115 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(115) – قال ابن الجارود رحمه الله في المنتقى (ج (1) / (127)): ثنا محمد ثنا حجاج الانماطي قال ثنا حماد عن ثابت وحميد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورها))
هذا حديث صحيح، ومحمد هو ابن يحيى النيسابوري
—————————-
—————————-
وجاء في الصحيح عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا …..
أخرجه البخاري في “صحيحه” (335)، ومسلم في “صحيحه (521)
قال النووي: قوله صلى الله عليه و سلم وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا وفي الرواية الأخرى وجعلت تربتها لنا طهورا احتج بالرواية الأولى مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن يجوز التيمم بجميع أجزاء الأرض واحتج بالثانية الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى وغيرهما ممن لا يجوز الا بالتراب خاصة وحملوا ذلك المطلق على هذا المقيد وقوله صلى الله عليه و سلم مسجدا معناه أن من كان قبلنا انما أبيح لهم الصلوات في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس قال القاضي رحمه الله تعالى وقيل إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون الا فيما تيقنوا طهارته من الأرض وخصصنا نحن بجواز الصلاة في جميع الأرض الا ما تيقنا نجاسته. شرح مسلم
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في الاستذكار: وأما الصعيد فقيل: وجه الأرض، وقيل: بل التراب خاصة، والطيب الطاهر لا خلاف في ذلك.
وأما اختلاف العلماء في الصعيد، فقال مالك وأصحابه: الصعيد: وجه الأرض، ويجوز التيمم عندهم على الحصباء، والجبل، والرمل والتراب، وكل ما كان وجه الأرض.
وقال أبو حنيفة وزفر: يجوز التيمم بالنُّوْرة، والحجر، والزِّرنيخ، والجص، والطين، والرّخام، وكل ما كان من الأرض. وقال الأوزاعي: يجوز التيمم على الرمل. وقال الثوري، وأحمد بن حنبل: يجوز التيمم بغبار الثوب واللبد. ولا يجوز عند مالك، وقال ابن خويز منداد: يجوز التيمم عندنا على الحشيش إذا كان ذلك على وجه الأرض، واختلفت الرواية عن مالك في التيمم على الثلج فأجازه مرة، وكرهه أخرى، ومنع منه.
ومن الحجة لمذهب مالك في هذا الباب قوله تعالى: {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: آية 40] و {صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: آية 8]، والجرز: الأرض الغليظة التي لا تنبت شيئا، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” فكل موضع جازت الصلاة فيه من الأرض جاز التيمم به، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “يحشر الناس يوم القيامة على صعيد واحد” أي أرض واحدة، وقال الشافعي، وأبو يوسف: الصعيد التراب، ولا يجوز عندهم التيمم بغير التراب، وقال الشافعي: لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي غبار، أو نحوه، فأما الصخرة الغليظة والرقيقة، والكثيب الغليظ فلا يقع اسم الصعيد عليه.
وقال أبو ثور: لا يتيمم إلا على تراب، أو رمل.
قال أبو عمر رحمه الله: أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز واختلفوا فيما عداه، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: “جعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت تربتها طهورا” وروى هذا جماعة من حفاظ العلماء عن الصحابة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يقضي على رواية من روى: “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” ويفسرها. والله أعلم (1).
وقال العلامة ابن رشد رحمه الله بعد ذكر الخلاف السابق ما نصه: والسبب في اختلافهم شيئان:
أحدهما: اشتراك اسم الصعيد في لسان العرب، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الظاهرة، حتى أن مالكا وأصحابه حملهم على دلالة اشتقاق هذا الاسم أعني الصعيد، أن يجيزوا التيمم في إحدى الروايات عنهم على الحشيش والثلج، قالوا: لأنه يسمى صعيدا في أصل التسمية أعني من جهة صعوده على الأرض، وهذا ضعيف.
والسبب الثاني: إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور، وتقييدها بالتراب في بعضها، وهو قوله: – صلى الله عليه وسلم -: “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” فإن في بعض رواياته: “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” وفي بعضها: “جعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت لي تربتها طهورا”.
وقد اختلف أهل الكلام الفقهي هل يُقضَى بالمطلق على المقيد، أو بالمقيد على المطلق؟ والمشهور عندهم أن يقضى بالمقيد على المطلق، وفيه نظر، ومذهب أبي محمَّد بن حزم أن يقضى بالمطلق على المقيد, لأن المطلق فيه زيادة معنى، فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق، وحمل
اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز عنده التيمم إلا بالتراب، ومن قضى بالمطلق على المقيد، وحمل اسم الصعيد على كل ما على وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى.
وأما إجازة التيمم بما يتولد منها فضعيف، إذ كان لا يتناوله اسم الصعيد، فإن أعم دلالة اسم الصعيد أن يدل على ما تدل عليه الأرض، لا أن يدل على الزرنيخ والنورة، ولا على الثلج والحشيش والله الموفق للصواب.
قال الاثيوبي: الذي يترجح عندي في هذه المسألة ما ذهب إليه ابن حزم لأمرين:
الأول: المعنى الذي ذكره هو، وهو أن في تقديم المطلق على المقيد عملا بالزائد. وقال العلامة القرطبي رحمه الله: إنه ليس من باب المطلق والمقيد بل من باب النص على بعض أشخاص العموم، كما في
قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: آية 68].
والثاني: أن فيه موافقة لأصل مشروعية التيمم، وهو الترخيص والتوسيع، فلو كلف الناس طلب التراب فقط لكان فيه إحراج {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فإذا حمل معنى الصعيد على أعم من التراب كان معنى الترخيص والتوسيع أظهر وأوضح.
والحاصل أن التيمم بكل ما كان من جنس الأرض جائز ترابا كان أو حجرا أو غيرهما. انظر فيما كتبه الناقد الجهبذ أبو محمَّد بن حزم رحمه الله تعالى في كتابه الحافل المُحَلَّى جـ 2 (ذخيرة العقبى)
قال ابن رجب رحمه الله:
واستدل بقوله (: ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)) من يقول: أن التيمم يجوز بجميع أجزاء الأرض من التراب والرمل والنورة والزرنيخ والجص وغير ذلك، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وغيرهما.
واستدل من قَالَ: لا يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض – كما يقوله الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه – بما في ((صحيح مسلم)) عن حذيفة، عن النَّبيّ، قَالَ: ((فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء))، وذكر خصلة أخرى.
فخص الطهور بتربة الأرض بعد أن ذكر أن الأرض كلها مسجد، وهذا يدل على اختصاص الطهورية بتربة الأرض خاصة؛ فإنه لو كانت الطهورية عامة كعموم المساجد لم يحتج إلى ذلك.
وقد خرج مسلم حديث جابر الذي خرجه البخاري هاهنا، وعنده: ((وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا)).
وهذا يدل على اختصاص الطهورية بالأرض الطيبة، والطيبة: هي الأرض القابلة للإنبات، كما في قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ([الأعراف: 58].
وروينا من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت وحٌميد، عن أنس، قَالَ:
رسول الله: ((جُعلت لي كل ُ أرضٍ طيبةً مسجداً وطهوراً)).
ولكن قد دلت نصوص أٌخرُ على عموم كون الأرض مسجداً، فتبقى طهوريتها مختصة بالأرض المنبتة.
وفي ((مسند الإمام أحمد)) من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن النبي (، قال: ((أُعطيتُ أربعاً لم يُعطهن ِّأحد من أنبياء الله: أُعطيت مفاتيح الأرض، وسُمَّيتُ أحمد، وجُعل التراب لي طهورا، وجعلت أمتي خير الأمم)).
وقد ظن بعضهم: أن هذا من باب المطلق والمقيد، وهو غلط، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، خلافاً لما حكي عن أبي ثور، إلا أن يكون له مفهوم فيبنى على تخصيص العموم بالمفهوم، والتراب والتربة لقب، مختلف في ثبوت المفهوم له، والأكثر ون يأبون ذَلكَ.
لكن أقوى ما أستدل به: حديث حذيفة الذي خرجه مسلم، فإنه جعل الأرض كلها مسجداً وخص الطهورية بالتربة، وأخرج ذلك في مقام الامتنان وبيان
الاختصاص، فلولا أن الطهورية لا تعم جميع أجزاء الأرض لكان ذكر التربة لا معنى له، بل كان زيادة في اللفظ ونقصاً في المعنى، وهذا لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم (.
وقد خرجه ابن خزيمة في ((صحيحة))، ولفظه: ((وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء)).
ومعنى قوله: ((طهوراً)): أي مطهراً، كما قَالَ: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)).
وفيه دليل لمن قَالَ: إن التيمم يرفع الحدث كالماء رفعا مؤقتا، ودليل على أن الطهور ليس بمعنى الطاهر كما يقوله بعض الفقهاء؛ فإن طهارة الأرض مما لم تختص به هذه الأمة، بل اشتركت فيه الأمم كلها، وإنما اختصت هذه الأمة بالتطهر بالتراب، فالطهور هو المطهر.
والتحقيق: أن ((طهورا)) ليس معدولا عن طاهر، ولأن ((طاهرا)) لازم و ((طهورا)) متعد، وإنما الطهور اسم لما يتطهر به، كالفطور والسحور والوجور والسعوط ونحو ذلك. الفتح (2/ 18)