32 – بَابُ الطَّاعُونِ وَالطِّيَرَةِ وَالْكَهَانَةِ وَنَحْوِهَا
92 – (2218) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» وقَالَ أَبُو النَّضْرِ: «لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ»
93 – (2218) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ وَنَسَبَهُ ابْنُ قَعْنَبٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ: عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ، ابْتَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ» هَذَا حَدِيثُ الْقَعْنَبِيِّ وَقُتَيْبَةَ نَحْوُهُ
94 – (2218) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ سُلِّطَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَوْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا»
95 – (2218) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ عَذَابٌ أَوْ رِجْزٌ أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ نَاسٍ كَانُوا قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَدْخُلُوهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَهَا عَلَيْكُمْ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا»
95 – وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِإِسْنَادِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَ حَدِيثِهِ
96 – (2218) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ أَوِ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، ثُمَّ بَقِيَ بَعْدُ بِالْأَرْضِ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَهُوَ بِهَا فَلَا يُخْرِجَنَّهُ الْفِرَارُ مِنْهُ»
96 – وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإِسْنَادِ يُونُسَ نَحْوَ حَدِيثِهِ
97 – (2218) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَبَلَغَنِي أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ وَقَعَ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ لِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ فَوَقَعَ بِهَا، فَلَا تَخْرُجْ مِنْهَا، وَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّهُ بِأَرْضٍ، فَلَا تَدْخُلْهَا» قَالَ قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالُوا: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ يُحَدِّثُ بِهِ، قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالُوا: غَائِبٌ، قَالَ فَلَقِيتُ أَخَاهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: شَهِدْتُ أُسَامَةَ يُحَدِّثُ سَعْدًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أَوْ بَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا وَإِذَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا» قَالَ حَبِيبٌ: فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَنْتَ سَمِعْتَ أُسَامَةَ يُحَدِّثُ سَعْدًا وَهُوَ لَا يُنْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
97 – وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ.
97 – وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ.
97 – وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كِلَاهُمَا، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: كَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدٌ جَالِسَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ، فَقَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
97 – وحَدَّثَنِيهِ وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ يَعْنِي الطَّحَّانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ
——————–
الفوائد:
– وقع في بعض أسانيد مسلم؛ عن حبيب قال: كنا بالمدينة فبلغني أن الطاعون قد وقع بالكوفة فقال لي عطاء بن يسار وغيره …
– الطاعون: قروح تخرج في الجسد، فتكون في المراقي أو الآباط أو الأيدي أو الأصابع. وسائر البدن ويكون معه ورم وألم شديد. وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة. ويحصل معه خفقان القلب. (النووي).
وقال ابن القيم: أسلمه الأحمر ثم الأصفر والذي إلى السواد، فلا يفلت منه أحد.
وقال: سببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد، مستحيل إلى جوهر سمي، يفسد العضو ويغير ما يليه، وربما رشح دما وصديدا، ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة، فيحدث القيء والخفقان والغشي.
ويخرج في اللحوم الرخوة والمغابن، وخلف الأذن والأرنبة.
وسيأتي إن شاء الله الكلام على حديث (الطاعون وخز أعداءكم من الجن) حين نتكلم على حديث عمر رضي الله عنه التالي. وسننقل كلام ابن القيم في أنه لا مانع من تأثير الأرواح الشريرة على الجسد.
ونص ابن القيم على فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام – يعني لحدوث الطاعون – خاصة في آخر الصيف وفي الخريف غالباً لاجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف، وعدم تحللها في آخره، وفي الخريف لبرد الجو … فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعداً، قابلاً رهلا، قليل الحركة كثير المواد.
– وذكر ابن القيم أن من الحكم في عدم الخروج من بلد الطاعون أن السفر يحتاج لحركة، ومطلوب من مريض الطاعون الابتعاد عن الحمام والحركة، وكل ما يهيج الأخلاط واللجوء إلى السكون والدعة.
– فيه دليل على أن العدوى ثابته إذا قدر الله انتقالها، لأنها لا تنتقل بذاتها، وبذلك جمع بعض أهل العلم بين حديث (لا عدوى ولا طيرة)، وحديث (فر من المجذوم فرارك من الأسد).
– منه قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة).
– الإيمان بالقدر.
– التوكل على الله عز وجل والثقة به ومنه قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).
– فيه إثبات الحذر، والنهي عن التعرض للتلف (الخطابي)
– الابتعاد عن الأرض الوبيئة، خاصة إذا كانت تلك البلاد لا تهتم بالنظافة وقتل الحشرات الضارة.
– الخروج من الأرض التي لا تلائمه ويستثنى الطاعون فلا يجوز الفرار منه، ومنه خروج عكل وعرينه حين استوخموا المدينة، وأخذ بهذا الفقه البخاري والنسائي، وترجما له.
– الحديث دليل على ارتكاب أخف الضررين، وأهون المفسدتين.
– تنقسم الأسفار إلى أسفار محمودة ومذمومة ومباحة، والمذمومة منها حرام؛ كإباق العبد، وسفر العاق، والفرار من الطاعون على قول.
– تفضيل هذه الأمة على بقية الأمم بخصائص فهذا الطاعون رجز ابتلى الله به ناسا من عباده وهو شهادة لهذه الأمة، ومنه حديث (فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) أخرجه البخاري 3474 وحديث (الطاعون شهادة لكل مسلم) أخرجه البخاري ومسلم، ويكون شهادة لمن صبر.
– قد يأتي الشر بالخير.
– ذكر أن الفرار من الطاعون كبيرة ومنه حديث جابر (الفار من الطاعون كالفار من الزحف … ) وقع فيه خلاف في إسناده ومتنه، فورد بلفظ (لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون) ولا يصح باللفظ الأول أما باللفظ الثاني فسيأتي ما يشهد له (وراجع تحقيقنا لكشف الأستار 3038)
ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ندم على رجوعه من سرغ، أخرجه ابن أبي شيبة، قال ابن حجر: سنده جيد. ووجهه بأنه محتمل أنه إنما ندم على رجوعه لأنه كان ذاهبا لأمر فيه مصلحة للمسلمين، وكان يمكن أن يبقى خارج البلد، فإذا ارتفع الوباء دخل، وليس ندمه على عدم دخوله، لأن ذلك مخالف للحديث، وفيه مهلكه، ووجهه بعضهم بأن النهي على التنزيه، وأن القدوم عليه جائز لمن غلب عليه التوكل وقوى ابن حجر الأول.
قلت: والثاني قوي كذلك؛ خاصة أنه كتب إليهم إذا وقع الطاعون عندكم فاكتبوا لي لكي أخرج.
لكن ظاهر الحديث المنع مطلقاً وهو الذي رجحه النووي وابن حجر كما سيأتي.
– للتوسع في أحكام الطاعون يراجع كتاب ابن حجر (بذل الماعون في فضل الطاعون) ففيه ذكر مبدأ الطاعون، وأنه عذاب على الكفار رحمة على هذه الأمة، إلى غير ذلك من المباحث.
– وفيه مبحث ذكر حديث أنه وخز أعداءكم من الجن. وبيان حاله، وممن صححه الشيخ الألباني، وحكم بضعف لفظة (وخز إخوانكم).وراجع كشف الأستار 3039
وبعضهم رد الحديث جملة يقصد أنه يخالف الواقع، لكن قرر ابن القيم أنه لا يمنع من تأثير الجن عند وجود فساد الهواء، خلافاً لمن رده (زاد المعاد)
– فيه من علامات النبوة.
– من كان خارج البلد فلا يدخل، لقرية فيها طاعون، ومن كان فيها فلا يخرج، وهو ما يسمى اليوم بالحجر الصحي.
وأخرج الإمام أحمد عن عمرو بن العاص أنه قال: فروا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال فقال معاذ: بل هو شهادة ورحمة … لكنه مرسل (راجع تحقيق المسند 36/ 450،ومجمع الزوائد)، لكن لبعضه شاهد فقد ورد في مسند أحمد أنه وقع الطاعون فقال: عمرو بن العاص إنه رجس فتفرقوا عنه فبلغ شرحبيل فقال: … إنه دعوة نبيكم، ورحمة ربكم …
فمن جوز الخروج والدخول تأولوا النهي على مخافة الفتنة على الناس، لئلا يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار؛ إنما كانت بفراره، وهو من نحو النهي عن الطيرة، والقرب من المجذوم، حتى قال ابن مسعود الطاعون فتنه على المقيم والفار. (قرره النووي) وصحح أن الراجح مع من منع الخروج والدخول.
قال ابن حجر: وهذا هو الراجح عند الشافعية وغيرهم، ويؤيده ثبوت الوعيد في ذلك (الفتح).
ونقل من تعليلات النهي: ضياع مصلحة المريض لفقد من يتعاهده حيا وميتا، وإدخال الرعب في قلوب الناس، ونقل المرض لبقاع أخرى، وهذا قوي وراجع (زاد المعاد 4/ 43)
أما الخروج لتجارة وعمل معتاد فلا بأس إذا كان مريد التجارة سليما من المرض. قال البغوي: لو خرج منها لحاجة يريدها أو سفر يقصده فلا بأس به بدليل الحديث (فلا تخرجوا فرارا منه).
تنبيه1: قوله في رواية (لا يخرجكم إلا الفرار منه) ذكرها البخاري ومسلم واستشكلها الأئمة فبعضهم قالوا: هو غلط، وبعضهم قال: أن (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء. وتقديره؛ لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا منه – (قرره النووي).
تنبيه 2:نقل النووي عن القاضي وغيره تغليط مسلم في نقله طرق في آخر الباب توهم أو تقتضي، أنه من رواية سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال القاضي: هذا وهم إنما هو من رواية سعد عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأيد ذلك ابن عبدالبر وفصل في الأسانيد، وقال: هذا على طريقة أهل الحديث ثم ذكر احتمال أنه محفوظ من الوجهين.
قلت: وفي التمييز ذكر الإمام مسلم أمثلة على إيراد بعض الأسانيد متأخرة بعد الأحاديث الصحيحة؛ لإرادة التعليل، خاصة إذا حذف متونها. ويستأنس أن البخاري لم يخرجه لا عن سعد ولا عن خزيمة.
-إشكال: هل يجوز الدعوة بالطاعون وهل يخالف حديث (لا يتمنين أحدكم الموت … )، كما نقل عن بعض الصحابة مثل أبي عبيدة قال: إن هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه). أخرجه أحمد 3/ 226 وضعفه محققو المسند، وورد من طريق أخرى أخرجها ابن سعد، والطبراني في المعجم الكبير، وفيها موسى بن عبيدة الربذي وأيوب بن خالد. وذكر ابن حجر لها طرق فيها ضعف وليس فيها تمنى الموت، (راجع بذل الماعون) وكذلك ما أخرجه الطبري في تهذيبه من طريق طارق بن عبد الرحمن (أن الوباء وقع بالشام … ثم ذكر قول معاذ … ) وليس فيه الدعاء بالطاعون، مع أنه منقطع فطارق لم يلق معاذ، لكن لفظة (دعوة نبيكم … ) صحيحة
وكذلك اعترض شرحبيل بن حسنه على عمرو بن العاص، فتراجع عمرو .. لكن ليس فيه الدعوة.
فكل طريق ورد فيها الدعوة بالموت لا تخلو من مقال.
فقيل أن المقصود بالدعوة ما في حديث (سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة … وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعت، فقلت: حمى إذاً أو طاعون)،أخرجه أحمد وسبق أنه ضعيف، وحديث (اللهم اجعل فناء أمتي في سبيلك بالطعن والطاعون) أخرجه أحمد 3/ 437 ويشهد له رواية (إنها دعوة نبيكم)
فالأسانيد إلى الصحابة، وأنهم دعوا بالموت بالطاعون لم تثبت، ولو صحت، تحمل أنهم إنما سألوا الله الموت بالطاعون لأنه شهادة، مثل سؤال الشهادة في المعركة.
98 – (2219) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَهْلُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارِ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ – وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ – نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ
99 – (2219) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ – قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا وقَالَ الْآخَرَانِ – أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ أَنَّهُ لَوْ رَعَى الْجَدْبَةَ وَتَرَكَ الْخَصْبَةَ أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسِرْ إِذًا، قَالَ: فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَذَا الْمَحِلُّ أَوْ قَالَ: هَذَا الْمَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ.
99 – وحَدَّثَنِيهِ أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
100 – (2219) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عُمَرَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَرَجَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ سَرْغَ ” وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ، إِنَّمَا انْصَرَفَ بِالنَّاسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
المفردات:
* سرغ: قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز.
* أهل الأجناد وفي رواية أمراء الأجناد: مدن الشام الخمس، وهي فلسطين والأردن ودمشق وحمص وقنسرين.
* المهاجرين الأولين: من صلى القبلتين.
* مسلمة الفتح: قيل هم الذين أسلموا قبل الفتح، وقيل: هم مسلمة الفتح، قال القاضي: وهذا أظهر (شرح النووي)
الفوائد:
– إذا علم ببلد فيه طاعون فلا يقدم عليه.
-تفسير حديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ … ) والمقصود الأمر باتباعهم في اقتدائهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود أن يكون الخلفاء الراشدون يسنون سنة غير سنته صلى الله عليه وسلم، بل هم يبحثون عن السنة كما فعل عمر بن الخطاب هنا، ولم يكن يقلد بعضهم بعضاً، ولا كان واحد منهم أو غيرهم يعتبر لنفسه سنه مستقله تكون حجة على الناس، بل ثبت أن بعض الصحابة كان يفتي بخلاف اجتهاداتهم، ومقصودهم جميعاً الوصول للحق.
قال ابن حزم: فمن كان متبعا للخلفاء الراشدين، فليتبعهم فيما أجمعوا عليه من اتباع سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما نهو عنه من التكلف. انتهى باختصار من إحكام الأحكام.
وقال لي بعض الأفاضل: أن بعض أئمة اللغة، ذكر: أن الإفراد في قوله صلى الله عليه وسلم (عضوا عليها بالنواجذ) فلم يقل (عليهما)؛ مما يدل أن سنتهم تابعه لسنته صلى الله عليه وسلم.
– الطاعون من أنواع المصائب والمحن التي هي تكفير للمؤمن ورفع لدرجاته.
– منه الإيمان بالقضاء والقدر، وقد رد الله عزوجل على المشركين في قوله تعالى: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركوا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين) الأنعام 149.
حيث ذكر السعدي في تفسيره عدة وجوه لبطلان حجتهم، منها: لو كانت حجتهم صحيحة لم تحل بهم العقوبة. والحجة لابد أن تكون مستندة إلى علم لا إلى الظنون – والحجة لله – والله أعطى كل مخلوق قدره وإرادة يتمكن من فعل ما كلف به، وكل أحد غير مجبور وهذا أمر محسوس فكل أحد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية، وإن كان الجميع داخلا في مشيئة الله ومندرج تحت إرادته ثم هم لو أخذ مال أحدهم أو ضرب لم يرض بالاحتجاج بالقدر. انتهى باختصار
ومنه قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت … ).
وذكر اللالكائي: إجماع الصحابة على الإيمان بالقضاء والقدر، واستدل بنصوص.
– ذم الاختلاف واستحباب الاجتماع في الآراء.
– البحث عن النص أو الإجماع الموجب للاجتماع وعدم التفرق.
-طاعة الإمام إذا أمر بمباح، ومن باب أولى إذا أصاب الحق.
– لا يعارض هذا الحديث حديث (لا عدوى ولا طيرة … ) وسيأتي ذكر التوفيق بينهما في الباب التالي.
– اتفق العلماء على جواز الخروج من بلد الطاعون بشغل وغرض غير الفرار من الطاعون كما في بذل الماعون لابن حجر؛ نقله عن ابن عبدالبر.
وقال النووي: أما الخروج لعارض فلا بأس به (شرح مسلم)
– ضرب الأمثال للتفهيم.
– قال ابن القيم: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الخروج منها بعد وقوعه (كمال التحرز) منه فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعريضًا للبلاء، وموافاة له في محل سلطانه بل تجنبه من باب الحمية التي أرشد الله إليها، وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية. انتهى
قلت: ومنه قوله تعالى (بلدة طيبة ورب غفور) فكانت بلادهم حسنت الهواء كثيرة الثمار، ومنه حديث (اللهم صحح لنا المدينة) وكانت أرض موبوءة بالحمى.
وقال: وأما نهيه عن الخروج ففيه معنيان: حمل النفس على الثقة به سبحانه، وتقليل الحركة التي تضر بالمطعون، وهي حركة لا حاجة له فيها حيث لا يخلو من فضل ردئ كامن فيه تثيره الرياضة والحمام. انتهى من زاد المعاد
– الأمراض والأوبئة التي تشبه الطاعون في الانتشار تأخذ حكمه.
-الرجوع عن الأرض الموبوءة ليس من الطيرة المنهي عنها.
-ليس معنى أن الشام أرض مباركة، أن لا يقع فيها الطاعون.
وورد أن عمر رضي الله عنه كتب لأبي عبيدة (إنك نزلت بالناس أرض غميقة فارتفع بهم). والغميقة النازلة، القريبة من الماء لكن هذا الأثر ضعيف.
ومنه قوله تعالى (ومن دخله كان ءامنا) لكن هنا خبر بمعنى الأمر، ثم ليس فيه أنها لا تدخل الأوبئة إلى مكة، إنما ورد أن مكة والمدينة محفوظتين من الطاعون. ففي الصحيحين (على انقاب المدينة ملائكة فلا يدخلها المسيح ولا الطاعون)، أما مكة فذكر عمر بن شبة عن شريح عن فليح عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب ملك لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون). قال ابن حجر: رجاله رجال الصحيح.
أما ما وقع في مكة سنة تسع وأربعين وسبعمائة فلعله وباء وليس طاعون (وراجع فتح الباري)
* إشكال:
كيف التوفيق بين عدم دخول الطاعون المدينة مع أن الميت به له أجر شهيد؟
قيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أصحابه قلة عدد، فكان من الحكمة عدم فنائهم بالطاعون، فاستعملهم رب العزة لنشر الدين، والجهاد في سبيله.
– فيه الترجيح بأكثرية العدد وأكثرية التجربة، والأخذ بالأحوط.
– إرجاع المسائل الكبار لأهل الحل والعقد، وعدم الخوض فيها وتهويلها، ونشر الإشاعات فيها كما حصل في زمننا في عدة أوبئة منها؛ أنفلونزا الخنازير، وما شابه، ويخوض الناس، حتى أن بعضهم يشيع بتوقف الحج.
ومنه قوله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم … ).
– من أسباب الخلاف عدم بلوغ النهي للمخالف حيث اختلف الصحابة حتى جاءهم النص.
– رواية الكبير عمن دونه في العلم والمنزلة إذا كان ثقة.
-قد يذهب عن العالم الحبر ما يوجد عند غيره.
– على المرء الانقياد للسنة إذا ثبتت عنده.
– حسن سياسة عمر بن الخطاب للرعية، وكثرة الفتوحات في عهده، وفيه حديث ( … حتى ضرب الناس بعطن)
– منزلة أبي عبيدة. وأن عمر بن الخطاب كان يكره خلافه. حتى كان عمر يريد أن يستخلفه لو كان حيا، لكنه مات في طاعون عمواس هذا.
– فضيلة عبدالرحمن بن عوف، حيث كان عنده علم لم يكن عند كثيرين.
– فيه سرعة ما كانوا عليه من الانقياد للعلم، والاستعمال له.
– لا يجوز الاحتيال في الفرار من الطاعون كأن يدعى تجارة أو حاجة، ومنه حديث (إنما الأعمال بالنيات).
– مشروعية اتخاذ الأمراء، وخروج الإمام بنفسه لتفقدهم ورفع المظالم، وإخافة الأعداء، وتفقد الثغور.
– تأديب الرعية.
– هذا من موافقات عمر بن الخطاب (بذل الماعون).
– الأعمار بيد الله، وأن الفرار من الشيء لا يلزم منه النجاة، وكم من أناس فروا من الموت فماتوا، ويستطيع الشخص الأخذ بالوقاية الطبية، ولو لم يخرج.
-فيه حمد الله على التوفيق للصواب.
– ضرب الأمثال، وقياس النظير بالنظير.
– فيه مشروعية المناظرة.
– الرجوع عند الاختلاف للنص، وأن النص يسمى علماً.
– تلقي الأمراء ووجوه الناس الإمام عند قدومه. وإعلامهم إياه بما حدث في بلادهم من خير وشر ووباء ورخص وغلاء وشدة ورخاء وغير ذلك.
-استحباب مشاورة أهل العلم والرأي في الأمور الحادثة، وتقديم أهل السابقة في ذلك.
-تنزيل الناس منازلهم، وتقديم أهل الفضل على غيرهم والابتداء بهم في المكارم.
– جواز الاجتهاد في الحروب ونحوها كما يجوز في الأحكام.
– قبول خبر الواحد.
– ابتداء العالم بما عنده من العلم قبل أن يسأله.