2678 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(3) – بابُ: العَزْمِ بِالدُّعاءِ، ولا يَقُلْ: إنْ شِئْتَ.
(7) – ((2678)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قالَ أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أنَسٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ لا: «إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعاءِ، ولا يَقُلْ: اللهُمَّ إنْ شِئْتَ فَأعْطِنِي، فَإنَّ اللهَ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ».
(8) – ((2679)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ أيُّوبَ، وقُتَيْبَةُ، وابْنُ حُجْرٍ، قالُوا: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ لا، قالَ: «إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلا يَقُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، ولَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْألَةَ ولْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فَإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شَيْءٌ أعْطاهُ»
(9) – ((2679)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ مُوسى الأنْصارِيُّ، حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ عِياضٍ، حَدَّثَنا الحارِثُ وهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي ذُبابٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ مِيناءَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ لا: «لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ فِي الدُّعاءِ، فَإنَّ اللهَ صانِعٌ ما شاءَ، لا مُكْرِهَ لَهُ».
==========
التمهيد:
” يقول الله تعالى {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} [الكهف (23) – (24)]؛ لأن الإنسان لا حول له ولا قوة له إلا بحول الله وقوته، أمر بتعليق كل تحركاته وكل أفعاله المستقبلة على إرادة الله ومشيئته، أما في الدعاء وفي الطلب من الله فيكره له أن يعلق هذا الطلب على المشيئة.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(3) – بابُ: العَزْمِ بِالدُّعاءِ، ولا يَقُلْ: إنْ شِئْتَ.
هَذَا البَابُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَبْوَابِ الَّتِيْ فِيْهَا بَيَانُ الأَدَبِ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ.
شرح الحديث:
(عَنْ أنَسٍ) – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ لا: (إذا دَعا أحَدُكمْ، فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعاءِ)؛ أي: ليجزم، ولا يتردد، و هو حُسن الظن بالله تعالى في الإجابة، والحكمة فيه أن في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه، وعن المطلوب، قاله في «الفتح» [» الفتح «(13) / (451)].
ونقل عن ابن عبدالبر أنه لا يجوز التعليق في الدعاء خلافا لمن قال أنه مكروه تنزيها
وفي رواية عند البخاريّ: «اللَّهُمَّ ارزقني إن شئت»، وهذه كلها أمثلة، والرواية الأولى تتناول جميع ما يُدعى به. يعني (إن شئت فأعطني)
قوله (اغفر لي) النجاة من المكروه، وفي الثانية: (ارحمني) الوصول إلى المطلوب، فيكون هذا الدعاء شاملاً لكل ما فيه حصول المطلوب وزوال المكروه. قاله ابن عثيمين.
ومعنى قوله: «ليعظّم الرغبة»؛ أي: يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء، والإلحاح فيه، ويحْتَمِل أن يراد به: الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيّده ما في آخر هذه الرواية: «فإن الله لا يتعاظمه شيء».
والمستكره، والمكرِه بمعنى واحد قاله في «الفتح» [«الفتح» (13) / (451)].
/_//
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وكان ذلك دليلًا على قلّة اكتراثه بذنوبه، وبرحمة ربه، وأيضًا فإنّه لا يكون موقنًا بالإجابة، وقد قال لا: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ» [حديث صحيح، رواه الترمذيّ برقم ((3474))].
ثم إن النبيّ لا لم يَكْتَفِ بالنهي عن ذلك، حتى أمَر بنقيضه، فقال: «ليعزم في الدعاء»؛ فيدلّ على علمه بعظيم قَدْر ما يطلب من المغفرة والرحمة، وعلى أنه مفتقر لِما يطلب، مضطرّ إليه، وقد وعد الله المضطرّ بالإجابة بقوله: {أمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ} [النمل (62)].
وقوله: «فإنّ الله لا مستكره له»: وقد قيّد الله تعالى الإجابة بالمشيئة في قوله: {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ} [الأنعام (41)]،
فأما اشتراطها في الإيمان فقد تقدَّم القول فيه. انتهى كلام القرطبي -رحمه الله-[«المفهم» (7) / (29) – (30)]، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
وحديث أنس -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
قوله: (فإن الله لا مكره له) تعليل للنهي عن قول: (اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت)، أي: لا أحد يكرهه على ما يريد فيمنعه منه، أو ما لا يريد فيلزمه بفعله؛ لأن الأمر كله لله وحده. قال ابن عثيمين رحمه الله
” (فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ) يُقَالُ: تعاظَمَ زيدٌ هذا الأمرَ؛ أيْ: كَبُرَ عليهِ وعَسُرَ، قالَ: والرغبةُ يعني الطَّلِبَةُ والحاجةُ التي يُرِيدُ، وقيلَ: السؤالُ والطلبُ بتكرارِ الدعاءِ والإلحاحِ فيهِ. والأوَّلُ أَظْهَرُ؛ أيْ: لِسَعَةِ جُودِهِ وكرمِهِ لا يَعْظُمُ عليهِ إعطاءُ شيءٍ، بلْ جميعُ الموجوداتِ في أَمْرِهِ يسيرٌ، وهوَ أكبرُ منْ ذلكَ، وهذا هوَ غايَةُ الْمَطَالِبِ؛ فالاقتصارُ على الدَّانِي في المسألةِ إِسَاءَةُ ظَنٍّ بجُودِهِ وكَرَمِهِ”. قاله الشيخ: سليمان بن عبدالله (تيسير العزيز الحميد).
فوائد وفقه الحديث:
1 – (منها): بيان مشروعيّة الدعاء، وطلب الحوائج الدنيويّة، والأخرويّة من الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه تعالى أمَر به، فقال: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر (60)]، و يغضب إذا تُرك دعاؤه،: {إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} [غافر (60)].
اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤالَهُ … وبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْألُ يَغْضَبُ
2 – (ومنها): وجوب العزم في المسألة، وعدم التردّد فيها.
3 – (ومنها): ما قاله ابن بطال -رحمه الله-: في الحديث
1 – أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء،
2 – ويكون على رجاء الإجابة،
3 – ولا يقنط من الرحمة، فإنه يدعو كريمًا،
وقد قال ابن عيينة: لا يمنعنّ أحدًا الدعاءَ ما يعلم في نفسه؛ يعني: من التقصير، فإن الله قد أجاب دعاء شرّ خلقه، وهو إبليس حين قال: {رَبِّ فَأنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ((36))} [الحجر (36)].
4 – (ومنها): بيان أن الرب -سبحانه وتعالى- لا يفعل إلا ما يشاء، لا يُكرهه أحد على ما يختاره، فالرغبة يجب أن تكون إليه، كما قال: {وإلى رَبِّكَ فارْغَبْ ((8))} [الشرح (8)]، والرهبة تكون منه، كما قال: {وإيّايَ فارْهَبُونِ} [البقرة (40)] [«فيض القدير» (1) / (343)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
قال الشيخ صالح الفوزان:
5 – (ومنها): النهي عن أن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت” والنهي للتحريم.
6 – (ومنها): بيان علة النهي، وهي أن الله -جل وعلا- لا مكره له حتى يحتاج إلى أن تقول: “إن شئت” ولا يتعاظمه شيء أعطاه ولو كان كثيرا،: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
قال الشيخ ابن عثيمين في (القول المفيد):
7 – (ومنها): “إعظام الرغبة؛ لقوله: «وليعظم الرغبة»، أي: ليسأل ما بدا فلا شيء عزيز أو ممتنع على الله.
8 – (ومنها): التعليل لهذا الأمر؛ يستفاد من قوله: «فإن الله لا يتعاظمه شيء أو لا مكره له» وقوله: «وليعظم الرغبة»، وفي هذا حسن تعليم الرسول إذا ذكر شيئًا قرنه بعلته.
وفي ذكر علة الحكم فوائد:
الأولى: بيان سمو هذه الشريعة، وأنه ما من شيء تحكم به إلا وله علة وحكمة.
الثانية: زيادة طمأنينة الإنسان، لأنه إذا فهم العلة مع الحكم اطمأن
الثالثة: القياس إذا كانت المسألة في الحكم من الأحكام، فليحق بها ما شراكها في العلة. انتهى.
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): حقيقة التوحيد
“حقيقة التوحيد أن يوحِّد العبد ربه -جل وعلا- بتمام الذل، والخضوع، والمحبة؛ وأن يتضرع إلى الله جل وعلا، ويتذلل إليه، بإظهار فقره التام إليه، وأن الله -جل وعلا- هو الغني عمّا سواه.
فقول القائل: (اللهم اغفر لي إن شئت) كأنه يقول: لستُ محتاجاً، إن شئت فاغفر، وإن لم تشأ فلست بمحتاج، وهذا فعل أهل التكبر، وأهل الإعراض عن الله جل وعلا؛ ولهذا حُرِّم هذا اللفظ، وهو أن يقول أحد: (اللهم اغفر لي إنْ شئت).”. قاله الشيخ صالح آل الشيخ.
قال الشيخ سليمان بن عبدالله في (تيسير العزيز الحميد): ولمَّا كانَ العبدُ لا غَنَاءَ لهُ عنْ رحمةِ اللهِ ومغفرتِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، بلْ فقيرٌ بالذَّاتِ إلى الغَنِيِّ بالذَّاتِ؛ كما قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] نُهِيَ عنْ قولِ ذلكَ؛ لِمَا فيهِ منْ إيهامِ الاستغناءِ عنْ مغفرةِ اللهِ ورحمتِهِ كما سيأتي وذلكَ مُضَادٌّ للتوحيدِ”. انتهى.
قال الشيخ صالح الفوزان وفقه الله:
يدل على فتور الرغبة وقلة الاهتمام بالمطلوب والاستغناء عن الله من ناحية
ويشعر بأن الله قد يضطره شيء إلى فعل ما يفعل وفي هذين المحذورين مضادة للتوحيد
(الملخص في شرح كتاب التوحيد: (386))
وقوله: ((وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ؛ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ))، بِخِلاَفِ العَبْدِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْطِي السَّائِلَ مَسْأَلَتَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، أَوْ لِخَوْفِهِ منهُ أوْ رَجَائِهِ، فيُعْطِيهِ مَسْأَلَتَهُ وهوَ كَارِهٌ.
أما الله عزوجل فهو الغني
وفي الحَدِيثِ: ((يَمِينُ اللهِ مَلأَى، لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ؛ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَمِينِهِ، وَفِي يَدِهِ الأُخْرَى الْقِسْطُ يَخْفِضُهُ ويَرْفَعُهُ))
يُعْطِي تَعَالَى لِحِكْمَةٍ، ويَمْنَعُ لِحِكْمَةٍ، وهوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ.
أما العَبْدَ يُعْطِي تَارَةً ويَمْنَعُ أَكْثَرَ، ويُعْطِي كُرْهًا والبُخْلُ عَلَيْهِ أَغْلَبُ.
وبالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِ هذهِ، فَلَيْسَ عَطَاؤُهُ بعَظِيمٍ.
وَأَمَّا مَا يُعْطِيهِ اللهُ عِبَادَهُ فهوَ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، يَجُودُ بالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، مِنْ حِينِ وُضِعَت النُّطْفَةُ في الرَّحِمِ فنِعَمُهُ عَلَى الجَنِينِ في بَطْنِ أُمِّهِ دَارَّةٌ، يُرَبِّيهِ أَحْسَنَ تَرْبِيَةٍ.
فَإِذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ عَلَى الإِيمانِ والتَّقْوَى ازْدَادَتْ نِعَمُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إِذَا تَوَفَّاهُ أَضْعَافَ أَضْعَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا مِن النِّعَمِ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53].
قاله الشيخ: عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في (فتح المجيد).
و”أما مناسبةُ البابِ للتَّوحيدِ فهيَ من وجهَيْنِ:
الأول: منْ جهةِ الرُّبُوبيَّةِ، فإنَّ مَنْ أتَى بما يُشْعِرُ بأنَّ اللهَ لهُ مُكْرِهٌ، لمْ يَقُمْ بتَمامِ رُبُوبيَّتِهِ تعالى؛ لأنَّ منْ (تمامِ الرُّبُوبيَّةِ) أنَّهُ لا مُكرِهَ لهُ، بلْ إنَّهُ لا يُسْأَلُ عمَّا يَفْعَلُ كما قالَ تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
وكذلكَ فيهِ نقصٌ منْ ناحيَةِ (الرُّبُوبيَّةِ) منْ جهةٍ أُخْرَى، وهوَ أنَّ اللهَ يَتَعاظَمُ الأشياءَ الَّتي يُعْطِيها، فكانَ فيهِ قَدْحٌ في جُودِهِ وكَرَمِهِ.
الثاني: منْ جهةِ العبدِ، فإنَّهُ يُشْعِرُ باستغنائِهِ عنْ ربِّهِ، وهذا نقصٌ في توحيدِ الإنسانِ منْ جهةِ (الألوهيَّةِ أو الرُّبُوبيَّةِ أو الأسماءِ والصِّفاتِ)، ولهذا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ –أي: الشيخ محمد التميمي رحمه الله- في البابِ الَّذي يتعلَّقُ بالأسماءِ والصِّفاتِ”. انظر: (القول المفيد).
(المسألة الثانية): المراد بالاستثناء في الدعاء هنا.
“والمراد بالاستثناء هنا الشرط، فإن الشرط يسمى استثناء؛ بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لضباعة بنت الزبير ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) [البخاري: كتاب النكاح / باب الأكفاء في اليدين، ومسلم: كتاب الحج / باب جواز اشتراط المحرم.]، ووجهه أنك إذا قلت: أكرم زيدا إن أكرمك، فهو كقولك: أكرم زيدا إلا ألا يكرمك، فهو بمعنى الاستنثناء في الحقيقة.” قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (القول المفيد).
(المسألة الثالثة): أنواع الاستثناء في الدعاء:
“الاستثناء في الدعاء نوعان: أحدهما: جائز، والثاني: ممنوع.
أما الجائز:
فمثل دعاء الاستخارة: «اللهم إن كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله وعاقبة أمري وعاجله فاقدره لي ويسره لي».
هذا دعاء معلق،
كذلك في آية الملاعنة في سورة النور إذا رمى الرجل زوجته بالزنا والعياذ بالله قيل له: أقم البينة وإلا فحد في ظهرك أو ملاعنة، فإذا اختار الملاعنة فسيشهد على زوجته بأنها زنت أربع مرات ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول هي: إنه كاذب وتشهد {أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}.
فهذا استثناء هذا جائز لا بأس به.
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان يقدم إلى الناس جنائز من أهل البدع فيشكل عليه أهم كفار أم مسلمون، يقول إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن هذه المسألة فقال له: عليك بالشرط يا أحمد. أحمد اسم شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليك بالشرط يعني اشترط.
وكيفية الاشتراط أن يقول: اللهم إن كان هذا الميت مسلماً فاغفر له وارحمه. والله يعلم إن كان مسلماً غفر له، إن كان مسلماً فقد دعوت بحق، وإن كان غير مسلم فقد فوضت الأمر إلى الله، هذا الاستثناء في الدعاء جائز.
النوع الثاني:
استثناء لا يجوز؛ لما يوهمه من معنىً لا يليق بالله عز وجل،
مثل: أن يقول القائل: اللهم اغفر لي إن شئت، كما تأمر غيرك بأمر وتشك في قدرته عليه فتقول: إن شئت حتى لا ترهقه.
الأمر الثاني: أن هذا يوهم أن الله تعالى يجيب السائل مكرهاً،
و كأن هذا الداعي مستغنٍ عن الله،
أما قول: “إن شاء الله”، فهذا ينظر إن قصد هذا الإنسان
في قوله: “إن شاء الله” أن هذا الأمر يقع بمشيئة الله فهذا لا ينهى عنه، لأنه قال: إن شاء الله على سبيل تعظيم الله عز وجل والتبرك، لكن مع هذا نرى أن الأفضل أن لا يقوله، أن لا يقول: غفر الله لك إن شاء الله، ردك الله سالماً إن شاء الله، وما أشبه ذلك. نقول: اجزم”. انتهى. وقرر ذلك أيضا الشيخ صالح آل الشيخ في التمهيد
وسأل الشيخ ابن باز رحمه الله: س: إذا قال إن شاء الله للتبرك؟
فأجاب: لا يقولها أبدا”. [60 باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت، شرح كتاب التوحيد، الموقع الرسمي لفضيلته].
(المسألة الرابعة): قوله: (لا) للنهي، وهي للتحريم أو للكراهة؟ على قولين:
القول الأول: التحريم، وبه جزم الحافظ ابن عبد البر، حيث قال: ” لا يجوز لأحد أن يقول: (اللَّهُمَّ أعطني كذا إن شئت)، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولأنه كلام مستحيل، لا وجه له؛ لأنه لا يفعل إلا ما شاء لا شريك له”.
وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10/ 714)، ومن المعاصرين ابن عثيمين في القول المفيد (2/ 331)، والأتيوبي في البحر المحيط الثجاج (42/ 47)، ودليلهم ظاهر الحديث وما علل له.
والقول الثاني: أنه يُكره ولا يحرم، وإليه ذهب النووي ورجحه العراقي، وابن حجر والزرقاني. [الأذكار للنووي (ص367)، وطرح التثريب (3/ 117)، وفتح الباري (11/ 140)، وشرح الموطأ للزرقاني (2/ 44)]
واستدلوا بحدث الاستخارة؛ إذ فيه التعليق. وسبق عرض المسألة.
وقد أجابوا عن حديث الاستخارة وغيرها، وعلى أن هناك فرقا بين الاستخارة وبين الاستثناء المذكور، فإن دعاء الاستخارة المعلق “بعلم الله وإرادته، هو في الأمور المعينة التي لا يدري العبد من عاقبتها ومصلحتها.
وأما المذكور في الحديث الآخر: فهي الأمور التي يعلم مصلحتها بل ضرورتها وحاجة كل عبد إليها، وهي مغفرة الله ورحمته ونحوها.
“. [كتاب بهجة قلوب الأبرار، ص (158)].
وقال في (القول السديد) أيضًا:”الأمورُ كلُّها وإنْ كانتْ بمشيئةِ اللهِ وإرادتِه، فالمطالبُ الدينيَّةُ كسؤالِ الرَّحمةِ والمغْفِرةِ، والمطالبُ الدنيوِيَّةُ المُعِينَةُ على الدينِ كسؤالِ العافيَةِ والرِّزقِ وتوابعِ ذلك، قد أُمِرَ العبدُ أنْ يسألَهَا مِن ربِّه طَالِبًا مُلِحًّا جازمًا،
وبهذا يظهرُ الفرْقُ بين هذا وبين سؤالِ بعضِ المطالبِ المُعَيَّنةِ الَّتي لا يُتحقَّقُ مصلحتُها ومنفعتُها، كالدعاءِ المأثورِ: ((اللهُمَّ أَحْيِنِي إِذَا كَانَت الحَيَاةُ خَيْرًا لي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْرًا لي)) وكدعاءِ الاسْتِخارَةِ”. انتهى
وستأتي بعض الأجوبة على ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
(المسألة الخامسة) وهل يجزم بالإجابة؟
الجواب: إذا كان الأمر عائدا إلى قدرة الله!
فهذا يجب أن تجزم بأن الله قادر على ذلك، قال الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: من الآية60]
أما من حيث دعائك أنت باعتبار
– ما عندك من الموانع،
– أو عدم توافر الأسباب،
فإنك قد تتردد في الاجابة، ومع ذلك ينبغي أن تحسن الظن بالله؛ لأن الله ـ عز وجل ـ قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فالذي وفقك لدعائه أولا سيمن عليك بالإجابة آخراً، لا سيما إذا أتي الإنسان بأسباب الإجابة وتجنب الموانع، ومن الموانع الاعتداء في الدعاء، كأن يدعو بأثم أو قطيعة رحم، ومنها أن يدعو بما لا يمكن شرعا وقدرا، فشرعا كأن يقول: اللهم اجعلني نبيا.
وقدرا ً بأن يدعو الله تعالى بأن يجمع بين النقيضين، وهذا أمر لا يمكن، فالاعتداء بالدعاء مانع من اجابته، وهو محرم لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] وهو أشبه ما يكون بالاستهزاء بالله ـ سبحانه”. قاله الشيخ ابن عثيمين في (القول المفيد).
المسألة السابعة:
الجمع بين القول للمريض: لا بأس طهور إن شاء الله، وما ورد في الحديث.
قال الحافظ ابن بطال رحمه الله:
” وأما قوله للأعرابى: لا بأس عليك طهور إن شاء الله، فإنما أراد تأنيسه من مرضه، بأن الله يكفر ذنوبه، ويقيله، ويؤخر وفاته، فوقع الاستثناء على ما رجا له من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب، وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى الله تعالى، وفي جواب الأعرابي ما يدل على ما قلناه، وهو قوله: “حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور. أي: ليس كما رجوت من الإقالة.
وقوله – صلى الله عليه وسلم -: فنعم إذًا دليل على أن قوله: لا بأس عليك، أنه على طريق الرجاء لا على طريق الخبر عن الغيب، وكذلك قوله: إن الله قبض أرواحنا حين شاء، وردها حين شاء”. انتهى، من [“شرح صحيح البخاري” (10/ 484)، وينظر: “التوضيح” لابن الملقن (3/ 397)].
وقال الملا علي القاري رحمه الله:
” (طَهُورٌ) ” أَيْ: لَا مَشَقَّةَ وَلَا تَعَبَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ بِالْحَقِيقَةِ; لِأَنَّهُ مُطَهِّرُكَ مِنَ الذُّنُوبِ.
(إِنْ شَاءَ اللَّهُ): لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلتَّفْوِيضِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ طَهُورًا مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ صَبُورًا شَكُورًا.” انتهى من [“مرقاة المفاتيح” (2/ 1123)].
قال ابن العثيمين رحمه الله:
وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور إن شاء الله) فهذا من باب الرجاء؛ وذلك لأن المريض قد يكون مرضه طهورا له وقد لا يكون، فلو كان هذا المريض لم يصبر، وقلبه مملوء من التسخط على الله عز وجل لم يكن طهورا، فيكون إن شاء الله من باب الرجاء، يعني: أسأل الله أن يكون طهورا لك إذا صبرت واحتسبت الأجر”. انتهى [اللقاء (234) من لقاءات الباب المفتوح].
قال الشيخ صالح آل الشيخ:
هذا قوله عليه الصلاة والسلام ((طهور إن شاء الله)) هذا ليس فيه دعاء، وإنما هو من جهة الخبر،
قال طائفة أيضاً من أهل العلم من شرّاح (البخاري): (وقد يكون قوله: ((طهور إن شاء الله)) للبركة؛ فيكون ذلك من جهة التبرك؛ كقوله -جل وعلا- مخبراً عن قول يوسف: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}، وهم قد دخلوا مصر؛ وكقوله جل وعلا: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين لا تخافون}) “. انتهى.
(المسألة الثامنة): تبويبات الأئمة:
بوب الحافظ النووي في (رياض الصالحين): ” (332) – باب: كراهة قول الإنسان: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ بل يجزم بالطلب”. انتهى.
وبوب الإمام البخاري في صحيحه: “باب: لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ”.
وانظر: طرح التثريب في شرح التقريب (ج2، ص106، رقم الحديث: 3)، ذكر بعض المسائل المتعلقة بالباب.
انظر: للمزيد شروح كتاب التوحيد بوب: باب: “قول: اللهم اغفر لي إن شئت”.
انظر: من المواضع التي ذكر فيه مباحث الذكر والدعاء في التعليق على الصحيح المسند ((905)) ((1084))، ((1064))، ((1358))، ((1329)).
المسألة التاسعة: أحاديث في الباب:
عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
ما على الأرضِ مسلمٌ يدعو اللهَ بدَعوةٍ إلَّا آتاهُ اللهُ تعالى إيَّاها، أو صرفَ عنهُ مِن السُّوءِ مثلَها، ما لَم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ. قال رجلٌ من القَومِ: إذًا نُكْثِرُ. قال: اللهُ أكثرُ.
المصدر: صحيح الترغيب. 1631.
روى ابن ماجه:
3864 – عن عبد الله بن مغفل، سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة، إذا دخلتها، فقال: أي بني سل الله الجنة، وعذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء»
صحيح سنن ابن ماجه (2/ 1271)
وسوف تأتي إحاديث في صحيح مسلم أحاديث فيها النهي عن التحسر وترك الدعاء بسبب استعجال الإجابة وكذلك سيأتي حديث النهي عن سؤال تعجيل العذاب وغيرها من الأحاديث والأبواب
المسألة العاشرة:
الوسيلة في أدعية من القرآن
إذا أمعن المسلم في آيات القرآن فإنه يرى جميع آيات الدعاء، لابد أن يسبقها توسل إلى الله تعالى إما بذات الله أو بأسمائه الحسنى أو بالأعمال الصالحة أو أن يتوسل إليه بدعاء إخوانه المؤمنين له أو بدعائه لهم.
مختصر تفسير ابن كثير ص 15
ففي كل آيات القرآن المتضمنة للدعاء أنواع من التوسلات فمن ذلك:
الإعتراف بالربوبية … وكل المطالب التي يطلبونها أخروية أو وسيلة لها والقرب من الله ونيل رضاه.
ومن ذلك الإعتراف بالذنب فطلبوا العفو والاعتراف أن القلوب بيده يهدي من يشاء ويزيغ من يشاء، والتوسل بالإيمان واتباع الرسول، والدعاء مع ما يقومون به من الجهاد. والدعاء مع بناء بيت الله وسؤال الله الذرية الطيبة التي تعبده. وسؤال الله الهجرة من الأرض الظالم أهلها. والتوسل بالإيمان باليوم الآخر فاكتبنا مع الشاهدين. والتوسل بسعة علم الله فهو يعلم حاجتنا اليه سبحانه والاعتراف بأنه نعم الوكيل والتوسل بأنه لا يخلف الميعاد. والتوسل بأنه هو حسبنا وأنه ذو الفضل العظيم، وكثير من آيات الأدعية تختم بأسمائه وصفاته سبحانه فهذا توسل بأسماء الله وصفاته ….. وغير ذلك مما سيأتي بيانه أو هو ظاهر في الآيات التي فيها دعاء:
ثم هم على يقين من قوله تعالى:
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّو ءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَا ءَ الْأَرْضِ أَءِلَاهلا مَّعَ اللَّهِ قَلِيللاا مَّا تَذَكَّرُونَ)
[سورة النمل 62]
المسألة العاشرة:
الضوابط الشرعية الواجبة في صيغ الدعاء:
– خلو الصيغة من أي جملة أو عبارة تتضمن معنى الشرك بالله تبارك وتعالى، كنداء الأصنام، والأموات أو التوسل بهم.
– خلوها من أي جملة تتضمن التكبر والاستغناء عن الله تبارك وتعالى، أو السب والاعتداء على الله سبحانه وتعالى، كجملة “اللهم اغفر لي إن شئت”، وقول “اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ” الأنفال 32.
– خلوها من أي عبارة يفهم منها اليأس من رحمة الله سبحانه وتعالى، أو الجزع من قضائه وقدره، كعبارة “دعوت، فلم يستجب لي”.
– خلوها من أي جملة أو لفظة فيها إلحاق نقص بالله سبحانه وتعالى، كوصفه تبارك وتعالى بالفقر، وبأنه السبب في غواية إبليس.
– خلوها من طلب الأمور المحرمة في الشرع، كطلب التيسير للسرقة، وشرب الخمر ونحوها.
– خلوها من طلب الأمور التي قضى الله تبارك وتعالى باطرادها في الكون، وعدم خُلفها، كعدم المغفرة لمن مات على الشرك.
– خلوها من طلب الأمور التي هي من خصوصيات الأنبياء، كطلب رؤية الرب سبحانه وتعالى في الدنيا بعين البصر، وهبة ملك سليمان عليه السلام.
– خلوها من طلب الأمور المستحيلة، كطلب إرجاع الزمن، وتغيير قِيَم الأعداد.
– خلوها من التوسلات التي هي مخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
– خلوها عند الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإفراط والتفريط فيه، فتُعطَى له -صلى الله عليه وسلم- مكانته التي أعطاه الله سبحانه وتعالى إياها.
المسألة الحادية عشر:
الضوابط المستحبة التي ينبغي مراعاتها في صيغ الدعاء:
– البدء بنداء الرب -سبحانه وتعالى- ب (ربنا)، أو (ربِّ)، أو (اللهم)، والأفضل حذف أداة النداء (يا)، وكذا يستحب النداء بأسماء الله -سبحانه وتعالى- وأوصافه مثل: “مالك المُلك”، “فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة”.
– ثم بعد ذلك تتوسل، إما:
بالثناء على الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، مثل (اللهم مالك الملك) أو بالأعمال الصالحة.
– وبعد ذلك تذكر المطلب والغرض.
– الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند الافتتاح والاختتام.
– اختتام الدعاء بالتوسل مرة أخرى.
– مراعاة الترتيب المذكور آنفاً، فيُبدأ بالنداء، ويُثنى بتوسلٍ وصلاةٍ على الرسول، ويُثلّث بذكر الغرض، ويختتم بتوسل مرة أخرى.
– التدرج في الطلب، وتقديم الأهم قبل المهم.
– تقديم التَّخلية على التحلية، كتقديم طلب المغفرة على طلب الرحمة.
– التلطف في عرض الحاجة أو الطلب.
– اختيار جوامع الألفاظ.
– تقديم ضمير الجمع على غيرها في المطالب العامة، وتقديم ضمير المفرد في المطالب الخاصة.
– خلوها من السجع المتكلف.
الاستغفار من أسباب استجابة الدعاء:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:
أشار المصنف بإيراد هذين البابين وهما الاستغفار ثم التوبة في أوائل كتاب الدعاء
إلى أن الإجابة تسرع إلى من لم يكن متلبسا بالمعصية
فإذا قدم التوبة والاستغفار قبل الدعاء
كان أمكن لإجابته
وما ألطف قول ابن الجوزي إذ سئل أأسبح أو أستغفر فقال:
الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور.
ذيل طبقات الحنابلة
المسألة الثانية عشر:
من آداب الدعاء:
مما لا شك فيه أن الدعاء الذي يرجو صاحبه الإجابة هو ما التزم فيه الآداب الواردة فيه ومنها:
تحري أوقات الاستجابة:
فيتخير لدعائه الأوقات الشريفة؛ كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السَّحَر من ساعات الليل.
وأن يغتنم الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء، كوقت التنزُّل الإلهي في آخر الليل، وفي السجود، وأن ينام على ذِكْر فإذا استيقظ من الليل ذكر ربه ودعاه، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش في الجهاد، وعند الإقامة، وآخر ساعة من نهار الجمعة، ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المسافر والمظلوم، ودعوة الصائم والوالد لولده،، ودعاء رمضان.
ومن الآداب:
أن يدعو مستقبل القبلة وأن يرفع يديه، وأل يتكلف السجْع في الدعاء، وأن يتضرع ويخشع عند الدعاء؛ قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، [إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90].
وأن يخفض الصوت؛ فإنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولأن خفض الصوت أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو رُوح الدعاء ومقصوده؛ فإن الخاشع الذليل المتضرع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه، وهذه الحالة لا يليق معها رفع الصوت بالدعاء أصلاً. ولأنه أبلغ في الإخلاص، وأبلغ في حضور القلب عند الدعاء.
ولأن خفض الصوت يدل على قرب صاحبه من الله، فيسأله مسألة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، وهذا من الأسرار البديعة جدًّا، ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم:3].
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل دعاء محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم”.
المحافظة على أدب الباطن:
ومن أهم الآداب التي ينبغي للداعي أن يحافظ عليها تطهير الباطن – وهو الأصل في الإجابة – فيحرص على تجديد التوبة ورد المظالم إلى أهلها، وتطهير القلب من الأحقاد والأمراض التي تحول بين القلب وبين الله، وتطييب المطْعَم بأكل الحلال.
أن يجزمَ بالدعاء ويُوقن بالإجابة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ادعوا الله وأنتم مُوقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ”.
قال سفيان بن عُيينة: لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه؛ فإن الله عز وجل أجاب دعاء شرِّ الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:36، 37].
أن يُلحَّ في الدعاء ويكرِّره ثلاثًا:
قال ابن مسعود: “كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا”.
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال يهتف بربِّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبَيْه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتُك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدك.
وهذا نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم، مازال يدعو ويدعو، وذهب بصره. ومع طول وقت مفارقته ليوسف وهو يدعو و يقول لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
أن يُعظِّمَ المسألة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تمنى أحدُكم فليُكثر، فإنما يسأل ربَّه”.
وقد ذم الله من دعا ربه الدنيا فقط، فقال تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:200]، وأثنى سبحانه وتعالى على الداعين بخيري الدنيا والآخرة فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة مائة درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة – أراه قال: وفوقه عرشُ الرحمن – ومنه تفجَّرُ أنهار الجنة”.
الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب:
فعن بُريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال صلى الله عليه وسلم: “لقد سألت الله بالاسم الذي (1) إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب”.
أن يجتهد في الإتيان بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة؛ فإنها لم تترك شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا وأتت به، وألا ييأس إن تأخرت الإجابة فإن هذا من العجلة التي نهى عنها الشرع.
المسألة الثالثة عشر: الفتاوى
سئل ابن تيمية – رحمه الله -:
عمن يقول: أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عنه أنه قد أساء وأخطأ إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان وخلاف للسنة إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا ولم يدخر الله عنه خيرا؛ بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة؛ إذ هو أكرم الخلق على الله فهل الأمر كذلك أم لا؟.
فأجاب:
الحمد لله، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها. وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به. وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد
مجموع الفتاوى (22/ 510)