1191 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1191):
قال أبو داود رحمه الله (ج (11) ص (243)): حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، حدَّثنا معاويةُ بنُ هشامٍ وسفيانُ بنُ عقبة السُّوائي – هو أخو قبيصة – وحُميد بن خُوار، عن سفيان الثوري، عن عاصم ابنِ كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجْر رضي الله عنه، قال: أتيتُ النبيَّ — ولي شعرٌ طويلٌ، فلما رآني رسولُ الله – لا – قال: «ذُبابٌ ذُبابٌ».
قال: فرجعتُ فجززتُه، ثم أتيته مِنَ الغَدِ، فقال: «إني لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ».
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه النسائي (ج (8) ص (131))، وابن ماجه (ج (2) ص (1200))، وابن أبي شيبة (ج (8) ص (455)).
وعلق الوادعي رحمه الله في الحاشية على قوله صلى الله عليه وسلم: «ذباب ذباب». قالا: الذباب: الشؤم، وقيل: الشر الدائم. اهـ مختصرًا من «عون المعبود».
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، أول كتاب الترجيل، (10) – باب في تطويل الجُمَّةِ، ((4190)).
قال الألباني رحمه الله: صحيح.
قال محققو السنن شعَيب الأرنؤوط وآخر عفا الله عنهم: “إسناده قوي من أجل عاصم بن كليب -وهو ابن شهاب- وأبيه، فهما لا بأس بهما.
وأخرجه ابن ماجه ((3636))، والنسائي في «الكبرى) ((9258)) و ((9281)) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
قال الخطابي: أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: الذباب: الشؤم.
وقال في (النهاية) “: الذباب: الشؤم، أي: هذا شؤم، وقيل: الذباب: الشر الدائم، يقال: أصابك ذباب من هذا الأمر.”. انتهى.
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
(19) – كتاب اللباس، (26) – الأحسن عدم تطويل شعر الرأس، ((2825)).
وفي المجتبى للنسائي، كتاب الزينة، الأخْذِ مِنَ الشَّعْرِ، ((5054)).
وأورده الإمام ابن ماجة رحمه الله في السنن، كتاب: اللباس، باب: كَراهِيَةِ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، ((3636)).
وفي (مصنف ابن أبي شيبة): مَن كانَ يَكْرَهُ كَثْرَةَ الشَّعْرِ، ((25096)).
الأول: شرح الحديث:
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [باب: في تطويل الجُمَّةِ.
حدَّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، حدَّثنا معاويةُ بنُ هشامٍ وسفيانُ بنُ عقبة السُّوائي – هو أخو قبيصة – وحُميد بن خُوار، عن سفيان الثوري، عن عاصم ابنِ كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجْر رضي الله عنه، قال: أتيتُ النبيَّ — ولي شعرٌ طويلٌ، فلما رآني رسولُ الله – لا – قال: «ذُبابٌ ذُبابٌ».
قال: فرجعتُ فجززتُه، ثم أتيته مِنَ الغَدِ، فقال: «إني لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ».
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في تطويل الجمة.
و (الجُمَّةِ) هي التي تصل إلى المنكبين.
وفي (شرح السنة للبغوي): يُقالُ: الوَفْرَةُ: الشَّعْرُ إلى شَحْمَةِ الأُذُنِ، والجُمَّةُ: إلى المَنكِبِ، واللِّمَّةُ: الَّتِي ألَمَّتْ بِالمَنكِبَيْنِ.
. قالَ ابْنُ الحَنْظَلِيَّةِ رَجُلٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ لا: قالَ النَّبِيُّ لا: «نِعْمَ الرَّجُلِ خُرَيْمٌ الأسَدِيُّ لَوْلا طُولُ جُمَّتِهِ، وإسْبالُ إزارِهِ». فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا، فَعَجِلَ وأخَذَ شَفْرَةً، فَقَطَعَ بِها جُمَّتَهُ إلى أُذُنَيْهِ، ورَفَعَ إزارَهُ إلى أنْصافِ ساقَيْهِ.
ثُمَّ هَذا فِي حَقِّ الرِّجالِ، أمّا النِّساءُ: فَإنَّهُنَّ يُرْسِلْنَ شُعُورَهُنَّ لا يَتَّخِذْنَ جُمَّةً”. انتهى المقصود.
تنبيه: في أحاديث معلة:
(130) -قال الإمام أحمد (ج (4) ص (321)): حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ حَدَّثَنا مَعْمَرٌ عَنْ أبِي إسْحاقَ عَنْ شِمْرٍ عَنْ خُرَيْمٍ رَجُلٍ مِن بَنِي أسَدٍ قالَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسَلَّمَ لَوْلا أنْ فِيكَ اثْنَتَيْنِ كُنْتَ أنْتَ قالَ إنْ واحِدَةً تَكْفِينِي قالَ تُسْبِلُ إزارَكَ وتُوَفِّرُ شَعْرَكَ قالَ لا جَرَمَ واللَّهِ لا أفْعَلُ.
هذا الحديث إذا نظرت في سنده وجدتهم رجال الصحيح، إلا شمر بن عطية ن وقد وثقه النسائي وابن سهد وابن نمير وابن معين كما في «تهذيب التهذيب» ولكنه لم يدرك خريم بن فاتك كما في «تهذيب التهذيب» فالحديث منقطع. انتهى
وأورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وفيه أنه أطال شعره حتى تجاوز الجمة، فجاء إلى النبي لا وله شعر طويل، فلما رآه رسول الله لا قال: ((ذُبابٌ ذُبابٌ)) وفهم منه أنه يعنيه، وأنه ينكر عليه الهيئة التي هو عليها، ولعله فهم أن ذلك مخالف للهيئة التي كان عليها رسول الله لا، فظن أن هذا الكلام من رسول الله لا إنكار عليه، فذهب وجزها ثم رجع، فقال النبي لا: ((إني لم أعنِكَ، وهذا أحسنُ)) يعني: هذا الذي فعلته والهيئة التي أنت عليها الآن أحسن من الهيئة الأولى.
قوله صلى الله عليه وسلم ((ذُبابٌ ذُبابٌ)): مرتين تأكيدًا، بذال معجمة، مضمومة، وموحّدتين: قالَ الخطّابيّ: الذباب الشؤم.
وفي (جامع الأصول): (ذباب): يقال أصابك ذباب من هذا الأمر، أي شؤم وشر.
وقيل فِي «المجمع»: الشرّ الدائم: أي هَذا شؤم، أو شرّ دائم. انتهى.
وفي «النهاية»: الذباب: الشؤم؛ أي: هذا الشعر الطويل شؤم؛ أي: قبيح، وقيل: الذباب الشر الدائم؛ أي: هذا شر دائم، ويقال: معناه: أصابك شر دائم.
وجاء في (غريب الحديث للخطابي) رحمه الله: عَنْ عاصِمِ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ، سَمِعْتُ أبا عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أبا العَبّاسِ ثَعْلَبًا، يَقُولُ: فِي هَذا الحَدِيثِ الذُّبابُ الشُؤْمُ، ويُقالُ: رَجلٌ ذُبابِيٌّ أي مَشْؤُومٌ.
والذُّبابُ أيضًا الشَّرُّ.
قالَ أوسُ بْن حُجْر:
وليسَ بطارق الجِيران مِنّي … ذُبابٌ لا ينيم ولا ينام. انتهى.
وفي (الفائق في غريب الحديث): “فِي حَدِيث أحد: لما قصّ رُؤْياهُ الَّتِي رَأَىها قبل الحَرْب على أصْحابه قالَ: رَأيْت كَأن ذُباب سَيفي كُسر فأوَّلت ذَلِك أنه يصاب رجل من أهلى. فَقتل حَمْزَة فِي ذَلِك اليَوْم. ذُباب السَّيْف: طرفه الَّذِي يضْرب بِهِ من الذّب وهُوَ الدّفع وذبابا أذنى
ذبذب الفرس: هما ما حدّ من أطرافهما. صلب رجلا على ذُباب. هُوَ جبل بِالمَدِينَةِ. قالَ وائِل بن حجر: أتيت رَسُول الله لا ولي شعر طَوِيل فَلَمّا رَأَىهُ قالَ: ذُباب ذُباب. قالَ: فَرَجَعت فجزرته ثمَّ أتَيْته من الغَد فَقالَ: إنِّي لم أعنك وهَذا أحسن. هُوَ الشؤم والشَّر يُقال: أصابَك ذُباب من هَذا الأمر ورجل ذبابى:
(6) – مشئوم فَكَأنَّهُ مثل الشذاة فِي أنه استعاره قالَ أوْس: … ولَيْسَ بطارقِ الجاراتِ مِنِّي … ذُبابٌ لا يُنِيمُ ولا ينامُ … أي أذى وشرّ.
جابر سرت مَعَ رَسُول الله لا فِي غزاة فَقامَ يُصَلِّي وكانَت عليَّ برده فذهبت أُخالِف بَين طرفيها فَلم تبلغ وكانَت لَها ذباذب فنكستها وخالفت بَين طرفيها ثمَّ تواقصت عَلَيْها لِئَلّا تسْقط فنهاني عَن ذَلِك وقالَ: إن كانَ الثَّوْب واسِعًا فَخالف بَين طَرفَيْهِ وإن كانَ ضيقا فاشدده على حقوك. أرادَ بالذباذب الأهْداب لِأنَّها تنوس وتتذبذب ومِنه قيل لأسافل الثَّوْب: ذلاذل وذباذب وقيل فِي واحِدها ذبذب بِالكَسْرِ”. انتهى.
قال: (فرجعتُ فجززتُه، ثم أتيته مِنَ الغَدِ)،
فقوله: ((إني لم أعنِكَ)). أي: لم أقصدك بقولي: “ذباب”، وإنما قصدت أمرًا آخر.
– بفتح الهمزة وسكون المهملة وكسر النون – مضارع مسند إلى المتكلم؛ من عنى يعني بمعنى: قصد، مجزوم بحذف حرف العلة؛ أي: لم أقصد إياك بقولي: (ذباب) بل قصدت غيرك؛ أي: ما قلت ذلك الكلام لك، بل قلته لغيرك؛
والمقصود: أنه أخطأ في الفهم وأصاب في الفعل. انتهى من «العون» و «السندي»، أي: ما فهمت معنى كلامي ومقصودي به، ولكن وافقت الصواب في قص شعرك (وهذا أحسن).
فقوله: ((وهذا أحسنُ)) أي هَذا الذي فعلته، منْ أخذ ما طال شعرك أحسن منْ تركه طويلًا، يعني أنه أخطأ فِي الفهم، وأصاب فِي الفعل.
وهذا يدل على أن الذي تركه سائغ؛ لأن قوله: (أحسن) يدل على تفضيل حالة على حالة وكل من الحالتين سائغة: الحالة التي فيها التطويل والحالة التي فيها الاقتصار على الجمة.
فقوله: (هذا أحسن) يدل على تفضيل وأولوية هذه الحالة، كما يدل على جواز ما كان عليه وائل بن حجر، والذي عمد إلى قصه بعد أن سمع من رسول الله لا ذلك الكلام وهو لم يعنه.
[انظر: شرح الشيخ عبد المحسن العباد، ذخيرة العقبى].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حَلقُ شَعرِ الرَّأسِ
الفرع الأول: حَلقُ شَعرِ الرَّأسِ كُلِّه
المسألة الأولى: حَلقُ الرَّأسِ للرَّجُلِ
يجوزُ للرَّجُلِ حَلقُ جَميعِ الرَّأسِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وقولٌ للمالِكيَّة.
ويجوزُ للرَّجُلِ إطالةُ شَعرِه، قال ابن العربي: (يجوزُ أن يَتَّخِذَ جُمَّةً- وهي ما أحاط بمَنابتِ الشَّعرِ- ووَفْرةً- وهو ما زاد على ذلك، حتى يبلُغَ شَحمةَ الأُذُنَينِ- ويجوزُ أن يكونَ أطوَلَ مِن ذلك). ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (7/ 479).
وقال ابنُ عُثيمين: (إطالةُ شَعرِ الرَّأسِ لا بأسَ به؛ فقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم له شَعرٌ يَقرُبُ أحيانًا إلى مَنكِبَيه، فهو على الأصلِ لا بأسَ به، ولكِنْ مع ذلك هو خاضِعٌ للعاداتِ والعُرفِ، فإذا جرى العُرفُ واستقَرَّت العادةُ بأنَّه لا يَستعمِلُ هذا الشَّيءَ إلَّا طائِفةٌ مُعَيَّنةٌ نازِلةٌ في عاداتِ النَّاسِ وأعرافِهم، فلا ينبغي لذوي المروءةِ أن يَستعمِلوا إطالةَ الشَّعرِ؛ حيثُ إنَّه لدى النَّاسِ وعاداتِهم وأعرافِهم لا يكونُ إلَّا مِن ذوي المَنزلةِ السَّافلةِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (11/ 30). وللأسَف هذا حالُ بعض الشَّباب اليوم فهم يُطِيلون شعورهم تقلِيدا وتشبُّها بالكفَرة أو الفَسَقة مع أنَّه ليس من عاداتِهم وأعرافِهم، وهذا لا يجوز.
الأدِلَّةُ مِن السُّنَّةِ:
1 – عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رأى صَبيًّا قد حلَقَ بَعضَ شَعرِه وتَرَك بَعضَه، فنهاهم عن ذلك وقال: احلِقُوه كُلَّه، أو اترُكوه كُلَّه)) [أخرجه أبو داود (4195) واللَّفظُ له، والنَّسائي (5048)، وأحمد (5615)، وابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (5508). صَحَّح إسنادَه على شرط الشيخين النووي في ((رياض الصالحين)) (528)، وصَحَّح إسنادَه ابن تَيميَّةَ في ((شرح العمدة- الطهارة)) (1/ 231)، ومحمد ابن عبدالهادي في ((المحرر)) (44) وقال: ورواته كلُّهم أئمَّةٌ ثِقاتٌ، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 32)، وذكر ابن حَجَر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 232) أنَّ إسناده أخرجه مُسْلِم، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4195)]
فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((احلِقُوه كُلَّه، أو اترُكوه كُلَّه)) دليلٌ ظاهِرٌ على إباحةِ الفِعلينِ. ((المجموع)) للنووي (1/ 295).
2 – عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن القَزَع)). قال: قلتُ لنافعٍ: وما القَزَعُ؟ قال: يُحلَقُ بعضُ رأسِ الصبيِّ، ويُتركُ بعضٌ. رواه البُخاريُّ (5920)، ومُسْلِم (2120) واللَّفظُ له.
أنَّه لَمَّا نهى عن القَزَعِ: وهو حَلقُ البَعضِ، دَلَّ ذلك على جوازِ حَلقِ الجَميعِ. ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/ 119).
3 – عن عبدِ اللهِ بنِ جَعفرٍ رضي الله عنه، قال: ((أمهَلَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آلَ جعفرٍ ثلاثةً أن يأتيَهم، ثمَّ أتاهم فقال: لا تَبكُوا على أخي بعدَ اليَوم. ثمَّ قال: ادعُوا إليَّ بَني أخي، فجيءَ بنا كأنَّا أفرُخٌ، فقال: ادعُوا إليَّ الحَلَّاقَ، فأمَرَ بحَلقِ رُؤوسِنا)) [أخرجه أبو داود (4192) باختلاف يسير، والنَّسائي (5227) واللَّفظُ له، وأحمد (1750) مطولًا. صَحَّحه النووي في ((المجموع)) (1/ 296)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (5/ 430)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/ 159): رجاله رجال الصحيح، وصَحَّح إسنادَه ابن حَجَر في ((الإصابة)) (3/ 44)، وأحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (3/ 192)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النَّسائي)) (5227)، والوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (560) وقال: على شرط مُسْلِم.]
المسألة الثانية: حَلقُ الرَّأسِ للمَرأةِ
يَحرُمُ على المرأةِ حَلقُ رأسِها، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، ووجهٌ عند الحَنابِلةِ، وهو قَولُ الحسَنِ البَصريِّ، وابنِ حَزمٍ، واختيارُ ابنِ حَجَر، والشِّنْقيطي، وابنِ باز، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ.
قال ابن عَبدِ البَرِّ: (وقال الحسَنُ: حَلقُ رأسِها مُثْلةٌ). ((الاستذكار)) (4/ 317). [أي: تشويه].
قال ابن حَجَر: (يَحرُمُ عليها حَلقُ شَعرِ رأسِها بغير ضرورة). ((فتح الباري)) (10/ 375).
قال الشِّنْقيطي: (فالحديثُ يشمَلُ عُمومُه الحَلقَ بالنسبة للمُحرِمةِ بلا شَكٍّ، وإذا لم يُبَحْ لها حَلْقُه في حالِ النُّسُكِ، فغيرُه من الأحوالِ أولى). ((أضواء البيان)) (5/ 189).
قال ابن باز: (المنهيُّ عنه الحَلقُ، فليس لكِ أن تحلقي شعرَ رأسِك). وقال: (أمَّا حَلقُه بالكليَّةِ فلا يجوزُ إلَّا مِن عِلَّةٍ ومَرَضٍ، وبالله التوفيق). ((فتاوى المرأة المُسْلِمة)) (2/ 515).
وجاء في كشاف القناع من كتب الحنابلة:
“ويكره حلق رأسها وقصه من غير عذر، لما روى الخلال بإسناده عن قتادة عن عكرمة قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) فإن كان ثَمَّ عذر كقروح لم يكره، ويحرم حلقها رأسها لمصيبة، كلطم خد وشق ثوب). انتهى.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حلق شعر المرأة حيث أن به قشورا؟
فأجاب: ” حلق الرأس للمرأة إذا كان لضرورة: فلا بأس.
مثل: أن يكون في رأسها جروح، لا تتمكن من مداواتها إلا بحلق رأسها: فهذا لا بأس به.
وأما بدون ضرورة: فإن أهل العلم يقولون: إنه حرام أن تحلق رأسها؛ لأن ذلك من التشبه بالرجال وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (10/ 13).
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1 – عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليسَ على النِّساءِ حَلقٌ، إنَّما على النِّساءِ التَّقصيرُ)) [أخرجه أبو داود (1985)، والدارمي (1905)، والطبراني (12/ 250) (13018). حَسَّن إسنادَه النووي في ((المجموع)) (8/ 197)، وابن حَجَر في ((التلخيص الحبير)) (3/ 894)، وصَحَّح إسنادَه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 341)، وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1985)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (700).].
أنَّه إذا لم يُبِحِ الشَّارِعُ لها حَلْقَه في حالِ النُّسُكِ، فغَيرُه من الأحوالِ أولى. [((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (5/ 189).]
2 – عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُتَشَبِّهينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساءِ، والمُتَشَبِّهاتِ مِن النِّساءِ بالرِّجالِ)). [أخرَجَه البُخاريُّ (5885)].
أنَّ الحالِقةَ رأسَها مُتشَبِّهةٌ بالرِّجالِ؛ لأنَّ الحَلقَ مِن صِفاتِهم الخاصَّةِ بهم دونَ الإناثِ عادةً. [((أضواء البيان)) للشِّنْقيطي (5/ 189)]
ثانيًا: لأنَّ الحَلقَ مُثلةٌ بالمرأةِ، فمُنِعَت منه. [((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (2/ 39)].
الفرع الثاني: بعض الشعر
المسألة الأولى: قَصُّ المَرأةِ شَعْرَها للزِّينةِ
يجوزُ للمَرأةِ أن تَقُصَّ شَعرَ رأسِها مِن أجلِ الزِّينةِ، ما لم يبلُغْ حَدًّا تُشبِهُ فيه الرِّجالَ، أو الكافِراتِ والفاسِقاتِ، وهو قَولُ ابنِ باز، وابنِ عُثَيمين، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ.
وقَصُّ المرأة شَعر رأسِها مِن أجلِ الزِّينةِ من المسائِلِ الحادِثة، أما قصُّه للتخْفِيفِ منه فقد ورد فيه حديثٌ: ((كان أزواجُ النبيِّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يَأخُذْنَ مِن رؤوسِهنَّ حتى تكونَ كالوَفْرَةِ)) رواه مُسْلِم (320)، قال القاضي عياض: هذا (دليلٌ على جواز تحذيف النِّساء لشُعُورهن). ((إكمال المعلم)) (2/ 163).
وأما ما استُحدثَ مِن قصِّ الشعرِ على أشكالِ بعضِ الحيواناتِ ويُسمَّى بأسمائِها، كالذي يُعرف بـ (قَصَّة الأسد) وغير ذلك ففيه تشبهٌ بالحيواناتِ، وهو ممنوعٌ بالنسبة للرجالِ والنساءِ.
قال ابن باز: (قصُّ شَعرِ المرأةِ لا نعلَمُ فيه شيئًا، المنهيُّ عنه الحَلقُ، فليس لكِ أن تحلقي شعرَ رأسِك، لكن أن تقُصِّي من طولِه أو مِن كَثرتِه، فلا نعلم فيه بأسًا، لكن ينبغي أن يكونَ ذلك على الطريقةِ الحَسَنةِ التي تَرضَينَها أنتِ وزوجُك، بحيث تَتَّفِقينَ معه عليها من غير أن يكونَ في القَصِّ تشبُّهٌ بامرأةٍ كافرة، ولأنَّ في بقائه طويلًا كُلفةً بالغَسلِ والمَشطِ، فإذا كان كثيرًا وقصَّت منه المرأةُ بعضَ الشَّيءِ لطُولِه أو كثرتِه، فلا يضرُّ ذلك، أو لأن في قصِّ بعضِه جمالًا ترضاه هي ويرضاه زوجُها، فلا نعلم فيه شيئًا، أمَّا حَلقُه بالكليَّةِ فلا يجوزُ إلَّا مِن عِلَّةٍ ومَرَضٍ، وبالله التوفيق). ((فتاوى المرأة المُسْلِمة)) (2/ 515).
وقال ابن عثيمين: (الأصلُ فيه الإباحةُ، وأنَّ المرجِعَ فيه للعادةِ، ففيما سبق كانت النِّساءُ ترغَبُ طولَ الرَّأسِ وتفتَخِرُ بطول الرأس ولا تقُصُّه إلَّا عند الحاجة الشرعيَّة أو الحسيَّة، وتغيَّرَت الأحوال الآن، فالقول بالتحريم ضعيفٌ ولا وجهَ له، والقول بالكراهةِ يحتاجُ إلى تأمُّلٍ ونظرٍ، والقول بالإباحة أقرَبُ إلى القواعِدِ والأصولِ، وقد روى مُسْلِم في صحيحه «أنَّ نساءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد موتِه كُنَّ يَقصُصْنَ رُؤوسَهنَّ حتى تكونَ كالوَفرةِ»، لكِنْ إذا قصَّتْه المرأةُ قصًّا بالغًا حتى يكونَ كرأسِ الرجُلِ، فهذا حرامٌ لا إشكالَ فيه؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم لعَنَ المتشَبِّهاتِ مِن النِّساءِ بالرِّجالِ، وكذلك لو قصَّتْه قصًّا يماثِلُ رؤوسَ الكافراتِ والعاهراتِ، فإنَّ مَن تشَبَّه بقَومٍ فهو منهم، أمَّا إذا قصَّتْه قصًّا خفيفًا لا يصِلُ إلى حدٍّ يُشبِهُ شُعورَ الرِّجالِ، ولا يكون مُشابهًا لرؤوس العاهراتِ والكافراتِ، فلا بأسَ به). ((فتاوى نور على الدرب)) (11/ 26).
جاء في فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة: (إذا كان الغرَضُ مِن القَصَّةِ التشَبُّهَ بنِساءِ الكافرين والمُلحِدينَ فهي حرامٌ؛ لأنَّ التشَبُّهَ بغير المُسْلِمين حرامٌ؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن تشَبَّه بقَومٍ فهو منهم».
وأمَّا إذا لم يكن القصدُ منها التشَبُّهَ، وإنَّما هي عادةٌ مِن العاداتِ المُستحدَثةِ بين النساءِ، فإذا كان فيها ما يُعتبَرُ زينةً يُمكِنُ أن تتزيَّنَ بها لِزَوجِها وتَظهَرَ بها أمام أترابِها في مظهَرٍ يرفَعُ من قَدْرِها عندهنَّ، فلا يظهَرُ لنا بأسٌ بها). ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة- المجموعة الأولى)) (5/ 199).
الأدلة:
قولُه تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].
دلَّت الآيةُ على أنَّ الأصلَ في أنواعِ التجَمُّلاتِ والزِّينةِ الإباحةُ. [يُنظر: ((محاسن التأويل)) للقاسمي (5/ 46)]. [الموسوعة الفقهية، بتصرف يسير]
المسألة الثانية: القَزَعُ
يُكرَهُ القَزَعُ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك.
وما لم يكُنْ فيه تشَبُّهٌ بالكُفَّارِ أو الفَسَقةِ فيَحرُمُ، وللأسفِ هذا منتَشِرٌ بين الشَّبابِ المفتونينَ بتَقليدِ لاعِبِي الكُرةِ وأصحابِ الغِناءِ الماجِنِ.
فائدة: قال ابنُ القيم عن حلق الرأسِ: (وأمَّا حَلْقُ بعضِه وتركُ بعضِه فهو مراتِبُ:
أشدُّها أنْ يحلقَ وسطَه ويتركَ جوانِبَه، كما تفعلُ شَمامِسَةُ النَّصارى،
ويَلِيه أنْ يحلقَ جوانِبَه ويدعَ وسطَه كما يفعلُ كثيرٌ مِنَ السَّفلةِ وأسقاطِ النَّاسِ،
ويَلِيه أنْ يحلِقَ مُقَدَّمَ رأسِه ويتركَ مُؤَخَّرَه.
وهذه الصُّوَرُ الثَّلاثُ داخِلَةٌ في القزعِ الَّذي نهَى عنه رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وبعضُها أقبحُ مِن بعضٍ). ((أحكام أهل الذمة)) (3/ 1294).
والمرْتَبةُ الثَّانية هي المنْتَشِرة الآن بين بعض الشَّباب هداهُم الله.
1 – عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عن القَزَعِ)). قال: قلتُ لنافعٍ: وما القَزَعُ؟ قال: يُحلَقُ بَعضُ رأسِ الصَّبيِّ، ويُترَكُ بَعضٌ. رواه البُخاريُّ (5920)، ومُسْلِم (2120) واللَّفظُ له.
قال ابنُ حجرٍ: (قال النوويُّ: الأصحُّ أنَّ القزعَ ما فسَّره به نافعٌ، وهو حلقُ بعضِ رأسِ الصبيِّ مطلقًا، ومنهم مَن قال: هو حلقُ مواضعَ متفرقةٍ منه، والصحيحُ الأولُ؛ لأنَّه تفسيرُ الراوي، وهو غيرُ مخالفٍ للظاهرِ، فوجَب العملُ به. قلتُ إلَّا أنَّ تخصيصَه بالصبيِّ ليس قيدًا … ، ولا فرقَ بينَ الرجلِ والمرأةِ). ((فتح الباري)) (10/ 365).
2 – عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى صَبيًّا قد حُلِقَ بَعضُ شَعرِه وتُرِكَ بَعضُه، فنهى عن ذلك، وقال: احْلِقُوه كُلَّه، أو اترُكوه كُلَّه)) [أخرجه أبو داود (4195) واللَّفظُ له، والنَّسائي (5048)، وأحمد (5615)، وابنُ حِبَّان في ((صحيحه)) (5508). صَحَّح إسنادَه على شرط الشيخين النووي في ((رياض الصالحين)) (528)، وصَحَّح إسنادَه ابن تَيميَّةَ في ((شرح العمدة- الطهارة)) (1/ 231)، ومحمد ابن عبدالهادي في ((المحرر)) (44) وقال: ورواته كلُّهم أئمَّةٌ ثِقاتٌ، وابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 32)، وذكر ابن حَجَر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 232) أنَّ إسناده أخرجه مُسْلِم، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4195)].
وأنَّ النبيَّ نهى عن القَزَعِ، والنَّهيُ مَحمولٌ على الكراهةِ إجماعًا. [يُنظر: ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/ 101)، ((شرح المشكاة)) للطِّيبي (9/ 2925)]. [الموسوعة الفقهية، بتصرف يسير].
(المسألة الثالثة): هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طول شعره
جاء في (صحيح البخاري) رحمه الله:
– عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: “كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ لا مَنْكِبَيْهِ”. (5904).
– عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ لا فَقَالَ: “كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ لا رَجِلًا، لَيْسَ بِالسَّبِطِ، وَلا الجَعْدِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ”. (5905).
– عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ لا ضَخْمَ اليَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ لا رَجِلًا، لا جَعْدَ، وَلا سَبِطَ” (5906).
قالَ فِي «الفتح» (11) / (553) فِي «اللباس»: وما دلّ عليه الحَدِيث منْ كون شعر النبيّ — كانَ إلى قرب منكبيه كانَ غالب أحواله، وكان ربّما طال، حَتّى يصير ذؤابة، ويتّخذ منه عقائص، وضفائر، كما أخرج أبو داود، والترمذيّ بسند حسن، منْ حديث أم هاناء رضي الله تعالى عنها، قالت: «قدم رسول الله — مكة، وله أربع غدائر»، وفي لفظ: «أربع ضفائر»، وفي رواية ابن ماجه: «أربع غدائر -يعني ضفائر»، والغدائر -بالغين المعجمة- جمع غَديرة بوزن عظيمة، والضفائر بوزنه، فالغدائر هي الذوائب، والضفائر هي العقائص.
فحاصل الخبر أن شعره — طال، حَتّى صار ذوائب، فضفره أربع عقائص، وهذا محمول عَلى الحال التي يبعد عهده بتعهّد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر، ونحوه. والله أعلم. انتهى.
يقول الحافظ العراقي في صفة شعره صلى الله عليه وسلم:
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَجْلُ الشَّعَرْ ** لا سَبِطٌ وَلا بجَعْدٍ الْخَبَرْ
وَعَنْ عَلِيٍّ سَبِطٌ لَمْ يَثْبُتِ ** إِسْنَادُهُ وَكَانَ كَثَّ اللّحْيَةِ
ويقول أيضًا:
بَعِيدُ بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ شَعَرُهْ ** يَبْلُغُ شَحْمَةً لِلأُذْنِ يُوفِرُهْ
مَرَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ وَفْرُهُ ** يَضْرِبُ منْكبَيْهِ يَعْلُو ظَهْرَهُ
يَحْلِقُ رَأَسَهُ لأَجْلِ النُّسُكِ ** وَرَبَّمَا قَصَّرَهُ فِي نُسُكِ
وقَدْ رَوَوا لا تُوضَعُ النَّوَاصِي ** إِلاَّ لأَجْلِ النُّسُكِ المحَّاصِ
(المسألة الرابعة): الفتاوى
[1] السؤال:
هل هناك دليل أو شيء يحث على حلق شعر الرأس؟
الجواب:
حلق الرأس جائز، النبي لا قال في الرأس: احلقوا كله أو دعه كله لما رأى إنسانًا قد حلق بعض رأسه وهو القزع قال: احلقه كله أو دعه كله، والنبي حلق رأسه في الحج عليه الصلاة والسلام، فالحلق لا بأس به، أو تربيته إذا قوي على تربيته على وجه شرعي للتأسي بالنبي لا لا بأس بذلك طيب، إذا قوي عليه واعتنى به لا لقصد الفساد والنساء وأشباه ذلك فلا حرج، وإن حلق فلا بأس.
أما الإبط فالسنة أخذ الإبط نتفه هو هذا هو الأفضل، والعانة كذلك تحلق حلقًا، والأظفار تقلم والشارب يقص هذا سنة، بل قد يجب إذا طال وجوبًا، النبي لا قال: قصوا الشوارب وأعفوا اللحى وأمر بنتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار للرجل والمرأة، هذا عام للرجال والنساء جميعاً، ومشروع للجميع قلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة، هذا للجميع وقص الشارب للرجال. [حكم حلق شعر الرأس والسنة في شعر الإبط، فتاوى الجامع الكبير للإمام ابن باز رحمه الله]
[2] السؤال: من اليمن المستمع (ف. ع. ج) يقول: أسأل سماحتكم عن حكم من تحلق رأسها تشبهًا بالرجال، هل هذا جائز أو لا؟
الجواب:
لا يجوز حلق الرأس للمرأة، بل يجب أن تبقي الرأس؛ لأنه جمال لها وزينة لها وفرق بينها وبين الرجال، فليس لها حلقه حتى في الحج إنما هي تقصر في الحج، وفي العمرة كذلك، لقول النبي لا: ((ليس على النساء حلق وإنما يقصرن))، فالرأس لهن جمال فليس لهن حلقه، إلا إذا كان علة مرض رأى الأطباء أن يزال، للمرض هذا شيء آخر للعلة، وإلا فليس لهن حلقه تساهلًا أو تقليدًا للكفرة أو لغيرهم، لا، بل الواجب تربيته والعناية به، لما فيه من الجمال، لكن إذا خففت منه -قصرت منه- فلا بأس لطوله، أو لكثافته. [حكم حلق المرأة شعر رأسها، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
جواب لبعض أهل الفتوى مجموعةمن المؤلفين:
ما حكم إطالة الشعر؟ وهل هو سنة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العمل يكون مستحبًا مسنونًا إذا تحقق فيه شرطان:
الأول: أن تكون النية في العمل خالصة لله لا تشوبها أي شائبة.
الثاني: أن يكون العمل صوابًا ورد به الدليل.
فهل إطالة الشعر أمر ورد به الدليل؟
الجواب: نعم، فقد قال أنس — : «كان شعر النبي — يضرب منكبيه» رواه البخاري ((5901))، ومسلم ((2337)) واللفظ له -، ثم نسأل سؤالًا آخر: ما نية الذي يريد تطويل شعره؟ وما مقصده؟
فإن كانت نيته اتباع سنة النبي — والله يعلم ذلك منه- فقد تحقق فيه الشرطان، وأصبح عمله مسنونًا مستحبًا ويؤجر عليه -إن شاء الله تعالى-.
وأما إن لم يقصد اتباع السنة بل قصد شيئًا من السوء، كأن يكون قد نوى تشبهًا ببعض الكافرين أو الفاجرين فعمله ليس مسنونًا بل هو عمل محرم شرعًا، وإن نوى التشبه بالنساء فعمله محرم أيضًا، وكذلك لو نوى تحسين صورته لجلب أعين النساء واستمالة قلوبهن فعمله محرم أيضًا.
وهناك حالة قد لا ينوي صاحبها اتباع السنة ولا ينوي شيئًا من السوء فيكون عمله مباحًا لا يثاب عليه ولا يأثم عليه.
وقبل أن أختم أذكر بالتنبيهات التالية:
الأول: لا ينبغي أن يكون المسلم حريصًا على السنن التي توافق هواه فقط دون غيرها من السنن، بل ينبغي الحرص على كل السنن.
الثاني: إذا كان المسلم في مكان تمنع أنظمته من تطويل الشعر فليلتزم بذلك ولا يخالف، مثل بعض الجهات العسكرية ومثل مدارس الطلاب.
الثالث: إذا كان تطويل شعر الأولاد يزيدهم حسنًا ويسبب لهم الإيذاء من أهل السوء الذين يتتبعون الفتيان فالأحسن أن يمنعوا من تطويل الشعر إلى أن يبلغوا مبالغ الرجال.
الرابع: ينبغي على من ترك شعره طويلًا أن ينضبط بالضوابط الشرعية الأخرى مثل: تحريم القزع، واستحباب إكرام الشعر بتنظيفه وتطييبه، وغير ذلك من الضوابط.
وايضا في الفتاوى مجموعة من المؤلفين:
وقد كان شعر النبي لا يبلغ شحمة أذنيه؛ كما في صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب لا، فمن أطال شعره اقتداء بالنبي لا أثيب إذا راعى الصفة التي كان لا يرسل إليها شعره.
قال السمعاني في أماليه: إن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة؛ كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة، أو هيئة الأكل إذا نوى بها الاقتداء بالنبي لا كالأكل بثلاث أو متربعًا ونحو ذلك.
وهذا هو ما قرره العلوي في مراقيه بقوله:
وفعله المركوز في الجبلة كالأكل والشرب فليس مله
من غير لمح الوصف. ..
قال شيخ الأمين: ومن اقتدى بالنبي لا في هيئة من هيئاته ولو لم يكن مأمورًا بها فإنه يثاب، لعموم قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {الأحزاب: (21)}.
وأما من أطال شعر رأسه اعتباطًا وليس امتثالا أو قصره فلا جناح عليه لأن ذلك من الأمور المباحة.
وكون بعض الفساق يفعله لا يسوغ ترك هذه السنة، ولكن ينبغي عند إطالة الشعر زائدًا عن المنكبين أن لا يخرج إلى شهرة أو نقص مروءة ونحو ذلك كما قاله ابن مفلح في الآداب الشرعية.
لكن: قال ابن عبد البر:
صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات -، وأضْربَ عنها أهل الصلاح والستر والعلم، حتى صار ذلك علامة من علاماتهم، وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء! وقد روي عن النبي لا أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم – أو حشر معهم –) فقيل: مَن تشبه بهم في أفعالهم، وقيل: من تشبه بهم في هيئاتهم، وحسبك بهذا، فهو مجمل في الاقتداء بهدي الصالحين على أي حال كانوا، والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئًا، وإنما المجازاة على النيات والأعمال، فرب محلوق خيرٌ من ذي شعْرٍ، وربَّ ذي شعرٍ رجلًا صالحًا.» التمهيد” ((6) / (80)).
والخلاصة: أنه ينبغي اتباع العرف والعادة في ذلك، حتى لا يعرض المسلم نفسه للسخرية واغتياب الناس له.
(المسألة الخامسة): الفوائد
1 – (منها): ما ترجم له النسائي رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز الأخذ منْ الشعر.
2 – (ومنها): ما كانَ عليه الصحابة –رضي الله عنهم- منْ المبادرة لامتثال أمر النبيّ — ، فإن وائلًا –رضي الله عنه- لَمّا سمع قوله — : «ذباب» ظنّ أنه المقصود بهذا الذمّ، فبادر إلى إزالة ما ظنه منكرًا، فوافق أن كانَ فعله مما يسحسنه الشارع.
3 – (ومنها): أنه لا ينبغي تطويل الشعر حَتّى يخرج عن حدّ العدالة، فإن النبيّ — استحسن جزّ وائل ما طال منْ شعره، وكان هو — إذا طال شعره وصل إلى منكبه، فينبغي الاقتداء به — فِي ذلك.
4 – (ومنها): أن إطالة الشعر حَتّى يكون جمّةً، أو لِمّةً منْ هديه — .
5 – (ومنها): أن فيه بيان أن شعر الرأس يخالف شعر اللحية، حيث جاز تقصيره، بخلاف اللحية، فقد أمر — بتوفيرها، وعدم التعرّض لها. [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى].
6 – (ومنها): يَحرُمُ على المرأةِ حَلقُ رأسِها، وإذا لم يُبَحْ لها حَلْقُه في حالِ النُّسُكِ، فغيرُه من الأحوالِ أولى، أمَّا حَلقُه بالكليَّةِ فلا يجوزُ إلَّا مِن عِلَّةٍ ومَرَضٍ.
7 – (ومنها): يجوزُ للمَرأةِ أن تَقُصَّ شَعرَ رأسِها مِن أجلِ الزِّينةِ، ما لم يبلُغْ حَدًّا تُشبِهُ فيه الرِّجالَ، أو الكافِراتِ والفاسِقاتِ.