167 و 168 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
167 – الثَّامِنُ: عن جابرٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي “رواه مسلمٌ.
“الْجَنَادبُ”: نَحْوُ الجَراد والْفرَاشِ، هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ الَّذِي يَقعُ في النَّار.”والْحُجَزُ”: جَمْعُ حُجْزَةٍ، وهِي معْقِدُ الإِزَار والسَّراويلِ.
قوله: مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً: قال ابن عثيمين:” أراد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذا المثل أن يبين حاله مع أمته عليه الصلاة والسلام، وذكر أن هذه الحال كحال رجل في برية، أوقد ناراً، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها”. (شرح رياض الصالحين)
قال النووي:” وأما ” الجنادب ” فجمع جندب، وفيها ثلاث لغات: جندب بضم الدال وفتحها والجيم مضمومة فيهما، والثالثة حكاه القاضي بكسر الجيم وفتح الدال، والجنادب هذا الصرار الذي يشبه الجراد، وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجراد، له أربعة أجنحة كالجرادة، وأصغر منها، يطير ويصر بالليل صرا شديدا، وقيل: غيره ” (شرح مسلم)
وقال أيضا:” وفي رواية: ” الدواب والفراش “،” الفراش ” فقال الخليل: هو الذي يطير كالبعوض، وقال غيره: ما تراه كصغار البق يتهافت في النار، (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” الحق أن الفراش اسم لنوع من الطير، مستقل، له أجنحة أكبر من جثته، وأنواعه مختلفة في الكبر والصغر، وكذا أجنحته، وعطف الدواب على الفراش يشعر بأنها غير الجنادب، والجراد، وأغرب ابن قتيبة، فقال: الفراش ما تهافت في النار، من البعوض، ومقتضاه أن بعض البعوض هو الذي يقع في النار، ويسمى حينئذ الفراش، وقال الخليل: الفراش كالبعوض، وإنما شبهه به؛ لكونه يلقي نفسه في النار، لا أنه يشارك البعوض في القرص” (فتح الباري)
قال ابن باز:” إذا شب الناس النار في البر جاءت دواب صغيرة وطيور صغيرة تقع فيها تسمى الجنادب تسمى الفراش تدب نفسها في النار إذا رأت النور” (شرح الرياض)
قوله (أَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي) قال النووي:” وفي رواية: ” أنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيها ” (شرح مسلم)
وقال النووي أيضا:” و ” الحجز ” جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل، تفلتون ” فروي بوجهين: أحدهما: فتح التاء والفاء المشددة. والثاني: ضم التاء وإسكان الفاء وكسر اللام المخففة، وكلاهما صحيح، يقال: أفلت مني، وتفلت إذا نازعك الغلبة والهرب، ثم غلب وهرب. ” (شرح مسلم)
قال ابن عثيمين:” لأن هذه هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة، إذا أوقد إنسان ناراً في البر؛ فإنها تأوي إلى هذا الضوء.” (شرح رياض)
قال ابن باز: بمعنى أنا آخذ بحجزكم هلم إلي هلم إلي وأنتم تفلتون علي إلى النار، هذا غالب الخلق الرسل يدعونهم إلى الهدى ويأخذون بحجزهم ويقولون هلم إلينا هلم إلينا أطيعوا الله ورسوله فيطيع القليل و يأبى الكثير، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (103) يوسف (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (13) سبأ، (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (20) سبأ (شرح الرياض)
جاء في الصحيحن عن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ”
من فوائد حديث الباب، قال النووي:” ومقصود الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه تساقط الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك مع منعه إياهم، وقبضه على مواضع المنع منهم بتساقط الفراش في نار الدنيا، لهواه وضعف تمييزه، وكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساع في ذلك لجهله.” (شرح مسلم)
قال القرطبي -رحمه الله-:” هذا مثل لاجتهاد نبينا – صلى الله عليه وسلم – في نجاتنا، وحرصه على تخليصنا من الهلكات التي بين أيدينا، ولجهلنا بقدر ذلك، وغلبة شهواتنا علينا، وظفر عدونا اللعين بنا؛ حتى صرنا أحقر من الفراش والجنادب، وأذل من الطين اللازب” (المفهم)
قال ابن باز:” أكثر الناس مثل هذا الفراش الذي يدب نفسه في النار لعدم عقله فهكذا أكثر الناس يقعون في النار بأعمالهم السيئة وخبائثهم وتمسكهم بأخلاقهم الذميمة. .. ” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن عثيمين:” ففي هذا دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم ـ جزاه الله عنا خيراً ـ على حماية أمته من النار، وأنه يأخذ بحجزها ويشدها حتى لا تقع في هذه النار، ولكننا نفلت من ذلك، ونسأل الله أن يعاملنا بعفوه. فالإنسان ينبغي له أن ينقاد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لها طوعاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يدل على الخير واتقاء الشر، كالذي يأخذ بحجزة غيره، يأخذ بها حتى لا يقع في النار، لأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما وصفه الله في كتابه: (لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128)، صلوات الله وسلامه عليه. (شرح الرياض)
وقال أيضا:” ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان ـ بل يجب ـ أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، وفي كل ما نهى عنه، وفي كل ما فعله، وفي كل ما تركه، يلتزم بذلك، ويعتقد أنه الإمام المتبوع صلوات الله وسلامه عليه” (شرح رياض)
قال أيضا”ومن فوائد هذا الحديث: بيان عظم حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وأنه كان لا يألو جهداً في منعها وصدها عن كل ما يضرها في دينها ودنياها، كما يكون صاحب النار التي أوقدها وجعل الجنادب والفراش تقع فيها وهو يأخذ بها.
وبناءً على ذلك، فإذا رأيت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء؛ فأعلم أن فعله شر، ولا تقل هل هو للكراهة أم هو للتحريم، اترك ما نهى عنه، سواء كان للكراهة أو للتحريم، ولا تعرض نفسك للمساءلة لأن الأصل في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه للتحريم، إلا إذا قام دليل على أنه للكراهة التنزيهية.
وكذلك إذا أمر بشيءٍ، فلا تقل هذا واجب أو غير واجب، افعل ما أمر به، فهو خير لك، إن كان واجباً فقد أبرأت ذمتك، وحصلت على الأجر، وإن كان مستحباً فقد حصلت على الأجر، وكنت متبعاً تمام الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم. (شرح الرياض)
هذا الحديث فيه دلالة على أنه لا طريق للنجاة إلا طرق النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن تيمية:”أصل كل خير: المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم”.
(اقتضاء الصراط المستقيم (1) / (352))
———
168 – التَّاسعُ: عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وَقَالَ: “إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ” رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: “إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ. فَلْيَاخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَاكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ، فَإِنَّهُ لاَ يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ “.
وفي رواية لَهُ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَانِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْياكُلْها، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ”.
هذا الحديث في آداب الطعام وسيأتي في باب مستقل، وساقه المؤلف لبيان أن التمسك بالسنة بركة وإن قلَّت وأن لا يستهان بشيء من السنة.
قوله: (والصحفة) قال الفيومي:”- بفتح الصاد، وسكون الحاء المهملتين -: إناء كالقصعة، والجمع صحاف، مثل كلبة وكلاب، وقال الزمخشري: الصحفة: قصعة مستطيلة” (المصباح المنير)
قال النووي:” أما ” يمط ” فبضم الياء، ومعناه: يزيل وينحي، وقال الجوهري: حكى أبو عبيد ماطه وأماطه: نحاه، وقال الأصمعي: أماطه لا غير، ومنه إماطة الأذى، ومطت أنا عنه أي: تنحيت،” (شرح مسلم)
قوله (أَذًى) قال النووي:” والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك،” (شرح المسلم)
قال أيضا:” أما المنديل فمعروف، وهو بكسر الميم، قال ابن فارس في المجمل: لعله مأخوذ من الندل وهو النقل، وقال غيره: هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ؛ لأنه يندل به، قال أهل اللغة: يقال: تندلت بالمنديل، قال الجوهري: ويقال أيضا: تمندلت، قال: وأنكر الكسائي: تمندلت” (شرح مسلم)
قوله (ليأكلها) قال القرطبي:” (وليأكلها) قال القرطبي – رحمه الله -: هذا أمر على جهة الاحترام لتلك اللقمة، فإنها من نعم الله تعالي، لم تصل للإنسان حتى سخر الله فيها أهل السموات والأرض” (المفهم)
قال ابن باز:” وفي حديث ابن عباس يقول صلى الله عليه وسلم:” إذا أكل أحدُكُم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعَقَها أو يُلعقها) حتى يلعقها بنفسه أو يلعقها غيره كولده أو زوجته أو خادمه ونحو ذلك ثم يمسح بعد ذلك بالمنديل أو يغسلها بالماء بعد ذلك. (شرح الرياض)
قال ابن عثيمين:” فهذان أدبان:
الأول: لعق الصفحة، والثاني: لعق الأصابع، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يأمر أمته بشيء إلا وفيه الخير والبركة.
ولهذا قال الأطباء: إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة؛ وهو تيسير الهضم؛ لأن الأنامل فيها مادة ـ بإذن الله ـ تفرزها عند اللعق بعد الطعام تيسر الهضم، ونحن نقول: هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما يأمر به، وإلا فالأصل أننا نلعقها امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كثير من الناس لا يفهمون هذه السنة، تجده ينتهي من الطعام وحافته التي حوله كلها طعام، تجده أيضاً يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ نهى أن يمسح الإنسان يديه بالمنديل حتى يلعقها وينظفها من الطعام، ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل، ثم بعد ذلك يغسلها إذا شاء.” (شرح الرياض)
قوله (ولا يدعها للشيطان) قال القرطبي:” يعني: أنه إذا تركها، ولم يرفعها فقد مكن الشيطان منها؛ إذ قد تكبر عن أخذها، ونسي حق الله تعالى فيها، وأطاع الشيطان في ذلك، وصارت تلك اللقمة مناسبة للشيطان؛ إذ قد تكبر عليها، وهو متكبر، فصارت طعامه، وهذا كله ذم لحال التارك، وتنبيه على تحصيل غرض الشيطان من ذلك” (المفهم)
قال النووي:” أصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا – والله أعلم – ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى، ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك ” (شرح مسلم)
وقال أيضا ” معناه – والله أعلم – أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو فيما بقي في أسفل القصعة، أو في اللقمة الساقطة، فينبغي أن يحافظ على هذا كله؛ لتحصل البركة”. (شرح مسلم)
قال ابن باز:” هذا من السنة الإنسان يلعق أصابعه فلا يغسلها ولا يمسحها بالمنديل حتى يلعقها فيزيل ما فيها من بقية الطعام الذي له بقية بخلاف الخبز وأشباهه الذي لا يبقى أثره” (شرح رياض الصالحين)
قال ابن باز:” وقال (إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ) أمر بسلت الصحيفة؛ حتى لا يكون محل أكل الإنسان مبعثرا هكذا بل يكون قد اعتنى بطريقه في الأكل وسلت ما يبقى في طريقه حتى يأكل ما هناك أو يضيفه إلى بقية ما في القصعة، فأنه يؤكل من جوانبها ولا يؤكل من ذروتها يأكل الناس من الجوانب حتى يأتوا إلى الذروة فيأكلوها إذا احتاجوا إلى ذلك. (شرح الرياض)
قال النووي:” واستحباب لعق القصعة وغيرها واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها هذا إذا لم تقع على موضع نجس فإن وقعت على موضع نجس تنجست ولابد من غسلها إن أمكن فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان” (شرح مسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) قال النووي:” فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه، ولا يغتر مما يزينه له. ” (شرح مسلم)
قال ابن عثيمين:” إذا سقطت لقمه على الأرض فإنه لا يدعها؛ لأن الشيطان يحضر للإنسان في جميع شؤونه، كل شؤونك من أكل، وشرب، وجماع، أي شيء يحضر الشيطان، فإذا لم تسم الله عند الأكل شاركك في الأكل، وصار يأكل معك؛ ولهذا تنزع البركة من الطعام إذا لم تسم عليه، وإذا سميت الله على الطعام، ثم سقطت اللقمة من يدك فإن الشيطان يأخذها، ولكن لا يأخذها ونحن ننظر، لأن هذا شيء غيبي لا نشاهده، ولكننا علمناه بخبر الصادق المصدوق ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأخذ الشيطان فيأكلها، وإن بقيت أمامنا حسياً، لكنه يأكلها غيباً، هذه من الأمور الغيبية التي يجب أن نصدق بها.” (شرح الرياض)
وقال أيضا:” الإنسان إذا فعل هذا امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعاً لله عز وجل وحرماناً للشيطان من أكلها؛ حصل على هذه الفوائد الثلاثة: الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتواضع، وحرمان الشيطان من أكلها. هذه فوائد ثلاث” (شرح الرياض)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: الحث على كسر النفس بالتواضع، وأخْذ اللقمة الساقطة، ولا يدعها كما يفعله بعض المتْرفين استكبارًا والأمر بلَعْق الأصابع والصحفة.” (تطريز رياض الصالحين)
قال ابن باز:” فالمقصود من هذا أن السنة مراعاة ما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم وما شرعه لأمته وما حثهم عليه، لأنه إنما يدعو إلى الخير علي الصلاة والسلام وإنما يأمر بالخير وسنته فيها الخير والهدى، كما قال الله عزوجل لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
قال الألباني:” ومن المؤسف حقا أن ترى كثير من المسلمين اليوم وبخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوربية – قد تمكن الشيطان من سلبه قسما من أموالهم ليس عدوانا بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنة، أوإهمالا منهم إياها … إذا سقطت اللقمة من أحدهم، فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك بزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات! ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم: ” فليمط ما رابه منها وليطعمها ولا يدعها للشيطان “. ثم أنهم لا يلعقون أصابعهم بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلال بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من الورق الخفيف النشاف المعروف بـ (كلينكس)، فلا يكاد أحدهم يجد شيئا من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك بالمنديل، خلافا لنص الحديث. وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع، فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم به جاهلون، وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون. ثم تجدهم جميعا قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم، مهما كان موسعا فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن اتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم. فالسنة السنة أيها المسلمون! * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) (الصحيحة 1404)
من فوائد الحديث أن الشياطين يأكلون.
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث من الفوائد: أنه لا ينبغي للإنسان أن يأكل طعاماً فيه أذى، لأن نفسك عندك أمانة، لا تأكل شيئاً فيه أذى، من عيدان أو شوك أو ما أشبه ذلك، وعليه فإننا نذكر الذين يأكلون السمك أن يحتاطوا لأنفسهم، لأن السمك لها عظام دقيقة مثل الإبر، إذا لم يحترز الإنسان منها، فربما تدخل إلى بطنه وتجرح معدته أو أمعاءه وهو لا يشعر، لهذا ينبغي للإنسان أن يراعي نفسه، وأن يكون لها أحسن راع”. (شرح الرياض)