: 2735 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيح مسلم، (48) – كتاب الذِّكْرِ والدُّعاءِ والتَّوْبَةِ والِاسْتِغْفارِ، (25) – بابُ بَيانِ أنَّهُ يُسْتَجابُ لِلدّاعِي ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي
(90) – ((2735)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَاتُ عَلى مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أبِي عُبَيْدٍ، مَوْلى ابْنِ أزْهَرَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، قالَ: «يُسْتَجابُ لِأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلا – أوْ فَلَمْ – يُسْتَجَبْ لِي»
(91) – ((2735)) حَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ لَيْثٍ، حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، أنَّهُ قالَ: حَدَّثَنِي أبُو عُبَيْدٍ، مَوْلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وكانَ مِنَ القُرّاءِ وأهْلِ الفِقْهِ، قالَ: سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «يُسْتَجابُ لِأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي»
(92) – ((2735)) حَدَّثَنِي أبُو الطّاهِرِ، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي مُعاوِيَةُ وهُوَ ابْنُ صالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أبِي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ قالَ: «لا يَزالُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بِإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ» قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ ما الِاسْتِعْجالُ؟ قالَ: يَقُولُ: «قَدْ دَعَوْتُ وقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ ويَدَعُ الدُّعاءَ».
——-
تمهيد:
“إن من آداب الدعاء العظيمة ألا يستعجل الدعاء ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويمل ويترك الدعاء، ويقع في اليأس من روح الله والقنوط من رحمته، وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن استعجال الدعاء وأن ذلك من موانع إجابته وأسباب عدم قبوله.
قال ابن رجب رحمه الله: ” ومن أعظم شرائطه [أي الدعاء] حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى كما خرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه)) [سنن الترمذي (رقم:3479)، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:245)]، وفي المسند عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذه القلوب أوعية، فبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاء من ظهر قلب غافل)) [المسند (2/ 177)، وانظر: الصحيحة (رقم:594)]، ولهذا نهي العبد أن يقول في دعائه: ((اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له)) [صحيح مسلم (رقم:2679)]، ونهي أن يستعجل ويترك الدعاء؛ لاستبطاء الإجابة، وجعل ذلك من موانع الإجابة، حتى لا يقطع رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء … فما دام العبد يلح في الدعاء ويطمع في الإجابة من غير قطع الرجاء، فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الأبواب يوشك أن يفتح له ” اهـ[جامع العلوم والحكم (2/ 403 ـ 404)].
وكيف لا يكون المسلم واثقا بربه والأمور كلها بيده، ومعقودة بقضائه وقدره، فما شاء الله كان كما شاء، في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء، {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة والفضل، وله الثناء الحسن، شملت قدرته كل شيء، ووسعت رحمته كل شيء {يَسْأَلُهُ مَن فِيَّ السمَّاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ}، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا حاجة يسألها أن يعطيها، لو أن أهل سمواته وأهل أرضه إنسهم وجنهم حيهم وميتهم صغيرهم وكبيرهم رطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كل واحد منهم ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة، {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}، ولهذا فإن مما يتنافى مع تمام الإيمان به وكمال توحيده سبحانه أن يدعوه العبد وهو غير عازم في مسألته؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه “، وهذا لفظ مسلم [صحيح مسلم (رقم:2679)].
وفي الصحيحين أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له)). [صحيح البخاري (رقم:6338)، صحيح مسلم (رقم:2678)].
وقد أورد الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذا الحديث في كتاب التوحيد، وترجم له بقوله: ” باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت “، وهو رحمه الله ينبه بهذه الترجمة إلى أن عدم العزم في الدعاء وتعليقه بالمشيئة مما يتنافى مع التوحيد الواجب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم؛ لأن قول القائل: ” اللهم اغفر لي إن شئت “، يدل على فتور في الرغبة، وقلة اهتمام في الطلب، وكأن هذا القول يتضمن أن هذا المطلوب إن حصل وإلا استغنى عنه، ومن كان هذه حاله لم يتحقق من حاله الافتقار والاضطرار الذي هو روح العبادة ولبها، وكان ذلك دليلا على قلة معرفته بذنوبه وسوء عاقبتها وقلة معرفته برحمة ربه، وشدة احتياجه إليه، وضعف يقينه بالله عز وجل وإجابته للدعاء.
ولهذا قال في الحديث: ” وليعزم المسألة “، أي ليجزم في طلبته، ويحقق رغبته، ويتيقن الإجابة، فإنه إذا فعل ذلك دل على علمه بعظيم ما يطلب من المغفرة والرحمة، وعلى أنه مفتقر إلى ما يطلب مضطر إليه، وعلى أنه محتاج إلى الله مفتقر إليه، لا يستغني عن مغفرته ورحمته طرفة عين [انظر: تيسير العزيز الحميد (ص:651 ـ 652)].
وليحسن الظن بربه ففي الحديث القدسي: ” أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني “، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما.
وإنا نسأل الله الكريم أن يرزقنا حسن الظن به وعظيم الثقة فيما عنده، وأن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة”. [فقه الأدعية والأذكار (2/ 145)].
——
شرح الحديث:
قوله (يُسْتَجابُ)
والمعنى: أنه يُستجاب دعاء الداعي بعد استيفاء شروط الإجابة، كما بُيّن في الحديث الثالث: «لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل».
(لأحَدِكُمْ)؛
(ما لَمْ يَعْجَلْ) قال ابن بطال -رحمه الله-: المعنى أنه يسأم، فيترك الدعاء، فيكون كالمانّ بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحقّ به الإجابة، فيصير كالمبخِّل للربّ الكريم، الذي لا تُعجزه الإجابة، ولا ينقصه العطاء.
وقد وقع في رواية أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي هريرة الآتي بعد حديث: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، وما لم يستعجل، قيل: وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء»، ومعنى قوله: «يستحسر»، وهو بمهملات: ينقطع، والله تعالى أعلم.
قال القاضى: …. وقيل: إنما ذلك إذا كان غرضه من الدعاء ما يريد فقط، فإذا لم ينله ثقل عليه الدعاء، بل يجب أن يكون أبدا فى دعائه باسم إظهار الحاجة والطاعة له وسمة العبودية
«إكمال المعلم بفوائد مسلم» (8/ 231)
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الأولى): فوائد الباب:
(1) – (منها): الحثّ على الدعاء، والإلحاح على الله تعالى في المسألة، وأن لا ييأس الداعي من الإجابة، ولا يسأم الرغبة، فإنه يستجاب له، أو يكفّر عنه من سيئاته، أو يدَّخر له، فإن الدعاء عبادة، كما قال الله تعالى: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} [غافر: (60)] فسمى الدعاء عبادة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتَح له، ولا يملّ الله -عز وجل- من العطاء، حتى يملّ العبد من الدعاء، ومن عَجِل، وتبَرّم، فنفسه قد ظلم.
قال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: روينا عن مروان العجليّ أنه قال: سألت ربي عشرين سنة في حاجة، فما قضاها حتى الآن، وأنا أدعوه فيها، ولا أيأس من قضائها. انتهى [» الاستذكار «(2) / (526)].
(2) – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: وفي هذا الحديث أدبٌ من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لِما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشدّ خشية أن أُحرم الدعاء، من أن أُحرم الإجابة، وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر، رفعه: «من فُتح له منكم باب الدعاء، فتحت له أبواب الرحمة … » الحديث، أخرجه الترمذيّ بسند ليّن، وصححه الحاكم، فوَهِمَ. ضعيف الترمذي
وقال الداوديّ: يُخشى على من خالف، وقال: قد دعوت فلم يُستجب لي أن يُحرم الإجابة، وما قام مقامها من الادّخار، والتكفير. انتهى.
وقد وردت أحاديث دالّة على أن دعوة المؤمن لا تردّ، وأنها إما أن تعجِّل له الإجابة، وإما أن تَدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن يدّخر له في الآخرة خير مما سأل.
فأشار الداودي إلى ذلك، وإلى ذلك أشار ابن الجوزيّ بقوله: اعلم أن دعاء المؤمن لا يردّ، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يُعَوَّض بما هو أولى له عاجلًا، أو آجلًا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه، فإنه متعبَّد بالدعاء، كما هو متعبَّد بالتسليم، والتفويض. انتهى [» الفتح” (14) / (349) – (350)].
(3) – (ومنها): ما قاله أبو عمر بن عبد البرّ -رحمه الله-: في هذا الحديث دليل على تخصيص قول الله -عز وجل-: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر (60)]، وأن الآية ليست على عمومها، ألا ترى أن هذه السُّنَّة الثابتة خَصّت منها الداعي إذا عَجِل، فقال: قد دعوت، فلم يستجب لي، والدليل على صحة هذا التأويل
قول الله -عز وجل-: {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ} [الأنعام (41)]، ولكن قد رُوي عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- في الإجابة، ومعناها ما فيه غِنًى عن قول كلّ قائلّ، وهو حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: فإما أن يعجّل له دعوته، وإما أن يؤخّرها له في الآخرة، وإما أن يكفّر عنه، أو يكفّ عنه من السوء مثلها» [رواه أحمد، والبزّار، والحاكم، وأبو يعلى بأسانيد جيّدة، وقال: صحيح الإسناد، قاله الشيخ الألبانيّ -رحمه الله-].
قال: وفيه دليل على أنه لا بدّ من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة، فعلى هذا يكون تأويل قول الله -عز وجل- -والله أعلم- {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ
إلَيْهِ إنْ شاءَ}، أنه يشاء، وأنه لا مُكرِه له، ويكون قوله -عز وجل-: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ} [البقرة (186)]، على ظاهره، وعمومه، بتأويل حديث أبي سعيد المذكور، والله أعلم بما أراد بقوله، وبما أراد رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، والدعاء خير كله، وعبادة، وعمل حسن، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ أنه كان يقول: ما أخاف أن أُحرم الإجابة، ولكني أخاف أن أُحرم الدعاء.
قال: وهذا عندي على أنه حَمَل آية الإجابة على العموم، والوعد، والله لا يخلف الميعاد.
وروي عن بعض التابعين أنه كان يقول: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتَر.
وقد علمنا أن ليس كل الناس تجاب دعوته، ولا في كل وقت تجاب دعوة الفاضل، وأن دعوة المظلوم لا تكاد تُرَدّ. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله-[«التمهيد لابن عبد البرّ» (10) / (296) – (299)]، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(4) – (ومنها): ما قال في «الفتح»: ومن جملة آداب الدعاء تحري الأوقات الفاضلة؛ كالسجود، وعند الأذان، ومنها تقديم الوضوء، والصلاة، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وتقديم التوبة، والاعتراف بالذنب، والإخلاص، وافتتاحه بالحمد، والثناء، والصلاة على النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، والسؤال بالأسماء الحسنى وأدلة ذلك كلّه واضحة من الكتاب والسنن الصحيحة.
(المسألة الثانية): قد ذكر في «الفتح» في أول «كتاب الدعوات» بحثًا جيّدًا متعلّقًا بالدعاء، وذلك أنه تكلّم على الآية التي أوردها البخاريّ -رحمه الله- في
الترجمة، وهي قول الله تعالى: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية.
قال: وهذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على التفويض،
وقالت طائفة: الأفضل ترك الدعاء، والاستسلام للقضاء، وأجابوا عن الآية بأن آخرها دلّ على أن المراد بالدعاء: العبادة؛ لقوله: {إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي} [غافر (60)]، واستدلّوا بحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم-، قال:
«الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: {وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي} الآية، أخرجه الأربعة، وصححه الترمذيّ، والحاكم.
وشذّت طائفة، فقالوا: المراد بالدعاء في الآية: ترك الذنوب،
وأجاب الجمهور أن الدعاء من أعظم العبادة، فهو كالحديث الآخر: «الحج عرفة»؛
أي: معظم الحج، ورُكْنه الأكبر،
وقد تواردت الآثار عن النبيّ -صلي الله عليه وسلم- بالترغيب في الدعاء، والحثّ عليه؛ كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، رفعه: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء»، أخرجه الترمذيّ، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والحاكم، وحديثه رفعه: «من لم يسأل الله يغضب عليه»، أخرجه أحمد، والبخاريّ في «الأدب المفرد»، ضعيف الجامع ثم صحيح الأدب
والترمذيّ، وابن ماجه، والبزار، والحاكم، كلهم من رواية أبي صالح الخُوزيّ – بضم الخاء المعجمة، وسكون الواو، ثم زاي- عنه، وهذا الخوزي مختلَف فيه، ضعّفه ابن معين، وقوّاه أبو زرعة. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: وإلى معنى هذا الحديث أشار من قال، وأجاد في المقال [من البسيط]:
لا تَسْألَن بُنَيَّ آدَمَ حاجَةً … وسَلِ الَّذِي أبْوابُهُ لا تُحْجَبُ
اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤالَهُ … وبُنَيّ آدَمَ حِينَ يُسْألُ يَغْضَب
انتهى منقولًا من «الفتح» [راجع: «الفتح» (14) / (275) – (278)] بتصرّف، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
تنبيه: سبق وأن مر ذكر آداب وشروط الدعاء
في باب في فضائل زكريا عليه السلام من شرح صحيح مسلم