199 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل:
199 – قال الإمام البزار رحمه الله كما في “كشف الأستار” (ج 3 ص 142): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحِيرَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا أحمد بن يحيى الكوفي الأودي الصوفي، وقد وثَّقه أبو حاتم، وقال النسائي: لا بأس به. كما في “تهذيب الكمال”.
——-
بوب عليه في الجامع:
أمن المسلمين في إقامة علم الجهاد
إخباره – صلى الله عليه وسلم – بفتح الحيرة
إخباره – صلى الله عليه وسلم – بالأمن الذي سيكون بعده
قال ابن أبي حاتم في المراسيل:
231 – عَبْدُ الْملك بن عُمَيْر
476 – قراء عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْدُّورِيِّ عَن يحيى ابْن مَعِينٍ وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم فِي قصَّة تسيير الضعينة قَالَ يَحْيَى قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ قُلْتُ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ سَمِعَ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَا هُوَ مُرْسَلٌ.
477 – قَالَ أَبُو زُرْعَةَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ مُرْسَلٌ.
478 – سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ رَجُلٌ.
المراسيل لابن أبي حاتم (ص132)
وفي علل ابن أبي حاتم:
(2697) – وسألتُ أبِي عَنْ حديثٍ رَواهُ أبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاش، عن عبد الملك بْنِ عُمَير، عَنْ جابِرِ بْنِ سَمُرَة، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قالَ: لَتَخْرُجَنَّ الظّاعِنَةُ – أوِ الظَّعِينَةُ – مِنَ المَدِينَةِ إلى الحِيرَةِ، لا تَخافُ أحَدًا؟
قالَ أبِي: لا أعلمُ أحدًا تابع أبا بكرٍ على رِوايَةِ هَذا الحَدِيثِ بِهَذا الإسْنادِ.
وبعضُهم يَرْوونه عن عبد الملك،
عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِم، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، كأنّه أشْبَهُ
قال الألباني:
4300 – (لتخرجن الظعينة من المدينة حتى تدخل الحيرة، لا تخاف أحداً).
ضعيف
أخرجه أبو نعيم في “الحلية” (8/ 309) عن سليمان بن داود المنقري: حدثنا أبو بكر بن عياش: حدثنا عبد الملك بن عمير قال: سمعت جابر بن سمرة السوائي يقول: فذكره مرفوعاً. وقال:
“لم يروه عن عبد الملك إلا أبو بكر”.
قلت: وهما من رجال البخاري، لكن سليمان بن داود المنقري – وهو الشاذكوني -؛ متروك.
وقد روي الحديث من طريق عباد بن حبيش، عن عدي بن حاتم مرفوعاً به نحوه.
أخرجه أحمد (4/ 378 – 379)، والترمذي (2956) وقال:
“حسن غريب”.
وأقول: عباد هذا؛ لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه غير سماك بن حرب، وجهله ابن القطان.
وقد خالفه في لفظه محل بن خليفة، عن عدي مرفوعاً بلفظ “فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف أحداً إلا الله، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله”.
أخرجه البخاري في “علامات النبوة” (6/ 478،479 – فتح).
وتابعه ابن حذيفة، عن عدي به.
أخرجه أحمد (4/ 257،378،379)
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (9/ 292)
قال النووي:
ظاعن فاعل ظعن وبابه نفع، أي ارتحل ويتعدى بالهمزة وبالحرف، فيقال أظعنته وظعنت به، فهو ظاعن للفاعل ومظعون للمفعول، والاصل مظعون به ولكن حذفت الصله لكثرة الاستعمال، وباسم المفعول سمى الرجل، ويقال للمرأة ظعينة فعيلة بمعنى مفعولة، لأن زوجها يظعن بها، ويقال الظعينة الهودج، وسواء كان فيه امرأة أم لا، والجمع ظعائن وظعن بضمتين.
ويقال الضعينة في الأصل وصف المرأة في هودجها، سميت بهذا الإسم وإن كانت في بيتها.
قال تعالى (ويوم ظعنكم ويوم إقامتكم).
المجموع شرح المهذب (15/ 293)
قال الإتيوبي:
“لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا، إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ”
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): نهي المرأة عن السفر بغير محرم، قال القاضي عياض:
واتَّفَقَ العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي
محرم، إلا الهجرة من دار الحرب، فاتَّفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى
دار الإسلام، وإن لم يكن معها محرم، والفرق بينهما أن إقامتها في دار الكفر
حرام، إذا لم تستطع إظهار الدِّين، وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك
التأخر عن الحج، فإنهم اختلفوا في الحج، هل هو على الفور، أم على
التراخي؟ قال القاضي عياض: قال الباجيّ: هذا عندي في الشابة، وأما
الكبيرة غير المشتهاة فتسافر، كيف شاءت في كل الأسفار، بلا زوج، ولا
محرم، وهذا الذي قاله الباجيّ لا يوافَق عليه؛ لأن المرأة مظنة الطمع فيها،
ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: لكل ساقطة لاقطة، ويَجتمع في
الأسفار من سفهاء الناس، وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز
وغيرها؛ لغلبة شهوته، وقلة دينه، ومروءته، وخيانته، ونحو ذلك، والله
أعلم.
2 – (ومنها): بيان أن للمرأة أن تسافر مع محرمها إلى أيّ سفر أرادت،
حجًّا أو عمرةً، أو زيارة أقاربها، أو لطلب علم شرعيّ، أو غير ذلك من
الأمور المباحة.
3 – (ومنها): بيان أن جميع المحارم سواء في سفر المرأة معهم، وبه
قال الشافعيّ، والجمهور، وخالف مالك في ابن زوجها، وقد سبق ردّه.
4 – (ومنها): أنه استدلّ الحنفيّة برواية ثلاثة أيام لمذهبهم، أن قصر
الصلاة في السفر لا يجوز إلا في سفر يبلغ ثلاثة أيام، قال النوويّ: وهذا
استدلال فاسدٌ، وقد جاءت الأحاديث بروايات مختلفة، كما سبق، وبيّنا
مقصودها، وأن السفر يُطلق على يوم، وعلى بريد، وعلى دون ذلك، وقد
أوضحت الجواب عن شبهتهم إيضاحًا بليغًا في باب صلاة المسافر من “شرح
المهذّب”. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: قد سبق تحقيق هذه المسألة بأدلتها في أبواب
المسافر، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.
5 – (ومنها): عناية الشرع بسدّ طرق الفساد، وإبعاد المسلمين عما يفتح
عليهم باب الشرّ والفساد، فإن سفر المرأة بدون محرمها، لا يخفى ما فيه من
الفساد العريض، فسدّ هذا الباب بتحريم سفرها إلا مع من يقوم بحمايتها،
ويغار عليها من المحارم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط المحرم لوجوب
الحجّ على المرأة:
قال النوويّ رحمه الله: أجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا
استطاعت؛ لعموم قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية [آل عمران:
97]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “بُنِيَ الإسلام على خمس … ” الحديث، وفيه: “وحج البيت
من استطاع إليه سبيلًا”، واستطاعتها كاستطاعة الرجل، لكن اختلفوا في
اشتراط المحرم لها، فأبو حنيفة يشترطه؛ لوجوب الحج عليها، إلا أن يكون
بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث،
وأصحاب الرأي، وحُكِي ذلك أيضًا عن الحسن البصريّ، والنخعيّ.
وقال عطاء، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، ومالك، والأوزاعيّ،
والشافعيّ في المشهور عنه: لا يشترط المحرم، بل يشترط الأمن على نفسها،
قال أصحابنا: يحصل الأمن بزوج، أو محرم، أو نسوة ثقات، ولا يلزمها
الحج عندنا إلا بأحد هذه الأشياء، فلو وُجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها،
لكن يجوز لها الحج معها، هذا هو الصحيح
وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة، أو امرأة واحدة، وقد يكثر
الأمن، ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة، وتكون آمنةً،
والمشهور من نصوص الشافعيّ، وجماهير أصحابه هو الأول.
واختَلَف أصحابنا في خروجها لحج التطوع، وسفر الزيارة، والتجارة،
ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة، فقال بعضهم: يجوز لها الخروج
فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو
محرم، وهذا هو الصحيح؛ للأحاديث الصحيحة. انتهى (1).
قال ابن رشد رحمه الله: اختلفوا هل من شروط وجوب الحج على المرأة أن
يكون معها زوج أو محرم منها؟ فقال مالك والشافعي: ليس من شرط الوجوب
ذلك، وتخرج المرأة إلى الحج إذا وجدت رفقة مأمونة.
وقال أبو حنيفة وأحمد وجماعة: وجود ذي المحرم ومطاوعته لها شرط
في الوجوب، وسبب الخلاف معارضة الأمر بالحج للنهي عن سفر المرأة إلا
مع ذي محرم، فمن غَلَّب عموم الأمر قال: تسافر للحج وإن لم يكن معها ذو
محرم، ومن خصص العموم بأحاديث النهي، ورأى أنه من باب تفسير
الاستطاعة قال: لا تسافر إلا مع ذي محرم. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا، وكان
كل واحد منهما عامًّا من وجه خاصًّا من وجه، بيانه أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية [آل عمران: 91] الآية عامّ في الرجال والنساء، فمقتضاه
أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع، وقوله -صلى الله عليه وسلم-:
“لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم” خاصّ بالنساء، عامّ في كل سفر، فيدخل
فيه الحج، فمن أخرجه عنه خصّ الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خصّ
الآية بعموم الحديث، فيحتاج إلى الترجيح من خارج. انتهى.
قال الشوكانيّ رحمه الله: ويمكن أن يقال: إن أحاديث النهي عن السفر من
غير محرم لا تعارض الآية؛ لأنها تضمنت أن المَحْرَم في حقّ المرأة من جملة
الاستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن، وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة
المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين، لا يقال: الاستطاعة المذكورة قد
بُيّنت بالزاد والراحلة؛ لأنا نقول: قد تضمنت أحاديث النهي زيادةً على ذلك
البيان باعتبار النساء غيرَ منافية، فيتعيّن قبولها، على أن التصريح باشتراط
المَحرم في سفر الحج بخصوصه، كما في حديث ابن عباس عند البزار،
والدارقطنيّ، وحديث أبي أمامة عند الطبرانيّ مبطل لدعوى التعارض.
انتهى (1).
وقال الطبري في “القرى” (ص 44): وافق أبا حنيفة في اشتراط المحرم،
أو الزوج: أصحاب الحديث، وهو قول النخعيّ، والحسن البصريّ، وبه قال
أحمد، وإسحاق، وهو أحد قولي الشافعيّ، قال البغويّ في “شرح السنة”:
والقول باشتراط المحرم أولى؛ لظاهر الحديث، ولم يختلفوا أنها ليس لها
الخروج في غير الفرض إلا مع محرم، إلا في كافرة أسلمت في دار الحرب،
أو أسيرة تخلّصت فيلزمها الخروج بلا محرم.
وقال الطبريّ (ص 45): ووجه دلالة حديث عديّ (2) على عدم ذلك
اعتبار المحرم أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن خروج المرأة وحدها عند أمانها على نفسها
فوجب وقوعه لا محالة، ودلّ ذلك على الجواز؛ إذ لو حَرُم لبيّنه، فإنه وقت
حاجة؛ لأنه كالواقع، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.
قال: وهذا القائل يَحْمِل أحاديث اشتراط المحرم على حال الخوف
والخطر جمعًا بينهما، وعملًا بهما، وذلك أولى من إهمال بعضها.
ويمكن أن يقال: الحديث دل على الوقوع، لا على الجواز، لا بطريق
المطابقة، ولا بالاستلزام؛ لأنه ورد في معرض الثناء على حال الزمان بالأمن
والعدل، وذكر خروج المرأة وحدها في معرض الاستدلال على ذلك، سواء
كان جائزًا أو غير جائز، فالجواز وعدمه مسكوت عنه، ولا إشعار للفظ الخبر
بهما، لا نفيًا ولا إثباتًا؛ إذ لو قال عقيب كلامه: وارتحالها لذلك جائز لها لم
يُعَدّ ذلك تكرارًا لما فُهِم من الأول، ولا مؤكدًا للفظه، أو قال: وارتحالها
محرّم عليها لم يُعَدّ ذلك نقضًا له، كيف وفي قوله: “لا تخاف أحدًا إلا الله”
إشعار بالحرمة؛ إذ لو لم يحرم عليها ذلك لما خافت الله تعالى.
وأما قوله: وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز فمسلّم، ولم يتأخر،
فإن أحاديث اشتراط المَحرم إن ثبت الخطاب بها قبل هذا الحديث، فالتحريم
ثابت عندهم، وليس في لفظ هذا الحديث ما يناقضه، فيُحمل على ما ذكرناه،
وإن كان الخطاب بها متأخرًا عن هذا الحديث، فقد بيّن -صلى الله عليه وسلم- ما سكت فيه عنه،
مما احتَمَل إرادته قبل موته، فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة على الحالين،
وهذا هو الظاهر عندي، وإن كان الصحيح من مذهب الشافعي خلافه. انتهى
كلام الطبريّ رحمه الله.
وقال الحافظ رحمه الله: ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات
إذا أُمن الطريق أول أحاديث باب حج النساء – يعني به حديث إبراهيم بن
سعد، عن أبيه، عن جدّه قال: أَذِنَ عمر -رضي الله عنه- لأزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في آخر حجة
حجها، فبعث معهنّ عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف- لاتفاق عمر،
وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، ونساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وعدم نكير
غيرهم من الصحابة عليهنّ في ذلك، ومن أبى ذلك من أمهات المؤمنين فإنما
أباه من جهة خاصّة، لا من جهة توقف السفر على المَحرم.
وأجيب بأن أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كلهن أمهات المؤمنين، وهم محارم لهنّ
لأن المَحرم من لا يجوز له نكاحها على التأبيد، فكذلك أمهات المؤمنين حرام
على غير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الجواب فيه نظر لا يخفى، فإن كون أزواج
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمهات للمؤمنين، ليس فيه إباحة الخلوة بهنّ، والنظر إليهنّ، بدليل
أن آية الحجاب نزلت فيهنّ، بل الحجاب عليهن أشدّ من غيرهنّ.
وخلاصة القول أن القول الأرجح في المسألة قول من قال باشتراط
المَحرم لحج المرأة؛ لحديث الباب، وأصرح الأحاديث حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما-
الآتي لمّا قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: “ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقال رجل: يا
رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّةً، وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، قال:
انطلق، فحجّ مع امرأتك”.
فهذا صريح أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: “ولا تسافر المرأة” عامّ في الحجّ وغيره؛ لأنه
لو كان الحج مستثنى من النهي لعَذَر هذا الرجل في خروج امرأته بلا محرم.
والحاصل أنه لا يحلّ للمرأة أن تسافر بدون مَحرم مطلقًا، سواء السفر
سفر حجّ، أو غيره، إلا للضرورة التي لا بدّ منها، كأن تُسْلِم في دار الحرب،
أو أسرها العدوّ، فيجب عليها السفر إلى دار الإسلام بدون مَحْرَم؛ للضرورة،
فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (24/ 286)