380 و 281 و 382 و 383 و 384 و 385 و 386 و 387 و 388 و 389 و 390 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
46 – باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول لَهُ إذا أعلمه.
روى أبوداود بسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ “.
قال رسول الله صلى لله عليه وسلم إن أوثق عرى الإسلام: أن تحب في الله وتبغض في الله». (صحيح الجامع 2009)
قال ابن تيمية:” من أحب شيئا لله فإنما أحب الله، وحبه لذلك الشيء تبعٌ لحبه لله، لا أنه محبوب لذاته.” (جامع المسائل لابن تيمية 1/ 190)
وقال أيضا:” حبة ما يحبه الله لله من الأعيان والأعمال من تمام محبة الله” (قاعدة في المحبة ص70)
قال أيضا:” عبد الله من يرضيه ما يُرْضِي الله ويسخطه ما يسْخط الله ويُحب ما أحبه الله ورَسُوله ويبغض ما أبغضه الله ورَسُوله ويوالي أوْلِياء الله ويعادي أعداء الله تَعالى وهَذا هُوَ الَّذِي اسْتكْمل الإيمان” (العبودية لابن تيمية ص 93)
قال ابن باز:” الحب في الله من أهم واجبات الإسلام، ومن أعظم أسباب الألفة والتعاون على الخير والتواصي بالحق وضده من أسباب الفرقة والاختلاف والواجب على المؤمنين أن يتحابوا في الله وأن يتعاونوا على البر التقوى وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه
قالَ الله تَعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ} [الفتح: (29)] إلى آخر السورة. وقالَ تَعالى: {والَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ} [الحشر: (9)].
أما الآية الأولى: قال السعدي:” يخبر تعالى عن رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك.
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.
{يَبْتَغُونَ} بتلك العبادة {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت [بالجلال] ظواهرهم.
{ذَلِكَ} المذكور {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.
وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.
{فَاسْتَغْلَظَ} ذلك الزرع أي: قوي وغلظ {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} جمع ساق، {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فالصحابة رضي الله عنهم، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة. (تفسير السعدي)
قال ابن كثير:” ومِن هَذِهِ الآيَةِ انْتَزَعَ الإمامُ مالِكٌ -رحمه الله- عليه فِي رِوايَةٍ عَنْهُ، بِتَكْفِيرِ الرَّوافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فَهُوَ كافِرٌ لِهَذِهِ الآيَةِ، ووافَقَهُ طائِفَةٌ مِنَ العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة رضي الله عنهم والنَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِمَساءَةٍ كَثِيرَةٌ، ويَكْفِيهِمْ ثَناءُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ورِضاهُ عَنْهُمْ. (تفسير ابن كثير7/ 338)
قال ابن باز:” هذه الرحمة تقتضي المحبة فيما بينهم التواصي والتعاون على البر والتقوى” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 87)
أما الآية الثانية: وقالَ تَعالى: {والَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ} [الحشر: (9)].: يقول تعالى ذكره: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ} يقول: اتخذوا المدينة مدينة الرسول – صلى الله عليه وسلم – فابتنوها منازل، {وَالإيمَانَ} بالله ورسوله {مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني: من قبل المهاجرين، {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}: يحبون من ترك منزله، وانتقل إليهم من غيرهم، وعُنِي بذلك الأنصار يحبون المهاجرين.” (تفسير الطبري)
قال السعدي:” {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} وهذا لمحبتهم لله ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” فالشاهد من هذه الآية قوله: (يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ) يعني من المؤمنين، وهذا حب في الله، وإلا فإن الأنصار من الأوس والخزرج، ليس بينهم وبين المهاجرين نسب. ليسوا من قريش، لكن الأخوة الإيمانية هي أوثق عرى الإيمان، أوثق عرى الإيمان هي الحب في الله والبغض في الله.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين3/ 258
روى البخاري بسنده عَنْ أَنَس بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ: ” إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي؛ فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أَثَرَةٌ “.
والأنصار لهم مكانة في الإسلام، روى البخاري بسنده عن أنس بن مالك عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ ”
وروى الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ “.
(3) 80 – وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإيَمانِ: أنْ يَكُونَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمّا، سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للَّهِ، وأنْ يَكْرَه أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ اللَّهُ مِنهُ، كَما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النّارِ» متفقٌ عليه.
فيه فضل المحبة في الله تعالى وأنها سبب لنيل حلاوة الإيمان.
وفي رواية: ” من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا “،
قوله (ثلاث من كن فيه) قال القرطبي:” الثلاثَ بهذا المعنى؛ لأنّها لا توجدُ إلا ممَّن تنوَّرَ قلبُه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشَفَت له محاسنُ تلك الأمور التي أوجَبَت له تلك المَحَبَّةَ التي هي حالُ العارفين.” (المفهم) قال ابن رجب:” فهذه الثلاث خصال من أعلى خصال الإيمان، فمن كملها فقد وجد حلاوة الإيمان وطعم طعمه، فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي، ومن هنا قال – صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي.” (فتح الباري لابن رجب)
قوله: (كن) أي: حصلن، فهي تامة. (فتح الباري)
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (يعود أو يرجع) فمعناه يصير. وقد جاء العود والرجوع بمعنى الصيرورة. (شرح مسلم للنووي)
قال النووي:” هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام. قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا، ومحبة العبد ربه – سبحانه وتعالى – بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي رحمه الله: هذا الحديث بمعنى الحديث المتقدم: ” ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ” وذلك أنه لا يصح المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة، وحب الآدمي في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكراهة الرجوع إلى الكفر إلا لمن قوى بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط لحمه ودمه. وهذا هو الذي وجد حلاوته. قال: والحب في الله من ثمرات حب الله. قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضي الرب سبحانه؛ فيحب ما أحب، ويكره ما كره. (شرح مسلم للنووي)
قال القرطبي:”. ثَلاَثٌ مَن كُنَّ فِيهِ، وجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإيمانِ، وهي عبارةٌ عمّا يجده المؤمنُ المحقِّقُ في إيمانه، المطمئنُّ قلبه به؛ من انشراحِ صدره، وتنويرِهِ بمعرفةِ الله تعالى، ومعرفةِ رسوله، ومعرفةِ مِنَّةِ الله تعالى عليه: في أن أنعَمَ عليه بالإسلام، ونظَمَهُ في سلك أمَّةِ محمَّدٍ خيرِ الأنام، وحبَّب إليه الإيمانَ والمؤمنين، وبَغَّض إليه الكُفرَ والكافرين، وأنجاهُ من قبيح أفعالهم، ورَكاكةِ أحوالهم.
وعند مطالعةِ هذه المِنَن، والوقوفِ على تفاصيل تلك النِّعَم، تطيرُ القلوبُ فرحًا وسرورا، وتمتلئُ إشراقًا ونورا، فيا لها مِن حلاوةٍ ما ألذَّها، وحالةٍ ما أشرفَها!! فنسأله – الله – تعالى أن يَمُنَّ بدوامها وكمالِها، كما مَنَّ بابتدائها وحُصُولِها؛ فإنّ المؤمن عند تذكُّرِ تلك النِّعَمِ والمِنَن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة؛ غير أنّ المؤمنين في تمكُّنها ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله منها شِربٌ مَعلُوم، وذلك بِحَسَبِ ما قُسِمَ لهم من هذه المجاهدة الرياضيّة، والمِنَحِ الربّانيَّة، وللكلام في تفاصيلِ ما أجملناه مَقامٌ آخرُ.” (المفهم)
قال ابن حجر:” وفي قوله: ” حلاوة الإيمان ” استعارة تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح؛ لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك، فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوي استدلال المصنف على الزيادة والنقص. قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى ” مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ” فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها. (فتح الباري) قال الأتيوبي:” ما ذكره صاحب «الفتح» من دعوى الاستعارة في الحلاوة، فيه نظرٌ، لأنه إخراج للفظ الحديث إلى معنى مجازيّ من غير حاجة إليه، بل الأولى أن تكون الحلاوة على معناها الحقيقيّ، كما قال بعض المحقّقين” (البحر المحيط)
(يكون)، قال البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له، ويلتذ بذلك التذاذا عقليا، إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك. وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة. قال: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان؛ لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله. وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينا. ويخيل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار. انتهى ملخصا. (فتح الباري)
سئل وهيب بن الورد: هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله؟ قال: لا، ولا من هم بالمعصية. وقال ذو النون: كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب. فمن جمع هذه الخصال الثلاثة المذكورة في هذا الحديث، فقد وجد حلاوة الإيمان وطعم طعمه. (فتح الباري لابن رجب)
وقوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) معناه أن من استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه وأمه وولده وزوجه وجميع الناس؛ لأن الهدى من الضلال والخلاص من النار إنما كان بالله على لسان رسوله، ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه، والله أعلم. (فتح الباري)
(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان» من كن فيه: يعني من اتصف بهن، «وجد بهن» يعني بسببهن، «حلاوة الإيمان» ليست حلاوة سكر ولا عسل، وإنما هي حلاوة أعظم من كل حلاوة. حلاوة يجدها الإنسان في قلبه، ولذة عظيمة لا يساويها شي، يجد انشراحًا في صدره، رغبة في الخير، حبًا لأهل الخير. حلاوة لا يعرفها إلا من ذاقها بعد أن حرمها. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
«أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» وهنا قال أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولم يقل: ثم رسوله؛ لأن المحبة هنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام هنا تابعة ونابعة من محبة الله سبحانه وتعالى.
فالإنسان يحب الرسول بقدر ما يحب الله، كلما كان لله أحب؛ كان للرسول – صلى الله عليه وسلم – أحب.
لكن مع الأسف أن بعض الناس يحب الرسول مع الله ولا يحب الرسول لله.
انتبهوا لهذا الفرق. يحب الرسول مع الله ولا يحب الرسول لله. كيف؟ تجده يحب الرسول أكثر من محبته لله، وهذا نوع من الشرك. أنت تحب الرسول لله؛ لأنه رسول الله، والمحبة في الأصل والأم محبة الله عزوجل، لكن هؤلاء الذين غلوا في الرسول – صلى الله عليه وسلم -، يحبون الرسول مع الله لا يحبونه لله، أي يجعلونه شريكًا لله في المحبة؛ بل أعظم من محبة الله. تجده إذا ذكر الرسول – صلى الله عليه وسلم – اقشعر جلده من المحبة والتعظيم، لكن إذا ذكر الله فإذا هو بارد لا يتأثر.
هل هذه محبة نافعة للإنسان؟ لا تنفعه، هذه محبة شركية، عليك أن تحب الله ورسوله، وأن تكون محبتك للرسول – صلى الله عليه وسلم – نابعة من محبة الله وتابعة لمحبة الله، «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» هذا الشاهد. تحب المرء لا تحبه إلا لله. لا تحبه لقرابة، ولا لمال، ولا لجاه، ولا لشيء من الدنيا، إنما تحبه لله.
أما محبة القرابة فهي محبة طبيعية. كل يحب قريبه محبة طبيعية، حتى البهائم تحب أولادها، تجد الأم من البهائم والحشرات تحب أولادها حتى يكبروا ويستقلوا بأنفسهم، ثم تبدأ بطردهم.
وإذا كان عندك هرة انظر إليها كيف تحنو على أولادها وتحملهم في أيام البرد، تدخلهم في الدفء، وتمسكهم بأسنانها، لكن لا تؤثر فيهم شيئًا؛ لأنها تمسكهم إمساك رحمة، حتى إذا فطموا واستقلوا بأنفسهم، بدأت تطردهم؛ لأن الله يلقي في قلبها الرحمة ما داموا محتاجين إليها، ثم بعد ذلك يكونون مثل غيرهم.
فالشاهد أن محبة القرابة محبة طبيعية، لكن إذا كان قريبك من عباد الله الصالحين، فأحببته فوق المحبة الطبيعية فأنت أحببته لله.
«أن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه؛ كما يكره أن يقذف في النار» يعني: يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه.
وهذه ظاهرة فيمن كان كافرًا ثم أسلم، لكن من ولد في الإسلام فيكره أن يكون في الكفر بعد أن من الله عليه بالإسلام كما يكره أن يقذف في النار، يعني أنه لو قذف في النار لكان أهون عليه من أن يعود كافرًا بعد إسلامه، وهذا والحمد لله حال كثير من المؤمنين. كثير من المؤمنين لو قيل له: تكفر أو نلقيك من أعلى شاهق في البلد أو نحرقك لقال: احرقوني. ألقوني من أعلى شاهق ولا أرتد من بعد إسلامي.
وهذا مراد الردة الحقيقية التي تكون في القلب، أما من أكره على الكفر فكفر ظاهرًا لا باطنًا، بل قلبه مطمئن بالإيمان، فهذا لا يضره لقوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلّا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ ولَكِنْ مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الحَياةَ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ) [النحل (106)، (107)]، لما قيل لهم: نقتلكم أو اكفروا، فباعوا الآخرة بالدنيا، وكفروا ليبقوا، فاستحبوا الدنيا على الآخرة، وأن الله لا يهدي القوم الكافرين (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
قال ابن باز:” يجب على المؤمن أن يحب في الله ويبغض في الله ويعادي في الله ويوالي في الله، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه … فالحب في الله من أهم واجبات الإيمان ومن أوثق عرى الإيمان … وثبت عنه صلى الله عليه وسلم يقول الله جل وعلا:” وجبت محبتي للمتاحبين فيَّ، والمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ ” وهذا وراه مالك بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، التزاور يكون في الله، التجالس يكون في الله، المحبة تكون في الله، العطاء يكون لله هكذا المؤمن، هذه المحبة تثمر التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم التساهل لأن موجب المحبة أن تأمره بالخير، وأن تنهاه عن الشر .. ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 88)
الشاهد من الحديث وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للَّهِ وهذا سبب لنيل محبة الله، قال القرطبي:” يعني: بالمرء هنا: المُسلِمَ المؤمنَ؛ لأنّه هو الذي يمكنُ أن يُخلَصَ لله تعالى في محبَّتِه، وأن يُتَقَرَّبَ لله تعالى باحترامِهِ وحُرمَتِه؛ فإنه هو الموصوفُ بالأخوَّة الإيمانيَّة، والمحبَّة الدينيَّة؛ كما قال تعالى: إنَّما المُؤمِنُونَ إخوَةٌ، وكما قال تعالى: فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إخوانًا.
وأن يَكرَهَ أن يَعُودَ فِي الكُفرِ بَعدَ أن أنقَذَهُ اللهُ مِنهُ كَما يَكرَهُ أن يُقذَفَ فِي النّارِ.
وقد أفاد هذا الحديثُ: أنّ محبَّةَ المؤمنِ الموصِّلَةَ لحلاوة الإيمان لا بدَّ أن تكونَ خالصةً لله تعالى، غيرَ مشوبةٍ بالأغراض الدنيويَّة، ولا الحظوظِ البشريَّة؛ فإنّ مَن أحبَّه لذلك، انقطعَت محبَّته إن حصَلَ له ذلك الغرَضُ أو يئِسَ مِن حصوله.
ومحبَّةُ المؤمن وظيفةٌ متعيِّنة على الدوام، وُجِدَتِ الأغراضُ أو عُدِمَت، ولمّا كانتِ المحبَّةُ للأغراضِ هي الغالبة، قَلَّ وِجدانُ تلك الحلاوة، بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمان التي قد امَّحى فيها أكثَرُ رسومِ الإيمان. وعلى الجملة: فمحبَّةُ المؤمنين من العبادات، التي لا بُدَّ فيها من الإخلاصِ في حُسنِ النيّات. (المفهم)
و (قوله: وأن يَكرَهَ أن يَعُودَ فِي الكُفرِ كَما يَكرَهُ أن يُقذَفَ فِي النّارِ) معنى يُقذَفَ: يُرمى، والقذفُ: الرمي. وهذه الكراهةُ مُوحيَةٌ؛ لما انكشَفَ للمؤمن من محاسن الإسلام، ولِما دخَلَ قلبَهُ من نور الإيمان، ولِما خلّصه الله مِن رذائلِ الجهالاتِ وقُبحِ الكفران، والحمدُ لله. (المفهم)
لا يستلزم أنه كان واقعا فيه فإن كل من أدخل الله الإسلام في قلبه فقد أنقذه الله من الكفر وإن لم يكن قد وقع في الكفر قبل ذلك؛ وهذا كما قال شعيب عليه السلام {قَدِ افْتَرَيْنا عَلى اللهِ كَذِبًا إنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إذْ نَجّانا الله} [الأعراف (89)] وقال تعالى {وكُنتُمْ عَلىَ شَفا حُفْرَةٍ مِّنَ النّارِ فَأنقَذَكُم مِّنْها} [آل عمران (103)] وقال تعالى {اللهُ ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُماتِ إلى النُّوُرِ} [البقرة (257)].
والمراد: أنه ينجيهم من الشرك ويدخلهم في الإيمان؛ وكثير منهم لم يكن داخلا في الشرك قط. (فتح الباري)
381 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌ نَشَأ في عِبادَةِ اللَّهِ عزوجل، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَساجِدِ ورَجُلان تَحابّا في اللَّهِ اجْتَمَعا عَلَيْهِ، وتَفَرَّقا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجَمالٍ، فَقال: إنِّي أخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ، فَأخْفاها حَتّى لاَ تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالِيًا فَفاضَتْ عَيْناهُ» متفقٌ عَلَيهِ.
قوله: (سبعة) وقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا ” من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له. (فتح الباري) وهناك كتاب للسيوطي بزوغ الهلال في الخصال الموجبة للظلال
قوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) قال ابن عثيمين:” فمعنى «يوم لا ظل إلا ظله» أو «يظلهم الله في ظله» يعني الظل الذي لا يقدر أحد عليه في ذلك الوقت؛ لأنه في ذلك الوقت لا بناء يبنى، ولا شجر يغرس، ولا رمال تقام، ولا أحجار تصفف، ولا شيء من هذا. قال الله عزوجل: (ويَسْألونَكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُها قاعًا صَفْصَفًا) لا تَرى فِيها عِوَجًا ولا أمْتًا)
ولا يظل الخلائق من الشمس شيء، لا بناء ولا شجر، ولا حجر، ولا غير ذلك. لكن الله عزوجل يخلق شيئًا يظلل به من شاء من عباده، يوم لا ظل إلا ظله، هذا هو معنى الحديث، ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 262)
سئلت اللجنة الدائمة: ما المراد بالظل المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) الحديث.
فأجابت: ” المراد بالظل في الحديث: هو ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى، كما جاء مفسرا في حديث سلمان رضي الله عنه في ” سنن سعيد بن منصور “، وفيه: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه) الحديث. حسن إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في (الفتح 2/ 144) ….. ، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء – المجموعة الثانية – ” (2/ 487).
قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام العادل) قال القاضي: هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه. ووقع في أكثر النسخ (الإمام العادل) وفي بعضها (الإمام العدل) وهما صحيحان. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن حجر:” المراد به صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه ” أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ” وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط” (فتح الباري) الجزاء من جنس العلم، فمن أظل الناس بعدله أظله الله في ظله.
قال العز بن عبدالسلام:” فالعادِلُ مِن الأئِمَّةِ والوُلاةِ والحُكّامِ أعْظَمُ أجْرًا مِن جَمِيعِ الأنامِ بِإجْماعِ أهْلِ الإسْلامِ، لِأنَّهُمْ يَقُومُونَ بِجَلْبِ كُلِّ صالِحٍ كامِلٍ، ودَرْءِ كُلِّ فاسِدٍ شامِلٍ” (قواعد الأحكام في مصالح الأنام ص142)
قوله صلى الله عليه وسلم: (وشاب نشأ بعبادة الله) هكذا هو في جميع النسخ: ” نشأ بعبادة الله ” والمشهور في روايات هذا الحديث: ” نشأ في عبادة الله ” وكلاهما صحيح، ومعنى رواية الباء: نشأ متلبسا للعبادة أو مصاحبا لها أو ملتصقا بها. (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر:” قوله: (وشاب) خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى” (فتح الباري)
روى الإمام أحمد في مسنده بإسناده عن عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ “. (الصحيحة)
روى الحاكم والبيهقي عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «يا شبابَ قرْيشٍ! احْفَظوا فروجَكُم، لا تَزْنوا، ألا مَن حفِظَ فَرْجَهُ؛ فلَهُ الجنَّةَ». (صحيح الترغيب)
وفي رواية للبيهقي: «يا فِتْيانَ قرْيشٍ! لا تَزْنوا، فإنّه مَن سَلِمَ له شَبابُهُ؛ دخَلَ الجنَّةَ».
قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل قلبه معلق في المساجد) هكذا هو في النسخ كلها ” في المساجد ” وفي غير هذه الرواية: ” بالمساجد ” ووقع في هذه الرواية في أكثر النسخ: ” معلق في المساجد “، وفي بعضها: ” متعلق ” بالتاء، وكلاهما صحيح، ومعناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد. (شرح مسلم للنووي)
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنّ للمساجد أوتادًا؛ الملائكة جلساؤهم، إنْ غابوا يفتقدونهم، إنْ مرضوا عادوهم، وإنْ كانوا في حاجة أعانوهم». ثمّ قال: «جليس المسجد على ثلاث خصالٍ: أخٌ مستفاد، أو كلمة حكمة، أو رحمة منتظَرة». (الصحيحة وصحيح الترغيب)
وضعفه محققوا المسند بابن لهيعة مسند أحمد (9424)، مع أن الراوي عنه قتيبة، والشيخ الألباني يصحح رواية قتيبة عن ابن لهيعة، وفيه دراج والأكثر على تضعيفه، قال الألباني: وهو مستقيم الحديث إلا ما كان روايته عن أبي الهيثم وورد عن عبد الله بن سلام قوله، وله حكم الرفع. انتهى
وجاء في الصحيحة «إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ قال: فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟»
قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) معناه: اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله، أي كان سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما. وفي هذا الحديث: الحث على التحاب في الله وبيان عظم فضله وهو من المهمات، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وهو بحمد الله كثير يوفق له أكثر الناس أو من وفق له. (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر:” المراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت.” (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” في هذا إشارة إلى أن المتحابين في الله لا يقطع محبتهم في الله شيء من أمور الدنيا، وإنما هم متحابون في الله لا يفرقهم إلا الموت، حتى لو أن بعضهم أخطأ على بعض، أو قصر في حق بعض، فإن هذا لا يهمهم؛ لأنه إنما أحبه لله عزوجل، ولكنه يصحح خطأه ويبين تقصيره؛ لأنه هذا من تمام النصيحة” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 263)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) قال القاضي: يحتمل قوله: (أخاف الله) باللسان، ويحتمل قوله في قلبه ليزجر نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها، وهي جامعة للمنصب والجمال لا سيما وهي داعية إلى نفسها، طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى – وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال – من أكمل المراتب وأعظم الطاعات، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله، وذات المنصب، هي: ذات الحسب والنسب الشريف. (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر:” قوله: (فقال إني أخاف الله) زاد في رواية كريمة ” رب العالمين ” والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها، ويحتمل أن يقوله بقلبه، قال عياض قال القرطبي: إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء. (فتح الباري) ” (
ومعنى (دعته) أي دعته إلى الزنا بها، هذا هو الصواب في معناه. وذكر القاضي فيه احتمالين أصحهما هذا، والثاني: أنه يحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها أو أن الخوف من الله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها. (شرح مسلم للنووي)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات نسخ مسلم: ” لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ” والصحيح المعروف: ” حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ” هكذا رواه مالك في الموطإ والبخاري في صحيحه وغيرهما من الأئمة وهو وجه الكلام؛ لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين. قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم لا من مسلم بدليل إدخاله بعده حديث مالك – رحمه الله – وقال بمثل حديث عبيد، وبين الخلاف في قوله: (وقال: رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود) فلو كان ما رواه مخالفا لرواية مالك لنبه عليه كما نبه على هذا. وفي هذا الحديث فضل صدقة السر، قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع فالسر فيها أفضل؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء. وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل، وهكذا حكم الصلاة فإعلان فرائضها أفضل، وإسرار نوافلها أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ” أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ” قال العلماء: وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة، وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال وملازمتها لها، ومعناه: لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الإخفاء. ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد من عن يمينه وشماله من الناس، والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه) فيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى، وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن حجر:” ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم أي مع الرجال في الأعمال فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم. وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن، حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها، أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه.” (فتح الباري)
382 – وعنه قالَ: قالَ رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «إنّ اللَّه تَعالى يقولُ يَوْمَ القِيامةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلالِي؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَومَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي» رواه مسلم.
فيه دليل لجواز قول الإنسان: الله يقول، وهو الصواب. (شرح مسلم للنووي) ففيه إثبات صفة الكلام.
قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ القِيامَةِ: أيْنَ المُتَحابُّونَ) قال القرطبيّ: هذا نداء تنويه، وإكرام، ويجوز أن يخرج هذا الكلام مخرج الأمر لمن يُحضرهم مكرمين، مُنَوَّهًا بهم. انتهى (المفهم).
(بِجَلالِي)؛ أي: بعظمتي، وطاعتي، لا للدنيا، قاله النوويّ.
وقال القرطبيّ: قوله: «لجلالي» رُوي باللام، وبالباء، ومعناهما متقاربٌ؛ لأن المقصود بهما هنا السببيّة؛ أي: لعظيم حقي، وحرمة طاعتي، لا لغرض من أغراض الدنيا. انتهى (المفهم)
قال الباجي:” أين المتحابون لجلالي يريد – والله أعلم – لعظمته وعلو شأنه وتحابهم بذلك إنما هو أن يحب كل واحد منهم الآخر لطاعة الله عز وجل وإيمانه به وامتثاله أوامره وانتهائه عما نهاه عنه فهذان هما المتحابان في الله تبارك وتعالى” (المنتقى شرح موطأ مالك)
وقال ابن عبد البرّ: معنى قوله فيه -والله أعلم-: أين المتحابون لجلالي؟: أين المتحابون إجلالًا لي، ومحبةً فيّ، فمن إجلال الله عزوجل إجلال أولياء الله، ومحبتهم، كما جاء في الأثر:» من إجلال الله عزوجل إجلال ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه «، وإذا كان ذِكرهم، وذِكر فضائلهم عمل بِرّ، فما ظنك بحبهم، وإخلاص الودّ لهم؟
وقوله تعالى: ” يوم لا ظل إلا ظلي ” أي: أنه لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا، وجاء في غير مسلم: ” ظل عرشي “، قال القاضي: ظاهره أنه في ظله من الحر والشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلق، قال: وهذا قول الأكثرين. (شرح مسلم للنووي)
قال الباجي:” يحتمل أن يريد – والله أعلم – أن الناس يضجون يوم القيامة وتدنو الشمس منهم فيشتد عليهم الحر ولا ظل ذلك اليوم إلا ظله عز وجل فمن أظله الله في ظله ذلك اليوم فقد رحمه الله وفاز وقال: عيسى بن دينار يقول أكنه من المكاره كلها وأكنفه في كنفي وأكرمه ولم يرد بهذا شيئا من الظل ولا الشمس والله أعلم وأحكم.
قال القرطبيّ: وأولى من هذا التأويل أنه يعني به ظل العرش، كما قد جاء في رواية أخرى، فيعني -والله تعالى أعلم-: أن في القيامة ظلالًا بحسب الأعمال الصالحة، تقي صاحبها من وهَج الشمس، ولَفْح النار، وأنفاس الخَلْق، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: «كلّ امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس»
ولكن ظل العرش أعظم الظلال، وأشرفها، فيخصّ الله به من يشاء من صالِح عباده، ومن جملتهم المتحابون لجلال الله. [فإنْ قيل]: كيف يقال: في القيامة ظلالٌ بحسب الأعمال، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه»، وهو ظلّ العرش المذكور في الحديث؟
[قلنا]: يمكن أن يقال: كل ظل في القيامة إنما هو له؛ لأنّه بخلقه، واختراعه، بحسب ما يريده تعالى، من إكرام من يخصّه به، فعلى هذا يكون كل واحد من هؤلاء السبعة في ظل يخصه، وكلّها ظل الله، لا ظل غيره؛ إذ ليس لغيره هنالك ظل، ولا يقدر له على سَبَب. ويَحْتَمِل أن يقال: إنّه ليس هنالك إلا ظل واحد، وبه يستظلّ المؤمنون، لكن لمّا كان الاستظلال بذلك الظلّ لا يُنال إلا بالأعمال الصالحات، نُسِب لكل عمل ظلّ؛ لأنه به وصَل إليه، والله تعالى أعلم.
وهذا كلّه بناءٌ على أن الظلال حقيقةٌ، لا مجازٌ، وهو قول جمهور العلماء. (المفهم)
قال ابن تيمية:” فاتِّباعُ سُنَّةِ رَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم – وشَرِيعَتِهِ باطِنًا وظاهِرًا هِيَ مُوجِبُ مَحَبَّةِ اللَّهِ كَما أنَّ الجِهادَ فِي سَبِيلِهِ ومُوالاةَ أوْلِيائِهِ ومُعاداةَ أعْدائِهِ هُوَ حَقِيقَتُها كَما فِي الحَدِيثِ: {أوْثَقُ عُرى الإيمانِ الحُبُّ فِي اللَّهِ والبُغْضُ فِي اللَّهِ}
وفِي الحَدِيثِ. {مَن أحَبَّ لِلَّهِ وأبْغَضَ لِلَّهِ وأعْطى لِلَّهِ ومَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإيمانَ}. وكَثِيرٌ مِمَّنْ يَدَّعِي المَحَبَّةَ هُوَ أبْعَدُ مِن غَيْرِهِ عَنْ اتِّباعِ السُّنَّةِ وعَنْ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنْ المُنْكَرِ والجِهادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ويَدَّعِي مَعَ هَذا أنَّ ذَلِكَ أكْمَلُ لِطَرِيقِ المَحَبَّةِ مِن غَيْرِهِ لِزَعْمِهِ أنَّ طَرِيقَ المَحَبَّةِ لِلَّهِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرَةٌ ولا غَضَبٌ لِلَّهِ وهَذا خِلافُ ما دَلَّ عَلَيْهِ الكِتابُ والسُّنَّةُ ولِهَذا فِي الحَدِيثِ المَاثُورِ. {يَقُولُ اللَّهُ تَعالى يَوْمَ القِيامَةِ أيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلالِي؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلِّي} فَقَوْلُهُ أيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلالِ اللَّهِ تَنْبِيهٌ عَلى ما فِي قُلُوبِهِمْ مِن إجْلالِ اللَّهِ وتَعْظِيمِهِ مَعَ التَّحابِّ فِيهِ وبِذَلِكَ يَكُونُونَ حافِظِينَ لِحُدُودِهِ دُونَ الَّذِينَ لا يَحْفَظُونَ حُدُودَهُ لِضَعْفِ الإيمانِ فِي قُلُوبِهِمْ وهَؤُلاءِ الَّذِينَ جاءَ فِيهِمْ الحَدِيثُ {حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحابِّينَ فِيَّ وحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَجالِسِين فِيَّ وحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزاوِرِينَ فِيَّ وحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَباذِلِينَ فِيَّ} والأحادِيثُ فِي المُتَحابِّينَ فِي اللَّهِ كَثِيرَةٌ. (مجموع الفتاوى ابن تيمية)
قال ابن باز في تعليقه على هذا الحديث:”هذا تنويه وإظهارلشرفهم وفضلهم على رؤوس الأشهاد، ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 89)
383 – وعنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حَتّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلى شَيءٍ إذا فَعَلْتُمُوه تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينَكم» رواه مسلم.
(والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا) قال النووي:” هكذا هو في جميع الأصول والروايات: ” ولا تؤمنوا “، بحذف النون من آخره، وهي لغة معروفة صحيحة. (شرح مسلم)
قوله صلى الله عليه وسلم: ” لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ” فهو على ظاهره وإطلاقه فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمنا وإن لم يكن كامل الإيمان، فهذا هو الظاهر من الحديث. وقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله. معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحاب. ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك. وهذا الذي قاله محتمل. والله أعلم. (شرح مسلم للنووي) الأولى نفي الصحة والثانية نفي الكمال.
قوله صلى الله عليه وسلم: ” ولا تؤمنوا حتى تحابوا ” معناه لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب. (شرح مسلم للنووي) أي أن المحبة من مكملات الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من أعطى للهِ، ومنع للهِ، وأحبَّ لله، وأبغضَ للهِ، وأنكح للهِ، فقد استكمل إيمانَه” رواه الترمذي
وأما قوله: (أفشوا السلام بينكم) فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم؛ من عرفت ومن لم تعرف، كما تقدم في الحديث الآخر. والسلام أول أسباب التألف، ومفتاح استجلاب المودة. وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار. وروى غير البخاري هذا الكلام مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبذل السلام للعالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام، كلها بمعنى واحد. وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به (شرح مسلم للنووي)
قال الطيبي: جعل إفشاء السلام سببا للمحبة والمحبة سببا لكمال الإيمان لأن إفشاء السلام سبب للتحابب والتواد أو هو سبب الألفة والجمعية بين المسلمين المسبب لكمال الدين وإعلاء كلمة الإسلام، وفي التهاجر والتقاطع التفرقة بين المسلمين وهي سبب لانثلام الدين والوهن في الإسلام” (تحفة الاحوذي)
إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ، أفْشُوا) بقطع الهمزة المفتوحة فعل أمر من الإفشاء (السَّلامَ بَيْنَكُمْ) معنى إفشائه: إظهاره، وإشاعته، وإقراؤه على المعروف وغير المعروف، قاله القرطبيّ.
وقال السنديّ: والمراد نشر السلام بين الناس؛ ليُحيُوا سنته – صلى الله عليه وسلم -، قال النوويّ: أقلّه أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلَّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنّة، ذكره السيوطيّ في «حاشية أبي داود» في شرح هذا اللفظ.
قال السنديّ: ظاهره أنه حمل الإفشاء على رفع الصوت به، والأقرب حمله على الإكثار. انتهى
قال الأتيوبي: الأوْلى حمله على المعنيين؛ إذ لا تنافي بينهما، فيكون المراد بالإفشاء رفع الصوت بالسلام وإكثاره بين الناس.” (البحر المحيط)
في هذا الحديث أن الحب في الله من الإيمان
384 – وعنه عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: «أنَّ رَجُلًا زار أخًا لَهُ في قَرْيَةٍ أُخْرى، فَأرْصَد اللَّهُ لَهُ عَلى مَدْرَجتِهِ مَلَكًا» وذكر الحديث إلى قوله: «إن اللَّه قَدْ أحَبَّكَ كَما أحْبَبْتَهُ فِيهِ» رواه مسلم. وقد سبق بالبابِ قبله.
فيه إثبات محبة الله لعباده، فيه فضل المحبة لله تعالى.
385 – وعن البَراءِ بْنِ عازبٍ -رضي الله عنه- عن النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنه قالَ في الأنْصار: «لاَ يُحِبُّهُمْ إلاَّ مُؤمِنٌ، ولا يُبْغِضُهُمْ إلاَّ مُنافِقٌ، مَن أحَبَّهُمْ أحبَّه اللَّهُ، ومَن أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ اللَّه» متفقٌ عَلَيهِ.
جاء في رواية في الصحيحين عَنْ أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” آيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الْأَنْصَارِ “.
مَن عَرَفَ مَرْتَبَةَ الأنْصارِ وما كانَ مِنهُمْ فِي نُصْرَةِ دِينِ الإسْلامِ والسَّعْيِ فِي إظْهارِهِ وإيواءِ المُسْلِمِينَ وقِيامِهِمْ فِي مُهِمّاتِ دِينِ الإسْلامِ حَقَّ القِيامِ وحُبِّهِمُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وحُبِّهِ إيّاهُمْ وبَذْلِهِمْ أمْوالَهُمْ وأنْفُسَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وقِتالِهِمْ ومُعاداتِهِمْ سائِرَ النّاسِ إيثارًا لِلْإسْلامِ ثُمَّ أحَبَّ الأنْصار … َ لِهَذا … كانَ ذَلِكَ مِن دَلائِلِ صِحَّةِ إيمانِهِ وصِدْقِهِ فِي إسْلامِهِ لِسُرُورِهِ بِظُهُورِ الإسْلامِ والقِيامِ بِما يُرْضِي اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى ورَسُولَهُ – صلى الله عليه وسلم – ومَن أبْغَضَهُمْ كانَ بِضِدِّ ذَلِكَ واسْتُدِلَّ بِهِ عَلى نِفاقِهِ وفَسادِ سَرِيرَتِهِ واللَّهُ أعْلَمُ” (شرح مسلم للنووي)
قال ابن حجر:” ابن التين: المراد حب جميعهم وبغض جميعهم؛ لأن ذلك إنما يكون للدين، ومن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له فليس داخلا في ذلك. وهو تقرير حسن.” (فتح الباري)
قوله (من أحب الأنصار) لنصرتهم لدينه تعالى كذلك من أبغضهم وإلا فكثيرا ما تجري معاملة تؤدي إلى المحبة والبغض وهما خارجان عما يقتضيه المقام. (حاشية ابن ماجه للسندي)
قال ابن تيمية:” إنما خص الأنصار والله أعلم لأنهم هم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين وآووا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونصروه ومنعوه وبذلوا في إقامة الدين النفوس والأموال وعادوا الأحمر والأسود من أجله وآووا المهاجرين وواسوهم في الأموال وكان المهاجرون إذ ذاك قليلا غرباء فقراء مستضعفين ومن عرف السيرة وأيام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما قاموا به من الأمر ثم كان مؤمنا يحب الله ورسوله لم يملك أن لا يحبهم كما أن المنافق لا يملك أن لا يبغضهم وأراد بذلك والله أعلم أن يعرف الناس قدر الأنصار لعلمه بأن الناس يكثرون والأنصار يقلون وأن الأمر سيكون في المهاجرين فمن شارك الأنصار في نصر الله ورسوله بما أمكنه فهو شريكهم في الحقيقة كما قال تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصارَ اللَّهِ} فبغض من نصر الله ورسوله من أصحابه نفاق.” (الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية)
قال القرطبي:” حُبُّ الأنصارِ من حيث كانوا أنصارَ الدِّينِ ومُظهِريهِ، وباذلين أموالَهُم وأنفُسَهُم في إعزازِهِ وإعزازِ نبيِّه وإعلاءِ كلمته دلالةٌ قاطعةٌ على صِحَّةِ إيمانِ مَن كان كذلك، وصحَّةِ محبَّته للنبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، وبُغضُهم كذلك دلالةٌ قاطعةٌ على النفاق.
وكذلك القولُ في حُبِّ عليٍّ وبغضه؛ فمَن أحبَّه لسابقته في الإسلام، وقِدَمِهِ في الإيمان، وغَنائِهِ فيه، وذوده عنه وعن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ولمكانته من النبي – صلى الله عليه وسلم – وقرابتِهِ ومصاهرته، وعلمِهِ وفضائله، كان ذلك منه دليلًا قاطعًا على صِحَّةِ إيمانه ويقينِهِ ومحبتِهِ للنبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ومَن أبغضَهُ لشيء من ذلك، كان على العكس.
قال القرطبي:”هذا المعنى جارٍ في أعيان الصحابة كالخلفاء، والعَشَرة، والمهاجرين، بل وفي كُلِّ الصحابة؛ إذ كُلُّ واحدٍ منهم له شاهد وغَناءٌ في الدِّين، وأثَرٌ حَسَنٌ فيه؛ فحبُّهم لذلك المعنى محضُ الإيمان، وبُغضُهُم له محضُ النفاق، وقد دَلَّ على صحَّة ما ذكرناه: قوله – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجه البَزّار في أصحابه كلِّهم: فَمَن أحبَّهم فبحبِّي أحبَّهم، ومَن أبغضَهُم فببغضي أبغَضَهُم ((1)). لكنَّهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين، فمنهم المتمكِّن الأمكن، والتالي والمقدَّم، خَصَّ الأمكَنَ منهم بالذكر في هذا الحديث، وإن كان كلٌّ منهم له في السوابق أشرَفُ حديث، وهذا كما قال العليُّ الأعلى: لا يَستَوِي مِنكُم مَن أنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وقاتَلَ، إلى قوله: وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسنى.
تنبيه: مَن أبغض بعضَ مَن ذَكَرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها، بل لأمرٍ طارئ، وحدَثٍ واقعٍ؛ من مخالفةِ غَرَضٍ، أو ضررٍ حصل، أو نحو ذلك: لم يكن كافرًا، ولا منافِقًا بسبب ذلك؛ لأنهم – رضي الله عن جميعهم – قد وقعت بينهم مخالفاتٌ عظيمة، وحروبٌ ((2)) هائلة، ومع ذلك فلم يكفِّر بعضُهُم بعضًا، ولا حُكِمَ عليه بالنفاقِ لِما جرى بينهم من ذلك، وإنما كان حالُهُم في ذلك حالَ المجتهدين في الأحكام؛ فإمّا أن يكونَ كلُّهم مصيبًا فيما ظهَرَ له. أو المصيبُ واحدٌ، والمخطئُ معذور، بل مخاطبٌ بالعملِ على ما يراه ويظنُّه مأجور.
فمَن وقع له بُغضٌ في واحد منهم لشيءٍ من ذلك، فهو عاصٍ يجبُ عليه التوبةُ من ذلك، ومجاهدةُ نفسه في زوال ما وقَعَ له من ذلك، بأن يذكر فضائلَهُم وسوابقَهُم، وما لهم على كلِّ مَن بعدَهم مِنَ الحقوقِ الدينيَّةِ والدنيوية؛ إذ لم يصل أحدٌ ممن بعدهم بشيءٍ من الدنيا ولا الدِّينِ إلا بهم، وبسببهم وأدبهم وصلَت، مَن أحَبَّهُم أحَبَّهُ اللهُ، ومَن أبغَضَهُم أبغَضَهُ اللهُ.” (المفهم)
قال ابن زمنين:” ومِن قَوْلِ أهْلِ اَلسُّنَّةِ أنْ يَعْتَقِدَ اَلْمَرْءُ اَلْمَحَبَّةَ لِأصْحابِ اَلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وأنْ يَنْشُرَ مَحاسِنَهُمْ وفَضائِلَهُمْ، ويُمْسِكَ عَنْ اَلْخَوْضِ فِيما دارَ بَيْنَهُمْ.” (أصول السنة لأبي زمنين)
قال الصابوني:” فمن أحبهم، وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقوقهم، وعرف فضلهم فهذا من الفائزين، ومن أبغضهم، وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم إليه الروافض والخوارج -لعنهم الله- فقد هلك في الهالكين”
فيه أن حب أولياء الله من الإيمان أنه سبب لحب الله، وفيه وجوب حب الأنصار لأن بعضهم نفاق.
386 – وعن مُعاذٍ رضي الله عنه، قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يقول: «قالَ اللَّهُ عزوجل: المُتَحابُّونَ في جَلالي، لَهُمْ مَنابِرُ مِن نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ والشُّهَداءُ».
رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
مر معنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي” رواه مسلم
قال الإمام أبو يعلى بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء» قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: «هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إن خاف الناس ولا يحزنون إن حزن الناس» ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (الصحيح المسند للشيخ مقبل 1433)
روى الطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لَيَبْعَثنَّ الله أقْوامًا يومَ القِيامَةِ في وُجوهِهِمُ النورُ، على مَنابِرِ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبطُهُم الناسُ، لَيْسوا بأنْبِياءَ ولا شُهَداءَ». قال: فَجثى أعْرابِيٌّ على رُكْبَتيْهِ، فقالَ: يا رسولَ الله! جَلِّهِمْ لنا نَعْرِفْهُمْ؟ قال: «هُم المتَحابُّونَ في الله مِن قَبائلَ شَتّى، وبِلادٍ شَتّى يَجْتَمِعونَ، على ذِكْرِ الله يَذْكُرونَهُ». (صحيح الترغيب3025)
عن وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إنّ مِن عبادِ الله لأُناسًا ما هُمْ بأنْبِياءَ ولا شُهداءَ، يَغْبِطُهُم الأنبِياءُ والشُّهَداءُ يومَ القِيامَةِ بمكانِهِمْ مِنَ الله».
قالوا: يا رسولَ الله! فخَبِّرْنا مَن هُمْ؟ قال: «هُم قومٌ تَحابُّوا بِرُوحِ الله على غَيْرِ أرْحامٍ بَيْنَهُمْ، ولا أمْوالٍ يَتَعاطَونَها، فوالله إنّ وجُوهَهُم لَنورٌ، وإنّهم لَعلى نورٍ، ولا يَخافُونَ إذا خافَ الناسُ، ولا يَحْزَنُونَ إذا حَزِنَ الناسُ. وقَرأ هذهِ الآيَةَ: {ألا إنَّ أوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ}». (صحيح الترغيب 3026)
قوله: (المتحابون في جلالي) أي لأجل إجلالي وتعظيمي (تحفة الأحوذي)
(على منابر من نور) قال ابن علان:” المنابر جمع منبر بكسر فسكون ففتح، من النبر وهو العلو (دليل الفالحين)
(يغبطهم النبيون والشهداء) قال القاري: بكسر الموحدة من الغبطة بالكسر، وهي تمني نعمة على ألا تتحول عن صاحبها، بخلاف الحسد فإنه تمني زوالها عن صاحبها فالغبطة في الحقيقة عبارة عن حسن الحال كذا قيل. وفي القاموس: الغبطة حسن الحال والمسرة، فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللغوي، فمعنى الحديث يستحسن أحوالهم الأنبياء والشهداء. قال: وبهذا يزول الإشكال الذي تحير فيه العلماء. (تحفة الأحوذي) الإشكار أن الأنبياء والشهداء مرتبتهم أعلى من هؤلاء.
وقال القاضي: كل ما يتحلى به الإنسان أو يتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله منزلة لا يشاركه فيه صاحبه ممن لم يتصف بذلك وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون له مثل ذلك مفهوما إلى ما له من المراتب الرفيعة أو المنازل الشريفة، وذلك معنى قوله: يغبطهم النبيون والشهداء فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة والخاصة، إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقها، والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة وفازوا بالفوز الأكبر، فلعلهم لن يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء، فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله، ودوا لو كانوا ضامين خصالهم فيكونون جامعين بين الحسنتين وفائزين بالمرتبتين. وقيل إنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على هؤلاء بل بيان فضلهم وعلو شأنهم وارتفاع مكانهم وتقريرها على آكد وجه وأبلغه. والمعنى أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم. (تحفة الأحوذي)
قال ابن علان:” فدل هذا الحديث القدسي على أن لهؤلاء العباد منازل شريفة عظيمة في الآخرة، ولا يلزم من تمني الأنبياء أن يكون أولئك أفضل من الأنبياء، لأنه قد يكون لك مائة فرس من العتاق ثم ترى لأخيك فرسًا فتشتهي أن تشرتيه منه أو تشتري مثله وهذا من هذا القبيل، ويجوز أنه لم يقصد النظر إلى معنى الغبطة أصلًا، وإنما أريد بيان فضلهم وشرفهم عند الله فقط (دليل الفالحين)
387 – وعن أبي إدريس الخَولانيِّ -رحمه الله- قالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإذا فَتًى بَرّاقُ الثَّنايا وإذا النّاسُ مَعهُ، فَإذا اخْتَلَفُوا في شَيءٍ، أسْنَدُوهُ إلَيْهِ، وصَدَرُوا عَنْ رَايهِ، فَسَألْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذا مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ، هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فانْتَظَرْتُهُ حَتّى قَضى صلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِن قِبَلِ وجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: واللَّهِ إنِّي لأحِبُّكَ للَّهِ، فَقالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أللَّهِ، فَقالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أللَّهِ، فَأخَذَني بِحَبْوَةِ رِدائي، فَجَبذَني إلَيْهِ، فَقالَ: أبْشِرْ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يقول: «قالَ اللَّهُ تَعالى وجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، والمُتَزاوِرِينَ فيَّ، والمُتَباذِلِينَ فيَّ» حديث صحيح رواه مالِكٌ في المُوطَّإ بإسنادِهِ الصَّحيحِ.
قَوْلُهُ «هَجَّرْتُ» أيْ بَكَّرْتُ، وهُوَ بتشديد الجيم قوله: «آللَّهِ فَقُلْتُ: أللَّهِ» الأوَّلُ بهمزةٍ ممدودةٍ للاستفهامِ، والثاني بِلا مدٍ.
قال سعيد بن عبدالعزيز عن أبي سعيد الخولاني:” كان عالم الشام بعد أبي الدرداء (دليل الفالحين 1/ 600) قال الذهبي:” أبُو إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيُّ عائِذُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، ويُقالُ فِيهِ: عَيِّذُ اللهِ بنُ إدْرِيسَ بنِ عائِذِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قاضِي دِمَشْقَ، وعالِمُها، وواعِظُها. وُلِدَ: عامَ الفَتْحِ.” (سير أعلام النبلاء 4/ 272)
(دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ) فيه اجتماع الناس في المساجد مع العلماء لأخذ العلم، وهذا الأصل، أم المدارس بنيت بعد الأربعمئة كما ذكر ابن تيمية، حيث قال:” وأُحْدِثَتْ «المَدارِسُ» لِأهْلِ العِلْمِ.
وأُحْدِثَتْ «الرُّبُطَ، والخَوانِقَ» لِأهْلِ التَّعَبُّدِ، وأظُنُّ مَبْدَأ انْتِشارِ «لِأهْلِ العِلْمِ ذَلِكَ فِي» دَوْلَةِ السَّلاجِقَةِ «، فَأوَّلُ ما بُنِيَتْ المَدارِسُ والرِّباطاتُ لِلْمَساكِينِ، ووُقِفَتْ عَلَيْها وُقُوفٌ تَجْرِي عَلى أهْلِها فِي وزارَةِ» نِظامِ المُلْكِ «، وأمّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ ذِكْرُ المَدارِسِ، وذِكْرُ الرُّبُطِ؛ لَكِنْ ما أظُنُّ كانَ مَوْقُوفًا عَلَيْها لِأهْلِها؛ وإنَّما كانَتْ مَساكِنَ مُخْتَصَّةً، وقَدْ ذَكَرَ الإمامُ مَعْمَرُ بْنُ زِيادٍ مِن أصْحابِ الواحِدِيِّ فِي» أخْبارِ الصُّوفِيَّةِ «أنَّ أوَّلَ دُوَيْرَةٍ بُنِيَتْ لَهُمْ فِي البَصْرَةِ.
وأمّا» المَدارِسُ «فَقَدْ رَأيْتُ لَها ذِكْرًا قَبْلَ دَوْلَةِ السَّلاجِقَةِ فِي أثْناءِ المِائَةِ الرّابِعَةِ، ودَوْلَتُهُمْ إنّما كانَتْ فِي المِائَةِ الخامِسَةِ،”
(فإذا فتى شاب براق الثنايا) قال: عيسى بن دينار يريد أبيض الثغر حسنه وقيل معناه كثير التبسم طلق الوجه والأول أظهر (المنتقى شرح موطأ مالك) قال ابن الأثير:” وصَف ثَناياهُ بِالحُسْنِ والصَّفاءِ، وأنَّها تَلْمع إذا تبسَّم كالبَرْقِ، وأرادَ صِفة وجْهه بالبشْر والطلاَّقة.” (النهاية)
قال الزرقاني:” أيْ أبْيَضُ الثَّغْرِ حَسَنُهُ، قالَهُ أبُو عُمَرَ، وقِيلَ مَعْناهُ: كَثِيرُ التَّبَسُّمِ، وفِي رِوايَةٍ: أدْعَجُ العَيْنَيْنِ، وفِي أُخْرى: وضِيءُ الوَجْهِ أكْحَلُ العَيْنَيْنِ” (شرح الزرقاني على الموطأ 4/ 553)
قال ابن الأثير:” الكَحَل بفَتْحَتين: سَواد فِي أجْفانِ العَيْن خِلْقة، والرجُل أكْحَلُ وكَحِيلٌ.
وقال أيضا:” الدَّعَجُ والدُّعْجَةُ: السَّوادُ فِي العَين وغَيْرِها، يُرِيدُ أنَّ سَوادَ عَيْنَيهِ كانَ شديدَ السَّواد. وقِيلَ: الدَّعَجُ: شِدَّةُ سَواد العَين فِي شِدَّة بَياضِها”
(وقوله وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه) يريد – والله أعلم – ردوا إليه النظر فيه والتحكيم له في تصحيحه ما رآه من أقوالهم ورد ما يرى رده (المنتقى)
(وإذا النّاسُ مَعهُ) أتباع له لكونه صحابيا عالما فقيها. (دليل الفالحين لابن علان 1/ 600)
فيصدرون عن قوله يريد يصدرون عن ذلك الاختلاف إلى الاتفاق على اتباع قوله. (المنتقي)
فيه تعظيم العالم، قال سهل التستري:” (لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم”
وقوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل قال: أحمد بن خالد وهم أبو حازم في هذا القول وإنما هو عبادة بن الصامت رواه شعبة عن يعلى بن عطاء سمعت الوليد بن عبد الرحمن يحدث عن أبي إدريس الخولاني: لقيت عبادة بن الصامت وذكر الحديث الذي ذكره أبو حازم عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل ويدل على صحة هذا ما رواه ابن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني أدركت عبادة بن الصامت وأبا الدرداء وشداد بن أوس وفاتني معاذ بن جبل وقد قال: الوليد بن مسلم أدرك أبو إدريس معاذ بن جبل وهو ابن عشر سنين وقال: جماعة من أهل هذا الشأن ولد أبو إدريس عام حنين وتوفي معاذ بن جبل في طاعون عمواس وكان سنة ثمان عشرة فعلى هذا يحتمل أن يكون سمع منه هذا الحديث خاصة ومعنى قوله في رواية الزهري فاتني معاذ بن جبل فاتته صحبته ولن يأخذ عنه الكثير كما صحب وأخذ الكثير عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء وشداد بن أوس – والله أعلم – وأحكم. (المنتقى)
قال ابن عبدالبر:” زَعَمَ قَوْمٌ أنَّ هَذا الحَدِيثَ خَطَأٌ فَقالَ قَوْمٌ وهِمَ فِيهِ مالِكٌ وأسْقَطَ مِن إسْنادِهِ أبا مُسْلِمٍ الخَوْلانِيَّ وزَعَمُوا أنَّ أبا إدْرِيسَ رَواهُ عَنْ أبِي مُسْلِمٍ عَنْ مُعاذٍ وقالَ آخَرُونَ وهِمَ فِيهِ أبُو حازِمٍ وغَلَطَ فِي قَوْلِهِ عَنْ أبِي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ أنَّهُ لَقِيَ مُعاذَ بْنَ جبل، ثم قال:” هَذا كُلُّهُ تَخَرُّصٌ وتَظَنُّنٌ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا وقَدْ رَواهُ غَيْرُ مالِكٍ جَماعَةٌ عَنْ أبِي حازِمٍ كَما رَواهُ مالِكٌ سَواءٌ ورُوِيَ أيْضًا عَنْ أبِي إدريس من وجوه شتى غير طَرِيقِ أبِي حازِمٍ أنَّهُ لَقِيَ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وسَمِعَ مِنهُ فَلا شَيْءَ فِي هَذا عَلى مالِكٍ ولا عَلى أبِي حازِمٍ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ والِاتِّساعِ فِي عِلْمِهِ (التمهيد 21/ 125)
معاذ بن جبل الأنصار الذي قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم ” أعلم أمتي بالحلال الحرام معاذ” (الصحيحة 1224) وفي الصحيح الجامع ” إن العلماء إذا حضروا ربهم كان معاذ بن جبل بين أيديهم رتوة بحجر” أي يسبقهم برمية حجر.
وقوله: (فهجرت إلى المسجد فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي)
هجرت أي بكرت.
(وقوله فقلت: والله إني لأحبك لله قال: آلله فقلت: ألله) دليل على أن الأيمان كانت تجري على ألسنتهم على معنى تحقيق الخبر ويؤكد بتكرارها واستدعاء تأكيدها والله أعلم (المنتقى)
(فسلمت عليه ثم قلت: والله إني لأحبك) القسم للتأكيد وكأنه طلبًا لإقباله عليه (دليل الفالحين)
(وقوله فأخذ بحبوة ردائي) يريد بما يحتبي به من الرداء وهو طرفاه وجبذني إلى نفسه على معنى التقريب له والتأنيس وإظهار القبول لما أخبر به وتبشيره بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك. (المنتقى)
(فَقالَ: أبْشِرْ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يقول: قالَ اللَّهُ تَعالى وجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، والمُتَزاوِرِينَ فيَّ، والمُتَباذِلِينَ فيَّ) قال ابن باز:”فينبغي للمؤمن أن يكون له نصيب من هذا وأن يكون من المتحابين في الله مع إخوانه المتزاورين المتباذلين والبذل العطاء؛ يعني: يعطي لله ويمنع لله ويزور أخاه في الله ويجالسه لله ويحبه لله، هذا هو المقصود، لا من أجل نسب أو قرابة أو صداقة خاصة في الدنيا، ولكن يكون الباعث هو الحب في الله، هذا له بركته العظيمة وفضله الكبير ويدل على صفاء الإيمان وقوة الإيمان والرغبة فيما عند الله عزوجل؛ لأنه أحبه لله لا لقرابة أو مال أو غير ذلك” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 93)
قال فيصل آل مبارك:” فيه: تنبيه على أنّ الأدب لمن جاء إلى مشغول بطاعة الله تعالى إن لا يلهيه عما هو فيه.
وفيه: أن الأدب قَصْدُ الإنسان من قِبَلِ وجهه.
وفيه: فضل التحابّ والتجالس والتزاور في الله.” (تطريز رياض الصالحين)
388 – عن أبي كَريمةَ المِقْدادِ بن مَعْدِ يكَرب رضي الله عنه عن النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ «إذا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ، فَلْيُخْبِرْه أنَّهُ يُحِبُّهُ» رواه أبُو داود، والترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.
روى وكيع في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” «إذا أحَبَّ أحَدُكُمْ أخاهُ لِلَّهِ، فَلْيُبَيِّنْ لَهُ فَإنَّهُ خَيْرٌ فِي الأُلْفَةِ وأبْقى فِي المَوَدَّةِ» (الصحيحة 1199)
قال الخطابي:” معناه الحث على التودد والتألف وذلك أنه إذا أخبره بأنه يحبه استمال بذلك قلبه واجتلب به وده.
وفيه أنه إذا علم أنه محب له وواد قبل نصحه ولم يرد عليه قوله في عيب إن أخبره به عن نفسه أو سقطة إن كانت منه فإذا لم يعلم ذلك منه لم يؤمن أن يسوء ظنه فيه فلا يقبل قوله ويحمل ذلك منه على العداوة والشنآن” (معالم السنن 4/ 149)
قال المباركفوري:” فبالضرورة يحبه فيحصل الائتلاف ويزول الاختلاف بين المؤمنين” (تحفة الأحوذي)
قال ابن عثيمين:” فدل هذا على أنه من السنة إذا أحببت شخصًا أن تقول: إني أحبك، وذلك لما في هذه الكلمة من إلقاء المحبة في قلبه؛ لأن الإنسان إذا علم أنك تحبه أحبك مع أن القلوب لها تعارف وتآلف وإن لم تنطق الألسن.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 266)
قال ابن باز:” إذا أعلمه أو قال إني أحبك، يقول له: أحبك الله الذي أحببتني له ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 94)
389 – وعن مُعاذٍ رضي الله عنه، أنَّ رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -، أخَذَ بِيَدِهِ وقالَ: «يا مُعاذُ واللَّهِ، إنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يا مُعاذُ لاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أعِنِّي عَلى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبادتِك».
حديث صحيحٌ، رواه أبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.
جاء في رواية أبي داود بسنده عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: ” يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ “. فَقَالَ: ” أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ “. وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ الصُّنَابِحِيَّ، وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِيُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
(أخذ بيده) كأنه عقد محبة وبيعة مودة (عون المعبود)
(والله إني لأحبك) لامه للابتداء وقيل: للقسم، وفيه أن من أحب أحدا يستحب له إظهار المحبة له (عون المعبود) قوله (إني لأحبك) فيه مزيد تشريف منه صلى الله تعالى عليه وسلم لمعاذ وترغيب له فيما يريد أن يلقي عليه من الذكر. (حاشية السندي).
قال ابن علان:” وهذا الحديث أوفى شاهد على فضل معاذ وكمال استقامته واهتمامه بأمور ديانته حيث حصل له هذا المقام الأسنى من المصطفى، وذكره توطئة وبعثًا له على امتثال أمره بعده. قال بعضهم: لما صحت محبة معاذ النبيّ جازاه بأعلا منها كما هو عادة الكرام، ولا أكرم منه ولذا أكده بإن ” (دليل الفالحين 1/ 603)
(لا تدعن) أي لا تتركن (في دبر) أي عقب (كل صلاة) أي مفروضة (اللهم أعني على ذكرك) الشامل للقرآن وسائر الأذكار (وشكرك) أي شكر نعمتك الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية التي لا يمكن إحصاؤها (وحسن عبادتك) أي بالقيام بشرائطها وأركانها وسننها من خضوع وخشوع وإخلاص واستغراق وتوجه تام” (انظر: دليل الفالحين)
(فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن) إذا أردت ثبات هذه المحبة فلا تتركن (في دبر كل صلاة) أي: عقبها وخلفها أو في آخرها. (تقول: اللهم أعني على ذكرك) من طاعة اللسان (وشكرك) من طاعة الجنان (وحسن عبادتك) من طاعة الأركان. (عون المعبود)
قال الطيبي: ذكر الله مقدمة انشراح الصدر، وشكره وسيلة النعم المستجابة، وحسن العبادة المطلوب منه التجرد عما يشغله عن الله تعالى. (عون المعبود)
قال ابن باز:” آخر الصلاة دبرها؛ يعني: في آخرها قبل أن يسلم فالدبر نوعان: أحدهما: آخر الشيء كدبر الحيوان. والثاني: ما يليه بعد السلام ما يليه يسمى دبرا والأظهر هنا والاقرب هنا أن المراد قبل أن يسلم؛ لأنه محل دعاء؛ لأن الله شرع لنا في آخر التحيات الدعاء، فيقول في آخر التحيات قبل أن يُسلم: ((اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) وإن قالها بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس كله طيب، لكنها قبل السلام ألصق وأقرب؛ ولهذا شرع في ذلك أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»
«اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت». «اللهم إني أعوذ بك من البخل ومن الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر».كل هذا جاء عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن عثيمين:” وقد ورد هذا الحديث بلفظ واضح يدل على أن الإنسان يقولها قبل أن يسلم فيقول قبل السلام: «اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك» ” شرح رياض الصالحين، اللفظة التي أشار لها ذكرها ابن عبد البر يإسناده
قال الأتيوبي:” ووجه تخصيص الوصية بهذه الكلمات الثلاث كونها مشتملة على جميع خيرات الدنيا والآخرة.” (ذخيرة العقبى)
390 – وعن أنسٍ-رضي الله عنه- أنَّ رَجُلًا كانَ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فَمَرَّ بِهِ رجل، فَقال: يارسول اللَّهِ إنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقالَ لَهُ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «أأعْلمتَهُ؟» قالَ: لا قالَ: «أعْلِمْهُ» فَلَحِقَهُ، فَقالَ: إنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أحَبَّكَ الَّذِي أحْببْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح
(أأعلمه) في سنن أبي داود بحذف ألف الإستفهام.
فقال: إني أحبك في الله) أي: في طلب مرضاة الله. (فقال) أي: الرجل الآخر. (أحبك الذي أحببتني له) أي: لأجله. وهذا دعاء. (عون المعبود)
جاء في الأدب المفرد عن عن مجاهد قال: لَقِيَنِي رَجُلٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَأخَذَ بِمَنكِبِي مِن ورائِي. قالَ: أما إني أحبّك. قال: أحبك الله الَّذِي أحْبَبْتَنِي لَهُ. فَقالَ: لَوْلا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «» إذا أحَبَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيُخْبِرْهُ أنَّهُ أحَبَّهُ «. ما أخْبَرْتُكَ. (صحيح الأدب المفرد)
قال ابن باز:” هذه هو المشروع أن يقول له: إني أحبك في الله وهو يقول: أحبك الله الذي أحببتني له، فالحتاب في الله له شأن عظيم فإنه يعين على أسباب الخير، وسيبب التعاون على البر والتقوى، ويسبب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ويسبب أيضا التذكير بالخير والنصيحة ودفع الأذى ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 96)