40 – كتاب الْأَلْفَاظِ مِنَ الْأَدَبِ وَغَيْرِهَا
1 – بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ
1 – (2246) وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ»
2 – (2246) وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ – وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ – حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»
3 – (2246) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ” يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ”
4 – (2246) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»
5 – (2246) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»
————————-
الفوائد:
– أفادني بعض الأفاضل أن الحديث ورد كذلك من حديث أبي قتادة، كما في الصحيح المسند 279.
أرسل لي بعض الأخوة فوائد ونحاول نبني عليها:
*نسبة الخير والشر الى الدهر من صفات الملحدين، ففيه الرد على الفلاسفة الدهرية الدورية القائلين بأنه كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وعلى مشركي العرب ومن وافقهم في إنكار المعاد من الفلاسفة الإلهيين.
– قال الحافظ ابن كثير – عند قول الله تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
الجاثية الآية 24،
قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم، لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر: كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: ” يا خيبة الدهر ” فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال.
وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد. والله أعلم، تفسير ابن كثير (المجلد 4 ص 152)
*وبوب النسائي باب منه قال تعالى ثم ذكر هذه الآية. وأورد حديث الباب.
*سب الدهر سب لمالكه، فيجب الابتعاد عن كل ما من شأنه يؤدي لأذية الله عزوجل، ومنه قوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108))
*تحريم سب الدهر، فلا يجوز قول: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، ويلعن الساعة التي رأيتك فيها، ويوم أسود، وشهر نحس، أما قوله تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وقوله تعالى (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
فهذا وصف لما حصل فيها لهم، وقد قسم ابن عثيمين حكم سب الدهر لثلاث أقسام:
القسم الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز مثل أن يقول ” تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده ” وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر.
القسم الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر: فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله.
القسم الثالث: أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة: فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر؛ لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً. فتاوى العقيدة ” (1/ 197)
*سب الدهر يؤذي الله عز وجل، قال ابن عثيمين: الأذية لا يلزم منه الضرر (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذاباً مهينا) الأحزاب 57،وقال تعالى (إنهم لن يضروا الله شيئاً) آل عمران 176، ففيه إثبات الأذية لله لكن لا تشبه الأذية للمخلوقين.
*فيه أنه قد يقع من الشخص ما يؤذي الله عزوجل، ولو لم يقصد. ومنه حديث عبدالله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه، قال: قال يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) أخرجه البخاري 5973،ومسلم 90
*الله مالك الدهر والمتصرف بما يقع فيه، فسبه فيه ثلاثة مفاسد: ذكر ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ
فصلٌ في النهى عن سب الدهر من زاد المعاد لابن القيم ـــ رحمه الله ـــ المجلد الثاني ص 323
في هذا ثلاثُ مفاسد عظيمة.
إحداها: سَبُّه مَنْ ليس بأهلٍ أن يُسَب، فإن الدهرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ مِن خلق اللَّه، منقادٌ لأمره، مذلَّلٌ لتسخيره، فسابُّه أولى بالذمِّ والسبِّ منه.
الثانية: أن سبَّه متضمِّن للشرك، فإنه إنما سبَّه لظنَّه أنه يضرُّ وينفع.
الثالثة: أن السبَّ منهم إنما يقعُ على مَن فعل هذه الأفعال التي لو اتَّبَعَ الحقُّ فيها أهواءَهم لفسدتِ السماواتُ والأرض، وإذا وقعت أهواؤُهم، حَمِدُوا الدهرَ، وأَثْنَوْا عليه. وفى حقيقةِ الأمر، فَربُّ الدهر تعالى هو المعطى المانِعُ، الخافِضُ الرافعُ، المعزُّ المذِلُّ، والدهرُ ليس له من الأمر شيء، فمسبَّتهم للدهر مسبَّة للَّه عَزَّ وجَلَّ.
*ليس من أسماء الله الدهر: قال العلامة ابن عثيمين ـــ رحمه الله ـــ:
وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم ” الدهر ” وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير، أي: أنه خالق الدهر. انظر ” فتاوى العقيدة ” للشيخ ابن عثيمين (1/ 163) ورد القاضي عياض على ابن حزم حيث جعله من أسماء الله (فتح الباري)
*الليل والنهار سواء في قدرة الله عزوجل وعلمه.
*الإيمان بالقضاء والقدر.
* ورد في لفظ (بيدي الليل والنهار أجدده وأبليه وأذهب بالملوك) من حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد (10438) وصححه الألباني في الصحيحة (532) وهو في مشروعنا الذيل على الصحيح المسند، وورد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يقول الله: (استقرضت عبدي فلم يقرضني، ويشتمني عبدي، وهو لا يدري، يقول: وادهراه، وادهراه، وأنا الدهر) وهو في الصحيحة 3477
* لا يجوز التشبه بالكفار، قال ابن حجر: قال المحققون من نسب شيئا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر، ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكنه يكره له ذلك لشبهه بأهل الكفر في الإطلاق وهو نحو التفصيل الماضي في قولهم مطرنا بكذا. انتهى
قلت: من لم يعتقد فاعلية الدهر فسبه، اعتبره بعض المشايخ من المحرمات.