31 – فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——-‘
الفصل الخامس: وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه
المبحث الأول: معنى الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه
المبحث الثاني: التحذير من البدع.
– تعريف البدعة
– خطر البدع
– أسباب البدعة
– أقسام البدع
المبحث الثالث: ذم التفرق والاختلاف.
– الأدلة على ذم التفرق
– الاختلاف والتفرق سبب هلاك الأمم السابقة
– هل الاختلاف رحمة
– طريق الخلاص من الفرقة والاختلاف
—–
المبحث الأول: معنى الاعتصام بالكتاب والسنة وأدلة وجوبه:
الاعتصام بالله سبيل النجاة
قال الإمام “ابن القيم”، رحمه الله:
“والاعتصام افتعال من العصمة، وهو التمسك بما يعصمك، ويمنعك من المحذور والمخوف، فالعصمة: الحمية، والاعتصام: الاحتماء، ومنه سميت القلاع: العواصم، لمنعها وحمايتها. (مدارج السالكين)
و قال الشوكاني: ومَعْنى الِاعْتِصامِ بِاللَّهِ: التَّمَسُّكُ بِدِينِهِ وطاعَتِهِ، وقِيلَ: بِالقُرْآنِ، يُقالُ: اعْتَصَمَ بِهِ واسْتَعْصَمَ وتَمَسَّكَ واسْتَمْسَكَ: إذا امْتَنَعَ بِهِ مِن غَيْرِهِ، وعَصَمَهُ الطَّعامُ: مُنِعَ الجُوعُ مِنهُ. فتح القدير للشوكاني (1) / (420) —
الشوكاني (ت (1250))
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – مبينًا معنى الاعتصام بكتاب الله: «وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم، وكشوفاتهم، ومواجيدهم، فمن لم يكن كذلك فهو مُنسَّلٌ من هذا الاعتصام، فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علمًا وعملًا، وإخلاصًا، واستعانة، ومتابعة، واستمرارًا على ذلك إلى يوم القيامة». مدارج السالكين، (3) / (323).
الادلة من الكتاب و السنة
قال تعالى:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيع ا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَا ء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ ا ن ا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَ ا لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)
[سورة آل عمران 103]
، وقال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَا ءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُو لَا ى كَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم )
[سورة آل عمران 105].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال».
وقال صلى الله عليه وسلم: ” لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ” وقال: ” من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة “.
وفي الصحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
وجاء عن العرباض بن سارية قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. أخرجه ابن ماجه في المقدمة 1/ 16 وصححه الألباني
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الزهري يقول كان علماؤنا يقولون: الاعتصام بالسنة هو النجاة وقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
وذلك أن السنة والشريعة والمنهاج هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله والرسول هو الدليل الهادي الخريت في هذا الصراط كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِد ا وَمُبَشِّر ا وَنَذِير ا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاج ا مُّنِير ا)
[سورة الأحزاب 45 – 46]
وقال تعالى (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَ ا ط مُّسْتَقِيم صِرَ ا طِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَ ا تِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)
[سورة الشورى 52 – 53]
وقال تعالى (وَأَنَّ هَاذَا صِرَ ا طِي مُسْتَقِيم ا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَ ا لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
[سورة الأنعام 153]
وقال عبدالله بن مسعود: “خط رسول الله صلى الله عليه و سلم خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) “. مجموع الفتاوى (4/ 56 – 57).
أنواع الاعتصام:
قال ابن القيّم–: الاعتصام نوعان:
اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. قال الله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران/ 103)، وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 78).
ومدار السّعادة الدّنيويّة والأخرويّة: على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلّا لمن تمسّك بهاتين العصمتين.
فأمّا الاعتصام بحبله: فإنّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به: يعصم من الهلكة، فإنّ السّائر إلى الله كالسّائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطّريق. والسّلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلّا بعد حصول هذين الأمرين له. فالدّليل كفيل بعصمته من الضّلالة، وأن يهديه إلى الطّريق، والعدّة والقوّة والسّلاح الّتي بها تحصل له السّلامة من قطّاع الطّريق وآفاتها.
فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتّباع الدّليل. والاعتصام بالله يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح، والمادّة الّتي يستلئم بها في طريقه. (مدارج السالكين)
—–
المبحث الثاني: التحذير من البدع.
تعريف البدعة: البدعة لغة: هي الاختراع على غير مثال سابق ومن ذلك قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ} [البقرة (117)] أي مخترعهما.
وشرعًا: ما خالف الكتاب والسنة، أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات المحدثة في الدين.
خطر البدع:
إن البدع والمحدثات في الدين لها خطورة عظيمة، وآثار سيئة على الفرد والمجتمع بل وعلى الدين كله أصوله وفروعه. فالبدع: إحداث في الدين، وقول على الله بغير علم وشرع في الدين بما لم يأذن به الله، والبدعة سبب في عدم قبول العمل وتفريق الأمة، والمبتدع يحمل وزره ووزر من تبعه في بدعته، كما أن البدعة سبب في الحرمان من الشرب من حوض النبي فعن سهل بن سعد الأنصاري، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «أنا فَرَطُكم على الحوض من مرّ علي شرب، ومن شرب لا يظمأ أبدًا. ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقوِل إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاَ لمن غيّر بعدي» أخرجه البخاري 6583 ومسلم 2290.
– أسباب البدعة وطرق الخلاص منها:
أسباب البدعة: للبدع أسباب كثيرة أعظمها البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح، الأمر الذي يؤدي إلى الجهل بمصادر التشريع.
ومن أسباب انتشار البدع، التعلق بالشبهات والاعتماد على العقل المجرد وجلساء السوء، والاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يستدل بها المبتدعة على بدعهم، والتشبه بالكفار، وتقليد أهل الضلال ونحو ذلك من الأسباب الخطيرة.
طرق الخلاص:
قال ابن تيمية رحمه الله: وكل من دعا إلى شيء من الدين بلا أصل من كتاب الله وسنة رسوله فقد دعا إلى بدعة وضلالة، والإنسان في نظره مع نفسه ومناظرته لغيره إذا اعتصم بالكتاب والسنة هداه الله إلى صراطه المستقيم، فإن الشريعة مثل سفينة نوح عليه السلام، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وقد قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 135]، وقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} [الأعراف: 3]. ا، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة».
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في سياق حجة الوداع: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى».
وفي الصحيح: «أنه قيل لعبد الله بن أبي أوفى: هل وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا، قيل: فلم، وقد كتب الوصية على الناس؟ قال: وصى بكتاب الله». [درء تعارض العقل و النقل (1/ 234 – 235)].
قال الشاطبي رحمه الله:
قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) بعد قوله (اتقوا الله حق تقاته) فاشعر أن الإعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقا وان ما سوى ذلك تفرقه لقوله (ولا تفرقوا) والفرقة من أخس أوصاف المبتدعة لأنه خرج عن حكم الله وباين جماعة أهل الإسلام
روى عبد الله بن حميد عن عبد الله أن حبل الله الجماعه
وعن قتاده: حبل الله المتين هذا القرآن وسننه وعهده إلى عباده الذي أمر أن يعتصم بما فيه من الخير والثقة أن يتمسكوا به ويعتصموا بحبله إلى آخر ما قال. [الاعتصام (1/ 123)].
قال الشاطبي رحمه الله: قال كل مسألة حدثت في الإسلام واختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة – علمنا أنها من مسائل الإسلام
وكل مسألة حدثت وطرأت فأوجبت العداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة – علمنا أنها ليست من أمر الدين في شاء [الاعتصام (280)].
قال العلامة الألباني رحمه الله: إن العصمة من الإنحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. الحديث الحجة بنفسه (34).
قال العلامة الفوزان حفظه الله: مما لا شك فيه أن الاعتصام بالكتاب والسنة فيه منجاة من الوقوع في البدع والضلال.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.
وقد وضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا ….. ). [الارشاد الى صحيح الاعتقاد (496 – 497)].
أقسام البدع:
من تأمل الكتاب والسنة وجد أن البدع في الدين محرمة ومردودة على أصحابها من غير فرق بين بدعة وأخرى، وإن كانت تتفاوت درجات التحريم بحسب نوعية البدعة.
ومن المعلوم أن النهي عن البدع قد ورد على وجه واحد في قول النبي «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». وقوله : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». فدل الحديثان على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة، ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوع البدعة فمنها ما هو كفر صراح كالطواف بالقبور تقربا إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور، والصلاة والدعاء عندها، ومنها ما هو فسق ومعصية كإقامة الأعياد التي لم ترد في الشرع، والأذكار المبتدعة والتبتل والصيام قائما في الشمس.
—-
المبحث الثالث: ذم التفرق والاختلاف:
– الأدلة على ذم التفرق: لقد ذم الله التفرق ونهى عن الطرق والأسباب المؤدية إليه. وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة التي تحذر من التفرق والاختلاف وتبين سوء عاقبته وأنه من أعظم أسباب الخذلان في الدنيا، والعذاب والخزي وسواد الوجوه في الآخرة. قال تعالى: {ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ وأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ – يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكُمْ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ – وأمّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} [آل عمران (105) – (107)] (آل عمران: (105) – (107)). قال ابن عباس: (تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة).
وقال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنهُمْ فِي شَيْءٍ إنَّما أمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام (159)] (الأنعام: (159)).
وأما السنة فقد جاءت فيها أحاديث كثيرة في ذم التفرق والاختلاف والحث على الجماعة والائتلاف فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن معاوية رضي الله عنه أنه قام فقال: ألا إن رسول الله قام فينا فقال: «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة. وإن هذه الأمة ستتفرق على ثلاث وسبعين ملة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة
وهي الجماعة»
قال العلامة ربيع بن هادي حفظه الله: فأصل أهل السنة والجماعة الاعتصام بالكتاب والسنة واتباع سبيل المؤمنين المعبر عنه بالإجماع فدينهم مبني على هذه الأصول: عقائدهم وعباداتهم وأحكامهم الحلال والحرام والمعاملات وسائر شئون الحياة. (دحر أباطيل الظالمين وبيان حقيقة الغلاة التكفيريين والإرهابيين).
و قال العلامة الفوزان حفظه الله: نرى -معشر أهل السنة والجماعة- أن الاجتماع حق والفرقة عذاب، فالاجتماع للأمة على الحق رحمة، والفرقة بينهما عذاب، وهذا من صميم عقيدة أهل السنة والجماعة، فيجب الاجتماع ونبذ الفرقة، قال سبحانه وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) [آل عمران:103]، فحبل الله القرآن والإسلام، وقوله: (جميعاً) أي: اجتمعوا على القرآن والسنة، وقوله: (ولا تفرقوا) لما أمر الله بالاجتماع نهى عن الفرقة، وأخبر أن الاجتماع يكون على حبل الله، وهو القرآن، ولا يجوز الاجتماع على غيره من المذاهب والحزبيات، فهذا يُسبب الفرقة.
فالاجتماع لا يحصل إلا على كتاب الله، قال سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) [آل عمران:103]. [التعليقات المختصرة على الطحاوية (272)].
– الاختلاف والتفرق سبب هلاك الأمم السابقة:
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم:
ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: «وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى»
وهذا المعنى محفوظ عن النبي من غير وجه، يشير إلى أن التفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته؛ لينجو منه من شاء الله له السلامة، كما روى النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود قال: «سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: ” كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» رواه مسلم.
نهى النبي عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق؛ لأن كلا القارئين كان محسنا فيما قرأه. انتهى
وعلل ذلك: بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا.
ولهذا قال حذيفة لعثمان «أدرك هذه الأمة، لا تختلف في الكتاب كما اختلف فيه الأمم قبلهم» لما رأى أهل الشام والعراق يختلفون في حروف القرآن، الاختلاف الذي نهى عنه النبي .
– هل الاختلاف رحمة
وهذا سؤال وجه للعلامة ابن باز:
الحكم على حديث: (اختلاف أمتي رحمة)
السؤال: يقول أخونا: بلغني عن رسول الله أنه قال: اختلاف أمتي رحمة هل هذا صحيح؟
: ليس بصحيح، ليس من كلام النبي ، إنما هو من كلام بعض التابعين، والنبي لم يقل هذا عليه الصلاة والسلام، بعض التابعين قال: ما أرى أصحاب النبي اختلفوا إلا رحمة من الله، يعني: حتى ينظر المجتهد ويتأمل الدليل، فالاختلاف بين العلماء فيه مصالح للمسلمين، وإن كان الاجتماع أفضل وأحسن، الاجتماع فيه الرحمة والخير كما قال الله جل وعلا: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود:118 – 119] فالرحمة مع الجماعة، ولكن إذا وجد في المسألة التي فيها اختلاف بين العلماء فعلى العالم أن ينظر في الدليل وأن يجتهد في ترجيح ما قام عليه الدليل، وليس له أن يتساهل في هذا الشيء ولا أن يتبع هواه، بل ينظر في الأدلة الشرعية، وما رجح عنده في الدليل أنه هو المراد في الشرع عمل به، سواء كانت المسألة فيها قولان، أو ثلاثة، أو أربعة يتحرى الأدلة الشرعية من الآيات والأحاديث، وينظر بعين البصيرة وبالتجرد عن الهوى والتعصب، فمتى رجح عنده أحد القولين أو الثلاثة أخذ به.
قال الألباني
نقول: الاختلاف الذي لا بد منه، والذي إنما يكون بعد أن أنفذنا وبذلنا كل جهودنا في سبيل الاتفاق على فهم النص على وجه معين؛ فإذا بقي شيء من الاختلاف فنقول: لا حول ولا قوة إلا بالله! لا بد مما لا بد منه، حسبنا أن نقنع برحمة ربنا بنا حينما قال على لسان نبينا: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد) فقد أثبت الحديث الصواب وأثبت مقابله الخطأ، أما أن نَصِف الخطأ بأنه رحمة فهذا لا يمكن أن يكون.
لذلك فنحن وسط بين أولئك الناس، وهم جماهير المسلمين اليوم -مع الأسف الشديد- الذين يرضون بهذا الواقع من الاختلاف الكثير، الذي لم يقف عند حدود الاختلاف في الفروع كما يزعمون، بل تعدى ذلك إلى الاختلاف في الأصول، أي: في العقيدة.
نحن لسنا مع هؤلاء الذين يقولون: اختلافهم رحمة، ولسنا -أيضًا- مع أولئك الذين قد يخيل إليهم أنهم يستطيعون أن يوجدوا ويحققوا مجتمعًا هو أكمل وأهدى سبيلًا من مجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذًا: يجب أن نتوسع قليلًا إذا ما ضيق غيرنا، وأن نضيق إذا ما وسع غيرنا؛ لأن هذا التوسع الذي لا حدود له خلاف الكتاب والسنة كيف يكون الاختلاف رحمة وربنا يقول: {ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: (118) – (119)]؟ فإذا كان الاختلاف رحمة فيا ترى هل يكون الاتفاق نقمة؟ والله يقول: {ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: (118)]؟ البشر لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، فالمرحومون لا يختلفون.
دروس للشيخ الألباني (16) / (5) — ناصر الدين الألباني (ت (1420)) باختصار
السؤال:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: غير صحيح، اتفاق الأمة هو الخير، لكن المختلفين إذا كان اختلافهم عن اجتهاد فإنهم معذورون في عدم المؤاخذة على الخطأ، لأن المجتهد ولله الحمد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وخطؤه مغفور، ولهذا كان إجماع هذه الأمة حجة فهو الرحمة في الحقيقة، لكن لا يمكن أن يتفق الناس في كل شيء، لأنهم يختلفون في الفهم، ويختلفون في العلم، ويختلفون في الإيمان، وكل هذه الوجوه لا بد أن تختلف الأقوال من أجلها. نعم.
من موقع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
[العصمة عند الإختلاف الرجوع الى ما كان عليه الصحابة]
قال العلامة الألباني: إذاً: العصمة تمام العصمة ليس هو التمسك فقط بالسنة بل وبما كان عليه السلف الصالح، لو نظرنا اليوم إلى كل الفرق الإسلامية القائمة اليوم على الأرض الإسلامية كما قلت آنفاً قديمها وحديثها، لوجدناهم اليوم يجمعون على الكتاب والسنة، ولكنهم يخالفوننا في الرجوع إلى السلف الصالح.
إذاً: هذا هو الحكم الفصل بين من كان على السنة حقيقة، وبين من كان منحرفاً عنها ولو أنه كان يدعيها.
ذلك أن العصمة عند الاختلاف كما هو الصريح في هذا الحديث، إنما الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة بعامة والخلفاء الراشدون بخاصة، هذا هو العلم النافع. موسوعة الألباني في العقيدة (1/ 260).
و قال ابن تيمية رحمه الله: وقال تعالى: {وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، وقال عبد الله بن مسعود: «خط رسول الله خطا، وخط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال: هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: {وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}».
وإذا تأمل العاقل – الذي يرجو لقاء الله – هذا المثال، وتأمل سائر الطوائف من الخوارج ثم المعتزلة ثم الجهمية، والرافضة، ومن أقرب منهم إلى السنة من أهل الكلام، مثل الكرامية والكلابية والأشعرية وغيرهم، وأن كلا منهم له سبيل يخرج به عما عليه الصحابة وأهل الحديث ويدعي أن سبيله هو الصواب وجدت أنهم المراد بهذا المثال الذي ضربه المعصوم، الذي لا يتكلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”
مجموع الفتاوى (4/ 57).