64 الفوائد المنتقاة من شرح صحيح مسلم –
5 – بَابُ اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ وَأَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ وَكَرَاهَةِ رَدِّ الرَّيْحَانِ وَالطِّيبِ
18 – (2252) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي خُلَيْدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَصِيرَةٌ تَمْشِي مَعَ امْرَأَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، فَاتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ، وَخَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مُغْلَقٌ مُطْبَقٌ، ثُمَّ حَشَتْهُ مِسْكًا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ، فَمَرَّتْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَلَمْ يَعْرِفُوهَا، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا» وَنَفَضَ شُعْبَةُ يَدَهُ
19 – (2252) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَالْمُسْتَمِرِّ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا نَضْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَشَتْ خَاتَمَهَا مِسْكًا، وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ
20 – (2253) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُقْرِئِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ»
21 – (2254) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، – قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ – أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ «إِذَا اسْتَجْمَرَ اسْتَجْمَرَ بِالْأَلُوَّةِ، غَيْرَ مُطَرَّاةٍ وَبِكَافُورٍ، يَطْرَحُهُ مَعَ الْأَلُوَّةِ» ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
——————–
الفوائد:
– رجلين من خشب: المراد: النعلين أي نعلان لهما كثافة تتطاول بهما (كشف مشكل الصحيحين)
– ورد في رواية (عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدنيا حلوة ٌ خضرة ٌ وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الله واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) أخرجه مسلم 2742، زاد أحمد 3/ 46 قصة الثلاث نسوة من بني إسرائيل، وصححه الألباني كما في الصحيحة 486، وفي رواية (كانت إذا مرت بالمجلس حركته فنفخ ريحه) وفي رواية: (فجعلت له غلقاً، فإذا مرت بالملأ أو المجلس، قالت به ففتحته، ففاح ريحه) مسند أحمد 3/ 40، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ (إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ أو قال: من الصيغة ما تكلف امرأة الغني فذكر امرأة من بني إسرائيل كانت قصيرة … ) وهو في الصحيحة 591
– قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم (والمسك أطيب الطيب) فيه أنه أطيب الطيب وأفضله.
قلت: ومما ورد أنه أطيب الطيب كذلك عرق النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أنس قال: قال
: دخل علينا النّبيّ – صلى الله عليه وسلم – فقال عندنا فعرق وجاءت أمّي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ النّبيّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا أمّ سليم «ما هذا الّذي تصنعين» قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطِّيبِ) أخرجه الإمام مسلم (4300).
وروى البخاري في صحيحه 6579 عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم (حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً)
– قال النووي في المسك: أنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب، ويجوز بيعه. وهذا كله مجمع عليه. ونقل أصحابنا فيه عن الشيعة مذهباً باطلاً، وهم محجوجون بإجماع المسلمين، والأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له، واستعمال أصحابه. قال بعض أصحابنا أنه مستثنى من القاعدة المعروفة. أن ما أبين من حي فهو ميت، أو يقال: أنه في معنى الجنين، والبيض، واللبن. انتهى
– بوب ابن خزيمة باب ذكر بعض إحداث نساء بني إسرائيل الذي من أجله منعن المساجد، وذكر الحديث ثم ذكر كذلك أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه (وأنه كانت المرأة تلبس القالب تطال لخليلها فسلطت عليهن الحيضة) بمعناه
وقريب من معناه أثر عن عائشة رضي الله عنها، قالت:: «كَانَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَتَّخِذْنَ أَرْجُلًا مِنْ خَشَبٍ، يَتَشَرَّفْنَ لِلرِّجَالِ فِي الْمَسَاجِدِ فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدَ، وَسُلِّطَتْ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ» أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5114. والأثران صحيحان
قال بعض الأفاضل: ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في حجت الوداع ولم تكن طافت للعمرة (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) أخرجه البخاري 305، ومسلم 1211، فتحمل الآثار على أنه زيدت الحيضة على نساء بني إسرائيل.
– لا يجوز التزوير والتدليس، ويستثنى من ذلك المرأة التي تقصد بالأذى. (قرره النووي)
-لا يجوز للمرأة أن تخرج متطيبة، وقد جاء الوعيد في ذلك كما في الحديث الذي أخرجه مسلم444
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة)، والحديث الذي أخرجه أبوداود رحمه الله: عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا) قال قولا شديدا. وفي رواية لأحمد (فهي زانية) وكلاهما في الصحيح المسند 819.
– الاعتبار بأحوال من قبلنا.
– أفضل القصص ما ذكر في كتاب الله، وما ذكر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
– ورد في الحديث (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) لكن أعله العقيلي.
– ورد كذلك حديث (ثلاث لا ترد الدهن والوسائد واللبن) وقال الترمذي والبغوي غريب، وحسن بعض طرقه الشيخ الألباني.
قال البغوي: أراد بالدهن الطيب.
– لا يجوز اتباع سنن من قبلنا، وفيه حديث.
– المسك طيب معروف، ومن منافعه أنه يذهب الحزن ويفرح القلب ويقويه، ويقوي الدماغ والعين وينشف رطوباتها وينفع الأمراض الباردة السوداوية والبلغمية ويزيد في القوى (قاله صاحب كشف المشكل)، وذكر ابن القيم فوائد المسك والعنبر، وأنواعهما وأجود هذه الأنواع، وذكر تفضيل المسك على العنبر (وراجع الطب النبوي، والآداب الشرعية).
قلت مما يؤيد أفضلية المسك أنه أصبح مثلاً لكل شيءٍ طيب:
ورد في الحديث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة) أخرجه البخاري 2101 … ومسلم 2628، ومنه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا وفيه ( … لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) أخرجه البخاري 1894 ومسلم 1151، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (كل كَلْم يُكْلَمُهُ المسلم يكون يوم القيامة كهيئتها إذ طعنت تفجر دما اللون الدم والعرف عرف المسك) أخرجه البخاري 237.
– عدم جواز لبس الكعب العالي خاصة مع ما يسببه من مضار، ولفت انتباه الرجال وتزوير، وفي جواب للجنة الدائمة: لبس الكعب العالي لا يجوز؛ لأنه يعرض المرأة للسقوط، والإنسان مأمور شرعا بتجنب الأخطار بمثل عموم قول الله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} كما إنه يظهر قامة المرأة وعجيزتها أكثر مما هي عليه، وفي هذا تدليس، وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها.
– أما حديث أبي هريرة الذي أورده مسلم في الباب، ففيه استحباب عدم رد الطيب.
– ورد في بعض الروايات (من عرض عليه الطيب فلا يرده) ورجحها ابن حجر؛ لأن رواتها أكثر، وكلمة (الريحان) كأنها من تصرف الرواة، حيث أراد التعميم ليشمل الطيب الغير مصنوع فعبر بالريحان انتهى بمعناه
والريحان ذكر النووي عن أهل اللغة وغريب الحديث: أنه يشمل كل نبات مشموم طيب الرائحة، ونقل عن القاضي عياض أن المراد به الطيب كله.
وبعض الباحثين لم يوافق ابن حجر على هذا الترجيح.
المهم: ورد في البخاري كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب.
ولو عممنا الحكم فلا يرد الطيب سواء مصنوع أو نبات طيب الرائحة لكان أفضل، ثم ليعلم أن أذواق الناس تختلف، فأهل الجزيرة يحبون دهن العود، وربما غيرهم لا يحب رائحته، فمن قدِّم له طيب فليأخذه ولو لم يكن يحبه مراعاة لشعور الآخرين، وليهده لمن يحب رائحته، وإذا أراد أن يطيبك كذلك لا ترده، ولو أن تضع منه قليلاً في أطرافك.
– ورد في بعض الروايات (فإنه خرج من الجنة) لكنها ضعيفة (الضعيفة 764،6384).
– هذا من محاسن الإسلام، الحث على الطيب، والنظافة.
– كراهية الروائح الكريهة، ومنه حديث (من أكل من هذه البقلة الثوم، وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) أخرجه مسلم 564،والنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالاغتسال يوم الجمعة.
– قال ابن القيم: وهذا الريح الطيبة أنفع شيء للروح، والروح مطية القوى وتنفع الدماغ والقلب وسائر الأعضاء الباطنة، وذكر فصلاً في زاد المعاد في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصحة بالطيب. نقلت هذه الفقرة منه، وذكر حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم له سكة يتطيب منها. قلت: أخرجه أبو داود وهو في الصحيح المسند 60.
– ومما ذكره ابن القيم في هذا الباب أن الأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، ومنه قوله تعالى (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) وهذا يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح.
– الهدايا تزرع المحبة بين الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، إلا إذا كان المقصود بالهدية الدنيا، ومنه حديث ( … لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) أخرجه أحمد 296/ 13 وله متابعات وشاهد عن ابن عباس راجع تحقيق المسند.
– استعمال الطيب لا يعارض الزهد، قالت عائشة رضي الله عنها (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما نجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته) أخرجه البخاري 6923،ومسلم 1190، وورد بلفظ (وبيص المسك) أخرجه أبو داود 1746،وذكر الدارقطني أن الحسن بن عبدالله تفرد بها عن إبراهيم، لكن ورد عن عائشة أنها قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت، بطيب فيه مسك) أخرجه مسلم 1191.
– أفضل الناس طيباً، من تنفعك مجالسته، وفيه حديث سبق ذكره.
– أما حديث ابن عمر الذي أورده مسلم في الباب، فيدل على استحباب التبخر بالألوة؛ وهي العود يتبخر به، وذكر ابن القيم أنواع ومنه القسط الهندي لكنه للعلاج، وذكر نوعاً آخراً هو الذي يتطيب به وذكر أنواعه وأفضله.
ويتبخر به غير مخلوط، وهذا معنى غير مطَّراةٍ، ومرة مخلوط بكافور، وقال ابن القيم: في خلط الكافور به معنى طبي، وهو إصلاح كل منهما بالآخر.
– قال ابن القيم: في التجمير مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه وهو أحد الأشياء الستة الضرورية التي في إصلاحها إصلاح البدن.
قلت: ولا يكثر منه؛ لأن له مضار على الرئة.
– ورد في وصف أهل الجنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر … ) الحديث إلى أن قال: (ولا يمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب ووقود مجامرهم الأَلُوَّةُ قال أبو اليمان: يعني العود، ورشحهم المسك … ) أخرجه البخاري 3246