عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسةبإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
19 – باب في مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسنة أَوْ سيئة.
177 – وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَيْسَ مِنْ نفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً إِلاَّ كَانَ عَلَى ابنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دمِهَا لأَنَّهُ كَان أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ” متفقٌ عَلَيهِ.
——–
بوب البخاري على هذا الحديث: باب إثم من دعا إلى ضلالة، أو سن سنة سيئة.
قوله: ” لَيْسَ مِنْ نفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً” وفي بعض الروايات بدون ظلما، وظلما: أي بغير حق والقتل بغير الحق من أعظم الجرم. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا “. رواه البخاري
وسيأتي باب مستقل في ذلك.
قال القرطبي – رحمه الله -: يدخل فيه بحكم عمومه نفس الذمي، والمعاهد، إذا قتلا ظلما؛ لأن نفسا نكرة في سياق النفي، فهي للعموم. (المفهم)
قال النووي:” الكفل “: بكسر الكاف: الجزء والنصيب، وقال الخليل: هو الضعف. (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” والكفل – بكسر أوله وسكون الفاء – النصيب، وأكثر ما يطلق على الأجر والضعف على الإثم، ومنه قوله تعالى: {كفلين من رحمته}، ووقع على الإثم في قوله تعالى: {ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} (فتح الباري)
قوله: (على ابن آدم الأول) قال ابن حجر:” هو قابيل عند الأكثر” (فتح الباري)
وقال أيضا في موضع آخر:” واختلف في اسم القاتل فالمشهور قابيل بوزن المقتول لكن أوله هاء وقيل اسم المقتول ” قين ” بلفظ الحداد وقيل: ” قاين ” بزيادة ألف.” (فتح الباري)
وقال أيضا:” أخرجه الطبري، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانا ولدي آدم لصلبه، وهذا هو المشهور، ويؤيده حديث الباب لوصفه ” ابن ” بأنه الأول، أي: أول ما ولد لآدم، ويقال: إنه لم يولد في الجنة لآدم غيره وغير توأمته، ومن ثم فخر على أخيه هابيل فقال: نحن من أولاد الجنة، وأنتما من أولاد الأرض. ذكر ذلك ابن إسحاق في ” المبتدإ ” (فتح الباري)
قال الأتيوبي:”هذه الحكايات معظمها تكون من الإسرائيليات، فالله تعالى أعلم بصحتها.” (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن حجر:” وذكر السدي في تفسيره عن مشايخه بأسانيده أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن من ولده بأنثى الآخر، وأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل فأراد قابيل أن يستأثر بأخته فمنعه آدم، فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانا فقرب قابيل حزمة من زرع وكان صاحب زرع، وقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواش، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل دون قابيل، وكان ذلك سبب الشر بينهما وهذا هو المشهور. ” (فتح الباري)
قال أيضا:”اختلف في كيفية قتله، وموضعه: فعن السدي: شدخ رأس أخيه بحجر، فمات. وعن ابن جريج: تمثل له إبليس، فأخذ بحجر، فشدخ به رأس طير، ففعل ذلك قابيل، وكان ذلك على جبل ثور. وقيل: على عقبة حراء. وقيل: بالهند. وقيل: بموضع المسجد الأعظم بالبصرة، وكان من شأنه في دفنه ما قصه الله تعالى في كتابه.” (فتح الباري)
قال الأتيوبي”: هذه الاختلافات من جنس ما قبلها، لا يعتمد على شيء منها؛ إذ لا تعتمد على حجة، فلا ينبغي الركون إليها، وإنما الركون والاعتماد على ما قصه الله في كتابه العزيز، فقط، حيث قال الله – سبحانه وتعالى -: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما} إلى قوله – عز وجل -: {فأصبح من النادمين} [المائدة: 27 – 31]، والله تعالى أعلم.” (البحرالمحيط الثجاج)
قوله (أول من سن القتل) قال القرطبي – رحمه الله -:”هذا نص على تعليل ذلك الأمر؛ لأنه لما كان أول من قتل، كان قتله ذلك تنبيها لمن أتى بعده، وتعليما له، فمن قتل كأنه اقتدى به في ذلك، فكان عليه من وزره، وهذا جار في الخير والشر، كما قد نص عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: “من سن في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة”، رواه مسلم. قال: وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود؛ لأنه أول من عصى به.” (المفهم)
قال ابن حجر:” وقوله: ” لأنه أول من سن القتل ” فيه أن من سن شيئا كتب له أو عليه، وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام، وقد أخرج مسلم من حديث جرير: ” من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة “، وهو محمول على من لم يتب من ذلك الذنب. (فتح الباري)
قال ابن باز:” هذا يبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم:” ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء” فهذا ابن آدم قابيل قتل هابيل عند شحناء وقعت في نفس قابيل على أخيه؛ لأن هابيل تقبل الله قربانه ولم يُتقبل من قابيل، فحقد عليه وقتله ظلما وعدوانا. وكان ذلك أول قتل وقع في بني آدم قال النبي صلى الله عليه وسلم ((كل من قُتل ظلما كان على ابن آدم كفل من دمه)) ” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
قال المباركفوري: قابيل قتل أخاه هابيل {إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر}
(تحفة الأحوذي)
قال السندي في حاشية ابن ماجه: فهو متبوع في هذا الفعل وللمتبوع نصيب من فعل تابعه وإن لم يقصد التابع اتباعه في الفعل. (حاشية السندي على ابن ماجه)
قال النووي:” وهذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو: أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل مثل عمله إلى يوم القيامة … وهو موافق للحديث الصحيح: ” من سن سنة حسنة، ومن سن سنة سيئة ” وللحديث الصحيح ” من دل على خير فله مثل أجر فاعله ” وللحديث الصحيح: ” ما من داع يدعو إلى هدى، وما من داع يدعو إلى ضلالة “” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” قال المهلب: … < فيه > التحذير من الضلال، واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين، والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين. انتهى. ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده، ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في إحداثها” (فتح الباري)
قال ابن باز في شرحه لهذا الحديث:” هذا يبين لنا أنه ينبغي للمؤمن أن يحذر أن يكون إماما في الشر، وقدوة في الشر، ويحرص على أن يكون قدوة في الخير. (شرح رياض الصالحين لابن باز)