187 و 188عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
22 – باب النصيحة
187 – الثَّاني: عَنْ جرير بْنِ عبدِ اللَّه رضي اللَّه عنه قَالَ: بَايَعْتُ رَسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى: إِقَامِ الصَّلاَةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكلِّ مُسْلِمٍ. متفقٌ عَلَيهِ.
جاء في رواية عند البخاري عن زياد بن علاقة، قال: سمعت جرير بن عبد الله، يقول يوم مات المغيرة بن شعبة، قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار، والسكينة، حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن. ثم قال: استعفوا لأميركم، فإنه كان يحب العفو، ثم قال: أما بعد، فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أبايعك على الإسلام فشرط علي: «والنصح لكل مسلم» فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم، ثم استغفر ونزل.
وجاء في رواية عند مسلم عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ – فَلَقَّنَنِي – فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»
قوله بايعت: قال القرطبي: كانت مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بحسب ما يحتاج إليه من تجديد عهد أو توكيد أمر، فلذلك اختلفت ألفاظهم.
(قال: بايعت النبي على إقام الصلاة) قال ابن علان:”أصله إقامة فحذفت التاء عند الإضافة تخفيفاً، والمراد الإتيان بالمكتوبات مستكملة الفرائض والسنن والآداب.” (دليل الفالحين)
قال النووي:”قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) وفي الرواية الأخرى: ” على السمع والطاعة، فلقنني فيما استطعت ” وإنما اقتصر على الصلاة والزكاة لكونهما قرينتين، وهما أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأظهرها. ولم يذكر الصوم وغيره لدخولهما في السمع والطاعة. ” (شرح مسلم)
قال ابن حجر: وقوله: ” فيما استطعت “. رويناه بفتح التاء وضمها، وتوجيههما واضح، والمقصود بهذا التنبيه على أن اللازم من الأمور المبايع عليها هو ما يطاق، كما هو المشترط في أصل التكليف، ويشعر الأمر بقول ذلك اللفظ حال المبايعة بالعفو عن الهفوة وما يقع عن خطأ وسهو. (فتح الباري)
قال النووي:” ومما يتعلق بحديث جرير منقبة ومكرمة لجرير رضي الله عنه رواها الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده. اختصارها: أن جريرا أمر مولاه أن يشتري له فرسا فاشترى له فرسا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم. أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله. فقال: فرسك خير من ذلك. أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة، فمائة، وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم. فاشتراه بها. فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. (شرح مسلم) وهذا حقيقة النصح.
قوله (والنصح لكل مسلم) قال ابن حجر:” فائدة التقييد بالمسلم للأغلب وإلا فالنصح للكافر معتبر بأن يدعى إلى الإسلام ويشار عليه بالصواب إذا استشار واختلف العلماء في البيع على بيعه ونحو ذلك فجزم أحمد أن ذلك يختص بالمسلمين واحتج بهذا الحديث” (فتح الباري)
ابن رجب قال:” وقال الإمام أحمد رحمه الله: ليس على المسلم نصحُ الذمي، وعليه نصحُ المسلم” (جامع العلوم والحكم)
وابن مفلح في الآداب الشرعية 1/ 290 نقل كلام الامام أحمد وقال: ومُرادُهُ واَللَّهُ أعْلَمُ أنَّها فَرْضٌ عَلى الكِفايَةِ.
قال ابن حجر 1/ 140 في الفتح:
فائِدَةٌ التَّقْيِيدُ بِالمُسْلِمِ لِلْأغْلَبِ وإلّا فالنُّصْحُ لِلْكافِرِ مُعْتَبَرٌ بِأنْ يُدْعى إلى الإسْلامِ ويُشارُ عَلَيْهِ بِالصَّوابِ إذا اسْتَشارَ واخْتَلَفَ العُلَماءُ فِي البيع على بَيْعه ونَحْوِ ذَلِكَ فَجَزَمَ أحْمَدُ أنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالمُسْلِمِينَ واحْتَجَّ بِهَذا.
سأل عبدالمحسن العباد هل كلام أحمد على عمومه فقال: لا، ليس على عمومه، بل نصح الذمي يكون بدعوته إلى الإسلام وترغيبه فيه، وبيان محاسنه، والحرص على هدايته، وأن يخرج من الظلمات إلى النور، وكذلك أيضًا يكون بعدم الغش له، لا يغشه كما أنه لا يغش المسلم، وفي قيام المسلمين بالمعاملة الطيبة التي جاء بها الإسلام وهي الدعوة إلى الإسلام بالأفعال، ومن المعلوم أن الدعوة إلى الإسلام تكون بالأقوال والأفعال، وهي القدوة الحسنة والمعاملة الطيبة، وقد يحصل بكون الإنسان يدعو بفعله ويقصد بمعاملته ما يحصل من وراء ذلك من الانتفاع؛ ليكون ذلك سببًا في قبول من يدعوه ويرشده ويبصره، فالنصيحة تكون للمسلمين والكفار، ومن النصح للكفار دعوتهم إلى الإسلام (شرح الأربعين النووية)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: وجوب النصيحة، وهي لازمة على قدر الحاجة، إذا علم الناصح أنه يُقبل نصحه وأمن على نفسه المكروه.” (تطريز)
قال ابن باز:” يقول جرير بن عدالله البجلي (بَايَعْتُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى: إِقَامِ الصَّلاَةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكلِّ مُسْلِمٍ) بيعة عاهده على هذا، عليه الصلاة والسلام أخذ العهد عليه أن ينصح لكل مسلم وما ذاك إلا لعظم الأمر لأن الغش خطره عظيم وعاقبته وخيمة، فالواجب على كل مسلم أن ينصح لله ولعباده في كل معاملاته. (شرح الرياض)
188 – الثَّالثُ: عَنْ أَنَس رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” متفقٌ عليه.
هذا الحديث قاعدة التعامل مع المسلمين. وهذه هي النصيحة الكاملة الشاملة.
قال ابن علان:” وفي رواية النسائي: «حتى يحب لأخيه من الخير».قال السخاوي: وهي زيادة صحيحة لأنها خارجة من مخرج «الصحيحين» بل هي على شرطهما، وأخرجها ابن منده في كتاب الإيمان له” (دليل الفالحين)
قال النووي:” قال العلماء رحمهم الله: معناه: لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة. والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث: ” حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه ” قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع، وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم، إنما يعسر على القلب الدغل. عافانا الله وإخواننا أجمعين. والله أعلم.” (شرح مسلم)
قال ابن الجوزي:” إن قيل: كيف يتصور هذا وكل أحد يقدم نفسه فيما يختاره لها، ويحب أن يسبق غيره في الفضائل، وقد سابق عمر أبا بكر؟ فالجواب: أن المراد حصول الخير في الجملة. واندفاع الشر في الجملة، فينبغي للإنسان أن يحب ذلك لأخيه كما يحبه لنفسه، فأما ما هو من زوائد الفضائل وعلو المناقب فلا جناح عليه أن يوثر سبق نفسه لغيره في ذلك.” (كشف المشكل من حديث الصحيحين)
قال ابن رجب:” لما نفى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دل على أن ذلك من خصال الإيمان، بل من واجباته، فإن الإيمان لا ينفي إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال: ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، الحديث وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا “، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال ابن عباس: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم. وقال الشافعي: وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء. فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي: فهو مذموم، قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} (فتح الباري لابن رجب (1/ 45)
قال ابن حجر:” المراد بالميل هنا الاختياري، دون الطبيعي، والقسري، والمراد أيضا أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له، لا عينه، سواء كان في الأمور المحسوسة، أو المعنوية، وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له، لا مع سلبه عنه، ولا مع بقائه بعينه له؛ إذ قيام الجوهر، أو العرض بمحلين محال.” (فتح الباري)
قال الأتيوبي:” قال في “عمدة القاري” 1/ 160 ما حاصله: المحبة مطالعة المنة من رؤية إحسان أخيه، وبره، وأياديه، ونعمه المتقدمة التي ابتدأ بها من غير عمل استحقها به، وستره على معايبه، وهذه محبة العوام قد تتغير بتغير الإحسان، فإن زاد الإحسان زاد الحب، وإن نقصه نقصه. وأما محبة الخواص، فهي تنشأ من مطالعة شواهد الكمال؛ لأجل الإعظام والإجلال، ومراعاة حق أخيه المسلم، فهذه المحبة لا تتغير؛ لأنها لله تعالى، لا لأجل غرض دنيوي. ويقال: المحبة ههنا هي مجرد تمني الخير لأخيه المسلم، فلا يعسر ذلك إلا على القلب السقيم، غير المستقيم.” (البحر المحيط الثجاج، ,انظر عمدة القاري)
قال ابن حجر:”قال أبو الزناد بن سراج: ظاهر هذا الحديث طلب المساواة، وحقيقته تستلزم التفضيل؛ لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره، فإذا أحب لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين. قلت: أقر القاضي عياض هذا، وفيه نظر. إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة؛ لأن المقصود الحث على التواضع. فلا يحب أن يكون أفضل من غيره، فهو مستلزم للمساواة. ويستفاد ذلك من قوله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}، ولا يتم ذلك إلا بترك الحسد والغل والحقد والغش، وكلها خصال مذمومة. (فائدة): قال الكرماني: ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر، ولم يذكره؛ لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء” (فتح الباري)
قال ابن علان:” وفي الحديث من الفقه أن المؤمن مع المؤمن ينبغي أن يكون كالنفس الواحدة، فيحبّ لأخيه ما يحب لنفسه من حيث إنها نفس واحدة. وفي الحديث الصحيح: «المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالحمى» ” (دليل الفالحين)
قال ابن عثيمين:” النصيحة أن تحب لإخوانك ما تحب لنفسك، بحيث يسرك ما يسرهم، ويسوءك ما يسوؤهم، وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وهذا الباب واسع كبير جداً، فنفى النبي عليه الصلاة والسلام الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه في كل شيء، ونفي الإيمان قال العلماء: المراد به نفي الإيمان الكامل، يعني لا يكمل إيمانك حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وليس المراد انتفاء الإيمان بالكلية.” (شرح الرياض)