: 236 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
236) قال أبوداود رحمه الله (ج3 ص58): حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه.
* وقال الامام أحمد رحمه الله (ج3 ص397): ثنا خلف بن الوليد ثنا خالد بن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن نقرأ القرآن وفينا العجمي والأعرابي قال فاستمع فقال اقرؤوا فكل حسن وسيأتي قوم يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه.
…………………….
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة]. والأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، والأعجمي: هو غير العربي، لذلك لا يحسن العربية؛ لأنه من العجم، ولغته لغة العجم. وقوله: [ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة] يحتمل أن يكون المراد به القرآن الذي يقرأ به وهو يجزئه، أو الذي يجزئ عن القراءة إذا لم يستطع القراءة في الصلاة ولم يكن عنده شيء من القرآن، وكلا الحالتين تكون بالنسبة للأمي والأعجمي، فقد يكون الأمي والأعرابي والأعجمي عندهم شيء من القرآن ولكنهم لا يقيمونه بإتقان وترتيل، ففي هذه الحالة يقرءون على حسب أحوالهم ما دام أنهم يقيمون الحروف ولا يحصل منهم خطأ، ولو لم يكونوا متمكنين من التجويد والترتيل. والحالة الثانية: أن يكون الواحد منهم ليس عنده شيء من القرآن، فما الذي يجزئه بدلاً منه؟ قد وردت في ذلك أحاديث تدل على أن الأعرابي والأعجمي يقرءان على ما يتيسر لهما، وورد أنه إذا لم يكن عنده شيء من القرآن فإنه يحمد الله ويسبحه ويهلله، وورد في هذه الترجمة أحاديث. فقوله: [ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة] يحتمل أن يكون المقصود به القرآن حيث يكون عنده شيء من القرآن ولكنه لا يقرأه كما يقرأه المتمكن في قراءته، فهنا يقرأ على حسب حاله، ويحتمل أن يكون ليس عنده شيء من القرآن، فهذا يأتي بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ويكفيه ذلك عن القرآن، وهذا لا يعني أن الإنسان يكون كذلك باستمرار، ولكن حيث يعجز في الحال عن أن يتعلم شيئاً من القرآن فإنه يأتي بهذه الكلمات ويصلي، كأن يحين وقت الصلاة، أو دخل في الإسلام وهو لا يعرف شيئاً فإنه يصلي، ولكن عليه أن يتعلم.
وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، أولها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: [(خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي)] أي أنهم يقرءون القرآن، ويتفاوتون في قراءته، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(اقرءوا فكل حسن)] يعني ما عند الأعرابي وما عند الأعجمي وما يقدر عليه من القراءة حسن، قال: [(وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح)] وهو واحد السهام التي يرمى بها [(يتعجلونه ولا يتأجلونه)] يعني أنهم يتقنون القرآن، ويحسنون قراءته، ويتمكنون من ذلك، ولكن همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، فيريدون تعجل الثواب دون أن يؤجلوا الثواب، فيكون همهم الفانية وليس همهم الباقية، وليس هذا تزهيداً في إقامة القرآن والعناية به فإن ذلك محمود، ولكن المحذور هو أنهم يجودون القرآن ويتقنونه فيتعجلون الثواب ولا يتأجلونه، فهذا هو المذموم. وأما إقامة القرآن وإتقانه، والحرص على إجادته دون تكلف أو مبالغة فهو أمر مطلوب، فهذا الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم هو إخبار عن أناس هذه صفتهم. وأما من يجيد القرآن ويتقنه ولا يكون همه الدنيا، ولا يكون متعجلاً للثواب، بل قصده أن يقرأ القرآن ويتدبره، ويحصل الأجر فيه بكل حرف واحد عشر حسنات كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا محمود، وإنما المذموم هو أوصاف هؤلاء الذين سيأتون، فهم متمكنون من القرآن، يقيمون حروفه، ويقيمون قراءته ولكنهم لا يعملون به، ويتعجلون الثواب ولا يتأجلونه، أي أن همهم الدنيا وليست همهم الآخرة، إذاً فليس في هذا تزهيد في إقامة القرآن وإتقانه، ولكن الذي لا يصلح هو المبالغة والزيادة التي تخرج عن الحد في قراءة القرآن.
وفي هذا الحديث إخبار عن أمور مستقبلة، وكل ما أخر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه واقع ولابد؛ لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، فهذا إخبار عن قوم سيأتون هذا شأنهم ووصفهم، ولا شك في أن هذا قد وقع، فهناك من يكون عنده إتقان للقرآن ولكن همه الدنيا وليس همه الآخرة، والعياذ بالله. اهـ
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه
باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به.
وعن عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أنه مر بِرَجُلٍ يَقُصُّ فَقَالَ عِمْرَانُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ) رواه أحمد والطبراني في الكبير -وهو -صحيح الجامع 1169، وحسنه لغيره محققو المسند 33/ 202
* مسألة: هل يجوز أخذ أجر على الرقية؟
جواز أخذ جعل على الرقية؛ لكن مقيدة بمن كان حاله كحال أبي سعيد ورفقته، فقد كانوا على سفر، ونزلوا على حي الغالب أنهم من الكفار فلم يضيفوهم، ومع ذلك تخوفوا؛ عدم جوازه؛ حتى قالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا، فقال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجر كتاب الله) لأنكم كنتم على سفر وألمت بكم حاجة؛ ومنه حديث (زوجتكها بما معك من القرآن)، ويمكن أن يوجه كذلك؛ بأنه لم يجد ولا خاتم من حديد. وكذلك حديث خارجه بن الصمت عن عمه وأنه رقى مجنون عند قوم كفار بالفاتحة؛ ثلاثة أيام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلعمري؛ لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) أخرجه أبوداود 3890 وإسناده حسن؛ وليس فيه المشارطة؛ إنما أعطوه مكافئة.
أما حديث عبادة؛ وعلم أناس من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إليه رجل منهم قوسا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أتريد أن تطوق.) فأعله البيهقي؛ قال: رجال إسناد حديث عبادة معروفون إلا الأسود بن ثعلبة؛ فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث؛ وحديث ابن عباس وأبي سعيد أصح إسنادا
قلت: وهو حديث مختلف فيه على عبادة بن نسي فقيل عنه عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت وقيل عنه عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة
وذكر البيهقي بعض هذا الاختلاف كما في السنن (6/ 125)
وقال وروي من وجه آخر منقطع عن أبي بن كعب؛ وأعله بالإنقطاع أيضا ابن عبد البر والمزي؛ وفيه عبدالرحمن بن سلم؛ مجهول.
وعلى فرض صحته؛ قد يقال: أن مقصوده؛ التقرب لله فلا يجوز أن يغيرا نيته.
وبعضهم ذهب لنسخ حديث عبادة وآخرون حملوه على أنه تعين عليه التعليم وحديث ابن عباس على من لم يتعين عليه التعليم.
قلت (الشيخ سيف): لو رزق الإمام المعلمين لكان أحوط.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إذا كان الجعل للطبيب على شفاء المريض جائز؛ كما أخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)؛ وذكر حديث أبي سعيد الخدري؛ أن ثم قال: (فإن الجعل كان على الشفاء لا على القراءة). (مجموع الفتاوى 20/ 507و18/ 128)
قلت: أقوى ما يستدل به المجيزون حديث أبي سعيد الخدري وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم – لهم ومع ذلك كما ذكرنا فيه احتمال؛ أنه أقرهم لحاجتهم، أما كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واضربوا لي بسهم) فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز أخذ الأجرة على الرقية؛ وإنما لمَّا كان تملكهم لهذا المال تملك صحيح حيث كانوا محتاجين؛ طلب منهم أن يعطوه كهدية.
وسبق في حديث جابر رضي الله عنه؛ لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرقية قال (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) وذكرنا هناك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها من باب التعاون.
وكذلك ورد؛ حديث يدل على المنع قال رسول الله صلى الله عليه (اقرؤوا القرآن فكل حسن وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه). يعني يتعجلون الأجر الدنيوي ولا يهتمون بالأجر الأخروي.
نقول؛ لما قامت كل هذه الاحتمالات في حديث أبي سعيد الخدري وحديث ابن عباس؛ فالأحسن نرجع للأصول؛ ومنها:
* قوله تعالى (وما أسألكم عليه من أجر)
* وأن الدعاء عبادة يشترط فيها الإخلاص والرقية من الدعاء.
وفي الإذن بأخذ أجر على الرقية مفاسد منها:
* خرم التوحيد حيث تتعلق قلوب الناس بهذا الراقي أكثر من تعلقها بالله؛ فتجد المرضى يسافرون من بلد لآخر بحثا عن الرقاة المشهورين؛ وانظر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة أن يرقوا أنفسهم وأهليهم، ولم يعلقهم بشخص معين. بل حتى بعض الصحابة كان ممن هو مستجاب الدعوة لم يعلق الناس به. فمنع أخذ الأجر على الرقية فيه سد لذريعة التعلق بالمخلوقين.
* وفيه كذلك استغلال الناس وحاجاتهم، فيأكل هؤلاء الرقاة أموال الناس؛ فبعضهم يجعل مبلغ للمقابلة، ومبلغ للرقية، ومبلغ للماء والزيت المقروء عليه، وبعضهم يحتال؛ فيقول: أنا لا آخذ أجرة على القراءة؛ لكن إذا لم تشتري الوصفات التي يصفها لك منه من عسل وأعشاب وبأثمان غاليه؛ فلن يستقبلك مرة أخرى، وبعضهم يقول: أنا لا أطلب ويأتيك للمنزل للرقية فإذا لم تعطه مبالغ كبيرة؛ قال: بيتك بعيد، فإذا أعطيته؛ قال بيتك قريب. لذلك إذا جاءهم فقير محتاج للرقية تظاهر بأنه مشغول. ولكي يجمع مبالغ طائلة يجمع المرضى برقية واحدة؛ أو يبيع لهم شريط الرقية بأسعار عالية.
* ومن المفاسد؛ أن فيه تعطيل لسنة الرقية على النفس وعلى الأهل.
* النظر لأهل الاستقامة أنهم أهل طمع.
افتتان الراقي بالشهرة والمال والنساء.
– وفيه فتح الباب لأهل الدجل والشعوذة؛ لاستغلال الناس ونشر عقائدهم الباطلة؛ أما لو كان المبدأ (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) لكسد سوق الدجلة.
* ولو كان أحد يرجح جواز أخذ الجعل فالأفضل عدم نشر هذا القول خاصة في هذه الأزمنة للمفاسد التي ذكرنا.