201 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند:
مسند جابر بن سمرة
(201) – قال الإمام أحمد (ج (5) ص (104)): حدثنا عبد الرزاق وخلف بن الوليد قالا حدثنا إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الفجر فجعل يهوى بيده -قال خلف: يهوى في الصلاة قدامه- فسأله القوم حين انصرف فقال «إن الشيطان هو كان يلقي علي شرر النار ليفتنني عن صلاتي فتناولته فلو أخذته ما انفلت مني حتى يناط إلى سارية من سواري المسجد ينظر إليه ولدان أهل المدينة».
هذا حديث حسنٌ.
* وقال الإمام البزار كما في «كشف الأستار» (ج (3) ص (131)): حدثنا عبد الله بن جعفر البرمكي ثنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إن الشيطان عرض لي فجعل يلقي علي شرر النار فلولا دعوة أخي سليمان لأخذته».
وقال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن سماك إلا إسرائيل.
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث حسنٌ، رجاله رجال الصحيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخريج:
قال محققو المسند 21000:
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل سماك بن حرب وهو عند عبد الرزاق في “المصنف” (2338).
وأخرجه الطبراني (1925) من طريق خلف بن الوليد وحده، بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي في “الدلائل” 7/ 97 من طريق أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي، عن إسرائيل، به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (626)، والطبراني (2048) من طريق عمرو بن أبي قيس، والطبراني (2053)، والدارقطني 1/ 365، والبيهقي في “السنن” 2/ 450 من طريق مفضل بن صالح، كلاهما عن سماك، به. ولفظ رواية المفضل: “إن الشيطان أراد أن يمر بين يدي، فخنقته حتى وجدتُ برد لسانه على يدي، وايم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان لارتبط إلى سارية من سواري المسجد … “. والمفضل بن صالح ضعيف، لكن الحديث جاء بنحو هذا اللفظ من غير حديث جابر بن سمرة كما سنبينه في الشواهد.
وقد روي الحديث عن سماك على وجه آخر، أخرجه ابن أبي عاصم (627)، والحاكم 3/ 258 من طريق عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبيه. قلنا: وهذا الحديث وهم من عمرو بن أبي قيس، فإنه قد رواه على الوجهين، من حديث جابر بن سمرة، ومن
حديث عبد الله بن عتبة عن أبيه وقد قال أبو داود: في حديثه أوهام. ولم يتابع على حديث عتبة بن سعود.
وله شاهد من حديث أبي هريرة، سلف برقم (7969)، وجاء آخر الحديث بلفظ: “وأردت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم أجمعون” قال: “فذكرت دعوة أخي سليمان: رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي”. وهو في “الصحيحين” بهذا اللفظ، ووقع عند النسائي في “الكبرى” (550) و (551)، وابن حبان (2349) قوله: “فخنقته حتى وجدت برد لسانه على كفي”، وهو بهذا اللفظ حسن.
وشاهد ثان من حديث أبي الدرداء عند مسلم (542)، وفي آخره:
“فأردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً … “.
وثالث من حديث ابن مسعود، سلف برقم (3926)، وفيه: “فخنقته حتى لأجد برد لسانه في يدي”، ووقع في آخره في غير “المسند”: “ولولا ما دعا سليمان لأصبح مناطاً إلى أسطوانة من أساطين المسجد”.
ورابع من حديث أبي سعيد الخدري، سلف برقم (11780)، وفيه قوله: “حتى وجدت برد لعابه”، وفيه قصة سليمان، وإسناده حسن.
وخامس من حديث عائشة عند النسائي في “الكبرى” (11439)، وفيه: “حتى وجدت برد لسانه على يدي” وإسناده حسن
مسند أحمد (34/ 508 ط الرسالة)
دراسة الحديث دراية:
* أورده الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (6) / (110) 33 – كتاب التفسير – سورة يونس – آخر الكتاب – سورة ص:295 – قوله تعالى: {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}
بوب عليه مقبل في الجامع:
الإيمان بوجود الشيطان
* بوب الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2) / (148) 4 – كتاب الصلاة 126 – ما يعفى عنه في الصلاة لحاجة
بوب الإمام مالك في الموطأ: بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّعَوُّذِ
بوب البخاري في الصحيح: – بَاب: الْأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ
ثم أورد حديث أبي هريرة:
449 – حدثنا إسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ:
(إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ – أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا – لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سليمان: {رب اغفر لي وهب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}). قال روح: فرده خاسئا
بوب النسائي في عمل اليوم والليلة: ذكر مَا يكب العفريت ويطفئ شعلته
بوب ابن حبان في صحيحه: ذِكْرُ وَصْفِ دَعْوَةِ سُلَيْمَانَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم ذَلِكَ الشَّيْطَانَ
بوب النووي: بَابُ جَوَازِ لَعْنِ الشَّيْطَانِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ، وَجَوَازِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ
بوب البغوي في شرح السنة: بَابُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ
بوب الإشبيلي في الأحكام الكبرى: بَاب هَل يدْفع عَن نَفسه فِي الصَّلَاة
وبوب عليه الإشبيلي في الأحكام الصغرى:
باب الإلتفات في الصلاة، وما يفعل المصلي إذا سُلِّم عليه، ومن تفكَّرَ في شيء وهو في الصلاة، ومن صلى وهو حامل شيئًا، وما يجوز من العمل فيها، وما يقتل فيها من الدواب وما جاء في العطاس فيها والتثاؤب، وفي صلاة المريض، وفي الصحيح يصلي قاعدًا في النافلة، وفي الصلاة على الدابة
الشرح:
* قال ابن الملك في شرح المصابيح (2) / (58) — 4 – كتاب الصلاة 18 – باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه: ” «وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن عِفْرِيتًا» بكسر العين، هو الخبيث المنْكَر من الجنِّ.
«تفلَّتَ»؛ أي: تعرَّضَ لي في صلاتي.
«البارحة»؛ أي: الليلة الماضية.
«ليقطع عليَّ صلاتي»؛ أي: أراد أن يشغلني في صلاتي بوسوسته فيها.
«فأمكَنَني الله منه»؛ أي: أعطاني مَكِنَةً من أخْذِهِ وقُدْرَة عليه.
«فأخذته»، وهذا يدلُّ على أن الشيطان عينه غير نجس، وأن الصلاة لاتبطل بمسِّه.
«فأردْتُ أن أرْبطَهُ»؛ أي: أشدَّه.
«على سارية»؛ أي: أسطوانة.
«من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم»، فيه دلالة على أن المصلِّي لا تبطل صلاته بِخُطُور ما ليس من أفعالها بباله.
“فذكرت دعوة أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ
مِن بَعْدِي} فرددته خاسئًا»؛ أي: ذليلًا مطرودًا؛ لأن التَّسخير التّام مختصٌّ به.
والحديث يدل على أن رؤية الجنِّ غير مستحيلة، وقوله تعالى: {إنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف (27)] هو حكم الأعمِّ الأغلب.
* قال مظهر الدين الزَّيْداني (ت (727)) في المفاتيح في شرح المصابيح (2) / (186) — 4 – كتاب الصلاة 18 – باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه: ” قوله: «إن عِفريتًا من الجن»، (العفريت): القوي الشرير.
«تفلَّت»؛ أي: فرَّ من الحبس، والمراد منه ههنا: أنه جاءني ليُوسوسَني ويشغلَني عن صلاتي.
«فأمكنني الله منه»؛ أي: قوّاني وجعلني غالبًا عليه.
«السارية» الأُسطوانة، جمعها: سَوارٍ بفتح السين.
قوله: «فذَكرتُ دعوةَ أخي سليمانَ عليه السلام»؛ يعني: كأن أخذَ الجن والحكمَ عليه لسليمان، وقد دعا سليمان – عليه السلام – ألا يكونَ لأحدٍ مُلكٌ
مثلُ ما كان له، فلو أخذتُه لكان لي ما كان لسليمان – عليه السلام – من تسخير الجن، وحينَئذٍ لا يكون دعاؤُه مقبولًا، ولا يجوز أن يكون دعاؤُه مردودًا، فلأجل هذا ما أخذتُه.
«فرددتُه»؛ أي: دفعتُه عن نفسي «خاسئًا»؛ أي: محرومًا بعيدًا عن مراده.
* بوب النسائي في السنن الكبرى:
الأخْذُ بِحَلْقِ الشَّيْطانِ، وخَنْقُهُ فِي الصَّلاةِ
لَعْنُ إبْلِيسَ، والتَّعَوُّذُ بِاللهِ مِنهُ فِي الصَّلاةِ
* ينظر الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1634) – قال الإمام النسائي في «التفسير» (ج (2) ص (220)): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن حصين عن عبيد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح موثقًا حتى يراه الناس».
* جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية (1) / (4033): ” [السُّؤالُ]
ـ[كيف نوفق بين الآية الكريمة (قال ربي هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) وبين ما ورد في البخاري … قال عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: (وكلني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقص الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – صدقك وهو كذوب ذاك شيطان).
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرددته خاسئا عفريت متمرد من إنس أو جان مثل زبنية جماعتها الزبانية.]ـ
[الفَتْوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في تمكن النبي – صلى الله عليه وسلم – من أخذ العفريت الجني المتفلت وربطه ما يتعارض مع دعاء سليمان عليه السلام المذكور في الآية؛ إذ أن خصوصية سليمان فيما اختص به هي في ملك عام وشامل يشمل تسخير الجن والرياح فيما يشاء من أمور وأغراض ..
قال الألوسي في تفسيره: وما أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم .. وذكر الحديث .. لا ينافي ذلك لأنه أراد كمال رعاية دعوة أخيه سليمان عليه السلام بترك شيء تضمنه ذلك الملك العظيم؛ وإلا فالملك العظيم ليس مجرد ربط عفريت إلى سارية؛ بل هو سائر ما تضمنه قوله تعالى الآتي: فَسَخَّرْنا لَهُ الريح … . الخ. اهـ.
وأما الحديث الآخر في حفظ قارئ آية الكرسي من الشيطان فأجاب عنه ابن حجر بقوله كما في فتح الباري: وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: إن شيطانا تفلت علي البارحة .. الحديث، وفيه: ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية. وتقرير الإشكال أنه – صلى الله عليه وسلم – امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان – عليه السلام -، حيث قال: وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي قال الله تعالى: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ ثم قال: والشَّياطِينَ، وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه، وأراد حمله إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -. والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي همَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن منهم، فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم، والمراد بالشيطان في حديث الباب إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي همَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – بربطه تبدى له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيأتهم، وأما الذي تبدى لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان. والعلم عند الله تعالى. اهـ.
والله أعلم.
[تارِيخُ الفَتْوى]
(04) رجب (1429)
* بوب أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة ((1) / (598)): “القَوْلُ فِيما أُوتِيَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإنْ قِيلَ: فَإنَّ سُلَيْمانَ قَدْ أُعْطِيَ مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِهِ. قُلْنا: إنَّ مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – أُعْطِيَ مَفاتِيحَ خَزائِنِ الأرْضِ فَأباها ورَدَّها اخْتِيارًا لِلتَّقَلُّلِ والرِّضا بِالقُوتِ واسْتِصْغارًا لَها بِحَذافِيرِها وإيثارًا لِمَرْتَبَتِهِ ورِفْعَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى”
* قال الشيخ ابن باز رحمه الله في حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها (1) / (58): ” [تنبيه]
تنبيه قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفًا لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان في سورة (ص) أنه قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ} [ص (35)] وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي. وقد سبق في الحديث الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ذعتُّ الشيطان حتى سال لعابه» على يده الشريفة أخرجه البخاري (1210) ومسلم (541)،
وقال: «لولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقًا حتى يراه الناس» وفي رواية لمسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت ألعنك بلعنة الله التامة – فلم يستأخر – ثلاث مرات، ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان أهل المدينة» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهكذا كلام أهل العلم، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية ومقنع لطالب الحق، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن علينا جميعًا بإصابة الحق في الأقوال والأعمال، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من القول عليه بغير علم ومن إنكار ما لم نحط به علمًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
فوائد:
قال ابن رجب:
وفي هذا الحديث من العلم: أن دفع المؤذي في الصلاة جائز، وإن لم يندفع إلا بعنف وشدة دفع جاز دفعه بذلك.
وقد سبق في دفع المار بين يدي المصلي، أنه ((إن أبى فليقاتله؛ فإنه شيطان)).
وهذا إذا كانَ أذاه يختص بالصلاة كالمار، والشيطان الملهي عن الصَّلاة وكذلك إن كانَ أذاه لايختص بالصلاة كالحية والعقرب
فتح الباري لابن رجب (9/ 332)
قال الإتيوبي:
(ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ) قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل تسميتها تامّةً، أي لا نقص فيها، ويَحْتَمِل الواجبة له المستحقّة عليه، أو الموجبة عليه العذاب سرمدًا.
قال: وفيه دليل على جواز الدعاء لغيره وعلى غيره بصيغة المخاطبة؛ خلافًا لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله: إن الصلاة تَبْطُل بذاك.
قال النووي: وكذا قال أصحابنا: تبطل الصلاة بالدعاء لغيره بصيغة المخاطبة، كقوله للعاطس: رحمك اللَّه، أو يرحمك اللَّه، ولمن سَلَّم عليه: وعليك السلام، وأشباهه، والأحاديث السابقة في الباب الذي قبله في السلام على المصلي تؤيد ما قاله أصحابنا، فيُتَأَوّل هذا الحديث، أو يُحْمَل على أنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، أو غير ذلك.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن هذا الدعاء على إبليس بالخطاب خاصّ، فيُقتَصَر عليه، فيكون مخصوصًا من عموم النهي عن الدعاء بالخطاب، كالسلام، وتشميت العاطس، وأما حمله على أنه كان قبل تحريم الكلام، ففيه نظر؛ لعدم معرفة التاريخ، واللَّه تعالى أعلم …
في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: “وإن اللَّه أمكنني منه، فذعته” (وَاللَّهِ) فيه جواز الحلف من غير استحلاف؛ لتفخيم ما يخبر به الإنسان وتعظيمه، والمبالغة في صحّته وصدقه، وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (1)
(لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ) عليه السلام بقوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35].
قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه أنه مُخْتَصّ بهذا، فامتنع نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- من ربطه، إما لأنه لم يَقْدِر عليه لذلك، وإما لكونه لَمّا تذكّر ذلك لم يتعاط ذلك؛ لظنه أنه لم يَقْدِر عليه، أو تواضعًا وتأدبًا. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: كونه تركه تواضعًا وتأدّبًا هو الحقّ؛ وأما تركه لعدم القوة عليه فيردّه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: “وإن اللَّه أمكنني منه”، فقد أخبر أنه ممكَّنٌ من أخذه، وعقابه، وقادر عليه؛ إلا أنه لَمّا تذكّر دعوة سليمان عليه السلام تأدب معه، فتركه؛ تواضعًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه تعالى أعلم
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (12/ 298)
قال ابن باز:
هذا يدل على أن الشياطين تتسلط على الأنبياء لكن الله يحفظهم ويعينهم عليهم
الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (3/ 89)
وقال ابن باز أيضا:
هذا يدل على أن الشياطين تتمثل للإيذاء
الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (3/ 411)
قال الراجحي:
فيه: دليل على أن الشيطان قد يسلَّط على الإنسان، وعلى الرجل الصالح، بل على النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث: عتو هذا الشيطان- والعياذ بالله- لما يلي:
أولًا: أنه جاء بشهاب من نار؛ ليحرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه ثلاثًا، واستعاذ ثلاثًا، ولم يستأخر.
وفيه: دليل على أنه لا بأس بالاستعاذة من الشيطان في الصلاة، فإذا كثرت الوساوس على الإنسان جاز له أن يستعيذ بالله من الشيطان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَاخِرْ))
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (2/ 209)
إثبات الجن والشياطين:
قال ابن العربي:
الكلام في إثبات الجنِّ والشّياطين
قال علماؤنا من أهل الأصول: اعلموا أنَّ اللهَ تعالى جعل في النَّبيِّ – صلّى الله عليه وسلم – قوة يميِّزُ بها الشّياطين في الهواء؛ لأنّ الشّياطين أجسامٌ لطيفةٌ تتشبَّثُ بالهواء، كما أنّا نُدرِكُ في الهواءِ الشيءَ الّذي لا يتميَّز ولا يتبيَّن لنا إلَّا عند دخول الشَّمس في البيوت من الكُوَى.
وقال آخَرونَ: إنّ الله تعالى قَوَّى أبصارَ الأنبياءِ عليهم السّلام على تَمْيِيزِ أشخاصِ الشّياطين، كما جعلَ في النَّبيِّ – صلّى الله عليه وسلم – قوة لطيفة كان يرى بها من وراء ظهرهِ، كما يرى بها من أَمَامِه. وكذلك جُعِلَت أيضًا في يده قوة لطيفة قَدرَ بها على أَخْذِ الشّياطين، وقد أخذَ الشّيطانَ ورَبَطَه، كما قال -عليه السّلام-: “لولَا أنِّي ذكرتُ دعوةَ أخِي سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} لَوَجَدْتُمُوهُ مربوطًا بأَحَدِ سَوَارِي المسجد”.
وقال أهلُ الحديثِ: يجوزُ أنّ تراه أنتَ، ومَنْ معك لا يراه، واعْتَلُّوا بالحديث الّذي رواه أَيُّوب؛ أنّه قال؛ جاء رجلٌ إلى رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – فقال: يا رسولَ الله، إنِّي رأيتُ كالهرة، فقال له: “ذلك مِنَ الجِنِّ”، وقد كانتِ الجنُّ تُرَى في عهد سليمان بن داود – صلّى الله عليه وسلم – ويكلِّمون النّاس، ثمّ إنّ اللهَ حَجَبَهُم.
وقالت الكفَرةُ من الأطبّاء: محالٌ أنّ يكون شيءٌ إلَّا ما أَدْرَكَهُ الحسُّ والعيانُ، وما لم يُدْرِكهُ الحسُّ والعيانُ فباطلٌ، إنّما هي الْمِرَّةُ السّوداء تهيجُ على الإنسانِ، فيذهب عقله وتتخيّل له الأوهام الكاذبة
وقالت فرقةٌ من المعتزلة: إنّه لا يُرى بوجهِ ولا على حالٍ، لقوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (1) الآية، وقالوا: إنّ الأبصار لا تدركُ غيرَ الألوانِ. وقالوا: إنَّه ليس تدركُ العينُ ما ليس بلونٍ، فلو كان لها ألوانٌ لأدرَكَها النَّاس كلّهم إدراكًا واحدًا.
قال الإمام الحافظ: وهذا باطلٌ، والخوضُ معهم ضلالٌ؛ لأنّ الآثار والقرآن قد تواتر بذلك كلِّه، والله أعلم
المسالك في شرح موطأ مالك (1/ 441)
وقال الإتيوبي:
“المسألة السادسة” في قوله مساكن الجن؛ الجن في الأصل ضد الإنس مأخوذ من الاجتنان، وهو الاستتار، سموا بذلك لاستتارهم عن أعين الناس، وهو اسم جنس واحده جني، وهم أجسام يغلب عليها الجزء الناري، وقيل الهوائي، من شأنهم الخفاء، ولهم قدرة على التشكل بالصورة الشريفة والخسيسة، وتحكُمُ عليهم الصورة بخلاف الملائكة، فإنهم أجسام نورانية لهم قدرة على التشكل بالصورة الشريفة فقط، ولا تحكم عليهم الصورة.
قال في آكام المرجان: الجن ثلاثة أصناف، كما جاء في الحديث، روى ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “خلق الله تعالى الجن ثلاثة أصناف، صنف حيات، وعقارب، وخشاش الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف عليهم الحساب والعقاب اهـ
وهذا القسم الأخير هو المكلف من حين الخلقة فمنهم الكافر قال تعالى: عنهم {{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجن: 11] قال المفسرون: أي فرقًا مختلفة الأديان يهود ونصارى وعبدة أوثان.
وقال الألوسي في روح المعاني: أخرج البيهقي في الأسماء، وأبو
نعيم والديلمي، وغيرهم بإسناد صحيح كما قاله العراقي عن أبي ثعلبة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون” وقال وهب: إن من الجن من يولد له ويأكلون، ويشربون بمنزلة الآدميين، ومنهم من هو بمنزلة الريح، لا يتوالدون ولا يأكلون، ولا يشربون، وهم الشياطين اهـ.
واختلف في أصل الجن: فقيل هم ذرية إبليس كما قاله الحسن، وعليه فالمتمرد منهم يسمى شيطانًا، وقيل: هم ذرية غيره كما قاله مجاهد، والشياطين ولد إبليس يموتون معه عند النفخة، والراجح الأول، فمن آمن من الجن فقد انقطعت نسبته من أبيه، والتحق بآدم، ومن كفر من الإنس، فقد انقطعت نسبته من أبيه، والتحق بإبليس ومن أراد زيادة البيان فعليه بكتاب آكام المرجان. اهـ المنهل جـ 1/ ص 116
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 547)
قال ابن حجر:
وفي هذه إشارة إلى أنه تركه رعاية لسليمان عليه السلام ويحتمل أن تكون خصوصية سليمان استخدام الجن في جميع ما يريده لا في هذا القدر فقط واستدل الخطابي بهذا الحديث على أن أصحاب سليمان كانوا يرون الجن في أشكالهم وهيئتهم حال تصرفهم قال وأما قوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فالمراد الأكثر الأغلب من أحوال بني آدم وتعقب بأن نفي رؤية الإنس للجن على هيئتهم ليس بقاطع من الآية بل ظاهرها أنه ممكن فإن نفي رؤيتنا إياهم مقيد بحال رؤيتهم لنا ولا ينفي إمكان رؤيتنا لهم في غير تلك الحالة ويحتمل العموم وهذا الذي فهمه أكثر العلماء حتى قال الشافعي من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته واستدل بهذه الآية والله أعلم
قال بن عبد البر الجن على مراتب فالأصل جني فإن خالط الإنس قيل عامر ومن تعرض منهم للصبيان قيل أرواح ومن زاد في الخبث قيل شيطان فإن زاد على ذلك قيل مارد فإن زاد على ذلك قيل عفريت وقال الراغب العفريت من الجن هو العارم الخبيث وإذا بولغ فيه قيل عفريت نفريت وقال بن قتيبة العفريت الموثق الخلق وأصله من العفر وهو التراب ورجل عفر بكسر أوله وثانيه وتثقيل ثالثه إذا بولغ فيه قيل عفريت بكسر أوله وثانيه وتثقيل ثالثه إذا بولغ فيه أيضا
فتح الباري لابن حجر (6/ 459)
وقال ابن حجر أيضا:
الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان عليه السلام حيث قال وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال الله تعالى فسخرنا له الريح ثم قال والشياطين وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه وأراد حمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن من التمكن منهم فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم والمراد بالشيطان في حديث الباب إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي هم النبي صلى الله عليه وسلم بربطه تبدى له في صفته التي خلق عليها وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيئتهم وأما الذي تبدى لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان والعلم عند الله تعالى
فتح الباري لابن حجر (9/ 57)
قال بدر الدين ابن تقي الدين:
وَبَيَان الدّلَالَة مِنْهُ أَنهم لَو كَانُوا باقين على عنصرهم الناري وَأَنَّهُمْ نَار محرقة لما احتاجوا إِلَى أَن يَاتِي الشَّيْطَان أَو العفريت مِنْهُم بشعلة من نَار ولكانت يَد الشَّيَاطِين أَو العفريت أَو شَيْء من أَعْضَائِهِ إِذا مس ابْن آدم احرقه كَمَا يحرق الْآدَمِيّ النَّار الْحَقِيقِيَّة بِمُجَرَّد الْمس فَدلَّ على أَن تِلْكَ النَّار انغمرت فِي سَائِر العناصر حَتَّى صَار الْبرد رُبمَا كَانَ هُوَ الْغَالِب فِي بعض الأحيان إِمَّا للأعضاء نَفسهَا أَو لما تحلل من الْبدن كاللعاب كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى برد لِسَانه على يَدي وَفِي رِوَايَة حَتَّى برد لعابه وَلَا شكّ أَن الله تَعَالَى جعل الأقوات منمية للأجسام وَيكون النمو استأصل عَن الْغذَاء على حَسبه فِي الْحَرَارَة والبرودة على اخْتِلَافهمَا فِي الرُّطُوبَة واليبوسة وَلَا شكّ أَنهم يَاكُلُون وَيَشْرَبُونَ مِمَّا نَاكُل مِنْهُ وَنَشْرَب وَيحصل لأجسامهم بذلك نمو وَبَقَاء على حسب الْمَاكُول فِي مأكولهم الْحَار والبارد الرطبان واليابسان فَهَذَا مَعَ التوالد قد نقلهم عَن العنصر الناري وَصَارَ فيهم الطبائع الْأَرْبَع
قَالَ القَاضِي أَبُو بكر ولسنا ننكر مَعَ ذَلِك يَعْنِي أَن الأَصْل الَّذِي خلقه مِنْهُ النَّار أَن يكثفهم الله تَعَالَى ويغلظ أجسامهم ويخلق لَهُم أعراضا تزيد على مَا فِي النَّار فَيخْرجُونَ عَن كَونهم نَارا ويخلق لَهُم صورا وأشكالا مُخْتَلفَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب
آكام المرجان في أحكام الجان (ص32)
تنبيه للتوسع في أحكام الجن وما يتعلق بهم: يقرأ كتاب آكام المرجان في أحكام الجان”
وهذا سؤال وجه لبعض أهل الفتوى:
ما قولكم في كتاب “آكام المرجان في أحكام الجان”؟ ومن هو مؤلفه؟ وهل هو ثقه عند أهل العلم؟
الجواب
أولًا: اسم مؤلف كتاب آكام المرجان
ثانيًا: سبب تأليفه للكتاب.
الحمد لله.
أولًا: اسم مؤلف كتاب آكام المرجان
كتاب “آكام المرجان في أحكام الجان” للقاضي محمد بن عبد الله الشبلي، السابقي، الدمشقي، ثم الطرابلسي، الحنفي (بدر الدين، ابو البقاء)
فقيه، محدث، مؤرخ، أديب، من القضاة.
ولد بدمشق، ورحل الى القاهرة، وولي قضاء طرابلس الشام، وتوفي وهو على قضائها.
من آثاره: “محاسن الوسائل الى معرفة الاوائل”، “زهو البديع في زهر الربيع”، كتاب في “آداب الحمام”، و”تثقيف الألسنة لتعريف الأزمنة”.
وهو مؤلف كتاب:”آكام المرجان في أحكام الجان”، وغيرها.
انظر: “الدرر الكامنة” (5/ 234)، “الأعلام” (6/ 234)، “معجم لمؤلفين” (10/ 219).
ثانيًا: سبب تأليفه للكتاب.
ذكر المؤلف أن سبب تأليف الكتاب مذاكرة وقعت عن الجن، وغرائبهم، فقال: ” فهذا كتاب جامع لذكر الجن وأخبارهم، وما يتعلق بأحكامهم وآثارهم، وكان السبب في تصنيفه ونسخه على هذا المنوال الغريب وترصيفه مذاكرة وقعت في مسألة نكاح الجن وإمكانه ووقوعه وضاق المجلس عن تقريرها وتحقيق المباحث فيها وتحريره “، انتهى من “آكام المرجان” (17).
والكتاب من أجمع الكتب عن الجن وأحوالهم، وقد قام الحافظ السيوطي باختصاره، في كتاب: “لقط المرجان في أحكام الجان”، وزاد عليه عدة أحاديث وآثار.
وفي الكتاب معلومات كثيرة صحيحة، وفيه أيضًا عدد من المعلومات غير المحررة.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان، حفظه الله: عن كتاب ” آكام المرجان في غرائب وأحكام الجانّ “؟
فأجاب:
” آكام المَرجان في غرائب وأحكام الجانّ “: هذا كتابٌ معروف، يبحث في موضوع الجنِّ؛ من حيث أحكامُهم، وأشكالهم، وتصرُّفاتهم، ويعطي فكرة موسَّعة عنهم، وفيه فائدة للقارئ، وفيه أحكام شرعيَّة؛ فهو كتاب جيِّد في الجملة ” انتهى، من “فتاوى الشيخ الفوزان” (5/ 71) الشاملة.
وقال عنه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: ” وهو كتاب مفيد ” انتهى، من “فتاوى نور على الدرب” (1/ 224).
والله أعلم.