بيان الوسيلة في آيات القرآن الكريمة
جمع سيف بن دورة الكعبي
قال تعالى:
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إنا هُدْنَا إليك ……. (156).سورة الأعراف
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مخبرًا عن دعاء نبيه موسى عليه السلام أنه قال فيه: “واكتب لنا”، أي: اجعلنا ممن كتَبت له= “في هذه الدنيا حسنَةً”، وهي الصالحات من الأعمال “وفي الآخرة”، ممن كتبتَ له المغفرة لذنوبه … وقوله: “إنا هُدنا إليك”، يقول: إنا تبنا إليك
——-
قال البقاعي:
وكَأنَّهُ أحْسَنَ العَفْوَ عَنْهم فَقالَ عاطِفًا عَلى سُؤالِهِ فِيهِ: {واكْتُبْ لَنا} أيْ: في مُدَّةِ إحْيائِكَ لَنا {فِي هَذِهِ الدُّنْيا} أيِ: الحاضِرَةِ والدَّنِيَّةِ {حَسَنَةً} أيْ: عِيشَةً راضِيَةً طَيِّبَةً {وفِي} الحَياةِ {الآخِرَةِ} أيْ: كَذَلِكَ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إنّا هُدْنا} أيْ: تُبْنا {إلَيْكَ} أيْ: عَمّا لا يَلِيقُ بِجَنابِكَ كَما أمَرْتَنا أنْ نُخْبِرَ ما عَساهُ يَقَعُ مِنّا بِالمُبادَرَةِ إلى التَّوْبَةِ، فَبَدَأ بِذِكْرِ عِزَّةِ الرُّبُوبِيَّةِ وثَنّى بِذِلَّةِ العُبُودِيَّةِ وهُما أقْوى أسْبابِ السَّعادَةِ، وهَذا تَلْقِينٌ لَهم وتَعْلِيمٌ وتَحْذِيرٌ مِن مِثْلِ ما وقَعُوا فِيهِ وحَثٌّ عَلى التَّسْلِيمِ، وكَأنَّهُ لَمّا كانَ ذَنْبُهُمُ الجَهْرَ بِما لا يَلِيقُ بِهِ سُبْحانَهُ مِن طَلَبِ الرُّؤْيَةِ، عَبَّرَ بِهَذا اللَّفْظِ أوْ ما يَدُلُّ عَلى مَعْناهُ تَنْبِيهًا لَهم عَلى أنَّ اسْمَهم يَدُلُّ عَلى التَّوْبَةِ والرُّجُوعِ إلى الحَقِّ والصَّيْرُورَةِ إلى الصَّلاحِ واللِّينِ والضَّعْفِ في الصَّوْتِ والِاسْتِكانَةِ في الكَلامِ والسُّكُوتِ عَمّا لا يَلِيقُ، وأنَّ يَهُودا الَّذِي أُخِذَ اسْمُهُ مِن ذَلِكَ إنَّما سُمُّوا بِهِ ونُسِبُوا إلَيْهِ تَفاؤُلًا لَهم لِيَتَبادَرُوا إلى التَّوْبَةِ.
——–
قال السعدي:
وقال موسى في تمام دعائه وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً من علم نافع، ورزق واسع، وعمل صالح. وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً: وهي ما أعد اللّه لأوليائه الصالحين من الثواب. إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ أي: رجعنا مقرين بتقصيرنا، منيبين في جميع أمورنا. قَالَ اللّه تعالى عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ممن كان شقيا، متعرضا لأسبابه، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ من العالم العلوي والسفلي، البر والفاجر، المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة اللّه، وغمره فضله وإحسانه، ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة، ليست لكل أحد، ولهذا قال عنها: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ المعاصي، صغارها وكبارها. وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الواجبة مستحقيها وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ومن تمام الإيمان بآيات اللّه معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، ومن ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أصول الدين وفروعه.