17 – بَابُ السِّحْرِ
43 – (2189) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ: قَالَتْ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ: ” يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ، أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ ” قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ: «لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ»
44 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ أَبُو كُرَيْبٍ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبِئْرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ، وَقَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فَأَخْرِجْهُ، وَلَمْ يَقُلْ: أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ وَلَمْ يَذْكُرْ ” فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ
الفوائد:
نقل النووي عن المازري؛ أن للسحر حقيقة خلافا لمن يقول أنه خيالات باطلة لا حقائق لها، بدلالة القرآن حيث جعل مما يتعلم وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وكذلك هذا الحديث مصرح بإثباته.
قلت: وبوب البيهقي؛ باب من قال السحر له حقيقة، واستدل بهذا الحديث وحديث (من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر). وقد ألف الشيخ مقبل رسالة بعنوان ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر؛ وفيها الرد على من ضعف الحديث، ممن يريد تقديم دين تقبله عقول الغرب الإفرنج؛ زعم، وذكر عن ابن القيم أنه قال: حديث لا يختلفون في صحته وأخرجه صاحبا الصحيح ولم يتعقبهم أحد. انتهى
وقد خالف في ذلك المعتزلة؛ قالوا: ليس هناك تأثير حقيقي بل هو خيالي. وقال بقولهم بعض الفقهاء وراجع الحاوي الكبير 13/ 93،والمغني 12/ 299، وراجع كذلك كلام القرطبي في تقرير هذه المسألة وتفنيد شبههم.
ومن شبههم؛ أن إثبات للسحر حقيقة يجعلنا نطعن في الرسالة وأن النبي صلى الله عليه وسلم؛ تأثر عقله في فترة السحر، وأجاب العلماء بعدة أجوبة منها؛ أنه ليس في الحديث أن عقله تأثر إنما فيه أنه يرى أنه يأتي الشيء، ولا يأتيه، وكان هذا متعلق بأمور الدنيا لا تعلق له بتبليغ الرسالة، ومنه حديث؛ أنتم أعلم بأمور دنياكم. وبعضهم قال؛ إنما يخيل إليه أنه يستطيع أن يأتي نساءه فإذا قرب من إحداهن أخذ عنها. ولو سلمنا أنه تأثر إنما هي خطرات لا تزيد على الأذية، فهو يعلم أنه لم يأت أهله فيأتيه تأثير السحر بالأذية والخطرات ولا يتجاوز ذلك، وقد ورد في الحديث؛ أنه سمي هذا النوع من السحر طبا وهو أخف أنواع السحر تأثيرا. قال ابن حجر: نقلا عن بعض العلماء: لا يلزم من أنه يظن أنه فعل الشيء، ولم يكن فعله؛ أن يجزم بفعله ذلك وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت.
ولا يعارض هذا الحديث؛ قوله تعالى (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) لأن قريش أرادت أن تثبت أن لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم قرين من الجن؛ يلقي عليه ما يريده.
وكذلك قول الله عزوجل (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) فالحديث ليس فيه أن الشيطان تسلط على النبي صلى الله عليه وسلم.
– وقرر ابن تيمية: أن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها، ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته، وإن خلت من هذين القيدين …
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرح الطحاوية: المعجزة التي يظهرها الله على يدي مدعي النبوة من خوارق العادات ومنهم ما يتحدى به امته كالقران لمحمد. ومنه ما لا يتحدى به كنبع الماء من بين اصابعه وحنين الجذع اليه (799/ 2)
وقال الشيخ ابن عثيمين:
في الكلام عن إعجاز القرآن مسائل:
المسألة الأولى: هل الأولى أن نعبر بمعجز القرآن أو بآيات القرآن؟
بمعجز القرآن،
وقلنا: إن المعجز يدخل فيه فعل الساحر والبهلواني وما أشبه ذلك،
وأما آيات الأنبياء فهي آيات علامة على صدقه،
قال بعض الناس: إن معجزات السحرة لا تشتبه بآيات الأنبياء لأن آيات الأنبياء مقرونة بالتحدي [226]،
فنقول: هذا غير صحيح،
لأن آيات الأنبياء تارةً تكون تحدياً وتارة تكون ابتداءً بدون تحدي،
فمجيء الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الحديبية وقولهم: يا رسول الله ليس عندنا ماء فدعا بإناءٍ فوضع أصابعه عليه فجعل الماء يفور من بين أصابعه،
هل في هذا تحدي؟
أبداً ليس في هذا تحدي ما قالوا: ائتنا بآية، شكوا إليه قلة الماء فجاءت هذه المعجزة،
وآيات الرسول كثيراً ما تأتي بغير تحدي،
لما جاءه رجل ادعوا الله أن يغيثنا فدعا فأُغيثوا من قبل أن ينزل من منبره وجاء في الجمعة الثانية وقال ادعوا الله أن يمسكها عنا فدعا فانفرجت السماء،
هل في هذا تحدي؟
لا،
قال بعض الناس: إنها أي معجزات الأنبياء تشبه كرامات الأولياء، فلذلك يجب أن ننكر إما آيات الأنبياء أو كرامات الأولياء وآيات الأنبياء لا يمكن إنكارها فلننكر كرامات الأولياء،
فقالوا: لا يمكن أن يوجد للأولياء كرامات لا يمكن،
والصواب: أن كرامات الأولياء ثابتة، ثابتة فيمن قبلنا وفي هذه الأمة،
فقصة مريم فيها كرامة من عدة أوجه ….
شرح العقيدة السفارينية للعثيمين
وتقرير ابن تيمية وابن عثيمين والراجحي وغيرهم من أهل العلم في عدم اشتراط التحدي في المعجزة؛ هي الصواب خلافا لما قرره النووي؛ في الفرق بين السحر والمعجزة والكرامة؛ وأن المعجزة هي أمر خارق للعادة يعطيها الله عزوجل لنبيه تصديقا له ويتحدى بها الناس.
وقد كنت نقلت كلام النووي فقط؛ فنبهنا بعض الأخوة من الكويت على خطأ هذا التقرير.
وللأخ حسين البلوشي بحث؛ جمع فيه أقوال العلماء في المسألة.
ثم قرر النووي أن الساحر لابد أن يعالج الساحر أشياء حتى يحصل له مقصوده، ثم هو مقصوده أذية الآخرين، والكرامة تعتبر مما يؤيد الله بها نبي ذلك الولي.
أما المسائل الفقهية؛ فالسحر من كبائر الذنوب وفي مسلم عدها النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومن تعاطى فيها كفرا اعتقاديا أو قوليا أو فعليا فهو كافر، أما من كان سحره سحر خفة أو بالعقاقير فلا يكفر؛ قال الشافعي: نقول له صف لنا سحرك؛ فإن وصف لنا ما يوجب الكفر مثل؛ ما اعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر.
وإن كان لا يوجب الكفر؛ فإن أعتقد إباحته؛ كفر. انتهى
وكذلك تعلمه وتعليمه يدخل فيه نفس التفصيل السابق، وقد رد ابن كثير على الرازي في قوله: أن تعلمه ليس بقبيح ولا محظور. فراجعه فإنه مهم.
قلت كيف وقد صرح بكفره في قوله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان … ) في عدة مواضع. وقد اختار البخاري كفره.
وقد ورد قتله عن عمر وحفصة وجندب الأزدي؛ واختار قتله مطلقا غير واحد من أهل العلم، لكن هذه الآثار حملها البيهقي على السحر الكفري؛ خاصة أنه ورد عن عائشة أن جارية سحرتها فلم تقتلها؛
وكذلك تلك المرأة التي أتت بابل فتعلمت السحر، ثم أتت تبحث هل لها من توبه فسألها ابن عباس هل أبويها أحياء أو أحدهما. فهذا يدل أنه تقبل توبة الساحر،
تنبيه: هذأ الأثر ذكر ابن كثير: أنه أثر غريب وسياق عجيب أحببنا أن ننبه عليه.
ثم ذكره وإسناده جيد لكن المرأة التي حدثت لها هذه القصة مجهولة؛ لذا ضعف الشيخ الألباني هذه القصة؛ فقال كما في الضعيفة تحت رقم 912: المرأة مجهولة ف? يوثق بخبرها.
وبوب البيهقي على هذه الآثار؛ باب قبول توبة الساحر وحقن دمه بتوبته. وذكر معها حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله … ) وحديث (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار).
ونقل الترمذي؛ حديث (حد الساحر ضربتا بالسيف) ورجح وقفه على جندب وقال: والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول مالك بن أنس
واختار ابن تيمية؛ أن الأمر يرجع إلى الإمام في قتله، بحسب المصلحة.
– نقل النووي أن الساحر في إيقاع الأذى؛ قد يصل للقتل، خلافا لمن قال: أعظم سحر يصل إليه الساحر سحر التفريق بين الزوجين؛ لكن لا يستطيع يقلب النخلة إنسانا أو الجبل ذهبا. انتهى بتصرف
وراجع (شرح النووي)
تتمات؛؛
السحر: عبارة عما خفي ولطف سببه ومنه حديث (إن من البيان لسحرا) أخرجه البخاري ومسلم.
والسحر: عزائم ورقى شركيه وعقد يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق، قال تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) سورة البقرة 102، وهذا النوع لا يتعلمه صاحبه إلا بعد الكفر، وقال تعالى (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) وقال تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) وقال تعالى (ولا يفلح الساحر حيث أتى) وقال تعالى (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم) فالسحرة يصرفون العبادة للشياطين؛ فيتمتعون بهم والسحرة من الأنس يتمتعون بخدمة الشياطين لهم.
– لا يجوز الذهاب للساحر لحديث (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له … ) وحديث (من أتى عرافا أو كاهنا لم تقبل له صلاة أربعين يوما) وحديث (من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
-يعالج السحر بالقرآن والأدعية والأدوية المباحة ويكرر العلاج حتى يشفى المصاب، حتى بوب البخاري؛ باب تكرير الدعاء.
-فلا يجوز حل السحر بأمور غير مشروعة؛ كالسحر والاستعانة بالجن؛ واختار جواز حل السحر بسحر بعض العلماء المعاصرين وقيده عند الضرورة، ورد عليه العلماء ردود كثيرة.
– ورد في رواية (ألا تنشرت)؛ وورد عن بعض السلف أن النشرة من الشيطان، وورد عن آخر أنه أجازها؛ وقال: إنما يريدون به الإصلاح. وجمع ابن القيم بينها؛ بأن مقصود من منع النشرة؛ بالألفاظ الشركية أو التي لا يعرف معناها، والنشرة الجائزة؛ هي التي بالقرآن والأدعية والأدوية المباحة.
-السحر يعتبر ضرر محض، وسبق ذكر النصوص على ذلك. وسيأتي ذكر أضراره.
-للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعفوا عمن أراد قتله أو شتمه لمصلحة يراها، لكن بعد موته صلى الله عليه وسلم؛ لا يجوز لنا أن نعفو عمن شتمه، ونقل غير واحد من العلماء على ذلك الإجماع (وراجع الصارم المسلول على شاتم الرسول).
-في الحديث؛ خطر اليهود وأنهم أهل غدر.
-فيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وأنه يكره فتح باب الشرور عليهم.
-وأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
-قدرت رب العزة.
-خلق رب العزة بعض الشرور للابتلاء.
– من الشرور التي قد تحصل لو أخرج النبي صلى الله عليه الجمعة وسلم السحر؛ أن يسمع اليهود والمنافقين بتأثير السحر على النبي صلى الله عليه وسلم فيقومون بكثرة استعماله في اذية المسلمين أو خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم أحد أصحابه بقتل أحد من اليهود فتحصل فتنه لذا لجأ صلى الله عليه وسلم إلى دفن البئر.
-بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
– ترك عقوبة بعض المجرمين لمصلحة؛ ومنه ترك قتل أبي بن سلول؛ وعلله صلى الله عليه وسلم بقوله؛ لكي لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه.
– يمثل الشيء القبيح؛ برؤوس الشياطين، والأشياء الجميلة بالملائكة ومنه (كأن عليه مسحة ملك) أو بالقمر.
– حفظ الله عزوجل لنبيه ودينه.
– وأنه قد يشافي الله عزوجل العبد؛ من مرضه ولو لم يعرف العله؛ فلجوؤه إلى الله عز وجل من أعظم الأدوية.
– أنواع السحر؛ منه حديث (إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت) وفيه حيان بن العلاء؛ مجهول، والعيافة؛ زجر الطير، والطرق؛ ضرب الحصى، وكلها فيها معنى السحر، ومنه النفث في العقد، قال تعالى (ومن شر النفاثات في العقد)، ومن أنواعه العضه لحديث (ألا أنبئكم ما العضه؛ هي النميمة القالة بين الناس) أخرجه مسلم، والعضهة البهت. حتى قال يحيى بن ابي كثير: يفسد النمام والكذاب في ساعة مالا يفسده الساحر في سنه، ومن أنواعه البيان؛ لحديث (إن من البيان لسحرا) والبلاغة ممدوحة إذا أريد بها إحقاق الحق وأبطال الباطل، ومذمومة إذا أريد بها إبطال الحق وإحقاق الباطل، ومن أنواع السحر؛ ما يقوم به المشعوذون من حني الحديد بأعينهم أو النوم على مسامير أو استعمال الأدوية والعقاقير.
– هناك وجه شبه بين الساحر والكاهن، قال تعالى (يؤمنون بالجبت والطاغوت) والكاهن؛ يدعى الإخبار بالمغيبات، قال جابر رضي الله عنه (الطواغيت في جهينة واحد، وفي أسلم واحد وفي هلال واحد وفي كل حي واحد، وهم كهان تنزل عليهم الشياطين) علقه البخاري بصيغة الجزم مختصرا، ورواه ابن أبي حاتم.
والكاهن يشمل الطرق والزجر والعيافة والطيرة والعرافة والتنجيم. وقرر الشنقيطي قريبا من هذا المعنى.
علاج المسحور؛
-أنفع علاج هو استخراج السحر وحله، أو حرقه كما في الحديث، وصحح الشيخ الألباني حديث فيه قراءة المعوذات قبل حله؛ كما في الصحيحة.
وحديثنا كذلك فيه إشارة لحرقه.
-الاستفراغ في المكان الذي حل فيه السحر فإن كان في البطن فبالقيء، وإن كان الوجع في الرأس أو في مكان آخر فبالحجامة.
– وأعظم الأدوية القرآن والأدعية والأذكار الشرعية مع التوكل على الله عز وجل والإنابة والخضوع والصدقة وفعل الطاعات.
أضرار السحر؛
-يضر الساحر نفسه بالخسارة في الدنيا والآخرة.
– يضر الساحر غيره بالاعتداء عليهم.
-يضر الساحر مجتمعه، ويعتبر بؤرة فساد.
– لا يجوز أن نبدل ديننا لكي تتقبله عقول الغرب فنضعف النصوص الصحيحة أو نتناول النصوص الصريحة بالتحريف (وراجع كتاب منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير)
فائدة عظيمة؛ ذكرها لي بعض الأخوة الأفاضل؛
قال الامام أبو القاسم الأصبهاني المتوفى سنة 535 هجرية:
إن ” الذي يعتمد عليه أرباب الدين والسنة- يقصد علماء أهل السنة ممن تقدمه رحمه الله- ويعولون عليه أصلان:
أحدهما: أن يعلم ويعتقد أن في الدين أمورا يلزمنا الإيمان بجملتها، ولا يصح وصولنا إلى تفصيل حقائقها، وسبيلنا أن ننتهي إلى ما حد لنا فيه، وأن نرد الأمر إلى ما ورد من التوقيف من أحكامها. قال بعض العلماء: إذا انتهى الكلام إلى الله، وإلى ما تفرد به من العلم، فليس إلا الانتهاء والتوقيف.
والاصل الاخر: أن يعلم أنه ليس ما لا يدركه العقل فلا يجوز اعتقاده في الدين،
وقد غلط الناس في هذا غلطا عظيما، فجعلوا ما يعجز العقل عن الاحاطة به مستحيلا في باب الدين، وقالوا: لا يجوز أن يعتقد إلا ما يدركه العقل.
وإنما قول أهل السنة: أن ما ? يدركه العقل فمن حقه التوقيف، وتفويض علمه إلى الله تعالى، وترك الخوض فيه، و? نقول إنه يعرض على ميزان العقول فإن استقام قبل وإلا طرح، فهذا مذهب من يبني دينه على المعقول.
فأما من جعل أساس دينه الاتباع فإنما طريقه ما بيناه.
وإذا عرفت هذين الأصلين فلا تغفل عنهما في شيء مما يورده أهل البدعة،
فإن الجواب عن ما يوردونه مع إحكام هذين الأصلين سهل.”