: [1ج/ رقم (234)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (234)]:
قال أبو داود رحمه الله (ج (4) ص (393)): حدثنا محمد بن عيسى أخبرنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله: أن امرأة، قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صل علي وعلى زوجي. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «صلى الله عليك وعلى زوجك».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا نبيحًا العنزي، وقد وثَّقه أبو زرعة.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول:
أورد الحديث الإمام أبوداود رحمه الله في السنن، (2) – أول كتاب الصلاة، (363) – باب الصلاة على غير النبي ?، ((1372)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(9) – كتاب الدعوات والأذكار، (32) – دعاؤه ? للرجل الذي يقوم ويصلي ويوقظ امرأته أو العكس، ((1576)).
(32) – كتاب الأدب، (146) – خطاب المرأة إذا أمنت الفتنة، ((3803)).
(33) – كتاب التفسير أول الكتاب، (284) – قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ} ((2))، ((4251)).
وفيه أيضًا، (196) – قوله تعالى: {وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}، ((4120)).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: ” (قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان ((912))).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نُبَيْحٍ العَنَزِيِّ عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه إسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبي ?» رقم ((77) – بتحقيقي): حدثنا حجاج قال: ثنا أبو عوانة.
وتابعه سفيان عن الأسود بن قيس … به: أخرجه ابن حبان في «صحيحه» ((1950) – الموارد).
ثم رواه من طريق أخرى عن سفيان … به أتم منه.”. انتهى. [صحيح سنن أبي داود ط غراس (5/ 261)].
وقال شعَيب الأرنؤوط وأخر ط: الرسالة: “إسناده صحيح.
أبو عَوانة: هو وضاح بن عبد الله اليشكري، ونبيح: هو ابن عبد الله العنزي.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» ((10184)) من طريق سفيان، عن الأسود بن قيس، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» ((15281))، و «صحيح ابن حبان» ((916)) و ((918)).
قال بعضهم: الصلاة بمعنى الدعاء والرحمة، قيل: يجوز على غير النبي ?، قال الله تعالى: {وصَلِّ عَلَيْهِمْ} وقال ? فيما رواه البخاري ((1497)): «اللهم صل على آل أبي أوفى» وأما الصلاة التي لرسول الله ?، فإنها بمعنى التعظيم والتكريم، فهي خاصة له”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
أورد أبو داود رحمه الله: [باب: الصلاة على غير النبي ?].
الصلاة على النبي ? هي من أفضل القربات والطاعات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ساق الله تعالى على يديه إلى المسلمين أعظم وأجل نعمة وهي نعمة الإسلام … في هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما [(أن امرأة قالت للنبي ?: صل علي وعلى زوجي، فقال النبي ?: صلى الله عليك وعلى زوجك)] فهذا دعاء مستقل على غير النبي ?، وكما جاء في آل أبي أوفى في الصدقة، قال: (اللهم صل على آل أبي أوفى)، فهذه صلاة على غير النبي ?، وهي من النبي ?.
لكن هل يصلي أحد على غير النبي ? استقلالًا؟
المعروف من طريقة السلف: أنه يصلى على النبي ? استقلالًا وغيره تبعًا له، ويترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم، هذه الطريقة المتبعة، وقد يصلى على غير النبي ?، وقد يترحم ويترضى على غير الصحابة، ولكن التبعية هي الأغلب في الاستعمال.
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة الدالة على أنه يصلى على النبي ? في مواضع منها:
عند دخول المسجد والخروج منه، وعند الأذان وبعده، وغير ذلك من المواضع التي جاء التخصيص فيها على أنه يصلى عليه ?،
وكذلك عند ذكره يصلى عليه ? بالصيغة التي درج عليها السلف وهي: ?، أو عليه الصلاة والسلام، هاتان هما العبارتان المختصرتان اللتان درج عليهما السلف، ولاسيما المحدثون كما نجد في الأحاديث عندما تنتهي بالرسول عليه الصلاة والسلام يقول الصحابي: قال رسول الله ? كذا، سمعت رسول الله ? يقول كذا، أمر رسول الله ? بكذا، نهى رسول الله ? عن كذا إلى آخره.
ويجوز أن يصلى على غير النبي ? استقلالًا إذا لم يكثر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في آدب المشي إلى الصلاة: وتجوز الصلاة على غير النبي ? إذا لم يكثر ولم يتخذ شعارًا لبعض الناس، أو يقصد بها بعض الصحابة دون بعض.
ولهذا يأتي في بعض الكتب إذا جاء ذكر علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أو الحسن والحسين، أو فاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، يأتي قولهم: عليه السلام، أو عليها السلام، هكذا.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره قول الله عز وجل: {إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: (56)] أنه يأتي في بعض الكتب: عليه السلام، عندما يأتي ذكر علي أو ذكر فاطمة أو الحسن والحسين، قال: وهذا إنما هو من عمل نساخ الكتب.
يعني: عندما يأتي إلى الكتاب لينسخه فإنه إذا مر ذكر علي كتب بعد علي: عليه السلام.
قال: وهذا لا يصلح أن يطلق على أحد بعينه وأن يخص به أحد بعينه، وإنما الذي يناسب أن يترضى عن الصحابة جميعًا، وهو الذي درج عليه سلف هذه الأمة في حق الصحابة، وفي مقدمتهم أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي رضي الله تعالى عن الجميع.
إذًا: هذا الذي يوجد في بعض الكتب ليس من عمل المؤلفين وإنما هو من عمل نساخ الكتب، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الأحزاب.
* أما معنى الصلاة على النبي ? فأحسن ما فسرت به الصلاة على النبي ?: أنها الثناء عليه عند الملائكة، فإذا قال الإنسان: “اللهم صل على محمد”، فهو يسأل الله أن يثني عليه، وأن يشيد به، وأن يعلي منزلته، وأن يذكره عند الملائكة، فهذا هو أحسن ما قيل في معنى الصلاة على رسول الله ?.
وكذلك أيضًا في حق الصلاة على غيره تبعًا له أو استقلالًا: أن الله تعالى يثني عليه عند الملائكة، وقد جاء في الحديث: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي). [شرح سنن أبي داود للعباد (183/ 6) -تراث].
* فوائد الحديث:
“وفي هذا دلالة على مزيد مكارم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحسن ملاطفته لأصحابه.
وعلى مشروعية الصلاة على غير الأنبياء استقلالًا، وبه قال أحمد وجماعة؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث، وبقوله تعالى (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم)، وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: اللهم صلى على آل أبي أوفى”.
والثالث: ملحقات:
(الفصل الأول): الدعاء للغير
(المبحث الأول): أقسام الدعاء الشرعي:
والداعي: إما أن يدعو بنفسه، أو يدعو له غيره، والداعي بنفسه أو لغيره: إما أن يدعو الله أو غير الله، بتوسل أو بدونه، فالتوسل يأتي إن شاء الله في الفصل التالي، والدعاء من غير توسل ثلاثة أقسام: هي دعاؤك الله وحده، ودعاء آخر لك، ودعاء غير الله. [رسالة الشرك ومظاهره للشيخ مبارك الميلي رحمه الله، ص (276)].
(المبحث الثاني):
دعاء الله لنفسك:
القسم الأول: دعاء الله وحده في غير توسل، وهو توحيد محض وعبادة خالصة، إن لم يَعْتَدِ الداعي في دعائه.
وقد ختم القرافي «فروقه» ببيان ما هو من دعاء الله وحده كفر أو معصية محرمة أو مكروهة، وبسط القول في ذلك في «الفروق» الثاني والثالث والرابع بعد السبعين والمئتين، وتجد في كتب الأدعية والأذكار آدابًا للدعاء وشروطًا وأحكامًا ليس تفصيلها من غرضنا، وهذه أمثلة لهذا القسم من الكتاب والسنة.
• أمثلته:
(1) – قال تعالى: {رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذابَ النّارِ} [البقرة (201)].
(2) – وقال أيضًا: {رَبَّنا هَبْ لَنا مِن أزْواجِنا وذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا} [الفرقان (74)].
(3) – وقال أيضًا: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ} [آل عمران (38)].
(4) – وفي «مسلم» وغيره، أنه ? قال: «اللَّهُمَّ! إنِّي أسْألُكَ الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى».
(5) – وفي «سنن أبي داود» وغيره؛ أنه ? قال: «اللَّهُمَّ! أعِنِّي عَلى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبادَتِكَ».
(6) – وفي «مسلم»؛ أنه ? قالَ: «اللَّهُمَّ! أصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وأصْلِحْ لِي دُنْيايَ الَّتِي فِيها مَعاشِي، وأصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إلَيْها مَعادِي، واجْعَلِ الحَياةَ زِيادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، واجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لِي مِن كُلِّ شَرٍّ» ((112)).
وقد خصت الأدعية النبوية بالتأليف، ومما هو متداول منها اليوم: «الأذكار النووية»، و «الحصن الحصين» لابن الجزري.
• [دعاء الله لغيرك، وحكم الدعاء للغير بلا طلب منه]
القسم الثاني: دعاء غيرك لك، وهو جائز إذا سأل لك الله، سواء طلبت منه الدعاء أم لم تطلبه.
فأما دعاؤه لك من غير طلب؛ فقد وردت به الآيات والأحاديث:
(1) – قال تعالى: {والَّذِينَ جاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولِإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ} [الحشر (10)].
(2) – وقال أيضًا: {واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [محمد (19)].
(3) – وحكى عن إبراهيم: {رَبَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ} [إبرا هيم (41)].
(4) – وحكى عن نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [نوح (38)].
(5) – وفي «صحيح مسلم» عن أبي الدرداء؛ أنه سمع رسول الله ? يقول: «ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ، إلّا قالَ المَلَكُ: ولَكَ بِمِثْلٍ».
(الفرع الأول): حكم الدعاء للغير بطلب منه:
وأما الدعاء لآخر بطلب منه؛ فقد كان الصحابة يسألون الدعاء من النبي ?، ويأتونه بأبنائهم يحنكهم ويدعو لهم.
وعن عمر بن الخطاب؛ أنَّهُ اسْتَاذَنَ رَسُولُ اللهِ ? فِي العُمْرَةِ، فَأذِنَ لَهُ، وقالَ: «لا تَنْسَنا يا أخِي مِن دُعائِكَ». أخرجه الترمذي، وقال: «حسن صحيح» [ضعفه الألباني ضعيف [أبي داود «((322))، والترمذي ((715))، وابن ماجه ((630))، و» الجامع الصغير «((6292))]، وأشار ابن تيمية في» مجموع الفتاوى ” ((1) / (326) – (327)) إلى عدم ثبوته].
وفيه دلالة على أن سائل الدعاء قد يكون أفضل من المسؤول منه.
(الفرع الثاني): الاحتياط في إجابة طلب الدعاء:
وينبغي طلبًا للسلامة أن لا ينصب المطلوب منه نفسه للدعاء، وأن لا يعتقد أنه أفضل من الطالب.
وقد ذكر في «الاعتصام» [آثارًا في] امتناع الصحابة من الدعاء لمن سأله منهم، وأن امتناعهم ليس لذات الدعاء، وإنما هو لأمر زائد؛ قال: «هو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد ذلك، أو يعتقد أنه سنة تلزم، أو يجري في الناس مجرى السنن الملتزمة «((2) / (25)).
ونقل القرافي في أواخر» فروقه ” عن مالك وجماعة من العلماء كراهة الانتصاب للدعاء من أئمة المساجد وغيرهم، وعلل الكراهة بتوقع فساد القلوب، وحصول الكبر والخيلاء، ومعلوم أنه إذا تحقق ذلك المتوقع، كان الانتصاب محرمًا، وقد يفضي بالمنتصب أو غيره إلى الشرك باعتقاد أنه واسطة بين الخلق والحق في قضاء الحاجات واستدرار الخيرات وربح خصومة أو نيل منصب في حكومة.
(الفرع الثالث): مفاسد الانتصاب للدعاء:
وقد وُجِدَ في عصرنا من الطرقيين والمرابطين من ينتصب للدعاء، ويصرح بكونه واسطة بين الله وخلقه في جلب المحبوب ودفع المكروه؛ فإذا رضي عن أحد، ضمن له ما يشتهي من حاجات من الدنيا ونعيم الآخرة، وإذا غضب عن آخر، توعده بحلول النقمة، ورضاه وغضبه تابعان لمطامعه فيما في أيدي الناس، ورأينا من الجهال المعتقدين في لصوص الدين هؤلاء من يبذل فوق طاقته طلبًا لرضاهم عنه وفوزه بدعوة منهم له، ويشتري ما ينتسب إليهم من شمع وبخور مزايدة بأرفع الأثمان، ليقوم ذلك الشيء المشترى مقام دعوة صاحبه؛ ففي الانتصاب للدعاء وسؤاله ذريعة إلى الشرك والعياذ بالله.
[دعاء غير الله وحكمه]:
القسم الثالث: دعاء غير الله، وهو في مقابلة القسم الأول؛ فهو شرك صريح وكفر قبيح، وله نوعان:
أحدهما: دعاء غير الله مع الله؛ كالذي يقول: يا ربي وشيخي! يا ربي وجدي! يا ألله وناسه! يا ألله يا سيدى عبد القادر! وسمعت كثيرًا يحكون أنهم كثيرًا ما يسمعون فلانًا يقول: يا ربي يا سيدي يوسف! اغفر لي. ويوسف هذا من أولاد ابن الدرويش إحدى فصائل أولاد العابد من متصرفية الميلية توفي حديثًا.
وإطلاق الشرك على هذا النوع واضح؛ لأن الداعي عطف غير الله على الله بالواو ثابتة أو محذوفة، وهي تقتضي مشاركة ما بعدها لما قبلها في الحكم، والحكم المشترك فيه هنا هو عبادة الدعاء.
النوع الثاني: دعاء غير الله من دون الله؛ كالذي يقول: يا رجال الدالة! يا ديوان الصالحين! وإطلاق الشرك على هذا النوع باعتبار أن الداعي وإن اقتصر على المخلوق في اللفظ، لم ينكر الله ولم يبرأ منه في العقد، فكأن الله في كلامه مضمر.
ويصح في النوع الأول إطلاق أنه دعاء غير الله من دون الله أيضًا، لأن الداعي لما أشرك بالله في دعائه؛ لم يكن داعيًا على الوجه المشروع، فكأنه لم يذكر الله لفظًا، لأن المعدوم شرعًا كالمعدوم حسًّا، والمعدوم هنا هو ذكر الله مشركًا بسواه.
[فرع:] إنكار القرآن لدعاء غير الله:
كان القسم الثالث معهودًا بنوعيه عند العرب في جاهليتهم، فعالجهم الكتاب العزيز ليصرفهم عنه:
– تارة بتوجيههم إلى سؤال الله،
– وأخرى بتعجيز المسؤولين من دون الله،
– وأحيانًا بتذكيرهم بما كمن في نفوسهم من توحيد الله وظهور ذلك في ألسنتهم عند اشتداد الخطب وغلبة اليأس،
– وتارات بالإخبار عن تعاديهم عند البعث مع أوليائهم الذين يدعونهم اليوم،
أتاهم الكتاب من هذه الجهات الأربع ليقتلع من نفوسهم جذور الشرك. [رسالة الشرك ومظاهره للشيخ مبارك الميلي رحمه الله، ص (277وما بعدها)، بتصرف يسير].
(الفصل الثاني): الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم.
تقدم في شرح الحديث ما يتعلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، معناه، وصيغه، وتخصيص بعض الصحابة رضي الله عنهم وحكم ذلك، والتنبيه على فعل بعض النساخ.
(المبحث الأول): في تعريف «الصلاة» لغةً وشرعًا:
(اعلم): أن «الصلاة» في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى: {وصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة (103)]، أي: ادعُ لهم، وفي الحديث في إجابة الدعوة: «وإن كان صائمًا، فليُصلّ»، أي: فليَدْعُ لهم بالبركة.
وقال ابن الأثير – رحمه الله -: وقد تكرر في الحديث ذكر الصلاة، وهي العبادة المخصوصة، وأصلها في اللغة: الدعاء، فسُمّيت ببعض أجزائها، وقيل: أصلها في اللغة: التعظيم، وسُمِّيت الصلاة المخصوصة صلاةً؛ لما فيها من تعظيم الرب تعالى وتقدس، وقوله في التشهد: «الصلوات»: أي: الأدعية التي يُراد بها تعظيم الله هو مستحقُّها، لا تليق بأحد سواه،
وأما قولنا: «اللهم صل على محمد»، فمعناه: عَظِّمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته، وقيل: المعنى لَمّا أمرنا الله سبحانه بالصلاة عليه، ولن نبلغ قَدْرَ الواجب من ذلك أحلناه على الله، وقلنا: اللهم صل أنت على محمد؛ لأنك أعلم بما يليق به.
وهذا الدعاء قد اختُلِف فيه، هل يجوز إطلاقه على غير النبيّ ? أم لا؟
والصحيح أنه خاصّ له، ولا يقال لغيره، وقال الخطابيّ: الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره ?، والتي بمعنى الدعاء والتبريك، تقال لغيره، ومنه: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، أي تَرَحَّم، وبَرِّكْ، وقيل فيه: إن هذا خاصّ له، ولكنه هو آثرَ به غيره، وأما سواه فلا يجوز له أن يخُصّ به أحدًا. انتهى. [«النهاية» (3) / (50)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: القول بعدم جواز الصلاة على غير الأنبياء عليهم السلام مما لا يؤيّده دليلٌ، بل الأدلّة على خلافه، كالحديث المذكور: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»، وغيره، وحديث: «صلّى الله على زوجك»، وآية: {وصَلِّ عَلَيْهِمْ}، ودعوى الخصوصيّة مما لا دليل عليها، فالحّق جوازها، إلا أن الأولى والشائع بين الأمة الصلاة على الأنبياء، والترضّي على الصحابة، والترحّم على غيرهم، فهذا من باب الأولويّة، لا من باب الوجوب؛ فتبصّر، وسيأتي تمام البحث في هذا في محلّه – إن شاء الله تعالى -، وبالله تعالى التوفيق.
وقال العلامة ابن قُدامة – رحمه الله -: «الصلاة» في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى: {وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة (103)]: أي ادع لهم، وقال النبيّ ?: «إذا دُعي أحدكم فليجب، وإن كان مفطرًا فليَطْعَم، وإن كان صائمًا فليصلّ». [حديث صحيح، أخرجه أبو داود في سننه ((2) / (331))].
وأما معناها شرعًا: فهي عبارة عن الأركان المعهودة، والأفعال المخصوصة، قاله في «العمدة».
وقال ابن قُدامة – رحمه الله -: هي في الشرع: عبارةٌ عن الأفعال المعلومة، فإذا ورَدَ في الشرع أمر بصلاة، أو حكمٌ مُعَلَّقٌ عليها انصَرَف بظاهره إلى الصلاة الشرعية، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج].
(المبحث الثاني): حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم
قال في «الفتح»: قوله: «باب: هل يُصَلّى على غير النبيّ ?»؟ أي: استقلالًا، أو تبعًا،
ويدخل في الغير: الأنبياءُ والملائكةُ والمؤمنون،
فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث:
(فمنها): حديث عليّ -رضي اللَّه عنه- في الدعاء بحفظ القرآن، ففيه: «وصَلّ عليّ، وعلى سائر النبيين»، أخرجه الترمذيّ، والحاكم.
وحديثُ بُرَيدة رفعه: «لا تترُكَنّ في التشهد الصلاة عليّ، وعلى أنبياء اللَّه … » الحديث، أخرجه البيهقيّ بسند واهٍ.
وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- رفعه: «صَلُّوا على أنبياء اللَّه … » الحديث، أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف.
وحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- رفعه: «إذا صَلّيتم عليّ، فصلُّوا على أنبياء اللَّه، فإن اللَّه بعثهم كما بعثني»، أخرجه الطبرانيّ، وسنده ضعيف أيضًا.
وقد ثبت عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- اختصاص ذلك بالنبيّ ?، أخرجه ابن أبي شيبة، من طريق عثمان بن حكيم، عن عكرمة عنه، قال: «ما أعلم الصلاةَ تنبغي على أحد من أحد إلا على النبيّ ?»، وهذا سند صحيح.
وحُكِي القول به:
عن مالك، وقال: ما تُعُبِّدنا به، وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وعن مالك: يكره.
وقال عياض: عامة أهل العلم على الجواز، وقال سفيان: يكره أن يُصَلّى إلا على نبيّ، قال الحافظ: ووجدت بخط بعض شيوخي: مذهب مالك: لا يجوز أن يُصَلّى إلا على محمد، وهذا غير معروف عن مالك، وإنما قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء، وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أُمِرنا به.
وخالفه يحيى بن يحيى، فقال: لا بأس به، واحتَجَّ بأن الصلاة دعاء بالرحمة، فلا يُمْنَعُ إلا بنصّ، أو إجماع، قال عياض: والذي أميل إليه قول مالك وسفيان، وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء، قالوا: يذكر غير الأنبياء بالرضا والغفران، والصلاة على غير الأنبياء -يعني استقلالًا- لم تكن من الأمر المعروف، وإنما أُحدثت في دولة بني هاشم.
وأما الملائكة:
فلا أعرف فيه حديثًا نصًّا، وإنما يؤخذ ذلك من الذي قبله إن ثبت؛ لأن اللَّه تعالى سماهم رسلًا.
وأما المؤمنون:
فاختلف فيهم، فقيل: لا تجوز إلا على النبيّ ? خاصةً، وحُكِي عن مالك كما تقدم.
وقالت طائفة: لا تجوز مطلقًا استقلالًا، وتجوز تبعًا فيما ورد به النصّ، أو أُلحق به؛ لقوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} الآية [النور (63)]، ولأنه لَمّا علّمهم السلام قال: «السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين»، ولما علّمهم الصلاة قصر ذلك عليه، وعلى أهل بيته، وهذا القول اختاره القرطبيّ في «المفهم»، وأبو المعالي من الحنابلة، وهو اختيار ابن تيمية من المتأخرين.
وقالت طائفة: تجوز تبعًا مطلقًا، ولا تجوز استقلالًا، وهذا قول أبي حنيفة وجماعة.
وقالت طائفة: تكره استقلالًا لا تبعًا، وهي رواية عن أحمد، وقال النوويّ: هو خلاف الأولى.
وقالت طائفة: تجوز مطلقًا، وهو مقتضى صنيع البخاريّ، فإنه صدَّر بالآية، وهي قوله تعالى: {وصَلِّ عَلَيْهِمْ}، ثم عقّبه بالحديث الدالّ على الجواز مطلقًا، وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعًا.
فأما الأول، وهو حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى فسيأتي شرحه في «كتاب الزكاة»، برقم ((1078)) -إن شاء اللَّه تعالى- ووقع مثله عن قيس بن سعد بن عُبادة أن النبيّ ? رَفَع يديه، وهو يقول: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة»، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وسنده جيِّد.
وفي حديث جابر -رضي اللَّه عنه- أن امرأته قالت للنبيّ ?: صَلِّ عليّ وعلى زوجي، فَفَعَل، أخرجه أحمد مطوَّلًا ومختصرًا، وصححه ابن حبّان.
وهذا القول جاء عن الحسن، ومجاهد، ونصَّ عليه أحمد في رواية أبي داود، وبه قال إسحاق، وأبو ثور، وداود، والطبريّ؛
واحتجُّوا بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ} [الأحزاب (43)]، وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: «إن الملائكة تقول لروح المؤمن: صلى اللَّه عليكِ، وعلى جسدك».
وأجاب المانعون عن ذلك كلِّه
بأن ذلك صَدَرَ من اللَّه تعالى، ورسوله ?، ولهما أن يخصا من شاءا بما شاءا، وليس ذلك لأحد غيرهما.
وقال البيهقيّ: يُحْمَل قول ابن عباس بالمنع إذا كان على وجه التعظيم، لا ما إذا كان على وجه الدعاء بالرحمة والبركة.
وقد حقّق العلّامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا الموضوع، وناقش الأدلّة، وأجاد وأفاد، ثم قال في آخر البحث:
وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبيّ ?،
إما أن يكون آله وأزواجه وذرّيّته، أو غيرهم،
فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبيّ ?، وجائزة مفردةً.
وأما الثاني: فإن كان الملائكة، وأهل الطاعة عمومًا الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضًا، فيقال: اللهم صلّ على ملائكتك المقرّبين، وأهل طاعتك أجمعين،
وإن كان شخصًا معيّنًا، أو طائفةً معيّنةً، كُرِه أن يتَّخذ الصلاة شعارًا لا يُخلّ به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجهٌ، ولا سيّما إذا جعلها شعارًا له، ومنع نظيره، أو من هو خيرٌ منه، وهذا كما تفعله الرافضة بعليّ -رضي اللَّه عنه-، فإنهم حيث ذكروه قالوا: عليه السلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خيرٌ منه، فهذا ممنوع، ولا سيّما إذا اتُّخِذ شعارًا لا يُخَلُّ به، فتركه حينئذ متعيِّنٌ،
وأما إن صلّى عليه أحيانًا بحيث لا يَجْعَل ذلك شِعارًا كما يُصلّى على دافع الزكاة،
وكما كان ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يكبّر على الجنازة، ويُصلّي على النبيّ ?، ثم يقول: «اللهم بارك فيه، وصلّ عليه، واغفر له، وأورده حوض نبيّك ?» [أخرجه إسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبيّ ?» بسند صحيح]،
وكما صلّى النبيّ ? على المرأة وزوجها، رواه أحمد، وأبو داود بسند قويّ، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، وكما رُوي عن عليّ -رضي اللَّه عنه- من صلاته على عمر -رضي اللَّه عنه-، فهذا لا بأس به.
وبهذا التفصيل تتّفق الأدلّة، وينكشف وجه الصواب، واللَّه تعالى وليّ التوفيق. انتهى حاصل كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-. [راجع: «جلاء الأفهام» (ص (379))].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: هذا الذي حقّقه ابن القيّم: حسنٌ جدًّا.
والحاصل أن الصلاة على غير الأنبياء من المؤمنين استقلالًا جائزة ما لم يمنع مانع، كما مرّ بيانه آنفًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. [البحر المحيط الثجاج].
وقال ابن تيمية رحمة الله:
ولا نِزاعَ أنَّهُ هُوَ ? يُصَلِّي عَلى غَيْرِهِ؛ كَما قالَ تَعالى. {وصَلِّ عَلَيْهِمْ} وكَما ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أنَّهُ قالَ: {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبِي أوْفى}. وكَما رُوِيَ أنَّهُ {قالَ لِامْرَأةِ: صَلّى اللَّهُ عَلَيْك وعَلى زَوْجِك} وكانَتْ قَدْ طَلَبَتْ مِنهُ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْها وعَلى زَوْجِها.
وأيْضًا لا نِزاعَ أنَّهُ يُصَلّى عَلى آلِهِ تَبَعًا؛ كَما عَلَّمَ أُمَّتَهُ أنْ يَقُولُوا: {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْت عَلى إبْراهِيمَ إنّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْت عَلى آلِ إبْراهِيمَ إنّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ}.
وأمّا صَلاةُ غَيْرِهِ عَلى غَيْرِهِ مُنْفَرِدًا، مِثْلُ أنْ يُقالَ: صَلّى اللَّهُ عَلى أبِي بَكْرٍ أوْ عُمَرَ أوْ عُثْمانَ أوْ عَلِيٍّ. فَفِيها قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّ ذَلِكَ جائِزٌ، وهُوَ مَنصُوصُ أحْمَد فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ واسْتَدَلَّ عَلى ذَلِكَ بِأنَّ عَلِيًّا قالَ لِعُمَرِ: صَلّى اللَّهُ عَلَيْك.
وعَلَيْهِ جُمْهُورُ أصْحابِهِ كالقاضِي أبِي يَعْلى وابْنِ عَقِيلٍ والشَّيْخِ عَبْدِ القادِرِ، ولَمْ يَذْكُرُوا فِي ذَلِكَ نِزاعًا.
والثّانِي: المَنعُ مِن ذَلِكَ، كَما ذَكَرَ ذَلِكَ طائِفَةٌ مِن أصْحابِ مالِكٍ والشّافِعِيِّ، ونُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُما، وهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ جَدُّنا أبُو البَرَكاتِ فِي كِتابِهِ الكَبِيرِ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ؛ واحْتَجَّ بِما رَواهُ جَماعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لا أعْلَمُ الصَّلاةَ تَنْبَغِي مِن أحَدٍ عَلى أحَدٍ إلّا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ?.
وقالَ مَن مَنَعَ: أمّا صَلاتُهُ عَلى غَيْرِهِ، فَإنَّ الصَّلاةَ لَهُ فَلَهُ أنْ يُعْطِيَها لِغَيْرِهِ،
وأمّا الصَّلاةُ عَلى غَيْرِهِ تَبَعًا فَقَدْ يَجُوزُ تَبَعًا ما لا يَجُوزُ قَصْدًا.
ومَن جَوَّزَ ذَلِكَ يَحْتَجُّ بِالخَلِيفَتَيْنِ الرّاشِدَيْنِ عُمَرُ وعَلِيٌّ، وبِأنَّهُ لَيْسَ فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ؛ لَكِنْ لا يَجِبُ ذَلِكَ فِي حَقِّ أحَدٍ كَما يَجِبُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ ?. فَتَخْصِيصُهُ كانَ بِالأمْرِ والإيجابِ لا بِالجَوازِ والِاسْتِحْبابِ.
قالُوا: وقَدْ ثَبَتَ أنَّ المَلائِكَةَ تُصَلِّي عَلى المُؤْمِنِينَ كَما فِي الصَّحِيحِ: {إنّ المَلائِكَةَ تُصَلِّي عَلى أحَدِكُمْ ما دامَ فِي مُصَلّاهُ}.
فَإذا كانَ اللَّهُ ومَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلى المُؤْمِنِ، فَلِماذا لا يَجُوزُ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ المُؤْمِنُونَ؟
وأمّا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ فَهَذا ذَكَرَهُ لَمّا صارَ أهْلُ البِدَعِ يَخُصُّونَ بِالصَّلاةِ عَلِيًّا أوْ غَيْرَهُ ولا يُصَلُّونَ عَلى غَيْرِهِمْ، فَهَذا بِدْعَةٌ بِالِاتِّفاقِ.
وهُمْ لا يُصَلُّونَ عَلى كُلِّ أحَدٍ مِن بَنِي هاشِمٍ مِن العَبّاسِيِّينَ ولا عَلى كُلِّ أحَدٍ مِن ولَدِ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ولا عَلى أزْواجِهِ مَعَ أنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى أزْواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ}. فَحِينَئِذٍ لا حُجَّةَ لِمَن خَصَّ بِالصَّلاةِ بَعْضَ أهْلِ البَيْتِ دُون سائِرِ أهْلِ البَيْتِ ودُونَ سائِرِ المُؤْمِنِينَ. [مجموع الفتاوى لابن تيمية (ت (728))، (27/ 409 – 411)].
وقد سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، عن الصلاة على الأنبياء يقول: هل يجوز الصلاة على الأنبياء الآخرين غير محمد ?؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: نعم تجوز الصلاة على الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام،
بل تجوز الصلاة أيضًا على غير الأنبياء من المؤمنين: إن كانت تبعًا فبالنص والإجماع؛ كما في قوله ? حين سئل: كيف نصلى عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمدٍ، كما صلات على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). وآل النبي ? في هذه الجملة هم المتبعون لشريعته من قرابته وغيرهم، هذا هو القول الراجح،
وإن كان أول وأولى من يدخل في هذه- أي: في آل محمد- هم المؤمنون من قرابة النبي ?، لكن مع ذلك هي شاملة لكل من تبعه وآمن به؛ لأنه من آله وشيعته.
والصلاة على غير الأنبياء تبعًا جائزة بالنص والإجماع، لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالًا لا تبعًا هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أنه يجوز أن يقال لشخص مؤمن: صلى الله عليه، وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي ?: (خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِمْ بِها وصَلِّ عليهم) فكان النبي ? يصلى على من أتى إليه بزكاته وقال: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم).
إلا إذا اتخذت شعارًا لشخص معين كلما ذكر قيل: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء، مثل: لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عمر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عليًا قلنا: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعارًا لشخص معين”. [فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4) / (2) — ابن عثيمين (ت (1421))].
(المبحث الثاني):
قال الإتيوبي رحمه الله: اختُلِفَ أيضًا في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحيّ، فقيل: يُشْرَع مطلقًا، وقيل: بل تبعًا، ولا يُفْرَد لواحد؛ لكونه صار شعارًا للرافضة، ونقله النوويّ عن الشيخ أبي محمد الجُوينيّ، فقد منع أن يقال: عن عليّ عليه السلام.
وفرّق آخرون بينه وبين الصلاة، فقالوا: السلام يُشرع في حقّ كلّ مؤمن حيّ وميت، وحاضر وغائب، فإنك تقول: بلِّغ فلانًا مني السلام، وهو تحيّة أهل الإسلام، بخلاف الصلاة، فإنها من حقوق النبيّ ?، ولهذا يقول المصلّي: «السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين»، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، فعُلم الفرق. انتهى.
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: الذي يظهر لي أن السلام مثل الصلاة، فإن كان شعارًا لبعض الناس، كما تقول الشيعة: عليّ عليه السلام فيكره، وإلا فلا، كما تقدّم التفصيل في كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الصلاة.
وقد ذكرت مباحث كثيرةً مفيدةً فيما كتبته على النسائيّ، فارجع إليه تستفد علمًا جَمًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [البحر المحيط الثجاج، ()].
وقال ابن تيمية رحمة الله:
“ولَمّا كانَ اللَّهُ تَعالى أمَرَ بِالصَّلاةِ والسَّلامِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ مَن قالَ إنّ الصَّلاةَ عَلى غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ مِنها طَرَدَ ذَلِكَ طائِفَةٌ مِنهُمْ أبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِي، فَقالُوا: لا يُسَلَّمُ عَلى غَيْرِهِ. وهَذا لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أحَدٍ مِن المُتَقَدِّمِينَ وأكْثَرُ المُتَأخِّرِينَ أنْكَرُوهُ.
فَإنَّ السَّلامَ عَلى الغَيْرِ مَشْرُوعٌ سَلامَ التَّحِيَّةِ، يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذا لَقِيَهُ، وهُوَ إمّا واجِبٌ أوْ مُسْتَحَبٌّ مُؤَكَّدٌ، فَإنَّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَماءِ، وهُما قَوْلانِ فِي مَذْهَبِ أحْمَد، والرَّدُّ واجِبٌ بِالإجْماعِ، إمّا عَلى الأعْيانِ وإمّا عَلى الكِفايَةِ.
والمُصَلِّي إذا خَرَجَ مِن الصَّلاةِ يَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ.
وقَدْ كانَ النَّبِيُّ ? يُعَلِّمُ أصْحابَهُ إذا زارُوا القُبُورَ أنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ فَيَقُولُوا: {السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدِّيارِ مِن المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ}.
فاَلَّذِينَ جَعَلُوا السَّلامَ مِن خَصائِصِهِ، لا يَمْنَعُونَ مِن السَّلامِ عَلى الحاضِرِ، لَكِنْ يَقُولُونَ: لا يُسَلَّمُ عَلى الغائِبِ.
فَجَعَلُوا السَّلامَ عَلَيْهِ مَعَ الغَيْبَةِ مِن خَصائِصِهِ، وهَذا حَقٌّ،
لَكِنَّ الأمْرَ بِذَلِكَ وإيجابَهُ هُوَ مِن خَصائِصِهِ كَما فِي التَّشَهُّدِ، فَلَيْسَ فِيهِ سَلامٌ عَلى مُعَيَّنٍ إلّا عَلَيْهِ.
وكَذَلِكَ عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ والخُرُوجِ مِنهُ وهَذا يُؤَيِّدُ أنَّ السَّلامَ كالصَّلاةِ كِلاهُما واجِبٌ لَهُ فِي الصَّلاةِ وغَيْرِها.
وغَيْرُهُ فَلَيْسَ واجِبًا إلّا سَلامُ التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقاءِ فَإنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِالِاتِّفاقِ.
وهَلْ يَجِبُ أوْ يُسْتَحَبُّ؟
عَلى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحْمَد وغَيْرِهِ. واَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ أنَّهُ واجِبٌ. وقَدْ رَوى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ ? أنَّهُ قالَ: {خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلى المُسْلِمِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذا لَقِيَهُ ويَعُودُهُ إذا مَرِضَ ويُشَيِّعُهُ إذا ماتَ ويُجِيبُهُ إذا دَعاهُ ورُوِيَ ويُشَمِّتُهُ إذا عَطَسَ}.
وقَدْ أوْجَبَ أكْثَرُ الفُقَهاءِ إجابَةَ الدَّعْوَةِ.
والصَّلاةُ عَلى المَيِّتِ فَرْضٌ عَلى الكِفايَةِ بِإجْماعِهِمْ والسَّلامُ عِنْدَ اللِّقاءِ أوْكَدُ مِن إجابَةِ الدَّعْوَةِ.
وكَذَلِكَ عِيادَةُ المَرِيضِ والشَّرُّ الَّذِي يَحْصُلُ إذا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ عِنْدَ اللِّقاءِ ولَمْ يَعُدْهُ إذا مَرِضَ أعْظَمُ مِمّا يَحْصُلُ إذا لَمْ يُجِبْ دَعْوَتَهُ. والسَّلامُ أسْهَلُ مِن إجابَةِ الدَّعْوَةِ ومِن العِيادَةِ. وهَذِهِ المَسائِلُ لِبَسْطِها مَواضِعُ أُخَرُ. [مجموع الفتاوى لابن تيمية (ت (728))، (27/ 411 – 412)].
انظر: التعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ((1282))، وغيره من المواضع. ذكر فيه ما يتعلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: صلاة علي بن أبي طالب على عمر ذكر فيها موقف ضال للصيرفي
قال العقيلي في ترجمة
(700) – سُدَيْرٌ الصَّيْرَفِيُّ وكانَ مِمَّنْ يَغْلُو فِي الرَّفْضِ، كُوفِيٌّ. حَدَّثَنِي آدَمُ بْنُ مُوسى قالَ: سَمِعْتُ البُخارِيَّ قالَ: سُدَيْرُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّيْرَفِيُّ سَمِعَ أبا جَعْفَرٍ قالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأيْتُهُ وكانَ يَكْذِب
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا الحُمَيْدِيُّ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلى عُمَرَ وقَدْ سُجَّيَ بِثَوْبٍ، فَقالَ: صَلّى اللَّهُ عَلَيْكَ ودَعا لَهُ، فَما مِنَ النّاسِ أحَدٌ أحَبُّ إلَيَّ أنْ ألْقى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ مِن هَذا المُسَجّى” قالَ الحُمَيْدِيُّ: قالَ سُفْيانُ: فَسَمِعْتُ سُدَيْرًا الصَّيْرَفِيَّ، وكانَ مَعَنا يَقُولُ: فَواللَّهِ لَما فِي صَحِيفَتِهِ خَيْرٌ مِمّا فِي صَحِيفَتِهِ، قالَ سُفْيانُ: يَعْنِي جَعْفَرًا، فَرَفَعْتُ يَدِي أُرِيدُ أنْ أضْرِبَ بِها وجْهَهُ، أوْ قالَ: فَمَهْ، قالَ: فَأمْسَكَنِي الحَسَنُ بْنُ عُمارَةَ، وقالَ: دَعْهُ فَإنَّهُ ضالٌّ.
لكن قال الدارقطني 297
وأغْرَبَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذا الحَدِيثِ فِي إسْنادِهِ ومَتْنِهِ.
فَأمّا فِي إسْنادِهِ فَإنَّهُ وصَلَهُ عَنْ جابِرٍ عَنْ عَلِيٍّ.
وأمّا فِي مَتْنِهِ فَإنَّهُ قالَ إنَّ عَلِيًّا دَخَلَ عَلى عُمَرَ وهُوَ مُسَجًّى فَقالَ صَلّى اللَّهُ عَلَيْكَ قالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ ألَيْسَ يُقالُ لا يُصَلّى إلّا عَلى النَّبِيِّ ? فَقالَ هَكَذا سَمِعْنا، أوْ جاءَ فِي الحَدِيثِ.
ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ جَعْفَرٌ تَرَكَ هَذِهِ الكَلِمَةَ لَمّا عارَضَهُ سُفْيانُ بِما عارَضَهُ بِهِ فإن سماع بن عُيَيْنَةَ مِن جَعْفَرٍ قَدِيمٌ.
وقِيلَ: عَنِ الحارِثِ بْنِ عِمْرانَ الجَعْفَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أبِيهِ.
ولا يَصِحُّ عَنِ الحارِثِ والمَحْفُوظُ المُرْسَلُ فَإنْ كان بن عُيَيْنَةَ حَفِظَهُ مُتَّصِلًا فَلَعَلَّ جَعْفَرًا وصَلَهُ مَرَّةً واللَّهُ أعْلَمُ