263 جامع الأجوبة الفقهية ص 306
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
حديث رقم 108 و 109
مسألة: هل يجب على من لا تلزمه الجمعة غسل؟
بحثنا في المسائل السابقة خلاف أهل العلم في وقت الغسل، وهل الغسل مشروع للصلاة أو لليوم؟ وينبني على هذا الخلاف خلاف آخر، وهو هل يجب على من لا تلزمه الجمعة غسل؟ فمن قال: إن الغسل للصلاة رأى أن الحكم خاص بمن تلزمه الجمعة، أو بمن أراد حضورها، ولو لم تلزمه.
ومن قال: إن الغسل لليوم، رأى أن الغسل مشروع للمرأة، والرجل، والمسافر، وغيرهم، بل ذهب بعض أهل العلم إلى مشروعيته حتى للحائض والنفساء، وعلى هذا فأشهر الأقوال في المسألة اثنان كالتالي:
القول الأول: يسن لكل من أراد حضور الجمعة، سواء الرجل والمرأة، والصبي والمسافر والعبد وغيرهم، ولا يسن لمن لم يرد الحضور، وإن كان من أهل الجمعة، وهو الصحيح من مذهب الحنفية، وهو مذهب المالكية، وأصح الأقوال في مذهب الشافعية.
والقول الثاني: الغسل على كل بالغ من الرجال والنساء، حضروا الصلاة أو لم يحضروا، وهو قول أبي ثور، وقول في مذهب الشافعية، واختاره ابن حزم حتى للحائض والنفساء.
– انظر: الفتاوى الهندية (1/ 16)، شرح فتح القدير (1/ 67)، حاشية الدسوقي (1/ 384)، الفواكه الدواني (2/ 266)، المجموع (4/ 405)، مغني المحتاج (1/ 290)، الإنصاف (1/ 247)، شرح منتهى الإرادت (1/ 83)، المحلى (1/ 266) مسألة: 1790.
– دليل من قال: الغسل متعلق بالحضور، ولو لم تلزمه.
الدليل الأول:
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل. اخرجه البخاري (877،894، 919).
وجهة الدلالة: كلمة «أحد» نكرة مضافة، فتعم كل أحد ممن جاء إلى الجمعة، سواء كان صغيراً أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، مسافراً أو غير مسافر، ومن قصر اللفظ على بعض أفراده لزمه دليل على تقييد هذا المطلق.
– الدليل الثاني:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر. متفق عليه البخاري (881)، ومسلم (850).
وجه الدلالة: قوله: «من اغتسل ثم راح» فيه فائدتان:
الأولى: أن الغسل قبل الرواح.
والثانية: أن الرواح سبب في الغسل.
– الدليل الثالث:
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء. صحيح ابن خزيمة (1752)
قال الحافظ فى «الفتح» (2) / (358): رجاله ثقات لكن قال البزار: أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه.
بينما صححه النووي في خلاصة الأحكام وعزاه للبيهقي
قال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبرى للبيهقي: عثمان وثق وضعفه أبو داود.
قال الألباني في الأجوبةالنافعة:
الحديث بهذه الزيادة وذكر النساء فيه – شاذ لا يصح والمحفوظ بدونها كما رواه الشيخان وغيرهما وقد حققت ذلك في الضعيفة (3958).
– دليل من قال: الغسل يلزم كل بالغ حضر الجمعة أو لا.
الدليل الأول:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. صحيح البخاري (879)، ومسلم (846).
فكلمة «كل» من ألفاظ العموم، فتعم الرجال والنساء، مَنْ حضر الجمعة ومن لم يحضر، حتى الحائض والنفساء.
الدليل الثاني:
عن أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده. ورواه البخاري. مسلم (849)، والبخاري (898).
وجه الاستدلال:
أنه جعل الغسل في كل سبعة أيام، فكأن هذا توقيت لتنظيف الجسد مرة واحدة من كل أسبوع، حضر الجمعة أو لم يحضر.
وأجابوا عن حديث «من جاء منكم الجمعة فليغتسل» بأن هذا الحديث فيه الأمر بالغسل على من حضر الجمعة، وليس فيه نص على إسقاط الغسل عمن لم يحضر، وفي الأحاديث الأخرى بينت وجوب الغسل على كل مسلم كما في حديث «حق لله على كل مسلم» وفي بعضها «واجب على كل محتلم» فهذا قدر زائد فيجب الأخذ به.
– قال العدوي في حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني (1/ 379): ” تسن في حق كل من حضرها، ولو لم تلزمه من مسافر وعبد وامرأة وصبي، كان ذا رائحة كالقصاب: أي اللحام أم لا … الخ كلامه رحمه الله.
– وقال الدسوقي في حاشيته (1/ 384): ” والمعروف من المذهب أنه سنة لآتيها، ولو لم تلزمه “. انتهى
– قال في حلية العلماء (2/ 240): ” والصحيح تعلق ذلك بالحضور دون لزومه “. انتهى
– يقول الإمام النووي الشافعي في المجموع (2/ 231): “غسل الجمعة وهو سنة عندنا وعند الجمهور، وأوجبه بعض السلف، وفيمن يستحب له أربعة أوجه: الصحيح: أنه يستحب لكل من حضر الجمعة سواء الرجل والمرأة ومن تجب عليه ومن لا تجب ولا يستحب لغيره، والثاني: يستحب لكل من تجب عليه سواء حضر أم انقطع لعذر حكاه الماوردي والروياني ورجحه الروياني وادعى أنه قول جمهور أصحابنا وليس كما قال، والثالث: يستحب لمن حضر ممن تلزمه الجمعة دون من لا تلزمه حكاه الشاشي وغيره وهذا ضعيف أو غلط، الرابع: يستحب لكل أحد سواء حضر أو لم يحضر ومن تلزمه ومن لا تلزمه ومن انقطع عنها لعذر أو لغيره كغسل العيد حكاه المتولي وغيره”. انتهى
– قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى (2/ 490):
وقد استحب مالك أن يغتسل من حضر الجمعة من النساء والعبيد والصبيان، وهو قول الشافعى فى غير المحتلمين إذا شهدوا الجمعة، وروى عن طاوس وأبى وائل أنهما كانا يأمران نساءهما بالغسل يوم الجمعة، وأجمع أئمة الفتوى أن الصبيان والنساء لا تلزمهم الجمعة فسقط الغسل عنهم، وكذلك أجمع أئمة الفتوى أن المسافرين لا جمعة عليهم فلا غسل عليهم، وقد روى عن طلحة بن عبيد الله أنه كان يغتسل للجمعة فى السفر، وعن طاوس ومجاهد مثله، وقال أبو ثور: لا يجب ترك ذلك. وقوله عليه السلام: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل)، يرد هذا كله؛ لأنه عليه السلام شرط الغسل بشهود الجمعة، فمن لزمته الجمعة اغتسل، ومن سقطت الجمعة عنه سقط عنه الغسل كما قال ابن عمر. انتهى
– جاء في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (3/ 201):
وقد دلّ حديث الباب أيضا على تعليق طلب الغسل بالمجئ إلى الجمعة. والمراد إرادة المجئ وقصد المشروع فيه (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكد الغسل على من يحضر صلاة الجمعة.
– قال صاحب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 119):
قال ابن المنذر رحمه الله: ليس على المسافر الاغتسال يوم الجمعة؛ لأن المأمور بالاغتسال من أتى الجمعة، وليس ذلك على من لا يأتيها.
وقال أيضًا: واختلفوا في اغتسال النساء، والصبيان، والعبيد إذا حضروا الصلاة، فكان مالك يقول: من حضر الجمعة من النساء والعبيد، فليغتسل، وقال الشافعي في النساء والعبيد، والمسافرين، وغير المحتلمين إن شهدوا الجمعة أجزأتهم، وليغتسلوا، كما يفعل بهم إذا شهدوها.
وقالت طائفة: إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة.
قال ابن المنذر: ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: “من جاء منكم الجمعة، فليغتسل” يدلّ على أن الأمر بالاغتسال لمن أتى الجمعة، فلا معنى لاغتسال من لا يأتي الجمعة من المسافرين، وسائر من رُخّص له في التخلف عن إتيان الجمعة.
وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم”، فظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال لليوم أتى، أو لم يأتها، وقول من أمر المسافر بالاغتسال يوم الجمعة يوافق ظاهر هذا الحديث انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول من قال: إن الغسل لمن أراد الإتيان إلى الجمعة هو الراجح عندي. انتهى
– قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف: الصحيح من المذهب أن المرأة لا يستحب لها الاغتسال للجمعة. نص عليه. وقيل: يستحب لها. انتهى
– قال العراقي في طرح التثريب: مفهوم قوله: من جاء منكم الجمعة فليغتسل. أنه لا يستحب الغسل لمن لم يحضرها وقد ورد التصريح بهذا المفهوم في رواية البيهقي المتقدمة في الفائدة قبلها من حديث ابن عمر: ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء. وإسناده صحيح وهذا أصح الوجهين عند الشافعية وهو مذهب مالك وأحمد وحكي عن الأكثرين وبه قال أبو يوسف والوجه الثاني لأصحابنا أنه يستحب لكل أحد سواء حضر الجمعة أم لا كالعيد وهو مذهب الحنفية وحكى النووي في الروضة وجها أنه إنما يستحب لمن تجب عليه الجمعة وإن لم يحضرها لعذر ومذهب أهل الظاهر وجوب الاغتسال ذلك اليوم على كل مكلف مطلقا لأنهم يرونه لليوم. قال ابن حزم وهو لازم للحائض والنفساء كلزومه لغيرهما انتهى وقد أبعد في ذلك جدا. انتهى
قال ابن تيمية كما في المستدرك على مجموع الفتاوى (3) / (41) — ابن تيمية:
ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره وهو بعض من مذهب من يوجبه مطلقا بطريق الأولى
انظر الاختيارات (17) والفتاوى الكبرى لابن تيمية (5) / (307)
والله أعلم …