304 و 305 و 306 و 307 و 308 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
38 – باب وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة، وتأديبهم، ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ
قَالَ الله تَعَالَى: {وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6].
————–
(قوله بيان وجوب أمره أهله … الخ) ووجه المناسبة أن المؤلف رحمه الله، لما ذكر ما يجب للأهل من غذاء الجسم؛ ذكر لهم ما يجب من غذاء الروح على أبيهم ومن له ولاية عليهم، وأولى ما يؤمر به وأوجب وأفضل هي الصلاة (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 167)
قَالَ الله تَعَالَى: {وَامُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]
قال الطبري:” يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وامُرْ) يا محمد (أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) يقول: واصطبر على القيام بها، وأدائها بحدودها أنت” (تفسر الطبري)
قال البغوي:” (وأمر أهلك بالصلاة) أي: قومك. وقيل: من كان على دينك، كقوله تعالى: ” وكان يأمر أهله بالصلاة (” (واصطبر عليها) أي اصبر على الصلاة، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” قوله تعالى: وأمر أهلك بالصلاة أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها. وهذا خطاب للنبي – صلى الله عليه وسلم – ويدخل في عمومه جميع أمته؛ وأهل بيته على التخصيص ” (تفسير القرطبي)
قال السعدي”:أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها. (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع،” (تفسير السعدي)
قال ابن باز:” هو رسول الله يأمر أهله و الأهل يدخل فيه الزوجة والبنات والأخوات وجميع من في البيت من أقاربه، ويدخل فيها أيضا تبعا لهم العمال والخدم؛ لأنهم تبع أهل البيت، فالواجب على صاحب البيت أن يقوم على الجميع بما أوجب الله كأمرهم بالصلاة وتحذيرهم من معاصي الله ” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
قال ابن عثيمين:” والأهل كل من في البيت؛ من زوجة، وابن، وبنت، وعمة، وخالة، وأم، كل من في البيت أهل، أمره أن يأمرهم بالصلاة، وأمره أن يصطبر عليهم يعني يحض نفسه على الصبر، ولهذا جاءت التاء التي فيها زيادة البنية وفيها زيادة المعنى اصطبر؛ لأن أصلها اصتبر عليها.
وذكر الله عن إسماعيل أبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أنه أحد أجداده، أنه كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان عند ربه مرضياً، فالإنسان مسؤول عن أهله، مسؤول عن تربيتهم، حتى ولو كانوا صغاراً إذا كانوا مميزين، أما غير المميز فإنه يؤمر بما يتحمله عقله.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 167)
روى أبوداود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء. (الصحيح المسند للشيخ مقبل 1260)
وروى أيضا أبوداود عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتبا في الذاكرين والذاكرات. (صحيح أبي داود 1309)
قال فضيل بن عياض:” رأى مالك بن دينار رجلا يسيء صلاته فقال: «ما ارحمني بعياله» فقيل له: يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته وترحم عياله قال: «إنه كبيرهم ومنه يتعلمون» ” (حلية الأولياء لأبي نعيم (2/ 383)
وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6].
قال البغوي:” قوله – عز وجل – (ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم) قال عطاء عن ابن عباس: أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته (وأهليكم نارا) يعني: مروهم بالخير وانهوهم عن الشر وعلموهم وأدبوهم تقوهم بذلك نارا” (تفسير البغوي)
قال ابن كثير:” وقال مجاهد “قوا أنفسكم وأهليكم نارا” قال اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله وقال قتادة تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله وأن تقوم عليهم بأمر الله وتأمرهم به وتساعدهم عليه فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها وهكذا قال الضحاك ومقاتل حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه.” (تفسير ابن كثير)
قال القرطبي:
وقال بعض العلماء لما قال: قوا أنفسكم دخل فيه الأولاد ; لأن الولد بعض منه. ” (تفسير القرطبي)
قال السعدي:” أي: يا من من الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه.
فـ (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالًا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزروجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه.” (تفسير السعدي)
قال ابن علان:” (ناراً) التنوين فيها للتعظيم، وبين عظمها بما وصفها به من قوله «وقودها الناس والحجارة».” (دليل الفالحين 1/ 500)
قال الثوري:” ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث فإنه مسئول عنه” (حلية الأولياء 6/ 365)
304 – وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: أَخذ الحسنُ بنُ عليٍّ رضي اللَّه عنْهُما تَمْرةً مِنْ تَمرِ الصَّدقَةِ فَجعلهَا في فِيهِ فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كِخْ كِخْ، إِرْمِ بِهَا، أَما علِمْتَ أَنَّا لا ناكُلُ الصَّدقةَ!؟ ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: “أنَّا لا تَحِلُّ لنَا الصَّدقةُ” وقوله:”كِخْ كِخْ”يُقالُ بِاسْكَانِ الخَاءِ، ويُقَالُ بكَسرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ وهيَ كلمةُ زَجْر للصَّبِيِّ عن المُسْتَقذَرَاتِ، وكَانَ الحسنُ رضي اللَّه عنه صبِياً.
جاء في رواية البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ، وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ: ” أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَاكُلُونَ الصَّدَقَةَ؟ ”
وجاء في مسند أحمد عن أبي هريرة أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ فِيهِ بِأَمْرٍ، فَحَمَلَ الْحَسَنَ – أَوِ الْحُسَيْنَ – عَلَى عَاتِقِهِ، فَجَعَلَ لُعَابُهُ يَسِيلُ عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ يَلُوكُ تَمْرَةً، فَحَرَّكَ خَدَّهُ، وَقَالَ: ” أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ، أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَاكُلُونَ الصَّدَقَةَ؟ (مسند أحمد 9267)
الحسن كان صغيرا، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو ابن سبع؛ ولهذا أمر قال: دعها؛ لأن الله حرَّم الزكاة على بني هاشم قال: وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد” فهذا التعليم منه صلى الله عليه وسلم للصبي الصغير حتى ينشأ على العلم الشرعي و الأحكام الشرعية (انظر: شرح رياض الصالحين لابن باز ((1) / (570))
قوله (فَجعلهَا في فِيهِ) قال ابن حجر:” قوله فجعلها في فيه زاد أبو مسلم الكجي من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد فلم يفطن له النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام ولعابه يسيل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم شدقه” (فتح الباري 3/ 355)
قال القاضي يقال: (كخ كخ) بفتح الكاف وكسرها وتسكين الخاء، ويجوز كسرها مع التنوين، وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات فيقال له: (كخ) أي اتركه، وارم به، قال الداودي: هي عجمية معربة بمعنى بئس، وقد أشار إلى هذا البخاري بقوله في ترجمة باب من تكلم بالفارسية والرطانة. (شرح مسلم للنووي) قال القرطبي بعد أن ذكر قريب من كلام النووي:” والصحيح الأول” أي الصحيح أنها عربية ومعناها كلمة زجر.
(إِرْمِ بِها) هذه اللفظ عند مسلم أما عند البخاري، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ: ” أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَاكُلُونَ الصَّدَقَةَ؟ “، وفي رواية أخرى عند البخاري فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كَخٍ كَخٍ “. لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَاكُلُ الصَّدَقَةَ “.
قوله صلى الله عليه وسلم: (أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) هذه اللفظة تقال في الشيء الواضح التحريم ونحوه وإن لم يكن المخاطب عالما به، وتقديره: عجب كيف خفي عليك هذا مع ظهور تحريم الزكاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، هذا مذهب الشافعي وموافقيه أن آله صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم وبنو المطلب، وبه قال بعض المالكية، وقال أبو حنيفة ومالك: هم بنو هاشم خاصة، قال القاضي: وقال بعض العلماء: هم قريش كلها، وقال أصبغ المالكي: هم بنو قصي.
قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا لا تحل لنا الصدقة) ظاهره تحريم صدقة الفرض والنفل.
قال العيني:” الحكمة في تحريمها عليهم، أنها مطهرة للملاك، ولأموالهم، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} الآية [التوبة: 103]، فهي كغسالة الأوساخ، وأن آل محمد – صلى الله عليه وسلم – منزهون عن أوساخ الناس، وغسالاتهم، وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس”، رواه مسلم.
وإما أن أخذها مذلة، ويد الآخذ هي اليد السفلى، ولا يليق بهم الذل والافتقار إلى غير الله تعالى، ولهم اليد العليا.
وإما لأنها لو أخذوها، لطال لسان الأعداء بأن محمدا يدعونا إلى ما يدعونا إليه؛ ليأخذ أموالنا، ويعطيها لأهل بيته، قال تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا} الآية [الأنعام: 9]، و [الشورى: 23]، ولهذا أمر أن تصرف إلى فقرائهم في بلدهم.” (عمدة القاري” 9/ 86)
قال ابن عثيمين:” فالصدقة لا تحل لآل محمد؛ وذلك لأنهم أشرف الناس، والصدقات والزكوات أوساخ الناس، ولا يتناسب لأشراف الناس أن يأخذوا أوساخ الناس، كما قال النبي لا لعمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: «إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة؛ إنما هي أوساخ الناس» ففي هذا دليل على أن الإنسان يجب عليه أن يؤدب أولاده عن فعل المحرم، كما يجب عليه أن يؤدبهم على فعل الواجب،” (شرح رياض الصالحين لاين عثيمين 3/ 168)
قال النووي:” وفي الحديث أن الصبيان يوقون ما يوقاه الكبار، وتمنع من تعاطيه، وهذا واجب على الولي. ” (شرح مسلم للنووي)
قال القرطبي:” وفي هذا الحديث ما يدل على أن الصغار يمنعون مما يحرم على الكبار المكلَّفين حتى يُتدرَّبوا على آداب الشريعة، ويتأدبوا بها ويعتادوها. وعلى هذا فلا يلبس الذكور الصغار الحرير، ولا يحلون الذهب. ويخاطب الأولياء بأن يجنبوهم ذلك، كما يخاطبون بأن يجنبوهم شرب الخمور وأكل ما لا يحل.” (المفهم 3/ 123)
قال ابن حجر:” وفي الحديث دفع الصدقات إلى الإمام، والانتفاع بالمسجد في الأمور العامة، وجواز إدخال الأطفال المساجد وتأديبهم بما ينفعهم، ومنعهم مما يضرهم، ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك. واستنبط بعضهم منه منع ولي الصغيرة إذا اعتدت من الزينة، وفيه الإعلام بسبب النهي ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز؛ لأن الحسن إذ ذاك كان طفلا، وأما قوله: ” أما شعرت ” وفي رواية البخاري في الجهاد: ” أما تعرف ” ولمسلم: ” أما علمت ” فهو شيء يقال عند الأمر الواضح، وإن لم يكن المخاطب بذلك عالما، أي كيف خفي عليك هذا مع ظهوره، وهو أبلغ في الزجر من قوله: لا تفعل” (فتح الباري)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن أهل فقراء آل بيت يأخذون الصدقة فأجاب “إذا توافرت في والدك الشروط المعتبرة فيمن يستفيد من مصلحة الضمان الاجتماعي فإنه يحل له أخذ ذلك؛ لأنه مساعدة من بيت المال للفقراء الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وليس هو من الزكاة حسب إفادة الجهة المسئولة عن ذلك ” انتهى. مجموع فتاوى ابن باز” (14/ 315) وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كانت الصدقة صدقة تطوع فإنها تعطى إليهم ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة فإنها لا تعطى إليهم ” انتهى باختصار.
“مجموع فتاوى ابن عثيمين” (18/ 429)
305 – وعن أَبي حفْصٍ عُمَر بن أَبي سلَمةَ عبدِ اللَّه بنِ عبدِ الأَسد: ربيبِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: كُنْتُ غُلاماً في حجْرِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا غُلامُ سمِّ اللَّهَ تَعَالَى، وَكُلْ بِيمِينِكَ، وكُل ممَّا يليكَ” فَما زَالَتْ تِلْكَ طِعْمتي بعْدُ. متفقٌ عَلَيهِ.
“وتَطِيش”: تَدُورُ في نَواحِي الصَّفحَة.
قوله (وعن أَبي حفْصٍ) فيه مشروعية الاكتناء ولو لم يكن عند الإنسان من ولد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكني أصحابه حتى الصغار منهم، روى ابن ماجه عن حمزة بن صهيب أن عمر قال لصهيب ما لك تكتني بأبي يحيى وليس لك ولد قال كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يحيى. (الصحيحة (44) قال الألباني في الصحيحة:” وفي هذا الحديث فوائد: الأولى: مشروعية الاكتناء، لمن لم يكن له ولد، بل قد صح في البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوبا جميلا فقال لها: هذا سنا يا أم خالد، هذا سنا يا أم خالد “. وقد هجر المسلمون لاسيما الأعاجم منهم هذه السنة العربية الإسلامية، فقلما تجد من يكتني منهم ولو كان له طائفة من الأولاد، فكيف من لا ولد له؟ وأقاموا مقام هذه السنة ألقابا مبتدعة، مثل: الأفندي، والبيك، والباشا، ثم السيد، أو الأستاذ، ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة. فليتنبه لهذا.” (الصحيحة 44، (1/ 110)
قوله: (ربيبِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) أي ولد زوجته أم سلمة، ولدته بالحبشة وأبواه مهاجران إليها في آخر السنة الثانية من هجرة رسول الله، روي له عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اثنا عشر حديثاً. (دليل الفالحين 1/ 502).
قوله: (كنت غلاما) أي دون البلوغ، يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم غلام … صح في حديث عبد الله بن الزبير أنه قال ” كنت أنا وعمر بن أبي سلمة مع النسوة يوم الخندق، وكان أكبر مني بسنتين ” انتهى. ومولد ابن الزبير في السنة الأولى على الصحيح فيكون مولد عمر قبل الهجرة بسنتين. (فتح الباري)
قوله: ” تطيش ” بكسر الطاء وبعدها مثناة تحت ساكنة، أي: تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة، ولا تقتصر على موضع واحد، والصحفة دون القصعة، وهي ما تسع ما يشبع خمسة، فالقصعة تشبع عشرة، كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه، وقيل: الصحفة كالقصعة، وجمعها صحاف. (شرح مسلم للنووي)
قال النووي:” وفي هذا الحديث بيان ثلاث سنن من سنن الأكل، وهي: التسمية، والأكل باليمين، وقد سبق بيانهما، والثالثة: الأكل مما يليه؛ لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة؛ فقد يتقذره صاحبه لا سيما في الأمراق وشبهها، وهذا في الثريد والأمراق وشبهها، فإن كان تمرا أو أجناسا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه، والذي ينبغي تعميم النهي حملا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص.” (شرح مسلم للنووي)
قوله: (في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، أي في تربيته وتحت نظره وأنه يربيه في حضنه تربية الولد، قال عياض: الحجر يطلق على الحضن وعلى الثوب فيجوز فيه الفتح والكسر، وإذا أريد به معنى الحضانة فبالفتح لا غير، فإن أريد به المنع من التصرف فبالفتح في المصدر وبالكسر في الاسم لا غير. (فتح الباري)
قوله: (يا غلام سم الله) قال ابن حجر:” قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر، إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك، وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة. (فتح الباري)
قال الألباني في الصحيحة:” حديث عائشة مرفوعا: ” إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره “. أخرجه الترمذي وصححه، وله شاهد من حديث ابن مسعود تقدم ذكره مخرجا برقم (196). وحديث عائشة قواه الحافظ في ” الفتح ” (9/ 455) وقال: ” هو أصرح ما ورد في صفة التسمية ” قال: ” وأما قول النووي في آداب الأكل من ” الأذكار “: ” صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته، والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: بسم الله كفاه وحصلت السنة “. فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا “. وأقول: لا أفضل من سنته صلى الله عليه وسلم ” وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ” فإذا لم يثبت في التسمية على الطعام إلا ” بسم الله “، فلا يجوز الزيادة عليها فضلا عن أن تكون الزيادة أفضل منها” (الصحيحة 344)
قال ابن عثيمين:” قال: ((سمّ الله)) وهذا عند الأكل. فعند ابتداء الأكل يجب أن يقول الإنسان: بسم الله، ولا يحل له أن يتركها؛ لأنه إذا تركها شاركه الشيطان في أكله؛ أعدى عدو له يشاركه في الأكل إذا لم يقل بسم الله، ولو زاد: الرحمن الرحيم فلا بأس؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((بسم الله)): يعني أذكر اسم الله.
والتسمية الكاملة هي أن يقول الإنسان: بسم الله الرحمن الرحيم كما ابتدأ الله بها كتابه، وكما أرسل بها سليمان صلى الله عليه وسلم (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ِ) [النمل: 30]، فإن اقتصرت على قول بسم الله فلا حرج، وإن زدت الرحمن الرحيم فلا حرج، الأمر في هذا واسع.
وأما التسمية على الذبيحة فهي شرط من شروط التذكية، إذا لم تسمِّ على الذبيحة فهي حرام ميتة، كأنما ماتت بغير ذبح.
ولكن العلماء يقولون: لا ينبغي أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنه الآن يريد أن يذبحها، فالفعل ينافي القول بالنسبة لهذه الذبيحة؛ لأنها ستذبح. هكذا علل بعض العلماء، ولكن لو قالها أيضاً فلا حرج.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 169)
قال الحافظ: قوله: (وكل بيمينك ومما يليك) قال شيخنا في ” شرح الترمذي “. حمله أكثر الشافعية على الندب، وبه جزم الغزالي ثم النووي، لكن نص الشافعي في ” الرسالة ” وفي موضع آخر من ” الأم ” على الوجوب.
قال القرطبي -رحمه الله-::” محله ما إذا كان الطعام نوعا واحدا، وسبب ذلك الاستقباح؛ لأن كل آكل كالحائز لما يليه من الطعام، فأخذ الغير له تعد عليه، مع ما فيه من تقذر النفس، مما خاضت فيه الأيدي، ولما فيه من إظهار الحرص والنهم، وهو مع ذلك سوء أدب بغير فائدة إذا كان الطعام واحدا، أما إذا اختلفت الأنواع، فقد أباح ذلك العلماء؛ إذ ليس فيه شيء من تلك الأمور المستقبحة” (المفهم)
روى البخاري ومسلم في ذلك عن أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ.
قال ابن حجر:” ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال: كل بيمينك قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت. فما رفعها إلى فيه بعد ” … وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته: ” من أكل بشماله أكل معه الشيطان ” الحديث.
قال ابن عثيمين:” قوله: ((وكل بيمينك)): وهذا أمر على سبيل الوجوب، فيجب على الإنسان أن يأكل بيمينه وأن يشرب بيمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الإنسان بشماله، أو أن يشرب بشماله، وقال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)) وقد نهينا عن اتباع خطوات الشيطان، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَامُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21].
ولهذا كان القول الراجح وجوب الأكل باليمين، ووجوب الشرب باليمين، وأن الأكل بالشمال أو الشرب بالشمال حرام، ثم إن الأكل بالشمال والشرب بالشمال مع كونه من هدي الشيطان؛ فهو أيضاً من هدي الكفار؛ لأن الكفار يأكلون بشمائلهم ويشربون بشمائلهم.
ثم إن بعض الناس إذا كان على الأكل وأراد أن يشرب؛ فإنه يمسك الكأس باليسار ويشرب، ويقول أخشى أن تتلوث الكأس إذا شربت باليمين، فنقول: لتتلوث، فإنها إذا تلوثت فإنما تتلوث بطعام، ولم تتلوث ببول ولا غائط، تلوث بطعام ثم تغسل.
وبإمكانك أن تمسك الكأس من الأسفل بين إبهامك والسبابة، وتجعلها كالحلقة ولا يتلوث منه إلا شيء يسير، ولا عذر لأحد بالشرب بالشمال من أجل هذا؛ لأن المسألة على سبيل التحريم، والحرام لا يجوز إلا عند الضرورة والضرورة مثل أن تكون اليد شلاء، لا يمكن أن يرفعها إلى فيه، أو مكسورة لا يمكن أن يرفعها إلى فيه، فهذه ضرورة، أو تكون متجرحة لا يمكن أن يأكل بها أو يشرب.
المهم إذا كان ضرورة؛ فلا بأس باليسار، وإلا فلا يحل للمسلم أن يأكل باليسار ولا أن يشرب باليسار.
الأدب الثالث: قوله ((وكل مما يليك)): يعني لا تأكل من حافة غيرك، بل كُلْ من الذي يليك؛ لأنك إذا اعتديت على حافة غيرك فهذا سوء أدب، فكل من الذي يليك. إلا إذا كان الطعام أنواعاً، مثل أن يكون هناك لحم في غير الذي يليك فلا بأس أن تأكل، أو يكون هناك قرع، أو ما أشبه ذلك مما يقصد، فلا بأس أن تأكل من الذي لا يليك؛ لأن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ((فكان يتتبع الدباّء من حوالي القصعة)).
الدباّء: القرع، يتتبعه يعني يلقطه من على الصحفة ليأكله، هذا لا بأس به.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 172)
قوله: (فما زالت تلك طعمتي بعد) بكسر الطاء أي صفة أكلي، أي لزمت ذلك وصار عادة لي. (فتح الباري)
قال ابن حجر:” وفي الحديث أنه ينبغي اجتناب الأعمال التي تشبه أعمال الشياطين والكفار، وأن للشيطان يدين، وأنه يأكل ويشرب ويأخذ ويعطي. وفيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في حال الأكل. وفيه استحباب تعليم أدب الأكل والشرب. وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر ومواظبته على مقتضاه.” (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” وفي هذا الحديث من الفوائد أن ينبغي على الإنسان أن يؤدب أولاده على كيفية الأكل والشرب، وعلى ما ينبغي أن يقول في الأكل والشرب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ربيبه، وفي هذا حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه؛ لأنه لم يزجر هذا الغلام حين جعلت يده في الصحفة، ولكن علمه برفق، وناداه برفق: ((يا غلام؛ سمِّ الله، وكل بيمينك)).
وليعلم أن تعليم الصغار لمثل هذه الآداب لا ينسى، يعني أن الطفل لا ينسى إذا علمته وهو صغير، لكن إذا كبر ربما ينسى إذا علمته، وربما يتمرد عليك بعض الشيء إذا كبر، لكن ما دام صغيراً وعلمته يكون أكثر إقبالاً، ومن اتقى الله في أولاده؛ اتقوا الله فيه، ومن ضيع حق أولاده؛ ضيعوا حقه إذا احتاج إليهم.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 172)
306 – وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما عن النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والأَمِيرُ رَاعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أَهْلِ بَيْتِهِ، والمرْأَةُ راعِيةٌ عَلَى بيْتِ زَوْجِها وولَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ” متفقٌ عليه.
الحديث مر معنا في باب حق الزوج على المرأة.
307 – وعن عمرو بن شُعْيب، عن أَبيه، عن جَدِّ
هِ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مُرُوا أَوْلادكُمْ بِالصَّلاةِ وهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهمْ علَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ، وفرَّقُوا بيْنَهُمْ في المضَاجعِ “حديثٌ حسن. رواه أَبُو داود بإِسنادٍ حسنٍ.
308 – وعن أَبي ثُريَّةَ سَبْرَةَ بنِ مَعْبدٍ الجهَنِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ علَيْهَا ابْنَ عشْرِ سِنِينَ” حديث حسنٌ رواه أَبو داود، والترمِذي وَقالَ: حديث حسن.
ولَفْظُ أَبي داوُد: “مرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ”.
(مروا) أمر من الأمر حذفت همزته للتخفيف ثم استغنى عن همزة الوصل تخفيفا ثم حركت فاؤه لتعذر النطق بالساكن (عون المعبود)
(أولادكم) يشمل الذكور والإناث (عون المعبود) قال ابن علان:” وجوباً وسواء في ذلك الذكر والأنثى، وكذا يجب عليه أمر زوجته وخادمه” (دليل الفالحين 1/ 503)
(وهم أبناء سبع سنين) ليعتادوا ويستأنسوا بها، والجملة حالية (عون المعبود) قال ابن علان:” أي تمامها: أي وقد ميزوا، كما والغالب بحيث صار الصبيّ يأكل وحده ويشرب وحده ويستنجي وحده” (دليل الفالحين 1/ 503)
(واضربوهم عليها) أي على ترك الصلاة (عون المعبود) قال الخطابي: قوله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ عشر سنين فاضربوه، عليها يدل على إغلاظ العقوبة له إذا تركها مدركا، وكان بعض فقهاء أصحاب الشافعي يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمدا بعد البلوغ، و يقول: إذا استحق الصبي الضرب وهو غير بالغ فقد عقل أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أشد من الضرب، وليس بعد الضرب شيء مما قاله العلماء أشد من القتل. (عون المعبود)
قال ابن علان:” أي على أدائها إن امتنعوا منه ضرباً غير مبرّح ويتقّي الوجه” (دليل الفالحين 1/ 503)
قال ابن عثيمين:” وهذا من حقوق الأولاد على آبائهم؛ أن يأمروهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنوات، وأن يضربوهم عليها” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 173)
(وهم أبناء عشر سنين) لأنهم بلغوا أو قاربوا البلوغ (عون المعبود)
قال ابن عثيمين:” المراد الضرب الذي يحصل به التأديب بلا ضرر، فلا يجوز للأب أن يضرب أولاده ضرباً مبرحاً، ولا يجوز أن يضربهم ضرباً مكرراً لا حاجة إليه، بل إذا احتاج إليه مثل ألا يقوم الولد للصلاة إلا بالضرب فإنه يضربه ضرباً غير مبرح، بل ضرباً معتاداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بضربهم لا لإيلامهم ولكن لتأديبهم وتقويمهم.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 174)
(وفرقوا بينهم في المضاجع) أي المراقد. قال المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير: أي فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي يناموا فيها إذا بلغوا عشرا حذرا من غوائل الشهوة وإن كن أخوات. قال الطيبي: جمع بين الأمر بالصلاة والفرق بينهم في المضاجع في الطفولية، تأديبا لهم ومحافظة لأمر الله كله وتعليما لهم والمعاشرة بين الخلق، وأن لا يقفوا مواقف التهم فيجتنبوا المحارم انتهى. (عون المعبود)
وقد اختلف الناس في حكم تارك الصلاة فقال مالك والشافعي: يقتل تارك الصلاة، وقال مكحول: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإليه ذهب حماد بن يزيد ووكيع بن الجراح.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل ولكن يضرب ويحبس، وعن الزهري أنه قال: فاسق يضرب ضربا مبرحا ويسجن. وقال جماعة من العلماء: تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لغير عذر كافر، وهذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه، وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا. واحتجوا بحديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم {ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: مشروعية أمر الأولاد، ذكورًا كانوا أو إناثًا بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وهو سِنُّ التمييز، وتأديبهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، والتفريق بينهم في المضاجع حينئذٍ لأنها تنتشر فيها الشهوة.” (تطريز رياض الصالحين ص 215)
قال ابن باز:” هذا يدل على أن الواجب على الآباء والأمهات العناية بالأولاد وتقوى الله فيهم والحذر من التساهل؛ لأنهم مسؤولون عنهم وهم في الذمة وإذا رُبوا في الصغر كان هذا أقرب إلى نجاحهم في الكبر” (شرح رياض الصالحين لابن باز
قال ابن عثيمين:” وفي هذا الحديث إشارة إلى أن ما ذهب إليه بعض المتأخرين ممن يدّعون أنهم أصحاب تربية من أن الصغار لا يضربون في المدارس إذا أهملوا، ففي هذا الحديث الرد عليهم، وهو دليل على بطلان فكرتهم، وأنها غير صحيحة؛ لأن بعض الصغار لا ينفعهم الكلام في الغالب، لكن الضرب ينفعهم أكثر، فلو أنهم تركوا بدون ضرب؛ لضيّعوا الواجب عليهم، وفرّطوا في الدروس وأهملوا، فلابد من ضربهم ليعتادوا النظام، ويقوموا بما ينبغي أن يقوموا به، وإلا لصارت المسألة فوضى.
إلا أنه كما قلنا لابد أن يكون الضرب للتأديب لا للإيلام والإيجاع، فيضرب ضرباً يليق بحاله، ضرباً غير مبرح، لا يفعل كما يفعل بعض المعلمين في الزمن السابق؛ يضرب الضرب العظيم الموجع، ولا يهمل كما يدعي هؤلاء المربون الذين هم من أبعد الناس عن التربية، لا يقال لهم شيء؛ لأن الصبي لا يمتثل ولا يعرف، لكن الضرب يؤدبه.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 174)