنْ حَرُمَ عليه نكاحُها على التابيد.
9 – إن الزجر الذي خص بهذا العدد ليس القصد منه إباحة استعماله فيما دونه قاله ابن حبان في صحيحه وسبقه بذلك شيخه ابن خزيمة في صحيحه أيضا.
10 – ثبت تسمية السير بالدواب المعهودة زمن النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا فتجري عليه أحكام المسافر من قصر الصلاة وجواز الإفطار للصائم.
11 – التشريعات الإسلامية فيها صيانة للمرأة وحماية لها من الضياع، فهي مصانة غير مهانة.
12 – الإيمان بالله واليوم الآخر يدفع إلى العمل الصالح من فعل المأمورات وترك المنهيات.
13 – فيه بيان ضعف المرأة وأنها مهما بلغت من القوة فهي في موضع مطمع وضعف، فلا بد لها من رجل يقوم على أمرها خاصة في السفر.
———
14 – قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى في باب في كم يقصر الصلاة:
قوله صلى الله عليه وسلم ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر”:
المراد بهذا الوصف الإغراء على لزوم الطاعة لأن الإيمان بالله واليوم الآخر يحمل على لزوم الطاعة فهو من باب الإغراء وليس من باب التقييد بالوصف بحيث يقال أن من لم تؤمن لها أن تسافر.
15 – وقوله عليه الصلاة والسلام “مسيرة يوم وليلة”: سئل هل تسافر يوما وليلة؟ فقال: لا تسافر يوما وليلة بدون محرم.
فيكون اختلاف المدة بناء على اختلاف السؤال.
وهذا جمع حسن. وبناء على ذلك هل نأخذ بالثلاثة أو باليوم والليلة أو نأخذ بحديث أنس في صحيح مسلم (كان إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين)؟
الجواب: أن نأخذ بالإطلاق الذي أطلقه الله ونقول إختلاف التقدير يدل على أنه ليس مرادا ـ أعني التقدير ـ فما سمي سفرا ثبت له أحكام السفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء، أنه لا يتقيد بيوم ولا يومين ولا ثلاثة فراسخ ولا أكثر ولا أقل إلا بالعرف، فما سمي سفرا فهو سفر.
ولكن من المعلوم أن خروج الإنسان إلى ما يتبع القرية أو المدينة لا يسمى سفرا.
ومن ثم كان خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قباء من المدينة لا يسمى سفرا لأنه تابع للبلدة.
لكن ما ليس تابعا لها فإنه يكون سفرا
كلام شيخ الإسلام لا شك أنه أقرب إلى ظاهر النصوص إلا أن تحديده صعب لأن هذا التقدير ـ أي تقييده بالعرف ـ قد يختلف الناس فيه، فيقول بعضهم العرف أن هذا سفر، ويقول آخر العرف أن هذا ليس بسفر، لكن أجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن ذلك بأن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر والزمن الطويل في المسافة القصيرة سفر. والله أعلم.
16 – ثم قال ابن عثيمين رحمه الله:
هذه قاعدة شيخ الإسلام رحمه الله، لكن رأي الآخرين الذين يقولون إنهم حددوا المسافة وهي نحو 83 كيلومتر أقرب إلى الضبط والإنضباط، فيقال: من بلغ هذه المسافة فهو مسافر سواء بقي يوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو رجع من ساعته، ومن لم يبلغها فليس بمسافر ولو بقي يوم أو يومين أو أكثر. اهـ
17 – قال ابن تيميه في مجموع الفتاوى 21/ 42:
كُلُّ اسْمٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ فَمَا كَانَ سَفَرًا فِي عُرْفِ النَّاسِ فَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ وَذَلِكَ مِثْلُ سَفَرِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَافَةَ بَرِيدٌ وَهَذَا سَفَرٌ ثَبَتَ فِيهِ جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ بِالسُّنَّةِ؛ وَالْبَرِيدُ هُوَ نِصْفُ يَوْمٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ وَهُوَ رُبُعُ مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ يُسَمَّى مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُ الذَّاهِبُ إلَيْهَا أَنْ يَرْجِعَ مِنْ يَوْمِهِ ….
18 – قال باحث: ودليل القائلين أن مرجع السفر للعرف قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)
19 – وقال مرة وهو يتكلم عن الجمع كما في مجموع الفتاوى 2/ 341: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى كُلُّ عُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ يُبِيحُ الْجَمْعَ، وَلِهَذَا يَجْمَعُ لِلْمَطَرِ، وَالْوَحْلِ، وَلِلرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ؛ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَيَجْمَعُ الْمَرِيضُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَالْمُرْضِعُ، فَإِذَا جَدَّ السَّيْرُ بِالْمُسَافِرِ، جَمَعَ سَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا، كَمَا مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يَجْمَعُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، الْمَكِّيَّ وَغَيْرَ الْمَكِّيِّ، مَعَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَفَرُهُمْ قَصِيرٌ.
وَكَذَلِكَ جَمَعَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمَتَى قَصَرُوا يَقْصُرُ خَلْفَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَعَرَفَةُ مِنْ مَكَّةَ بَرِيدٌ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقْصُرُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِهِ: أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ إنَّهُ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يُوَقِّتْ لِلْقَصْرِ مَسَافَةً، وَلَا وَقْتًا، وَقَدْ قَصَرَ خَلْفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي الدَّلِيلِ.
وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ سَفَرًا، مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهُ، وَيَبْرُزَ لِلصَّحْرَاءِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مِثْلِ دِمَشْقَ، وَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ قُرَاهَا الشَّجَرِيَّةِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ كَمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الصَّالِحِيَّةِ إلَى دِمَشْقَ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُسَافِرٍ، كَمَا أَنَّ مَدِينَةَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْقُرَى الْمُتَقَارِبَةِ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ نَخِيلُهُمْ وَمَقَابِرُهُمْ وَمَسَاجِدُهُمْ، قُبَاءَ وَغَيْرُ قُبَاءَ وَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُ الْخَارِجِ إلَى قُبَاءَ سَفَرًا، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَصْحَابُهُ يَقْصُرُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 101] فجميع الأبنية تدخل قي مسمى المدينة. وما خرج عن أهلها فهو من الأعراب أهل العمود ..
20 – وقرر ابن عثيمين في شرحه لمسلم 4/ 34: أن الذهاب من البحرين للخبر يعتبر سفر عرفا وإن كان ثلاثون كيلو.
أما من ذهب لبريدة للعشاء أو جنازة فلا يقال أنك سافرت.
ومن يذهب لرحلة صيد لمكان قريب ويمتد بهم المسافة الى مئتي كيلو تقريبا فبقي يومين او … فيعتبر سفرا ولو لم يصل لمسافة سفر.
21 – وقال ابن عثيمين: الخروج بنية الرجوع عن قرب لا يعد سفرا عند الناس، لكن بنية الإقامة في هذه المسافة القصيرة يعتبر سفرا، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المسافة الطويلة في الزمن القليل سفر، والزمن الطويل في المسافة القصيرة سفر أيضا.
22 – وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع:
فالصحيح أنه لا حد للمسافة، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف، ولكن شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر، والإِقامة الطويلة في المسافة القصيرة سفر، فالمسألة لا تخلو من أربع حالات:
1 ـ مدة طويلة في مسافة طويلة، فهذا سفر لا إشكال فيه، كما لو ذهب في الطائرة من القصيم إلى مكة، وبقي فيها عشرة أيام.
2 ـ مدة قصيرة في مسافة قصيرة فهذا ليس بسفر، كما لو خرج مثلاً من عنيزة إلى بريدة في ضحى يوم ورجع، أو إلى الرس أو إلى أبعد من ذلك، لكنه قريب لا يعد مسافة طويلة.
3 ـ مدة طويلة في مسافة قصيرة بمعنى أنه ذهب إلى مكان قريب لا ينسب لبلده، وليس منها، وبقي يومين أو ثلاثة فهذا سفر، فلو ذهب إنسان من عنيزة إلى بريدة مثلاً ليقيم ثلاثة أيام أو يومين أو ما أشبه ذلك فهو مسافر.
4 ـ مدة قصيرة في مسافة طويلة، كمَن ذهب مثلاً من القصيم إلى جدة في يومه ورجع فهذا يسمى سفراً؛ لأن الناس يتأهبون له، ويرون أنهم مسافرون.
23 – قال ابن عثيمين في الشرح الممتع:
مسألة: إن أشكل هل هذا سفر عرفاً أو لا؟ فهنا يتجاذب المسألة أصلان:
الأصل الأول: أن السفر مفارقة محل الإِقامة، وحينئذٍ نأخذ بهذا الأصل فيحكم بأنه سفر.
الأصل الثاني: أن الأصل الإِقامة حتى يتحقق السفر، وما دام الإِنسان شاكاً في السفر، فهو شاك هل هو مقيم أو مسافر؟ والأصل الإِقامة، وعلى هذا فنقول في مثل هذه الصورة: الاحتياط أن تتم؛ لأن الأصل هو الإِقامة حتى نتحقق أنه يسمى سفراً.
24 – قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” قصر الصلاة متعلق بالسفر، فما دام الإنسان مسافراً، فإنه يشرع له قصر الصلاة , سواء كان سفره نادراً أم دائماً , إذا كان له وطن يأوي إليه ويعرف أنه وطنه , وعلى هذا فيجوز لسائق الشاحنة أن يترخص برخص السفر من قصر الصلاة , والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها والفطر في رمضان وغيرها من رخص السفر “.
” مجموع فتاوى ابن عثيمين ” (15/ 264).
25 – وسأل الألباني: هل يجوز لسائقي السيَّارات المسافرة إلى البلاد بعيدة مثلاً كبَيْن حلب ودمشق الأجرة في أثناء رمضان أن يفطروا؟ لأن هذه مسافة طويلة جداً.
فأجاب: هذه قضية تتعلق بالحكم إن كان يُقال إنه مُسافر جاز وإلَّا فلا، وليس السفر بالذي يُحدد بقطع مسافة طويلة أو قصيرة لأن ذلك قد يكون وصفاً من الأوصاف وليس شرطاً واحداً، فإذا كان هذا السائق يعتبر نفسه مسافراً ويستعد استعداد المسافرين فله القصر وله الإفطار، أما إن كان هو لا يعتبر نفسه مسافر ولا يستعد استعداد المسافرين بأنه يوصل الركاب إلى البلد القاصد إليها ثم يعود إلى بلده فليس له أن يقصر، فالقضية نسبية ولا يمكن أن يعطى فيها فتوى جامدة تليق لكل سائق.
بل هذا الكلام يُقال بالنسبة لكل مسافر أو –بل نقل بعبارة أدق- لكل من خرج من بلده، سواء قطع مسافة طويلة أو قصيرة لا يمكن أن يُقال أنه مسافر أو غير مسافر لأن ذلك يتعلق بالعرف، فقد يقطع مسافة طويلة وليس مسافراً، ويضرب ابن تيمية مثلاً في رسالته في أحكام السفر برجل خرج مثلا من دمشق للصيد وصل خارجها فلم يجد الصيد فمشي ومازال يمشي ويمشي ويمشي حتى وصل إلى حلب، من دمشق، هذا ليس بالمسافر، لأن هذا أولاً ما خرج قاصداً للسفر وإنما خرج قاصدا للصيد وما تهيئ له وما كان في باله.
المصدر: سلسلة الهدى والنور، الشريط رقم: 43، الفتوى رقم: 10.
26 – وقال ابن تيمية:
” وَيُفْطِرُ [يعني: ويقصر الصلاة]: مَنْ عَادَتُهُ السَّفَرُ إذَا كَانَ لَهُ بَلَدٌ يَاوِي إلَيْهِ، كَالتَّاجِرِ الْجَلَّابِ الَّذِي يَجْلِبُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ السِّلَعِ، وَكَالْمُكَارِي الَّذِي يَكْرِي دَوَابَّهُ مِنْ الْجُلَّابِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَالْبَرِيدِ الَّذِي يُسَافِرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ الَّذِي لَهُ مَكَانٌ فِي الْبَرِّ يَسْكُنُهُ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ امْرَأَتُهُ وَجَمِيعُ مَصَالِحِهِ وَلَا يَزَالُ مُسَافِرًا فَهَذَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ ” “مجموع الفتاوى” (25/ 213).
وراجع أيضا مجموع فتاوى ابن تيمية 243،244/ 19 و 15/ 24 … 42/ 24
27 – قال بعض الشافعية:
يقولون لا يقصر الهائم وإن طال سفره ويسمى راكب التعاسيف
28 – من أين يبدأ حساب مسافة القصر على من قال أنها محددة:
1095 – سئل فضيلة الشيخ: تكثر الاستراحات القريبة من مدينة الرياض، فهل يجوز لمن يذهب إلى هذه الاستراحات قصر وجمع الصلاة وخصوصاً إن المسافة تتفاوت؟ وما السافة المحددة لجواز قصر الصلاة؟ وهل تحتسب المسافة من منزل من أراد الذهاب إلى تلك الأماكن أو من آخر بنيان في المدينة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس من السفر؛ لأن الذين يخرجون لهذه المنتزهات لا يعدون أنفسهم من المسافرين، ثم على القول بأن مسافة القصر مقدرة بالكيلوات *فإن المعتبر أطراف البلد،* فمتى بعدوا عن أطراف البلد مسافة الكيلومترات المعتبرة فإنهم يقصرون. ولو قصرت مدة إقامتهم في هذا المكان.
مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله
29 – وهذا سؤال وجه لبعض أهل الفتوى:
رقم الفتوى: 66598
السؤال
أحسن الله إليكم لدي استفسار عن عمل المرأة، امرأة محتاجة للعمل والتحقت بوظيفة خاصة بالنساء (مطابقة صور جوازات)، وهذه الوظيفة تضطرها للمبيت خارج المنزل لمدة يومين، مع العلم بأن الحدود تبعد عن منزلها ما يعادل 85 كم، وهي تذهب بدون محرم مع نساء أخريات يعملن في نفس المكان، فهل عملها هذا جائز، وبالنسبة لمسافة السفر هل تحسب من المنزل أم من خارج العمران، وإذا كان من خارج العمران فبالنسبة للبلاد الصغيرة التي تتلاصق فيها المدن و يتصل عمرانها، فهل تحسب مسافة السفر من آخر العمران في الدولة أم من نهاية المدينة التي يقيم فيها المسافر؟ وجزاكم الله خيراً.
الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يجزيك خيراً على تحريك للحلال وابتعادك عن الحرام، واعلمي أن عملك إذا كان خاصاً بالنساء وسالماً من الاختلاط بالرجال فهو جائز من حيث الأصل، ولكن لا يجوز لك السفر إليه بدون محرم، كما لا يجوز لك المبيت خارج المنزل، إذا ترتبت عليه مفسدة كالاختلاط أو الخلوة برجل أجنبي ونحو ذلك، وراجعي الفتوى رقم: 3859، والفتوى رقم: 51331.
والمسافة التي تتعلق بها أحكام السفر تحتسب من آخر عمران البلد التي ينشئ منها المسافر السفر إلى الموضع الذي يقصده، قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: ابتداء سفره بمفارقة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل والخراب المتخلل للعمران معدود من البلد.
أما بالنسبة للبلاد التي يتصل فيها العمران بعضه ببعض، فهي في حكم البلد الواحد لا تحتسب المسافة إلا من آخر عمران لا يتصل به عمران آخر، قال الإمام النووي في الكتاب المذكور: إذا كانت قريتان ليس بينهما انفصال فهما كمحلتين من قرية فيشترط مجاوزتهما بالاتفاق. وراجعي الفتوى رقم: 6851، والفتوى رقم: 8528.
والله أعلم.
30 – وهذا سؤال وجه للجنة الدائمة:
الفتوى رقم (20319)
ذهبت من مكة إلى جدة بصحبة زميلين فاضلين، ولكنني وإياهما بعيدون عن الفقه الكامل بكثير من أمور العبادة فيما يتعلق بأمور السفر، كالقصر والجمع ونحو ذلك، ولكن سبق لي أن صحبت في مثل هذا السفر بعض الفقهاء، ورأيتهم يقصرون الصلاة الرباعية ويجمعون أحد الجمعين بحسب الفريضة الحاضرة أو المتأخرة، فأحببت أن أعمل مثلهم في سفري مع زميلي هذين، فلم يمكناني من ذلك، مما أحوجني إلى مخالفتهما والصلاة بمفردي قصرا لصلاة العشاء بعد المغرب، حجتهما في ذلك: أنهما لا يعتقدان أن السفر بين مكة وجدة مسافة قصر، وأنها لا تصل في نظرهما ثمانين كيلا، مع أن المسافة بحسب كلام أهل الخبرة من الحرم إلى المطار 100 كم، ومن العزيزية بمكة من حيث انطلقنا إلى حي الجامعة بجدة تقارب التسعين كيلا، فما رأي سماحتكم في ذلك؟
الجواب:
المسافة التي يشرع فيها القصر في السفر هي التي تبلغ مسيرة يومين للراحلة، وتقدر بثمانين كيلا تقريبًا، *والمسافة تعتبر من مفارقة البنيان الذي سافر منه الشخص إلى أول عامر البلد الذي قصده الشخص،* ولذا فإن الذهاب من مكة إلى جدة وبالعكس لا يعتبر في عصرنا سفرًا؛ لامتداد بنيان كل من البلدين، بحيث إن الضرب في الأرض فيما بين البلدتين لا يبلغ مسافة القصر المذكورة بل دونها بكثير، فهي نحو ستين كيلا، وعليه فلا يشرع الترخص برخص السفر من القصر وغيره.
فتاوى اللجنة الدائمة
31 – وفي كتاب ما صح من آثار الصحابة في الفقه (باختصار):
باب: وقت ابتداء القصر إذا أراد المرء السفر:
عن علي بن ربيعة الأسدي قال: خرجنا مع على ونحن ننظر إلى الكوفة فصلى ركعتين، ثم رجع فصلى ركعتين، وهو ينظر إلى القرية فقلنا له: ألا تصلى أربعا؟ قال: حتى ندخلها.
حسن
وعن نافع قال: أن ابن عمر كان يقصر الصلاة حين يخرج من بيوت المدينة، ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها.
حسن