74 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة أبي سالم محمد الكربي وإبراهيم المشجري وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
74 – قال الطبراني رحمه الله في “الدعاء” (ج 2 ص 1254): حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا علي بن المديني، ح وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا هاجت ريح شديدة قال: «اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر ما أمرت به».
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح.
————————–
مقدمة:
* قال ابن باز: يبين النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أن الريح تُرْسَل بالخير والشر، فتُرسل رحمةً لقومٍ، وعذابًا لآخرين، وقد أهلك الله بها قومَ هودٍ لما اشتدَّ كفرُهم وعَتَوا في الأرض وقالوا: مَن أشدّ منا قوة؟ فأرسل الله عليهم الريح العقيم، فهلكوا عن آخرهم.
وقال: وهذا دعاء جامع، يسأل الله خيرها، ويتعوذ بالله من شرِّها، أما سبّها فلا يجوز؛ لأنها مأمورةٌ، تُؤمر بالخير والشر، فالمؤمن يسأل الله خيرها، ويتعوَّذ بالله من شرِّها.
من شرح كتاب رياض الصالحين
* قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين في (باب النهي عن سب الريح وبيان ما يقال عند هبوبها): هذه الريح التي خلقها الله عز وجل وصرفها تنقسم إلى قسمين قسم ريح عادية لا تخيف لا يسن لها ذكر معين وريح أخرى عاصفة هذه تخيف لأن عادا عذبهم الله تعالى بالريح العقيم والعياذ بالله فإذا عصفت الريح فإنه لا يجوز لك أن تسبها لأن الريح إنما أرسلها الله عز وجل فسبك إياها سب لله تبارك وتعالى ولكن قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به وبهذا الدعاء يحصل لك خيرها ويزول عنك شرها.
وقال: واعلم أن لا يجوز للإنسان أن يتعلق بالريح في حصول المطر والغيث والصحو وما أشبه ذلك لأن هذا من جنس الاستسقاء بالأنواء الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الناس يعلق رجاءه بالريح الجنوبي يقول إذا هب الجنوب حصل الغيث وتجد قلبه متعلقا بها وهذا لا يجوز لأنها قد تهب ريح الجنوب كثيرا ولا يأتي أمطار ولا غيوم وقد يكون بالعكس تأتي الأمطار والغيوم من الريح الشمالي فالأمر كله بيد الله عز وجل فعليك أن تعلق قلبك بربك تبارك وتعالى.
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 194): ” وفي رواية: كان إذا رأى الريح فزع رواه أبو يعلى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح “.
* راجع السلسلة الصحيحة 2757.
* قال صاحب أنيس الساري (2/ 859): ” قال الحافظ: ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن قتادة عن أنس: فذكره، وفي الباب عن عائشة عند الترمذي، وعن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي، وعن ابن عباس عند الطبراني” (2)
حديث أنس أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” (717) وأبو يعلى (2905) والطبراني في “الدعاء” (969) والطحاوي في “المشكل” (926) من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس به.
قال الهيثمي: رواه أبو يعلى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح” المجمع 10/ 135
قلت: رواته ثقات إلا أنّ فيه عنعنة قتادة فإنّه كان مدلساً.
وله شاهد عن عائشة قالت: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به”.
أخرجه مسلم (2/ 616)
وله شاهد آخر عن أبي بن كعب مرفوعاً “لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شرّ هذه الريح وشرّ ما فيها وشرّ ما أمرت به” … ”
* قال محقق مسند أبي يعلى 2905: إسناده حسن، وقال في رقم 4012 من حديث أنس مرفوعا بلفظ: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصر الريح فزع وقال: «اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت به» ” قال: إسناده ضعيف.
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1 – تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب الطبراني في كتابه الدعاء باب القول عند هبوب الرياح.
* قال ابن الأثير في جامع الأصول في أقسام الدعاء: القسم الأول في الأدعية المؤقتة والمضافة إلى أسبابها، الفصل السابع عشر: في الدعاء عند الريح، وأورد تحته من الأحاديث:
• (خ م ت) عائشة – رضي الله عنها -: «أَن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عَصَفَت الرِّيح، قال: اللَّهمَّ إني أسأَلك خيرَها وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذُ بك من شَرِّها وشَرِّ ما فيها، وشَرِّ ما أُرسِلت به». أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
• إلا أن الترمذي قال: «كان إذا رأَى الريحَ»
- (ت) أُبي بن كعب – رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَسُبُّوا الرِّيح، فإذا رأيتم ما تَكرَهون، فقولوا: اللَّهمَّ إِنَّا نَسألك من خير هذه الرِّيح، وخيرِ ما فيها، وخيرِ ما أُمِرَتْ به، ونَعوذ بك من شَرِّ هذه الرِّيح، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أُمِرَتْ به» أخرجه الترمذي
• (د) أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: «الرِّيحُ من رَوْحِ الله، ورَوْحُ الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإِذا رَأَيتُموها فلا تَسُبُّوهَا، وسَلُوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرِّهَا» أخرجه أبو داود.
* بوب النووي في صحيح مسلم بَابُ التَّعَوُّذِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، وَالْفَرَحِ بِالْمَطَرِ، ومن الأحاديث التي أوردها الإمام مسلم:
• عن عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»، وَيَقُولُ، إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: «رَحْمَةٌ»
• وفي رواية: قَالَتْ: ” … وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا، عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَى النَّاسَ، إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: ” يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] “
* بوب البيهقي في شعب الإيمان (7/ 188): على حديث عائشة فَصْلٌ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيَاحِ
* جاء في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (6/ 483) باب ما يقوله إذا هاجت الريح
• 6244 – قال مسدد: حدثنا خالد، حدثنا حسين بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثارت ريح استقبلها وجثا على ركبتيه، ثم قال: اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا، اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا.
حسين بن قيس حنش ترك أحمد حديثه التاريخ الكبير 2892
• 6244/ 2 – رواه أبو يعلى الموصلي: حدثنا زهير، حدثنا خالد … ، فذكره.
• 6245 – قال: وحدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا ابن فضيل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح وشر ما تجيء به الرسل.
هذا إسناد ضعيف؛ لضعف رشدين بن كريب
• 6246 – وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا الحارث بن عمير، حدثنا حميد الطويل، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هاجت ريح شديدة قال: اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر ما أمرت به.
• 6246/ 2 – رواه أبو يعلى الموصلي: حدثنا موسى بن محمد، حدثنا عبد الرحمن، عن المثنى، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هاجت الريح … , فذكره.
• 6246/ 3 – قال: وحدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا ابن فضيل، حدثنا الأعمش، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح فزع … , فذكره نحوه.
• 6246/ 4 – ورواه أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد … , فذكره.
• 6246/ 5 – ورواه الطبراني في كتاب الدعاء: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي … , فذكره , وله طرق أخر.
- 6247 – وقال عبد بن حميد: حدثنا محمد بن القاسم الأسدي، حدثنا فطر بن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن أبي الدرداء , رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الريح من نفس الله فإذا رأيتموها فسلوا الله , عز وجل , من خيرها وتعوذوا بالله من شرها.
هذا إسناد ضعيف؛ لضعف محمد بن القاسم الأسدي.
• 6248 – وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أحمد بن عبدة البصري، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، حدثني يزيد بن أبي عبيد، سمعت سلمة بن الأكوع يرفعه، قال: كان إذا اشتدت الريح يقول: اللهم لقحا، لا عقيما. [قال الهيثمي في مجمع الزوائد 17124: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة.]
• وقد تقدم في آخر كتاب الذكر من حديث جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقعت كبيرة، أو هاجت ريح مظلمة فعليكم بالتكبير فإنه يجلي العجاج الأسود.
الضعيفة 2256* جاء في مجمع الزوائد 17125 – وعن عثمان بن أبي العاص قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح الشمال قال: “اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت به”.
رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف.2 – شرح الحديث:
* ينظر شرح الصحيح المسند؛؛؛
1581 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من شرها فإن مطر قال: اللهم صيبا هنيئا.
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
* ينظر شرح الصحيح المسند 6 قال الإمام الترمذي عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به.
* قال ابن رجب في فتح الباري (9/ 237): باب إذا هبت الريح 1034 عن أَنَس بْن مَالِكٍ، يَقُولُ: «كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»: ” إنما كانَ يظهر في وجه النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الخوف من اشتداد الريح؛ لأنه كانَ يخشى أن تكون عذابا أرسل إلى أمته.
وكان شدة الخوف النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على أمته شفقة عليهم، كما وصفة الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: من الآية128].
ولما تلا عليهِ ابن مسعود: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] بكى.
ولما تلا قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} الآية [المائدة: من الآية118] بكى، وقال: ((اللَّهُمَّ، أمتي، أمتي))، فأرسل الله جبريل يقول لهُ: ((إن الله يقول: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)).
وكان يقول: ((شيبتني هود وأخواتها)). وجاء في رواية مرسلة: ((قصفن علي الأمم)).
يشير إلى أن شيبه منها ما ذكر من هلاك الأمم قبل أمته وعذابهم.
وكان عندَ لقاء العدو يخاف على من معه من المؤمنين، ويستغفر لهم، كما فعل يوم بدر، وبات تلك الليلة يصلي ويبكي ويستغفر لهم، ويقول: ((اللَّهُمَّ، إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)).
وكل هذا من خوفه وشفقته من اشتداد الريح:
وقد جاء في رويات متعددة: التصريح بسبب خوفه من اشتداد الريح:
ففي ((الصحيحين)) من حديث سليمان بن يسار، عن عائشة، أن النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كانَ إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذَلِكَ في وجهه، فقلت: يارسول الله: أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيهِ المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك
الكراهية؟ فقالَ: ((يا عائشة، يؤمني أن يكون فيهِ عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد العذاب، فقالوا {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الاحقاف: من الآية24])).
وخرجا – أيضا – من رواية ابن جريح، عن عطاء، عن عائشة، قالت كانَ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه، فعرفته عائشة ذَلِكَ، فقالَ النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وما أدري لعله كما قالَ قوم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الاحقاف: من الآية24] الآية)). وزاد مسلم – في أوله -: كانَ النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إذا عصفت الريح قالَ: ((اللَّهُمَّ، أني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)).
وخرجه النسائي، ولفظه: ((كانَ إذا رأى ريحا)) بدل: ((مخيلة)).
وخرج مسلم – أيضا – من حديث جعفر بن محمد، عن عطاء، عن عائشة، قالت: كانَ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إذا كانَ يوم الريح والغيم عرف ذَلِكَ في وجهه، فأقبل
وأدبر، فإذا مطر سر به، وذهبت عنه ذَلِكَ. قالت عائشة: فسألته، فقالَ: ((إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي)).
وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، أن النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كانَ إذا رأى سحابا مقبلا من أفق من الآفاق ترك ما هوَ فيهِ، وإن كانَ صلاته، حتَّى يستقبله، فيقول: ((اللَّهُمَّ، إنا نعوذ بك من شر ما أرسل))، فإن أمطر قالَ: ((اللَّهُمَّ سقيا نافعا)) – مرتين أو ثلاثا -، فإن كشفه الله ولم يمطر حمد الله على ذَلِكَ.
ولفظه لابن ماجه.
وخرجه أبو داود، ولفظه: كانَ إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن كانَ في الصَّلاة، ثُمَّ يقول: ((اللَّهُمَّ، أني أعوذ بك من شرها)).
وخرجه أبو داود، ولفظه: كانَ إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، وإن كانَ في صلاة، ثُمَّ يقول: ((اللَّهُمَّ، إني أعوذ بك من شرها)).
وخرجه ابن السني، ولفظه: كانَ إذا رأى في السماء ناشئا، غبارا أو ريحا، استقبله من حيث كانَ، [وإن كانَ في الصَّلاة] تعوذ بالله من شره.
وكذا خرجه ابن أبي الدينا.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في ((اليوم والليلة)) وابن ماجه وابن حبان في ((صحيحه)) من حديث أبيه هريرة، عن النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقالوا: اللَّهُمَّ، إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيهِا، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك منشر هذه الريح، وشر ما فيها وشر ما أمرت به)).
وقال: حسن صحيح.
وخرجه النسائي في ((اليوم والليلة)) مرفوعا وموقوفا علي أبي كعب – رضي الله عنه -.
وفي الباب: أحاديث أخر متعددة.
وروي عن ابن مسعود، قالَ: لا تسبوا الريح؛ فإنها بشر ونذر ولواقح، ولكن استعيذوا بالله من شر ما أرسلت به.
وعن ابن عباس، قالَ: لا تسبوا الريح؛ فإنها تجئ بالرحمة، وتجئ بالعذاب، وقولوا: اللَّهُمَّ، اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا.
خرجهما ابن أبي الدنيا.
وخرج – أيضا – بلإسناده، عن علي، أنه كانَ إذا هبت الريح قالَ: اللَّهُمَّ، إن كنت أرسلتها رحمة فارحمني فيمن ترحم، وإن كنت أرسلتها عذابا فعافني فيمن تعافي.
وبإسناده، عن ابن عمر، أنه كانَ يقول إذا عصفت الريح: شدوا التكبير؛ منتقع اللون، فقالَ: مالك يا أمير المؤمنين؟ قالَ: ويحك، وهل هلكت أمة إلا بالريح؟
* قال الشيخ الأثيوبي رحمه الله في البحر المحيط الثجاج (17/ 576) في شرح حديث عائشة: ” (أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ) أي: اشتدّ هبوبها، قال الفيوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: عَصَفَت الريح عَصْفاً، من باب ضرب، وعُصُوفاً: اشتدّت، فهي عاصف، وعاصفةٌ، وجمع الأولى: عَوَاصفُ، والثانية: عاصفات، ويقال: أعصفت بالألف أيضاً، فهي مُعصفةٌ، ويُسند الفعل إلى اليوم والليلة؛ لوقوعه فيهما، فيقال: يومٌ عاصفٌ، كما يقال: باردٌ؛ لوقوع البرد فيه. انتهى (1).
وقولها هنا: “إذا عصفت الريح”، وهو شدّة هُبوبها، وفي رواية أبي يعلى بلفظ: “إذا هاجت ريح شديدة” يدلّ على خروج الريح الخفيفة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) – صلى الله عليه وسلم -: (“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا) أي: خير ذاتها (وَخَيْرَ مَا فِيهَا) أي: من منافعها (وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ) أي: بخصوصها في وقتها، وهو مبنيّ للمفعول، ويجوز أن يكون مبنيًّا للفاعل، قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يَحْتَمِل الفتح على الخطاب، و”شرّ ما أرسلت به” على بناء المفعول، ليكون من قبيل قوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم}، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “الخير كلّه في يديك، والشرّ ليس إليك”. انتهى (2).
وتعقّب ابن حجر الهيتميّ في “شرح المشكاة” ما قاله الطيبيّ، فقال: هذا تكلّف بعيد لا حاجة إليه، فـ”أرسلت” مبنيّ للمفعول فيهما، كما هو المحفوظ، أو للفاعل. انتهى (3).
وقوله: (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ”) قال القاري في شرح “المشكاة”: على بناء المفعول في جميع النسخ، وكتَبَ ميرك فوقه “صحّ ” إشارةً إلى عدم الخلاف. انتهى (4).
وأخرج أبو يعلى بإسناد صحيح عن قتادة، عن أنس – رضي الله عنه – أن النبيّ- صلى الله عليه وسلم – كان إذا هاجت ريح شديدة قال: “اللهم إني أسألك من خير ما أُمِرتّ به، وأعوذ بك من شر ما أُمرت به”.
وفي الباب عن أبي هريرة، عند أبي داود، والنسائيّ، وعن ابن عباس، عند الطبراليّ، وعن غيرهم، قاله في “الفتح” (5).
(قَالَتْ) عائشة – رضي الله عنها -: (وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ) أي: تهيّأت السحاب للمطر، قال الطيبيّ: “السماء” هنا بمعنى السحاب، وتَخَيَّلت السماءُ: إذا ظهر في السماء أثر المطر، وقال أبو عبيدة: تخيّلت من الْمَخِيلة بفتح الميم، وكسر المعجمة، بعدها تحتانيّةٌ ساكنة، وهي سحابة فيها رعدٌ وبرقٌ، يُخيَّل إليه أنها ماطرةٌ؛ يعني: سحابة يُخال فيها المطر، وتكون مظنّةً للمطر، وقال ابن الأثير: الْمَخيلة السحابة التي يُظنّ أن فيها مطراً، وتخيّلت السماء: إذا تغيّمت. انتهى (1). (تَغَيَّرَ لَوْنُهُ) أي: من خشية الله تعالى، ومن رأفته على أمته، وتعليماً لهم في متابعته (وَخَرَجَ) من البيت تارةً (وَدَخَلَ) تارةً أخرى (وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ) أي: فلا يستقرّ في حال واحد (فَإِذَا مَطَرَتْ) أي: السحاب، وفي رواية للبخاريّ: “فإذا أمطرت السماء”، من الإمطار، قال الحافظ: وفيه ردّ على من زعم أنه لا يقال: أمطرت إلا في العذاب، وأما في الرحمة، فيقال: مطرت. انتهى.
والحاصل أنه يقال: مطرت، وأمطرت في الرحمة بالوجهين (سُرِّيَ عَنْهُ) بضمّ السين المهملة، وتشديد الراء، مبنيًّا للمفعول؛ أي: كُشف عنه الخوف وأُزيل عنه الحزن (فَعَرَفْتُ ذَلِكَ) أي: التغيّر المذكور (فِي وَجْهِهِ) – صلى الله عليه وسلم – (قَالَتْ عَائِشَةُ) – رضي الله عنها -: (فَسَأَلْتُهُ) أي: عن سببه، وفي بعض النسخ: “فعَرَفت ذلك عائشة، فسألته” (فَقَالَ) – صلى الله عليه وسلم -: (“لَعَلَّهُ) أي: لعلّ هذا السحاب (يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ) الإضافة للبيان؛ أي: مثل الذي قال في حقّه قوم عادٍ: هذا عارضٌ ممطرنا، كما بيّنه تعالى بقوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي: السحاب {عَارِضًا} أي: سحاباً عارضاً، قال ابن الأثير: العارض السحاب الذي يعرض في السماء {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي: صهاريهم، ومحل مزارعهم {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} أي: سحاب عَرَض ليمطرنا، قال الله تعالى ردًّا عليهم: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} أي: من العذاب {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)} [الأحقاف: 24، 25]، فظهرت منه ريح، فأهلكتهم، فلا ينبغي لأحد أن يأمن من عذاب الله تعالى.
والحديث متّفقٌ عليه ”
المسائل الأخرى:
* ينظر شروح كتاب التوحيد باب النهي عن سب الريح وأورد تحته الشيخ محمد بن عبدالوهاب عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ، أن رسول الله (قال: “لا تَسُبّوا الرّيحَ, فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وَخَيْرِ ما فِيهَا وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ وَنَعْوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ وَشَرّ ما فِيهَا وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ” صححه الترمذي.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على التوحيد: ” لما كان سب الريح وغيرها من المخلوقات نقص في الإيمان وضعف في التوحيد نبه المؤلف على ذلك وجعله في كتاب التوحيد ليعلم المؤمن أن سائر المعاصي مما ينقص التوحيد والإيمان فالمعاصي تنقص الإيمان وتضعف التوحيد.
وسب الريح من جملة المعاصي لأنها مخلوق مدبر ترسل بالخير والشر فلا يجوز سبها والواجب على المسلم أن يسأل الله خيرها ويستعيذ من شرها. ”
* الجمع بين حديث أنس قال: كانت الريح الشديدة إذا هبت عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور “.
رواهما البخاري
قال الزين بن المنير: في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس الذي قبله بما سوى الصبا من جميع أنواع الريح لأن قضية نصرها له أن يكون مما يسر بها دون غيرها، ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه إما بأن يكون نصرها له متأخرا عن ذلك لأن ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} كما جزم به مجاهد وغيره وإما بأن يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة أمته وهو كان بهم رءوفا رحيما صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن المنير: استشكل ابن العربي خوفه أن يعذبوا وهو فيهم مع الآية {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] ثم أجاب بأن الآية نزلت بعد القصة وتعقبه ابن حجر بأن آية الأنفال كانت في المشركين من أهل بدر ولفظ “كان” في الحديث يشعر بالمواظبة على ذلك، وأجاب بأن في الآية احتمال تخصيص بالمذكورين أو بوقت دون وقت أو لغير ذلك. (اللهم اجعلها رياحاً) قال بعض أهل التفسير: العرب تقول أنها لا تلقح الشجر إلا من الرياح فالمعنى اجعلها لقاحا للسحاب. (ولا تجعلها ريحاً) أي عذاباً فإنه تعالى وصف الريح بأنها العقيم ووصف الرياح بأنه يرسلها بشرا بين يدي رحمته إن قيل الواقع حال الهبوب والاستعاذة ريح أو رياح فكيف سؤال الجعل؟
قلت: السؤال قبل تحققها فإنه عند هبوبها فيدعوا بأن يجعلها المحبوبة. (طب) عن ابن عباس رمز المصنف لحسنه لكنه قال الهيثمي فيه حسين بن قيس الملقب بخنش وهو متروك وقد وثقه حصين بن عمر وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى، ورواه ابن عدي من هذا الوجه وأعله بالحسين المذكور ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي وقد رواه الحافظ ابن حجر في الفتح من حديث أنس ونسبه إلى أبي يعلى وقال صحيح الإسناد.
ص457 – كتاب التنوير شرح الجامع الصغير – المعرف ب اللام من حرف الكاف – المكتبة الشاملة الحديثة