281 جامع الأجوبة الفقهية ص 320
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
حديث 113 – و 114
مسألة: حكم التنشيف للأعضاء بعد الوضوء والغسل.
إذا توضوء المسلم أو اغتسل فإنه لا يحرم عليه تنشيف أعضائه وهذا بإجماع أهل العلم، وقد نقل هذا الإجماع عدد من العلماء منهم:
– المحاملي حيث نقل عنه النووي في المجموع (1/ 486)، فقال: “ونقل المحاملي الإجماع على أنه لا يحرم، وإنما الخلاف في الكراهة، واللَّه أعلم”. انتهى
– ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 54) حيث يقول: “لا خلاف في أنه لا يحرم تنشيف الماء عن الأعضاء، ولا يستحب”. انتهى
– ابن قاسم في حاشية الروض (1/ 212) حيث يقول عن تنشيف الأعضاء: “ولا يحرم إجماعًا” انتهى
?- وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في غير التحريم هل هو مستحب أم مكروه؟ على أقوال:
فقال بالجواز الجمهور من الحنفية والحنابلة وهو قول عند الشافعية وكذلك نسب هذا القول ابن المنذر في الأوسط إلى عثمان بن عفان، والحسن بن علي، وأنس بن مالك، وبشير بن أبي مسعود -رضي اللَّه عنهم-، والحسن البصري، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، والضحاك، والثوري، وإسحاق.
والقول الثاني: أنه مكروه، وهذا القول رواية في مذهب الحنابلة وبه قال عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وابن المسيب، وأبو العالية، وابن جبير.
?- واستدل من الجمهور الذين قالوا بالجواز بالتالي:
الدليل الأول:
عن قيس بن سعد -رضي اللَّه عنهما-، قال: “أتانا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوضعنا له غسلًا فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة وَرْسية، فالتحف بها، فكأني أنظر إلى أثر الوَرْس على عكنه”.
رواه أحمد (ح 23895)، (6/ 6)، ابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل، (ح 466)، (1/ 158)، وقال النووي فيه: “وإسناده مختلف فهو ضعيف”، “المجموع” (1/ 485)، وكأن ابن حجر يميل إلى تقويته في “التلخيص” (1/ 99).
قال محققو المسند:
وأورده البخاري في» تاريخه الكبير «(1) / (114)، وقال: لم يصحَّ إسناده.
وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطى له ملحفة ليتنشف بها ففعل، بدليل آخر الحديث؛ إذ أن قيسًا رأى أثر الورس من الملحفة بعدما تنشف منها عليه الصلاة والسلام.
الدليل الثاني:
عن معاذ بن جبل قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث.
الحديث رواه الترمذي (54) والبزار (2652) والطبراني في المعجم الأوسط (4182) البيهقي (1/ 236) من طريق رشدين بن سعد به.
الدليل الثالث:
عن عائشة قالت: كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرقة ينشف بها بعد الوضوء.
قال أبو عيسى: حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث.
الحديث رواه الترمذي (53) ورواه الدارقطني (1/ 110) من طريق يونس بن عبد الأعلى، وابن عدي في الكامل (3/ 251) من طريق أبي الطاهر.
*قال ابن أبي حاتم:
(51) – وسمعتُ أبِي ذَكَرَ حَدِيثًا رَواهُ عبدُالوارِث، عن عبد العزيز بْنِ صُهَيب، عَنْ أنَسٍ: أنّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كانَتْ لَهُ خِرْقةٌ يَتَمَسَّحُ بِها.
فقال: إني رأيتُ فِي بَعْضِ الرِّوايات: عَنْ عبد العزيز: أنه كان لأنَسِ بْنِ مالِكٍ خِرْقَةٌ … ومَوْقُوفٌ أشبَهُ، ولا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مُسْنَدًا.
واجيب: بأن هذه الأحاديث ضعيفة وأنه لم يصح في الباب شيء.
الدليل الرابع:
أن الأصل في الأشياء الحل، ولا دليل ينقل التنشيف عن هذا الأصل، فيكون مباحًا ما دام أنه لم يثبت شيء يدل على التحريم.
?- واستدل من قال بالكراهة بما يلي:
الدليل الأول:
عن ميمونة قالت: وَضَعَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وضوءاً لجنابة، فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثاً، ثم غسل فرجه، ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً، ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه، قالت: فأتيته بخرقة فلم يردها، فجعل ينفض بيده. رواه البخاري (274).
وفي رواية أخرى للبخاري (259) ثم أتي بمنديل فلم ينفض بها.
ولفظ مسلم (317): ثم أتيته بالمنديل فرده.
وأجيب بما يلي:
قال ابن رجب: استدل بعضهم برد النبي – صلى الله عليه وسلم – الثوب على كراهة التنشيف، ولا دلالة فيه على الكراهة، بل على أن التنشيف ليس مستحباً، ولا أن فعله هو أولى، ولا دلالة للحديث على أكثر من ذلك، كذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء. اهـ
وقال ابن حجر: استدل بعضهم بقوله: «فناولته ثوباً فلم يأخذه» على كراهة التنشيف بعد الغسل، ولا حجة فيه؛ لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عد الأخذ لأمر أخر لا يتعلق بكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه كان مستعجلاً، أو غير ذلك. قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء، أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ، وقال أيضاً عن ابن دقيق العيد بأن نفضه الماء بيديه يدل على أن لا كراهة للتنشيف؛ لأن كلاً منهما إزالة. وقال إبراهيم النخعي: إنما رده لئلا تصير عادة)). اهـ
قال
الترمذي رحمه الله وقد أخرج حديث عائشة ومعاذ وضعفهما وذكر أنه لا يصح في هذا الباب شيء، ثم قال: وقد رخص قوم من أهل العلم مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ? ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروى ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري. اهـ.
?- قال ابن قدامه رحمه الله في “المغني” (1/ 195): ” لَا بَاسَ بِتَنْشِيفِ أَعْضَائِهِ بِالْمِنْدِيلِ مِنْ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ وهو المنقول عن الإمام أحمد، وقد رُوِيَ أَخْذُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عن عُثْمَان وَالْحَسَن بْن عَلِيٍّ وَأَنَس , وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وهو الأصح، لأن الأصل الإباحة” انتهى بتصرف.
?- قال النووي في شرحه على مسلم (3/ 232):
وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة قال الترمذي لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه و سلم شئ وقد احتج بعض العلماء على اباحة التنشيف بقول ميمونة في هذا الحديث وجعل يقول بالماء هكذا يعنى ينفضه قال فاذا كان النفض مباحا كان التنشيف مثله أو أولى لاشتراكهما في ازالة الماء والله أعلم. انتهى
?- قال صاحب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (4/ 506):
الحاصل أن استعمال المنديل مباح، فقد دل حديث الباب على أنه – صلى الله عليه وسلم – نفض الماء، وأخرج ابن ماجه بسند حسن عن سلمان الفارسي رضي الله عنه: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توضأ، فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه”. وأما أحاديث النهي فلا يثبت منها شيء وقد بينها الحافظ في التلخيص ج 1 ص 446 – 449 بنسخة المجموع. انتهى
?- قال صاحب عون المعبود (1/ 287):
وذهب بعضهم إلى جواز ذلك بعد الوضوء والغسل واحتجوا بحديث سلمان الفارسي أن رسول الله توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه أخرجه بن ماجه وإسناده حسن
فهذا الحديث يصلح أن يتمسك به في جواز التنشيف بانضمام روايات أخرى جاءت في هذا الباب وذهب إليه الحسن بن علي وأنس وعثمان والثوري ومالك قاله الشوكاني. انتهى
?- حديث سلمان الفارسي قال الألباني:
حسن، الروض النضير ((341))
قال البوصيري: إسناده صحيح. ورواته ثقات. وفي سماع محفوظ من سليمان نظر
قال الأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه:
إسناده حسن إن سلم من الانقطاع بين محفوظ بن علقمة وسلما
وقال المزي وابن حجر في ترجمة محفوظ: روى عن سلمان، ويقال: مرسل.
والوضين: في التقريب: صدوق سيء الحفظ، ورمي بالقدر نقل هذه التعليلات صاحب موسوعة الطهارة ونقل عن بعض الأطباء فائدة لبقاء الماء على الجلد
?- وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تنشيف أعضاء الوضوء كما في مجموع الفتاوى (11/ 93):
فأجاب: ” تنشيف الأعضاء لا بأس به؛ لأن الأصل عدم المنع
والجواب عد رده المنديل: أن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم قضية عَيْن تحتمل عدة أمور: إما لأنه لسبب في المنديل، أو لعدم نظافته، أو يخشى أن يبله بالماء، وبلله بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات ولكن إتيانها بالمنديل قد يكون دليلاً على أن من عادته أن ينشف أعضاءه، وإلا لما أتت به” انتهى.
?- قال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود (2/ 224):
التنشيف لا بأس به، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم للمنديل لما ناولته إياه لا يدل على الكراهية والمنع، فلعله كان في تلك الحالة مستعجلاً، أو أن الخرقة لم تعجبه، أو لأي أمر من الأمور. انتهى
* ونقل ابن تيمية في شرح العمدة القولين وهما روايتين في المذهب وذكر تعليلات الأقوال.
فَصْلٌ:
ويُكْرَهُ تَنْشِيفُ أعْضائِهِ فِي الوُضُوءِ والغُسْلِ فِي إحْدى الرِّوايَتَيْنِ ما لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا مِن بَرْدٍ وغَيْرِهِ؛ «لِأنَّ مَيْمُونَةَ لَمّا وضَعَتْ غُسْلَ النَّبِيِّ ? قالَتْ فَأتَيْتُهُ بِالمِندِيلِ فَلَمْ يُرِدْها، وجَعَلَ يَنْفُضُ الماءَ بِيَدِهِ». رَواهُ الجَماعَةُ؛ ولِأنَّهُ أثَرُ عِبادَةٍ لا يُخافُ ضَرَرُهُ أوْ لا يُسْتَحَبُّ إزالَتُهُ فَكُرِهَتْ
كَدَمِ الشَّهِيدِ، وخُلُوفِ فَمِ الصّائِمِ، وطَرْدُهُ التُّرابُ بِجَبْهَةِ السّاجِدِ، والرِّوايَةُ الأُخْرى لا يُكْرَهُ ولا يُسْتَحَبُّ، وهِيَ أصَحُّ؛ لِما رَوى قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قالَ: «زارَنا رَسُولُ اللَّهِ ? فِي مَنزِلِنا فَأمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ فَوُضِعَ لَهُ» فاغْتَسَلَ ثُمَّ ناوَلْتُهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرانَ أوْ ورْسٍ فاشْتَمَلَ بِها» رَواهُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ وابْنُ ماجَهْ.
وعَنْ سَلْمانَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? ««تَوَضَّأ فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِها وجْهَهُ»». رَواهُ ابْنُ ماجَهْ؛ ولِأنَّ هَذا الأثَرَ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِاسْتِطابَتِهِ فَأشْبَهَ غُبارَ القَدَمَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وبِهَذا يُنْقَضُ قِياسُهُمْ، وأصْلُ قِياسِهِمْ عَكْسُ عِلَّتِنا. وأمّا نَفْضُ يَدِهِ فَكَرِهَهُ القاضِي وأصْحابُهُ.
والله أعلم …