2677 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بابٌ: فِي أسْماءِ اللهِ تَعالى وفَضْلِ مَن أحْصاها
(5) – ((2677)) حَدَّثَنا عَمْرٌو النّاقِدُ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وابْنُ أبِي عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيانَ – واللَّفْظُ لِعَمْرٍو – حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ لا، قالَ: «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ اسْمًا، مَن حَفِظَها دَخَلَ الجَنَّةَ، وإنَّ اللهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الوِتْرَ» وفِي رِوايَةِ ابْنِ أبِي عُمَرَ: «مَن أحْصاها».
(6) – ((2677)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، وعَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ لا، قالَ: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلّا واحِدًا، مَن أحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ»، وزادَ هَمّامٌ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ لا: «إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ».
==========
التمهيد: “كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى، ومن المعلوم أن الله تعالى يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقص، وأن أسماء الله توقيفية فلا يجوز أن نسمي الله إلا بما سمى به نفسه في قرآنه أو على لسان نبيه لا.
وقد ورد في هذا الحديث أن لله تسعة وتسعين اسما ذكرت في بعض كتب السنن، وحث على حفظها رسول الله لا”. []
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
شرح الحديث:
(عَنِ الأعْرَجِ) عبد الرحمن بن هُرْمُز (عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ لا) وفي رواية للبخاريّ: «عن أبي هريرة روايةً قال»، قال في «الفتح»: قوله: «رواية»:
في رواية الحميديّ: قال رسول الله لا، وللبخاريّ في «التوحيد» من رواية شعيب، عن أبي الزناد بسنده: «أن رسول الله لا قال»، ووقع عند الدارقطنيّ في «غّرائب مالك» من رواية عبد الملك بن يحيى بن بكير، عن أبيه، عن ابن وهب، عن مالك بالسند المذكور، عن النبيّ لا قال: «قال الله – عز وجل -: لى تسعة وتسعون اسمًا».
(قالَ: «للهِ) خبر مقدّم لقوله: (تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ) وفي بعض النسخ:» إن لله
تسعةً وتسعين «(اسْمًا) قال في» الفتح”: كذا في معظم الروايات بالنصب على
التمييز، وحَكى السهيليّ أنه روى بالجرّ، وخرّجه على لغة من يجعل الإعراب في النون، ويُلزم الجمع الياء، فيقول: كم سنينُك برفع النون، وعددتُّ سنينَك
بالنصب .. .انتهى [«الفتح» (14) / (474)، «كتاب الدعوات» رقم ((6410))]؛
وقد اختلف العلماء في حكمة قوله: «مائة إلا واحدًا» بعد قوله: «تسعة
وتسعون اسمًا»، قيل: لدفع الالتباس بسبع وسبعين، وللاحتياط فيه بالزيادة والنقصان. [«عمدة القاري» (23) / (29)]، وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسألة الخامسة – إن شاء الله تعالى -.
(مَن حَفِظَها) قال في «العمدة»: المراد بالحفظ: القراءة بظهر القلب، فيكون كناية عن التكرار؛ لأن الحفظ يستلزم التكرار،
وقيل: معناه: العمل بها، والطاعة بمعنى كلّ اسم منها، والإيمان بها، ومعنى الرواية الأخرى: «من أحصاها»: عدّها في الدعاء بها، وقيل: أحسنَ المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدَّق معانيها، وقيل: من أحصاها؛ أي: كرر مجموعها. انتهى [«عمدة القاري» (23) / (29)].
وقال المناويّ – رحمه الله -: «من أحصاها»: حفظها، أو أطاق القيام بحقّها، أو عرفها، أو أحاط بمعانيها، أو عمل بمقتضاها، بأن وثَق بالرزق إذا قال: الرزاق مثلًا، وهكذا، وعدّها كلمة كلمة؛ تبركًا، وإخلاصًا.
وقوله: «تسعة وتسعون اسمًا» ليس للحصر بها، ودليل ذلك خبر: «أسألك بكلّ اسم سمّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، وإنما خصّها لأنها أشهرها، أو أظهرها معنى، أو لتضمّنها معاني ما عداها، أو لأن العدد زوج وفرد، والفرد أفضل، ومنتهى الإفراد بلا تكرار تسعة وتسعون، أو لغير ذلك. انتهى. [» فيض القدير «(2) / (478)].
وقال العلامة ابن القيّم – رحمه الله -: قوله: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا … إلخ»، الكلام جملة واحدة، وقوله: «من أحصاها دخل الجنة» صفة لا خبر مستقلّ، والمعنى: له أسماء متعددة، من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، … ، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه. انتهى [» بدائع الفوائد «(1) / (177)، بتصرف].
فقوله (مَنْ أَحْصَاهَا) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: عندي مائة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله. فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المائة؛ بل هذه المائة معدة لهذا الشيء” اهـ. [مجموع فتاوى ابن عثيمين” (1/ 122)].
(دَخَلَ الجَنَّةَ) عبَّر بالماضي تحقيقًا لوقوعه، وتنبيهًا على أنه وإن لم يقع فهو في حكم الواقع لأنه كائن لا محالة. [» الفتح «(14) / (486)، و» عمدة القاري «(23) / (29)].
(وإنَّ اللهَ وِتْرٌ)؛ يعني: أنه واحد، لا شريك له، والوِتر بكسر الواو، وفَتحها، وقرئ بهما، (يُحِبُّ الوِتْرَ «) من الأعمال، وكثير من الطاعات، ولهذا جعل الله الصلوات خمسًا، والطواف سبعًا، ونَدَب التثليث في أكثر الأعمال، وخلق السموات سبعًا، والأرضين سبعًا، وغير ذلك. [» عمدة القاري” (23) / (29)].
وقال في» الفتح «: قوله:» وإن الله وتر «يجوز فتح الواو، وكسرها، والوتر: الفرد، ومعناه في حقّ الله: أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته، ولا انقسام.
وقوله: «يحب الوتر»: قال عياض: معناه أن للوتر في العدد فضلًا على الشفع في أسمائه؛ لكونه دالًّا على الوحدانية في صفاته.
وتُعُقّب بأنه لو كان المراد به الدلالة على الوحدانية لَما تعددت الأسماء، بل المراد: أن الله يحب الوتر من كل شيء، وإن تعدَّدَ ما فيه الوتر، وقيل: هو منصرف إلى من يعبد الله بالوحدانية، والتفرد على سبيل الإخلاص، وقيل: لأنه أمَر بالوتر في كثير من الأعمال، والطاعات، كما في الصلوات الخمس، ووتر الليل، وأعداد الطهارة، وتكفين الميت، وفي كثير من المخلوقات؛ كالسماوات والأرض. انتهى ملخصًا.
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: الظاهر أن الوتر هنا للجنس؛ إذ لا معهود جرى ذِكره، حتى يُحْمَل عليه، فيكون معناه: أنه وتر يحب كل وتر شَرَعه، ومعنى محبته له: أنه أمَر به، وأثاب عليه، ويصلح ذلك العموم ما خلقه وترًا من مخلوقاته، أو معنى محبته له: أنه خصصه بذلك؛ لحكمة يعلمها، ويَحْتَمِل أن يريد بذلك وترًا بعينه، وإن لم يجر له ذكر،
ثم اختَلَف هؤلاء، فقيل: المراد صلاة الوتر، وقيل: صلاة الجمعة، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم عرفة، وقيل: آدم، وقيل غير ذلك، قال: والأشبه ما تقدم من حَمْله على العموم، قال: ويظهر لي وجه آخر، وهو أن الوتر يراد به التوحيد،
فيكون المعنى: أن الله في ذاته، وكماله، وأفعاله واحد، ويحب التوحيد؛ أي: أن يوحَّد، ويُعتَقَد انفراده بالألوهية دون خَلْقه، فيلتئم أول الحديث وآخره، والله أعلم [«المفهم» (7) / (18)].
قال الحافظ: لعل من حَمَله على صلاة الوتر استَنَد إلى حديث عليّ – رضي الله عنه -: «إن الوتر ليس بحتم كالمكتوبة، ولكن رسول الله لا أوتر، ثم قال: أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر»، أخرجوه في السنن الأربعة، وصححه ابن خزيمة، واللفظ له، فعلى هذا التأويل تكون اللام في هذا الخبر للعهد؛ لتقدُّم ذِكر الوتر المأمور به، لكن لا يلزم أن يُحمل الحديث الآخر على هذا، بل العموم فيه أظهر، كما أن العموم في حديث عليّ مُحْتَمِل أيضًا.
قال ابن عبد البر: كان ناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم. قال: وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه شيئا فتعرفون فضله … ، إلى أن قال: ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها، فقال بعضهم: كنا نراها في العشر الأوسط، ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر، فأكثروا فيها، فقال بعضهم: ليلة إحدى وعشرين. وقال بعضهم: ليلة ثلاث وعشرين، وقال بعضهم: ليلة سبع وعشرين. فقال عمر: يا ابن عباس، ألا تكلم؟ قال: الله أعلم. قال: قد نعلم أن الله يعلم، وإنما نسألك عن علمك.
فقال ابن عباس: إن الله وتر يحب الوتر، خلق من خلقه سبع سماوات فاستوى عليهن، وخلق الأرض سبعا، وجعل عدآلأيام سبعا، ورمي الجمار سبعا، وخلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع. فقال عمر: خلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع، هذا أمر ما فهمته … انتهى المراد. [التمهيد – ابن عبد البر – ت بشار (2/ 223)]
[تنبيه]: قد طعن أبو زيد البلخيّ في صحة الخبر، بأن دخول الجنة ثبت في القرآن مشروطًا ببذل النفس والمال، فكيف يحصل بمجرد حِفظ ألفاظ تُعَدّ في أيسر مدّة؟
قال الحافظ: وتُعُقّب بأن الشرط المذكور ليس مطَّردًا، ولا حَصْر فيه، بل قد تحصل الجنة بغير ذلك، كما ورد في كثير من الأعمال غير الجهاد أن فاعله يدخله الجنة، وأما دعوى أن حفظها يحصل في أيسر مدة، فإنما يَرِد على من حَمَل الحفظ والإحصاء على معنى أن يسردَها عن ظهر قلب، فأما من أوّله على بعض الوجوه المتقدمة، فإنه يكون في غاية المشقّة، ويمكن الجواب عن الأول بأن الفضل واسع، قاله في «الفتح». [«الفتح» (14) / (476) – (487)، «كتاب الدعوات» رقم ((6410))]، وهو تعقّب جيّد، والله تعالى أعلم.
وقوله: (وفِي رِوايَه ابْنِ أبِي عُمَرَ: «مَن أحْصاها») بيّن به اختلاف شيوخه في لفظ الحديث، فرواه عمرو الناقد، وزهير بن حرب بلفظ: «من حفظها دخل الجنّة»، ورواه محمد بن يحيى بن أبي عمر بلفظ: «من أحصاها دخل الجنّة»، وسيأتي البحث في معنى الإحصاء مستوفى في المسألة الثانية – إن شاء الله تعالى -.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات:
المبحث الأول: توحيد الأسماء والصفات (تعريفه، وعقيدة أهل السنة فيه، ومنزلته، والقواعد التي تتعلق به)
المطلب الأول: العلم بأسماء الله وصفاته هو الطريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى
والإيمان بالأسماء والصفات يقوي اليقين بالله، وهو سبب لمعرفة الله، والعلم به، بل إن العلم بالله ومعرفة الله – جل وعلا – تكون بمعرفة أسمائه وصفاته، وبمعرفة آثار الأسماء والصفات في ملكوت الله جل وعلا. [التمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ – ص 437].
المطلب الثاني: تزكية النفوس وإقامتها على منهج الله
أمَّا التزكية التي أثنى الله تعالى على أصحابها في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس:9] فالمراد بتزكية النفس هنا تطهيرُها بالأعمال الصالحة وترك الأعمال السيّئة، هذه تزكية النفس، شغلُها بالأعمال الصالحة وتجنيبُها للأعمال السيئة فهناك تزكيةٌ منهيٌّ عنها، وهي: الإعجاب والمدح للنفس، وهناك تزكية مأمورٌ بها وهي الإصلاح والتوبة والعمل الصالح: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، وتوعَّد الله الذين لا يزكون أنفسهم قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6 – 7] قال بعض المفسرين: المراد بالزّكاة هنا: تزكية النفس، لأن الآية مكية، والزكاة بالأموال لم تكن نزلت إلاّ في المدينة، وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:4] قالوا: والمراد بالزكاة هنا: زكاة النفس، لأنَّ الآية مكيّة- أيضاً-، فتزكية النفس بالأعمال الصالحة مطلوبة مأمور بها. [إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لصالح بن فوزان الفوزان – ص246].
المطلب الثالث: العلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم
إن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم، والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب، ولذلك بينه الرسول صلى الله عليه وسلم غاية البيان، ولاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه لم يختلف فيه الصحابة رضي الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام. [تفسير أسماء الله الحسنى لعبدالرحمن السعدي – ص6 – 8].
المطلب الرابع: العلم بأسماء الله وصفاته أصل للعلم بكل ما سواه
كما أن كل موجود سواه فبإيجاده فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه، فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق، أحصى جميع العلوم، إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى، ولهذا لا تجد فيها خللا ولا تفاوتا لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما أن يكون لجهله به أو لعدم حكمته، وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم فلا يلحق فعله ولا أمره خلل ولا تفاوت ولا تناقض. [بدائع الفوائد لمحمد بن أبي بكرابن قيم الجوزية – 1/ 170]
المطلب الخامس: العلم بأسماء الله وصفاته من أسباب زيادة الإيمان
إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوحه (الروح: هو الفرح، والاستراحة من غم القلب)، وأصله وغايته، فكلما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه. [التوضيح والبيان لشجرة الإيمان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي – ص41].
المطلب السادس: عظم ثواب من أحصى أسماء الله سبحانه وتعالى، وفيه مسائل:
(المسألة الأولى): هل المراد بالحديث حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد؟
((لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحدة)) هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد, أو أنها أكثر من ذلك، ولكن اختصت هذه بأن من أحصاها دخل الجنة؟
فذهب جمهور العلماء إلى الثاني، ونقل النووي اتفاق العلماء عليه، وقال: ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى, وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث: أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء.
وقال أبو سليمان حمد الخطابي: إنما هو بمنزلة قولك إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، [فليس فيه أنه لا يملك غيرها] .. ، والذي يدل على صحة هذا التأويل حديث عبد الله بن مسعود وقد ذكره محمد بن إسحاق بن خزيمة في المأثور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك .. إلخ)) [رواه أحمد (1/ 391) (3712) وغيرها، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وصححه ابن القيم في ((شفاء العليل)) (2/ 749) وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (5/ 267)) إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (199)]. فهذا يدلك على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه، ولم يظهرها لهم. اهـ[((شأن الدعاء)) (ص: 24)].
وقال شيخ الإسلام كما في (مجموع الفتاوى) (6/ 381) بعد نقله كلام الخطابي: وأيضاً فقوله: ((إن لله تسعة وتسعون)) تقيده بهذا العدد، بمنزلة قوله تعالى: تِسْعَةَ عَشَرَ فلما استقلوهم، قال: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31]. فأن لا يعلم أسماءه إلا هو أولى. اهـ. وانظر أيضاً (22/ 482) من مجموع الفتاوى.
وقال في (درء تعارض العقل والنقل) (3/ 332) والصواب الذي عليه الجمهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) [رواه البخاري (6410)، ومسلم (2677)]، معناه: أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسماً، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود السابق.
وقال: وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخط, وبمعافاتك من عقوبتك, وبك منك لا أحصي ثناء عليك, أنت كما أثنيت على نفسك)) [رواه مسلم (486)].
فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم لا يحصى ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها, فكان يحصى الثناء عليه؛ لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه.
وكذلك في المقام المحمود فأخرج ابن خزيمة في التوحيد: فَيَدَعُنِي ساجِدًا ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُعَلِّمُنِي مَحامِدَهُ، أحْمَدُ بِها، لَمْ يَحْمَدْهُ بِها أحَدٌ قَبْلِي ولا يَحْمَدُهُ بِها أحَدٌ بَعْدِي، ثُمَّ يُقالُ: يا مُحَمَّدُ اشْفَعْ تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَ …. وهذا اللفظ أيضا في [تعظيم قدر الصلاة للمروزي ((274))].
وخالف ابن حزم ههنا، فذهب إلى الحصر في العدد المذكور, ورد عليه الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور، وهو لا يقول بالمفهوم أصلاً، ولكنه احتج بالتأكيد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مائة إلا واحداً)) قال: لأنه لو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور، لزم أن يكون له مائة، فيبطل قوله: ((مائة إلا واحداً)).
قال الحافظ: وهذا الذي قاله ليس بحجة على ما تقدم، لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها، فمن ادعى أن الوعد وقع لمن أحصى زائداً على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هناك اسم زائد. اهـ[((فتح الباري)) (11/ 221)].
وقد تكلم العلماء – ومنهم الرازي في شرح الأسماء – عن سر هذا العدد المخصوص بكلام كثير، والذي نراه أن تفويض علمه لله أقرب إلى الصواب، لأن الله لم يطلعنا على حكمة ذلك، فهو كأعداد الصلوات، والله تعالى أعلم. [النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود- ص 43].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود الحديث … ، فذكره. [القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 2/ 354].
(المسألة الثانية): معنى إحصاء أسماء الله
معنى قوله ((من أحصاها)) وهو يحتمل وجوها:
أ- أن يعدها حتى يستوفيها حفظاً, ويدعو ربه بها، ويثني عليه بجميعها؛ كقوله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28]. واستدل له الخطابي بقوله صلى الله عليه وسلم – كما في الرواية الأخرى – ((من حفظها دخل الجنة)). [رواه البخاري (6410)، ومسلم (2677)] [((شأن الدعاء)) (26)].
وقال النووي: قال البخاري وغيره من المحققين: معناه حفظها, وهذا هو الأظهر لثبوته نصاً في الخبر.
وقال في الأذكار: وهو قول الأكثرين. [((الأذكار)) (64)].
وقال ابن الجوزي: لما ثبت في بعض طرق الحديث ((من حفظها)) بدل ((من أحصاها))، اخترنا أن المراد (العد) أي: من عدها ليستوفيها حفظاً.
ورد هذا القول الحافظ فقال: وفيه نظر، لأنه لا يلزم من مجيئه بلفظ ((حفظها)) تعيين السرد عن ظهر قلب, بل يحتمل الحفظ المعنوي.
وقال الأصيلي: ليس المراد بالإحصاء عدها فقط؛ لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العلم بها.
وكذا قال أبو نعيم الأصبهاني وابن عطية. [((الفتح)) (11/ 226)].
ب- أن يكون المراد بالإحصاء (الإطاقة)، كقوله تعالى: {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أي لن تطيقوه، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم ((استقيموا ولن تحصوا .. )) [رواه ابن ماجه (226)، وأحمد (5/ 276) (22432)، وغيرهما من حديث ثوبان رضي الله عنه. وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 130): إسناده صحيح، وجوّد إسناده النووي في ((المجموع)) (2/ 4)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (1/ 181) كما قال في المقدمة]. أي: لن تبلغوا كل الاستقامة.
فيكون المعنى: أن يطبق الأسماء الحسنى ويحسن المراعاة لها، وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بواجبها.
فإذا قال: يا رحمن يا رحيم، تذكر صفة الرحمة، واعتقد أنها من صفات الله سبحانه، فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته.
وإذا قال: (السميع البصير) علم أنه يراه ويسمعه, وأنه لا تخفى عليه خافية، فيخافه في سره, وعلنه, ويراقبه في كافة أحواله.
وإذا قال: (الرزاق) اعتقد أنه المتكفل برزقه يسوقه إليه في وقته, فيثق بوعده, ويعلم أنه لا رازق له سواه .. إلخ. [((شأن الدعاء)) ص (27 – 28) ((الفتح)) (11/ 225 – 226)].
وقال أبو عمر الطلمنكي: من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعرفة بالأسماء والصفات, وما تتضمن من الفوائد, وتدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالماً لمعاني الأسماء، ولا مستفيداً بذكرها ما تدل عليه من المعاني. اهـ[((الفتح)) (11/ 226)].
ج- أن يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة, فيكون معناه أن من عرفها، وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة، وهو مأخوذ من الحصاة وهي العقل، والعرب تقول: فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل، ومعرفة بالأمور. [((شأن الدعاء)) ص (28 – 29) ((الفتح)) (11/ 225)].
قال القرطبي: المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة.
وهذه المراتب الثلاثة للسابقين, والصديقين, وأصحاب اليمين اهـ[((الفتح)) (11/ 225)].
د – أن يكون معنى الحديث أن يقرأ القرآن حتى يختمه فيستوفي هذه الأسماء كلها في أضعاف التلاوة، فكأنه قال: من حفظ القرآن وقرأه فقد استحق دخول الجنة. [((شأن الدعاء)) (ص: 29) وانظر فيما سبق أيضاً ((تفسير الأسماء)) للزجاج ص (22 – 24) والرازي في ((شرح الأسماء)) (ص: 81 – 82)].
قلت: لكن قد يفوته بعض الأسماء الواردة بالأحاديث النبوية الزائدة على القرآن.
وقد ذكر بعضهم أن من أخذ هذا الحديث دون الزيادة التي فيها تفصيل الأسماء كان المراد بقوله (من أحصاها) أي من طلبها في القرآن, وفي جملة الأحاديث الصحيحة حتى يلتقط منها تلك الأسماء التسعة والتسعين, ومعلوم أن ذلك مما لا يمكن تحصيله إلا بعد تحصيل علم الأصول والفروع حتى يقدر على التقاط هذه الأسماء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ومعلوم أن من حصل هذه العلوم، واجتهد حتى بلغ درجة يمكنه معها التقاط هذه الأسماء من الكتاب والسنة فقد بلغ الغاية القصوى في العبودية [((شرح الأسماء)) (82)] اهـ باختصار.
وذكر هذه المعاني في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 175): ” وقوله: ((من أحصاها)): قيل: من حفظها، وقد جاء مفسرا في حديث (من حفظها).
وقيل: من عدها ليدعو بها؛ كقوله: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}، وقيل: “من أحصاها” من وحد [الله] بها ودعا بها، يريد توحيده وتعظيمه والإخلاص له. وقيل: ” أحصاها ” بمعنى أطاقها؛ كقوله: {علم أن لن تحصوه} أي تطيقوه، وإطاقتها: حسن المراعاة لها، والمحافظة لحدودها، والتصديق بمعانيها، والعلم بها، ومقتضى كل اسم وصفة يستفاد منها وتحقيقها. وقيل إحصاؤها: العمل بها، والتعبد لله بمعنى كل اسم منها، والإيمان بما لا يقتضى تعبدا ولا عملا. وقيل: معنى ذلك ختم القرآن وتلاوته كله، لأنه مستوف لهذه الأسماء”. انتهى.
– قوله: (وهو وتر يحب الوتر).
الوتر: هو الفرد، ومعناه في صفة الله جل وعلا الواحد الذي لا شريك له, ولا نظير له، المتفرد عن خلقه, البائن منهم بذاته وصفاته, فهو سبحانه وتر.
وجميع خلقه شفع, خلقوا أزواجاً. قال سبحانه: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49].
فالمراد أن الله يحب الوتر من كل شيء, وإن تعدد ما فيه الوتر، ولذلك أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات كما في الصلوات الخمس, ووتر الليل, وأعداد الطهارة, وتكفين الميت. وفي كثير من المخلوقات كالسموات والأرض [((الفتح)) (11/ 227)]. [النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود- ص 46]
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في معنى الإحصاء:
1 – الإحاطة بها لفظاً ومعنى.
2 – دعاء الله بها؛ لقوله تعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وذلك بأن تجعلها وسيلة لك عند الدعاء، فتقول: يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم! وما أشبه ذلك.
3 – أن تتعبد لله بمقتضاها، فإذا علمت أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمت أنه غفور تتعرض لمغفرته، وإذا علمت أنه سميع اتقيت القول الذي يغضبه، وإذا علمت أنه بصير اجتنبت الفعل الذي لا يرضاه. [القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 3/ 90]
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “الإحصاء يكون بالحفظ، ويكون بالتدبر والتعقل لمعانيها، والعمل بمقتضى ذلك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة)، وفي لفظ: من حفظها دخل الجنة، فالمعنى: إحصاؤها بتدبر المعاني، والنظر في المعاني مع حفظها، لما في ذلك من الخير العظيم والعلم النافع؛ ولأن ذلك من أسباب صلاح القلب، وكمال خشيته لله، وقيامه بحقه) “. انتهى.
وقال الراجحي أيضًا بهذا، فقال: فقيل: إحصاؤها: عدها. وقيل: حفظها وقيل: العمل بها. والصواب: أن هذه الأمور كلها مرادة. [توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (7/ 494)].
[فصل]: وأما الحكمة في القَصْر على العدد المخصوص، فذكَرَ الفخر الرازيّ عن الأكثر أنه تعبُّد لا يُعقل معناه، كما قيل في عدد الصلوات وغيرها، ونُقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبريّ السلميّ قال: إنما خَصّ هذا العدد إشارةً إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسًا.
وقيل: الحكمة فيه أن معاني الأسماء، ولو كانت كثيرة جدًّا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة …. انتهى كلام الحافظ – رحمه الله -. [«الفتح» (14) / (475) – (477)، «كتاب الدعوات» رقم ((6410))].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: عندي أن الأولى في هذا أن يردّ إلى العليم الخبير، فلا داعي للاختلاف في تعيين وجه الحكمة، وليست معرفته من التكليفيّات، فتبصّر، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. [البحر المحيط الثجاج].
قال الراجحي حفظه الله في حكمة إخفائها: حتى يجتهد العباد في تعرفها وتطلبها من النصوص، كما أخفيت ساعة الجمعة، وكما أخفيت ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. [توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (7/ 494)].
(المسألة الثالثة): ضعف الطرق التي فيها سرد الأسماء
الأولى: قال ابن كثير في (التفسير) (2/ 269):) والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك.
أي أنهم جمعوها من القرآن، كما روى عن جعفر بن محمد, وسفيان بن عيينة, وأبو زيد اللغوي والله أعلم) اهـ.
وقال في (بلوغ المرام) (ص254): (والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة) اهـ.
وقال الصنعاني في (سبل السلام) (4/ 108): (اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة) اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في [(الفتاوى) ص 383 جـ6 من “مجموع ابن قاسم”]: تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه، وقال قبل ذلك [ص 379]: إن الوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه اهـ
وقال ابن حجر في [(فتح الباري) ص215 جـ11 ط السلفية]: ليست العلة عند الشيخين (البخاري ومسلم)، تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف فيه والاضطراب، وتدليسه واحتمال الإدراج اهـ،
قال ابن عثيمين:
ولما لم يصح تعيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف السلف فيه، وروي عنهم في ذلك أنواع [القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين – ص17]. [الموسوعة العقدية].
خلاصة القول أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث ولا يصح رفعها. [النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: 50].
وقد حقّق الحافظ – رحمه الله – طرق هذا الحديث …. ، ثم قال: هذا جميع ما وقفت عليه من طرقه، وقد أطلق ابن عطية في «تفسيره» أنه تواتر عن أبي هريرة، فقال: في سرد الأسماء نظرٌ، فإن بعضها ليس في القرآن، ولا في الحديث الصحيح، ولم يتواتر الحديث من أصله، وإن خرّج في «الصحيح»، ولكنه تواتر عن أبي هريرة. كذا قال، ولم يتواتر عن أبي هريرة أيضًا، بل غاية أمره أن يكون مشهورًا. انتهى كلام الحافظ – رحمه الله
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في سرد الأسماء المذكورة:
قال الحافظ – رحمه الله -: لم يقع في شيء من طرق هذا الحديث سرد الأسماء، إلا في رواية الوليد بن مسلم، عند الترمذيّ، وفي رواية زهير بن محمد، عن موسى بن عقبة، عند ابن ماجه،
وهذان الطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج، وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء، والزيادة، والنقص، على ما سأشير إليه …
وقد قال الغزاليّ في «شرح الأسماء» له: لا أعرف أحدًا من العلماء عُني بطلب أسماء، وجمعها سوى رجل من حفاظ المغرب، يقال له عليّ بن حزم،
فإنه قال: صَحّ عندي قريب من ثمانين اسمًا يشتمل عليها كتاب الله، والصحاح
من الأخبار، فلتطلب البقية من الأخبار الصحيحة، قال الغزاليّ: وأظنه لم يبلغه الحديث؛ يعني: الذي أخرجه الترمذيّ، أو بَلَغه، فاستضعف إسناده، قال الحافظ: الثاني هو مراده، فإنه ذَكَر نحو ذلك في «المحلّى»، ثم قال: والأحاديث الواردة في سرد الأسماء ضعيفة، لا يصح شيء منها أصلًا، وجميع ما تتبعته من القرآن ثمانية وستون اسمًا، فإنه اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم، لا ما يؤخذ من الاشتقاق؛ كالباقي من قوله تعالى: {ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن (27)]، ولا ما ورد مضافًا؛ كالبديع من قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ} [البقرة (117)]، وسأبيّن الأسماء التي اقتصر عليها قريبًا.
وقد استضعف الحديث أيضًا جماعة، فقال الداوديّ: لم يثبت أن النبيّ لا عَيَّن الأسماء المذكورة.
وقال ابن العربيّ: يَحْتَمِل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع، ويَحْتَمِل أن تكون مِن جَمْع بعض الرواة، وهو الأظهر عندي.
وقال أبو الحسن القابسيّ: أسماء الله وصفاته لا تُعلم إلا بالتوقيف من الكتاب، أو السُّنَّة، أو الإجماع، ولا يدخل فيها القياس، ولم يقع في الكتاب ذِكر عدد معيَّن، وثبت في السُّنَّة أنها تسعة وتسعون، فأخرج بعض الناس من الكتاب تسعة وتسعين اسمًا، والله أعلم بما أخرج من ذلك؛ لأن بعضها ليست أسماء؛ يعني: صريحةً … .
قال الحافظ: وإذا تقرر رجحان أن سرد الأسماء ليس مرفوعًا، فقد اعتنى جماعة بتتبّعها من القرآن، من غير تقييد بعدد، فروينا في» كتاب المائتين «لأبي
عثمان الصابونيّ بسنده إلى محمد بن يحيى الذُّهْليّ أنه استخرج الأسماء من القرآن، وكذا أخرج أبو نعيم عن الطبرانيّ، عن أحمد بن عمرو الخلال، عن ابن أبي عمرو: حدّثنا محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين، سألت أبا جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء الحسنى، فقال: هي في القرآن.
وروينا في» فوائد تمام «من طريق أبي الطاهر بن السرح، عن حبان بن نافع، عن سفيان بن عيينة الحديث؛ يعني: حديث:» إن لله تسعة وتسعين اسمًا «،
قال: فوَعَدَنا سفيان أن يُخرجها لنا من القرآن، فأبطأ، فأتينا أبا زيد، فأخرجها
لنا، فعرضناها على سفيان، فنظر فيها أربع مرّات، وقال: نعم هي هذه.
وهذا سياق ما ذكره جعفر، وأبو زيد، قالا: ففي» الفاتحة «خمسة:» الله رب الرحمن الرحيم مالك «، وفي» البقرة «:» ….. فذكرها ابن حجر وجمع إليها غيرها من رواية الترمذي التي تصلح كأسماء. وحذف ما فيه تكرار وما لم يره من الأسماء ثم قال:
وهذا سَرْدها لِتُحفظ، ولو كان في ذلك إعادة، لكنه يُغتفر لهذا القصد: … ، فسردها. انتهى ما حققه الحافظ – رحمه الله -[«الفتح» ((14) / (466) – (473)، «كتاب الدعوات» رقم ((6410))].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق من التحقيق أن سرد الأسماء مرفوعًا غير ثابتٌ، وإنما هو مدرج من بعض الرواة، وقد حقّق الحافظ – رحمه الله – عدّها مما في القرآن، فأجاد، وأفاد، وبالله تعالى التوفيق. [البحر المحيط الثجاج].
وقد جمع الشيخ عبدالمحسن العباد اسماء الله الحسنى كما في قطف الجنة الداعي شرح عقيدة ابي زيد القيرواني وراجع فقه الدعاء
قال الحافظ ابن الأثير في جامع الأصول في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى:
(مُنيب): أناب الرجل: إذا رجع إلى الله تعالى تائباً.
(المنان): فعال من المنة، وهو المبالغ فيها.
(بديع): البديع: المبدع، وهو الخالق المخترع لا عن مثال سابق. ….
وسردها بمعانيها إلى:
(الصبور): هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم بل يؤخر ذلك إلى أجل مسمى، فمعنى الصبور في صفة الله تعالى قريب من معنى الحليم، إلا أن الفرق بين الأمرين أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور، كما يأمنون منها في صفة الحليم. انتهى ابن الأثير رحمه الله [كتاب جامع الأصول لابن الأثير، حرف الخاء، الكتاب الخامس، الباب الثاني، القسم الأول، الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى].
وسيأتي ذكر من أعتنى بالأسماء الحسنى وصفاته العليا، وشرح معانيها، وبين قواعدها –إن شاء الله تعالى-.
(المسألة الخامسة): قال جماعة من العلماء: الحكمة في قوله: «مائة إلا واحدٌ» بعد قوله: «تسعة وتسعون» أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعًا بين جهتي الإجمال والتفصيل، أو دفعًا للتصحيف الخطيّ والسمعيّ.
وقال الطيبيّ – رحمه الله -: [فإن قلت]: ما فائدة هذا التأكيد – يعني: قوله: «مائة إلا واحد» -؟
[قلت]: ما ذكره الشيخ التوربشتيّ: إن معرفة أسماء الله تعالى، وصفاته توقيفيّة، تُعلم من طريق الكتاب والسُّنَّة، … . انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (6) / (1766)]، والله تعالى أعلم.
(المسألة السادسة): استُدِلّ بهذا الحديث على صحة استثناء القليل من الكثير، وهو متفق عليه، وأبعدَ من استَدَلّ به على جواز الاستثناء مطلقًا، حتى يدخل استثناء الكثير حتى لا يبقى إلا القليل.
. وأما نَقْل الاتفاق فمردود، فالخلاف ثابت، حتى في مذهب مالك، وقد قال أبو الحسن اللَّخْميّ منهم: لو قال: أنت طالق ثلاثًا إلا ثنتين، وقع عليه ثلاث …. انتهى [«الفتح» (14) / (474)، «كتاب الدعوات» رقم ((6410))]، والله تعالى أعلم.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في الاسم الأعظم:
(اعلم): أنه قد أنكره قوم؛ كأبي جعفر الطبريّ، وأبي الحسن الأشعريّ، وجماعة بعدهما؛ كأبي حاتم بن حبان، والقاضي أبي بكر الباقلّانيّ فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، ونَسَبَ ذلك بعضهم لمالك؛ لكراهيته أن تُعادَ سورة، أو تُردَّد دون غيرها من السور؛ لئلا يُظَنّ أن بعض القرآن أفضل من بعض، فيؤذِن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم: العظيم، وأن أسماء الله كلها عظيمة.
وعبارة أبي جعفر الطبريّ: اختَلَفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم،
والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة؛ إذ لم يَرِد في خبر منها أنه الاسم الأعظم، ولا شيء أعظم منه، فكأنه يقول: كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصْفه بكونه أعظم، فيرجع إلى معنى عظيم، كما تقدم.
وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها: مزيد ثواب الداعي بذلك
وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطلع عليه أحدًا من خلقه، وأثبته آخرون معيَّنًا، واضطربوا في ذلك.
قال الحافظ – رحمه الله -: وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولًا:
الثاني: «الله»؛ لأنه اسم لم يُطلق على غيره، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثَم أضيفت إليه ….
الرابع: «الرحمن الرحيم الحي القيوم»؛ لِما أخرج الترمذيّ من حديث
أسماء بنت يزيد؛ أن النبيّ لا قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين:
{وإلَهُكُمْ إلَهٌ واحِدٌ لا إلَهَ إلّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ((163))} [البقرة (163)]، وفاتحة
» سورة آل عمران «: {اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ((2))}، أخرجه أصحاب
» السنن” إلا النسائيّ، وحسّنه الترمذيّ، وفي نسخة صححه، وفيه نظر؛ لأنه من رواية شهر بن حوشب.
قال الأتيوبي عفا الله عنه: هكذا طَعَن الحافظ في هذا الحديث بسبب شهر بن حوشب، وفيه نظر؛ لأنه ثقةٌ، وأقلّ أحواله أن يكون حسن الحديث، كما حقّقته في «شرح المقدّمة» لهذا الكتاب، فإن كان طعنه في تحسين الترمذيّ له، فالحقّ مع الترمذيّ، وإن كان في تصحيحه، فعسى، والله تعالى أعلم.
الخامس: «الحي القيوم»، أخرج ابن ماجه من حديث أبي أُمامة: «الاسم الأعظم في ثلاث سور: البقرة، وآل عمران، وطه»، قال القاسم الراوي عن أبي أمامة: التمسته منها، فعرفت أنه «الحي القيوم»، وقوّاه الفخر الرازيّ،
واحتَجّ بأنهما يدلّان من صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما
كدلالتهما.
السادس: «الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم»، ورَدَ ذلك مجموعًا في حديث أنس، عند أحمد، والحاكم، وأصله عند أبي داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان …
الثامن: «ذو الجلال والإكرام»، أخرج الترمذيّ من حديث معاذ بن جبل، قال: سمع النبيّ لا رجلًا يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: «قد استجيب لك، فَسَلْ»، واحتَجّ له الفخر بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الإلهية؛ لأن في الجلال إشارة إلى جميع السلوب، وفي الإكرام إشارة إلى جميع الإضافات.
التاسع: «الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد»، أخرجه أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، من حديث بُريدة – رضي الله عنه -، وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك.
الحادي عشر: دعوة ذي النون، أخرج النسائيّ، والحاكم، عن فَضالة بن عُبيد رفعه: «دعوة ذي النون في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يَدْعُ بها رجل مسلم قظ، إلا استجاب الله له».
في «الفتح» [«الفتح» (14) / (481) – (482)].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: الأرجح عندي عدم تعيينه بِاسْم خاصّ؛ لعدم نصّ صريح بذلك، وإنما هو في مضمون كلام، كما تقدّمت النصوص المشيرة إليه، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
قلت سيف بن دورة: ذكرنا في مختلف الحديث ثلاثة أحاديث صحاح:
أخرج أبو داود في سننه:
1493 – عن بريدة أن رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلم – سَمعَ رجلاً يقول: اللهم إني أسالُك
أني أشْهَدُ أنَكَ أنتَ الله، لا إله إلا أنتَ الأحَدُ الصَّمدُ الذي لم يَلدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كفُواً أحدٌ، فقال: “لقد سألتَ الله بالاسم الذي إذا سُئِلَ به أعْطَى، وإذا دُعي به أجَابَ”.
أخرج الإمام أحمد في مسنده 18974 النسائي في السنن الكبرى 7618 وابن مندة في التوحيد 199 من طريق عبد الوارث قال حدثنا حسين عن ابن بريدة قال حدثني حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع حدثه فذكره
خالفه مالك بن مغول قال حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا فذكره أخرجه أبو داود 1493 و1494 والترمذي في سننه 3457 وابن ماجه في سننه 3857 والنسائي في السنن الكبرى 7619 والإمام أحمد في مسنده 22952و 22965 و 32041 والطبراني في الدعاء 114 وابن مندة في التوحيد 3 و199
قال ابن مندة في التوحيد وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَشْبَهُ.
قلت قال المنذري في الترغيب والترهيب: قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي وإسناده لا مطعن فيه ولم يرد في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه
وأورده الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند 152
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح:
وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك وأقره العلامة الألباني.
قلت: بينما رجح ابوحاتم أن الصواب حديث ابن بريدة عن حنظلة بن علي عن محجن بن الأدرع مرفوعا وهو صحابي الحديث العلل 2082 وفيه
الحديث الثاني:
عن شَهر بن حوشَبٍ
عن أسماءَ بنتِ يزيدَ، أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلم – قال: اسمُ الله الأعْظَمُ في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] وفاتحة سورة آل عمران {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
أخرجه أبو داود في سننه 1496 والترمذي في سننه 3478 وابن ماجة في سننه 3855 وغيرهم
قلت فيه شهر بن حوشب مختلف فيه والراجح ضعفه
وحسنه الشيخ الألباني بشاهده من حديث أبي أمامة كما في الصحيحة 746
الحديث الثالث:
وكذلك ورد عن أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطي. أخرجه أبوداود وأحمد وصححه محققو المسند 20/ 61.
قال العباد الأولى الدعاء بما ورد ولا يقتصر على كلمة. فيتوسل الإنسان بما ورد بأكمله
قال السعدي: الاسم الأعظم اسم جنس يشمل كل ما ورد.
انتهى كلامي من تحقيق سنن أبي داود (سيف)
[تنبيه]: استُدِلّ بحديث الباب على انعقاد اليمين بكل اسم ورد في القرآن، أو الحديث الثابت، قال الحافظ: وهو وجه غريب، حكاه ابن كجّ من الشافعية، ومَنَع الأكثر؛ لقوله لا: «من كان حالفًا فليحلف بالله»، وأجيب بأن المراد: الذات، لا خصوص هذا اللفظ، وإلى هذا الإطلاق ذهب الحنفية، والمالكية، وابن حزم، وحكاه ابن كجّ أيضًا.
والمعروف عند الشافعية والحنابلة وغيرهم من العلماء أن الأسماء ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يختص بالله؛ كالجلالة، والرحمن، ورب العالمين، فهذا ينعقد به اليمين إذا أُطلق، ولو نوى به غير الله.
ثانيها: ما يُطلق عليه، وعلى غيره، لكن الغالب إطلاقه عليه، وأنه يقيّد في حقّ غيره بضرب من التقييد؛ كالجبار، والحقّ، والربّ، ونحوها، فالحلف به يمين، فإن نوى به غير الله، فليس بيمين.
ثالثها: ما يُطلق في حقّ الله، وفي حق غيره على حدّ سواء؛ كالحيّ، والمؤمن، فإن نوى به غير الله، أو أطلق فليس بيمين، وإن نوى الله تعالى، فوجهان، صحح النوويّ أنه يمين، وكذا في «المحرر»، وخالف في الشرحين، فصحح أنه ليس بيمين.
واختلف الحنابلة، فقال القاضي أبو يعلى: ليس بيمين، وقال المجد ابن تيمية في «المحرر»: إنها يمين. انتهى [«الفتح» (14) / (482) – (483)].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: عندي الأرجح ما ذهب إليه الشافعيّة، والحنابلة، وغيرهم من تقسيم الاسم ثلاثة أقسام … إلخ، فهو أقرب، كما لا يخفى على من تأمّله، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثامنة): قد ذكر الإمام ابن القيّم – رحمه الله – في كتابه «بدائع الفوائد» بحثًا نفيسًا يتعلّق بأسماء الله تعالى، وصفاته، أحببت إيراده هنا؛ لنفاسته،
قال رحمه الله تعالى:
ما يجري صفة أو خبرا على الرب تبارك وتعالى أقسام:
أحدها ما يرجع إلى نفس الذات كقولك ذات وموجود وشيء
الثاني: ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم والقدير والسميع
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله نحو: الخالق والرزاق
الرابع: ما يرجع إلى التنزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتا إذ لا كمال في العدم المحض كالقدوس والسلام
الخامس: ولم يذكره أكثر الناس وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة بل هو دال على معناه لا على معنى مفرد نحو المجيد العظيم الصمد …
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميد العفو القدير الحميد المجيد وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن …
ويجب أن تعلم هنا أمور:
أحدها: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم بنفسه فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
الثاني: أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا
الثالث: أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها المطلقة والله أعلم.
الرابع: أن أسماءه عز وجل الحسنى هي أعلام وأوصاف والوصف بها لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة بخلاف أوصافه تعالى.
الخامس: أن الاسم من أسمائه له دلالات دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالة على أحدهما بالتضمن ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم.
السادس: أن أسماءه الحسنى لها اعتباران اعتبار من حيث الذات واعتبار من حيث الصفات فهي بالاعتبار الأول مترادفة وبالاعتبار الثاني متباينة.
السابع: أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع.
الثامن: أن الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلا ومصدرا ونحو السميع البصير القدير يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو: {قد سمع الله} {فقدرنا فنعم القادرون} هذا إن كان الفعل متعديا فإن كان لازما لم يخبر عنه به نحو الحي بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل فلا يقال حي.
التاسع: أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى فعاله عن كماله والمخلوق كماله عن فعاله فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل فالرب لم يزل كاملا فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وصفاته فأفعاله صادرة عن كماله كمل ففعل والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به
العاشر: إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا إما علم بما كونه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى.
الحادي عشر: أن أسماءه كلها حسنى ليس فيها اسم غير ذلك أصلا …
الثاني عشر: في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة، وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح:
المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها المرتبة
الثانية: فهم معانيها ومدلولها المرتبة
الثالثة: دعاؤه بها، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وهو مرتبتان إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثاني: دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها …
الثالث عشر: اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي والسميع والبصير والعليم والقدير والملك ونحوها …
الرابع عشر: أن الاسم والصفة من هذا النوع له ثلاث اعتبارات: اعتبار من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالرب تبارك وتعالى أو العبد اعتباره مضافا إلى الرب مختصا به اعتباره مضافا إلى العبد مقيدا به فما لزم الاسم لذاته وحقيقته كان ثابتا للرب والعبد وللرب منه ما يليق بكماله وللعبد منه ما يليق به …
الخامس العشر: أن الصفة متى قامت بموصوف لزمها أمور أربعة أمران لفظيان وأمران معنويان فاللفظيان ثبوتي وسلبي فالثبوتي أن يشتق للموصوف منها الموصوف ويخبر بها عنه والسلبي أن لا يعود حكمها إلى غيره ولا يكون خبرا عنه وهي قاعدة عظيمة في معرفة الأسماء والصفات فلنذكر من ذلك مثالا واحدا وهو صفة الكلام فإنه إذا قامت بمحل كانت هو التكلم دون من لم تقم به وأخبر عنه بها وعاد حكمها إليه دون غيره فيقال قال وأمر ونهى ونادى وناجى وأخبر وخاطب وتكلم وكلم ونحو ذلك وامتنعت هذه الأحكام لغيره فيستدل بهذه الأحكام والأسماء على قيام الصفة به وسلبها عن غيره على عدم قيامها به وهذا هو أصل السنة الذي ردوا به على المعتزلة والجهمية وهو من أصح الأصول طردا وعكسا.
السادس عشر: أن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل … [بدائع الفوائد – ط الكتاب العربي (1/ 159)]
وقد توسع ابن عثيمين في تفصيل هذه القواعد التي ذكرها ابن القيم في كتاب القواعد المثلى
وقال – رحمه الله -:
إن أسماءه تعالى منها: ما يُطلق عليه مفردًا ومقترنًا بغيره، وهو غالب الأسماء؛ كالقدير، والسميع، والبصير، والعزيز، والحكيم، وهذا يسوغ أن يُدْعى به مفردًا ومقترنًا بغيره، فتقول: يا عزيز، يا حليم، يا غفور، يا رحيم، وأن يُفرَد كلّ اسم، وكذلك في الثناء عليه، والخبر عنه بما يَسُوغُ لك الإفراد والجمع.
ومنها: ما لا يُطلق عليه بمفرده، بل مقرونًا بمقابله؛ كالمانع، والضارّ، والمنتقم، فلا يجوز أن يُفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي، والنافع، والعفوّ، فهو المعطي المانع، الضارّ النافع، المنتقم العفوّ، المعزّ المذلّ؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم عطاءً ومنعًا، ونفعًا وضرًّا، وعَفْوًا وانتقامًا، وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار، فلا يسوغ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجئ مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمه.
فلو قلت: يا مذلّ، يا ضارّ، يا مانع، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيًا عليه، ولا حامدًا له، حتى تذكر مقابلها.
قال: وإن الصفات ثلاثة أنواع: صفات كمال، وصفات نقص، وصفات لا تقتضي كمالًا ولا نقصًا، وإن كانت القسمة التقديرية تقتضي قسمًا رابعًا، وهو ما يكون كمالًا ونقصًا باعتبارين، والرب تعالى منزه عن الأقسام الثلاثة، وموصوف بالقسم الأول، وصفاته كلها صفات كمال محض، فهو موصوف من الصفات بأكملها، وله من الكمال أكمله، وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته، هي أحسن الأسماء، وأكملها، فليس في الأسماء أحسن منها، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا يؤدي معناها، وتفسيرُ الاسم منها بغيره ليس تفسيرًا بمرادف محض، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم.
وإذا عرفت هذا، فله من كل صفة كمال أحسن اسم، وأكمله، وأتمّه معنى، وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب، أو نقص، فله من صفة الإدراكات: العليم الخبير، دون العاقل الفقيه، والسميع البصير، دون السامع والباصر والناظر.
ومن صفات الإحسان: البرّ الرحيم الودود، دون الرفيق والشفوق، ونحوهما، وكذلك العلي العظيم، دون الرفيع الشريف، وكذلك الكريم دون السخي، والخالق البارئ المصور، دون الفاعل الصانع المشكِّل، والغفور العفوّ، دون الصفوح الساتر، وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه، منها أكملها، وأحسنها، وما لا يقوم غيره مقامه.
فأسماؤه أحسن الأسماء، كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا تعدِل عما سمى به نفسه إلى غيره، كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه، ووَصَفه به رسوله لا إلى ما وصَفه به المُبْطِلون والمعطِّلون.
قال: ومن أسمائه الحسنى ما يكون دالًّا على عدة صفات، ويكون ذلك الاسم متناولًا لجميعها تناوُلَ الاسم الدال على الصفة الواحدة لها، كما تقدم بيانه؛ كاسمه العظيم والمجيد والصمد، كما قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في «تفسيره»: الصمد: السيد الذي قد كَمَل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده، وهو الله سبحانه، هذه صفته، لا تنبغي إلا له، ليس له كفوًا أحد، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار [إسناده ضعيف].
وهذا مما خَفِي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى، ففسَّر الاسم بدون معناه، ونَقَصَه من حيث لا يعلم، فمن لم يُحِطْ بهذا علمًا بَخَس الاسم الأعظم حقّه، وهَضَمه معناه، فتدبره.
ثم ذكر قاعدة جامعة لِما تقدم من الوجوه، وهي معرفة الإلحاد في أسمائه، حتى لا يقع فيه:
قال تعالى: {ولِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها وذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ((180))} [الأعراف (180)]، والإلحاد في أسمائه هو العدول بها، وبحقائقها، ومعانيها عن الحقّ الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل، كما
يدل عليه مادته (ل ح د)، فمنه اللحد، وهو الشق في جانب القبر
إذا عُرف هذا، فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:
أحدها: أن يسمى الأصنام بها؛ كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهًا، وهذا إلحاد حقيقة، فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم، وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية النصارى له أبًا، وتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.
وثالثها: وصْفه بما يتعالى عنه، ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنه فقير، وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة (64)]، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.
ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجَحْد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة، لا تتضمن صفات، ولا معاني، فيُطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد، ويقولون: لا حياة له، ولا سمع، ولا بصر، ولا كلام، ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلًا وشرعًا ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين، فإن أولئك أعطَوا أسماءه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوه صفات كماله، وجحدوها، وعطّلوها، فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي، والمتوسط، والمنكوب، وكل من جحد شيئًا عما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله لا فقد ألحد في ذلك، فليستقلّ، أو ليستكثر.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه، تعالى الله عما يقول المشبهون علوًّا كبيرًا، فهذا الألحاد في مقابلة إلحاد المعطلة، فإن أولئك نفوا صفة كماله، وجحدوها، وهؤلاء شبّهوها بصفات خَلْقه، فجَمَعهم الإلحاد، وتفرّقت بهم طُرُقه، وبرّأ الله تعالى أتباع رسوله لا، وورثته القائمين بسُنَّته عن ذلك كله، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبّهوها بصفات خَلْقه، ولم يَعْدِلوا بها عما أُنزلت عليه لفظًا، ولا معنى، بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات، فكان إثباتهم بريئًا من التشبيه، وتنزيههم خليًّا من التعطيل، لا كمن شبّه حتى كأنه يعبد صنمًا، أو عطّل حتى كأنه لا يعبد إلا عدمًا.
وأهل السُّنَّة وسط في النِّحَل، كما أن أهل الإسلام وسط في المِلَل، توقَدُ مصابيح معارفهم {مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ} [النور (35)]، فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره، ويسهّل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته، ومتابعة رسوله لا، إنه قريب مجيب.
ثم قال – رحمه الله -: فعليك بمعرفتها، ومراعاتها، ثم اشرح الأسماء الحسنى، إن وجدت قلبًا عاقلًا، ولسانًا قائلًا، ومحلًّا قابلًا، وإلا فالسكوت أولى بك، فجناب الربوبية أجلّ وأعزّ مما يخطر بالبال، أو يعبِّر عنه المقال، {وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف (76)] حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علمًا.
انتهى كلام ابن القيّم – رحمه الله -[«بدائع الفوائد» (1) / (177) – (181)].
(المسألة التاسعة): قيل: استدل بهذا الحديث على أن الاسم هو المسمى
وقد أشبع الكلام فيه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وحققه تحقيقا، لا تجده محررا عند غيره، ثم قال: إن النزاع اشتهر في ذلك بعد الأئمة: أحمد، وغيره، ونقل عن أبي جعفر الطبري أن القول في الاسم والمسمى من الحماقات المبتدعة التي لايعرف فيها قول لأحد من الأئمة، وإن حسب الإنسان أن ينتهي إلى قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180]، وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى، وهذا الإطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة، من أصحاب الإمام أحمد، وغيره … إلى آخر ما قاله رحمه الله تعالى. انظر: “مجموع الفتاوى” 6/ 185 – 212 تستفد علوما جمة.
فلا تتكلم فيها ذلك وإن دعت الحاجة إليه، ولا بد فما عليه الأكثرون من أهل السنة هو الذي نرجحه، والله تعالى أعلم”. [البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 6)].
المطلب السابع: تعظيم الله وتمجيده ودعاؤه بأسمائه وصفاته
قوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] فأسماؤه سبحانه لابد أن لها معاني فلا بد أن نبحث فيها، لأن علمها ألفاظاً مجردة لا فائدة فيه، وإن قدر أن فيه فائدة بالتعبد باللفظ، فإنه لا يحصل به كمال الفائدة واعلم أن دعاء الله بأسمائه له معنيان:
الأول: دعاء العبادة، وذلك بأن تتعبد لله بما تقتضيه تلك الأسماء، ويطلق على الدعاء عبادة؛ قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60]، ولم يقل: عن دعائي، فدل على أن الدعاء عبادة فمثلاً الرحيم يدل على الرحمة، وحينئذ تتطلع إلى أسباب الرحمة وتفعلها والغفور يدل على المغفرة، وحينئذ تتعرض لمغفرة الله عز وجل بكثرة التوبة والاستغفار كذلك وما أشبه ذلك
الثاني: دعاء المسألة، وهو أن تقدمها بين يدي سؤالك متوسلاً بها إلى الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم: ((فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) [رواه البخاري (834) ومسلم (2705)]، فالثناء على الله بأسمائه من أسباب الإجابة. [القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 3/ 90].
المطلب الثامن: العلم بأسماء الله وصفاته دليل على كماله سبحانه وتعالى في تشريعه للأحكام
عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا ((إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماء بيمينه)). [رواه البخاري (7412) بلفظ ((الأرض))، ومسلم (2787) بلفظ ((الأرض)) وبلفظ ((يطوي)). وذكره ابن كثير بهذا اللفظ في ((تفسير القرآن العظيم)) (5/ 382) وقال: انفرد به من هذا الوجه البخاري]، وأخرجه مسلم من حديث عبيد الله بن مقسم، قلت: وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته وعجائب مخلوقاته، وكلها تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان وتأمل ما في هذه الأحاديث الصحيحة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلاله وتصديقه اليهود فيما أخبروا به عن الله من الصفات التي تدل على عظمته. [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – ص508].
المبحث الثاني: الفتاوى:
[1]
السؤال: تسأل أختنا وتقول: ما المقصود بكلمة (أحصاها) في حديث الرسول الكريم لا عن أسماء الله الحسنى: من أحصاها دخل الجنة؟
الجواب:
الإحصاء يكون بالحفظ، ويكون بالتدبر والتعقل لمعانيها، والعمل بمقتضى ذلك.
ولهذا ذهب جمهور أهل العلم -يعني: أكثر أهل العلم- إلى أن هذه الأحاديث التي فيها فضل كذا وفضل كذا، فضل الصلاة وأنها تكفر الذنوب، أو …….. أو صوم عرفة أو صوم يوم عاشوراء أو إحصاء أسماء الله الحسنى أو ما أشبه ذلك، كل ذلك مقيد باجتناب الكبائر، بالاستقامة على أداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله، كما قال عزوجل: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135]، فشرط في هذا عدم الإصرار، والإصرار: هو الإقامة على المعصية وعدم التوبة منها،
فالواجب على كل مسلم ومسلمة: أن يحذرا الاتكال على أحاديث الترغيب والوعد، وأن يعرضا عن أحاديث الوعيد وآيات الوعيد،
[شرح حديث: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا … “، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
المبحث الثالث: مؤلفات في باب:
1) “جزء فيه طرق حديث إن لله تسعة وتسعين اسما”، المؤلف: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن مهران أبو نعيم الأصبهاني، المحقق: مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، سنة النشر: 1413، عدد المجلدات: 1.
2) تفسير أسماء الله الحسنى لعبدالرحمن السعدي.
3) شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
4) فقه أسماء الله الحسنى للشيخ عبد الرزاق العباد.