166 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها
– 166السَّابِعُ: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضاً فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ، قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا. وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه، وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَاساً وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ” متفقٌ عَلَيهِ.”فقُهَ”بِضم الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقيلَ: بكَسْرِهَا، أَيْ: صارَ فَقِيهاً.
قوله: (إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ) قال ابن حجر: قوله مثل ” بفتح المثلثة، والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر. (فتح الباري) قال ابن علان:” في اللغة النظير ثم استعمل في كل صفة أو حال فيها غرابة وهي المراد هنا أي إن صفة (ما بعثني الله به من الهدى والعلم) … (دليل الفالحين)
والعلم النافع ما كان من جهة الوحي الذي جاء به الرسول لقوله صلى الله عليه وسلم إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِه منَ الْهُدَى والْعلْمِ.
و قوله (الهدى): أي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، قوله (العلم): المراد به معرفة الأدلة الشرعية.” (فتح الباري)
قال الطيبي – رحمه الله -: قوله: “من الهدى والعلم”؛ أي: الطريقة والعمل، روي: “من ازداد علما، ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا”. (الكاشف عن حقائق السنن)
قال العيني:” فيه عطف المدلول على الدليل؛ لأن الهدى هو الدلالة، والعلم هو المدلول، وجهة الجمع بينهما هو النظر إلى أن الهدى بالنسبة إلى الغير؛ أي: التكميل، والعلم بالنسبة إلى الشخص؛ أي: الكمال، ويقال: الهدى الطريقة، والعلم هو العمل” (عمدة القاري)
قال النووي: ” الغيث ” فهو المطر، قال ابن علان:” (كمثل غيث أصاب أرضاً) قيل: فيه تشبيه متعدد، فشبه العلم بالغيث لأنه يحيى القلب الميت إحياء المطر البلد اليابس، وفي التعبير بالغيث دون المطر لطيفة، إذ الغيث مطر محتاج إليه يغيث الناس عند قلة المياه، وقد كان الناس متحيرين قبل بعثته حتى أغاثهم الله بوابل علومه؛ وشبه من ينتفع به بالأرض الطيبة، وشبه من يحمله ولم ينتفع به بالأرض الصلبة الماسكة للماء فينتفع به الناس وشبه من يحمله ولا ينتفع به بالقيعان.” (دليل الفالحين)
قال الأتيوبي:” قال الطيبي – رحمه الله -: واختير الغيث على سائر أسماء المطر؛ ليؤذن باضطرار الخلق إليه حينئذ، قال تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا} الآية [الشورى: 28]، وقد كان الناس قبل المبعث قد امتحنوا بموت القلوب، ونضوب العلم، حتى أصابهم الله برحمة من عنده، فأفاض عليهم سجال الوحي السماوي، فأشبهت حالهم حال من توالت عليهم السنون، وأخلفتهم المحامل، حتى تداركهم الله بلطفه، وأرخت عليهم السماء، غير أنه كان حظ كل فريق من تلك الرحمة على ما ذكره من الأمثلة والنظائر، وإنما ضرب المثل بالغيث للمشابهة التي بينه وبين العلم، فإن الغيث يحيي البلد الميت، والعلم يحيى القلب الميت.” (البحر المحيط الثجاج)
جاء في رواية البخاري (فكان منها نقية قبلت الماء) قوله نقية: قال ابن حجر:” كذا عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف، لكن وقع عند الخطابي والحميدي، وفي حاشية أصل أبي ذر ” ثغبة ” قال الخطابي: “هي مستنقع الماء في الجبال والصخور”. قال القاضي عياض: “هذا غلط في الرواية، وإحالة للمعنى؛ لأن هذا وصف الطائفة الأولى التي تنبت، وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء”. (فتح الباري)
الماء: كناية عن العلم النافع.
قال النووي:” وأما ” العشب والكلأ والحشيش ” فكلها أسماء للنبات، لكن الحشيش مختص باليابس، والعشب والكلأ مقصورا مختصان بالرطب، و ” الكلأ ” بالهمز يقع على اليابس والرطب “. (شرح مسلم)
قال ابن حجر في قوله الكلأ والعشب: من ذكر الخاص بعد العام؛ لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا، والعشب للرطب فقط.” (فتح الباري)
قوله (أنبتت الكلأ والعشب الكثير) كناية عن الفهم والإستنباط واستخراج الفوائد من النصوص.
قال عبد الله بن الحسن: فقلت للوليد بن مسلم: ما إظهار العلم؟ قال: إظهار السنة. (الإعتصام للشاطبي)
” الأجادب ” فبالجيم والدال المهملة، وهي الأرض التي لا تنبت كلأ (شرح مسلم)
وقال بعضهم أحادب، قال الخطابي:” وليس بشيء ” و آخرون أجارد وكذلك قالوا إخاذات … قال القاضي:” لم يرد هذا الحرف في مسلم ولا في غيره إلا بالدال المهملة من الجدب الذي هو ضد الخصب. (انظر: شرح مسلم)
القيعان) فبكسر القاف جمع القاع، وهو الأرض المستوية، وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرح به صلى الله عليه وسلم (شرح مسلم)
قال ابن باز:” هكذا القلوب التي لا تعي ولا تنتفع و لا تقبل الحق ولا تصغي إليه، مثل القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. (شرح رياض الصالحين)
قوله:” زرعوا ” وعند البعض “رعوا ” قال النووي:” كلاهما صحيح” (فتح الباري نقله ابن حجر عن النووي)
قال ابن القيم:” القسم الثالث الذين لا نصيب لهم منه لا حفظا ولا فهما ولا رواية ولا دراية بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان لا تنبت ولا تمسك الماء وهؤلاء هم الاشقياء” (مفتاح دار السعادة)
قال المزني: “كان الشافعي إذا رأى شيخا سأله عن الحديث والفقه، فإن كان عنده شيء، وإلا قال له: لا جزاك الله خيرا عن نفسك ولا عن الإسلام؛ قد ضيعت نفسك وضيعت الإسلام”. (مفتاح دار السعادة)
قال النووي:” معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث، ومعناه: أن الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس، فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتا، وينبت الكلأ، فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس، يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه، ويعمل به، ويعلمه غيره فينتفع وينفع.
والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس، لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم، أهل للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثالث من الأرض: السباخ التي لا تنبت ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه لينتفع بها غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس؛ ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه لنفع غيرهم، والله أعلم.” (شرح مسلم)
قال ابن حجر:” قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي في حال حاجتهم إليه، وكذا كان الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله: ” نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها “. ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده على غيرها. وإنما جمع المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. والله أعلم.”
قال ابن حجر:” ثم ظهر لي أن في كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه، والثاني؛ الأولى منه: من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: ” من لم يرفع بذلك رأسا “. أي: أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع، والثانية منه: من لم يدخل في الدين أصلا، بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: ” ولم يقبل هدى الله الذي جئت به “. (فتح الباري)
قال ابن القيم:” القسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم، كل بحسب ما قبله ووصل إليه؛ فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها، وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه. والقسم الثالث لا علم ولا تعليم؛ فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسا، ولم يقبلوه، وهؤلاء شر من الأنعام، وهم وقود النار.” (مفتاح دار السعادة)
قال فيصل آل مبارك:” الحاصل أنَّ الناس في الدِّين ثلاثة أقسام:
1 – وقوم علموا وعملوا وعلَّموا، وهم العلماء.
2 – قوم عَلِموا وعَمِلوا، وهم عامة المؤمنين.
3 – وقوم لم يعملوا، وهم الكفار والفاسقون. (تطريز رياض الصالحين)
قال ابن القيم:” فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم، وعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقسام بني آدم بالنسبة فيه إلى شقيهم وسعيدهم، وتقسيم سعيدهم إلى سابق مقرب وصاحب يمين مقتصد.
وفيه دلالة على أن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى المطر، بل أعظم، وأنهم إذا فقدوا العلم فهم بمنزلة الأرض التي فقدت الغيث، قال الإمام أحمد: “الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس” (مفتاح دار السعادة)
جاء في الصحيحة برقم 195:” إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة ”
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث دليل على أن من فقه في دين الله، وعلم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعلم فإنه خير الأقسام، لأنه علم وفقه لينتفع وينفع الناس، ويليه من علم ولكن لم يفقه، يعني روى الحديث وحمله لكن لم يفقه منه شيئاً، وإنما هو رواية فقط، يأتي في المرتبة الثانية في الفضل بالنسبة لأهل العلم والإيمان.
والقسم الثالث: لا خير له، رجل أصابه من العلم والهدى الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه لم يرفع به رأساً ولم ينتفع به، ولم يعلمه الناس، فكان ـ والعياذ بالله ـ كمثل الأرض السبخة التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئاً للناس، ولم يبق الماء على سطحها حتى ينتفع الناس به”. (شرح رياض الصالحين)
قال النووي:” في هذا الحديث أنواع من العلم منها ضرب الأمثال، ومنها فضل العلم والتعليم، وشدة الحث عليهما، وذم الإعراض عن العلم ” (شرح مسلم)
وقال ابن عثيمين:” وفي هذا الحديث دليل على حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك بضرب الأمثال لأن ضرب الأمثال الحسية يقرب المعاني العقلية أي: ما يدرك بالعقل يقربه ما يدرك بالحس، وهذا مشاهد؛ فإن كثيراً من الناس لا يفهم، فإذا ضربت له مثلاً محسوساً فهم وانتفع، ولهذا قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: 43) وقال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) (الروم: 58) فضرب الأمثال من أحسن طرق التعليم ووسائل العلم.” (شرح رياض الصالحين)