160 (ج) عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
16 – باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها
فالأَوَّلُ: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “دَعُونِي مَا تَرَكتُكُمْ: إِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبْلكُم كَثْرةُ سُؤَالِهمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيائِهمْ، فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَاتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ” متفقٌ عَلَيهِ.
قال ابن حجر:”دعوني في رواية مسلم: ” ذروني ” وهي بمعنى دعوني، وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال: عن أبي هريرة: ” خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله: لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم … ” الحديث، و أخرجه الدارقطني مختصرا وزاد فيه: ” فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}،” (فتح الباري)
بوب البخاري: ما يكره من السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] ثم ذكر حديث سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته» (صحيح البخاري)
قال ابن رجب:” ولم يكن النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُرخِّصُ في المسائل إلاَّ للأعرابِ ونحوهم من الوُفود القادمين عليه، يتألَّفهم بذلك، فأمَّا المهاجرون والأنصار المقيمون بالمدينة الذين رَسَخَ الإيمانُ في قلوبهم، فنُهُوا عَنِ المسألة، كما في صحيح مسلم عن النَّوَّاس بن سمعان، قال: أقمتُ مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة سنة ما يمنعني منَ الهجرة إلاَّ المسألةُ، كان أحدُنا إذا هاجر لم يسأل النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم -.
وفيه أيضا عن أنسٍ، قال: نُهينا أنْ نسألَ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عن شيءٍ، فكان يُعجِبُنا أنْ يجيءَ الرجلُ من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحنُ نَسْمَعُ … عن ابن عباس قال: ما رأيت قوماً خيراً من أصحابِ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألةً ” (جامع العلوم والحكم)
قال ابن علان:” دعوني” أي من كثرة السؤال. (دليل الفالحين)
وفي رواية مسلم (ذروني ما تركتكم) قال النووي:”: قوله صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم) دليل على أن الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. (شرح مسلم)
قال ابن حجر” قوله: (ما تركتكم) أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء، … والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه، وعن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل، فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة. (فتح الباري)
قال السندي رحمه الله: “ما” مصدرية ظرفية؛ أي: مدة تركي إياكم عن التكليف بالقيود فيها، وليس المراد: لا تطلبوا مني العلم ما دام لا أبين لكم بنفسي. انتهى (شرح السندي على النسائي)
قال ابن عثيمين:” في عهد الني صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يسأل عن شيء مسكوت عنه، ولهذا قال: (دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم) أما في عهدنا، وبعد انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم فسأل، اسأل عن كل شيء تحتاج إليه؛ لأن الأمر مستقر الآن، وليس هناك زيادة ولا نقص، … ”
قوله (اختلافهم على أنبيائهم)، قال ابن علان:” (على أنبيائهم) استفيد منه تحريم الاختلاف وكثرة المسائل من غير ضرورة، لأنه توعد عليه بالهلاك، والوعيد عن الشيء دليل تحريمه بل كونه كبيرة، ووجهه في الاختلاف أنه سبب تفرق القلوب ووهن الدين، وذلك حرام فسببه المؤدي إليه حرام، وفي كثرة السؤال إنه من غير ضرورة مشعر بالتعنت أو مفض إليه وهو حرام أيضاً”. (دليل الفالحين)
قال فيصل آل مبارك:” ويُستفاد منه: كراهة كثرة المسائل من غير ضرورة، قال مالك رحمه الله تعالى: «المِراء والجدال يذهب بنور العلم من قلب الرجل»، وفي بعض الآثار: «إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العلم، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرًّا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العلم».” (تطريز رياض الصالحين)
قال ابن عثيمين:” (فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم) يعني أن الذين من قبلنا أكثروا المسائل على الأنبياء، فشدد عليهم كما شددوا على أنفسهم، ثم اختلفوا على أنبيائهم أيضاً، فليتهم لما سألوا فأجيبوا قاموا بما يلزمهم، ولكنهم اختلفوا على الأنبياء، والاختلاف على الإنسان يعني مخالفته … ) شرح الرياض
قوله (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) مثل قوله تعالى ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) وقوله أيضا ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))
قال النووي: صلى الله عليه وسلم: (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام. (شرح مسلم)
قال ابن رجب:” دليلٌ على أنَّ من عَجَزَ عن فعل المأمور به كلِّه، وقدرَ على بعضه، فإنَّه يأتي بما أمكنه منه” (جامع العلوم والحكم)
قال ابن حجر:” قال غيره: فيه أن من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور، وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور، كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره، وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم، والمجبوب عن الزنا؛ لأن الأعمى، والمجبوب قادران على الندم، فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود؛ إذ لا يتصور منهما العود عادة، فلا معنى للعزم على عدمه. انتهى. (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” وله عليه الصلاة والسلام: (وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم). فهذا يوافق قول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16)، يعني إذا أمرنا بأمر، فإننا نأتي منه ما استطعنا، وما لا نستطيعه يسقط عنا، مثلاً: أمرنا بأن نصلي الفرض قياماً، فإذا لم نستطع صلينا جلوساً، فإذا لم نستطع صلينا على جنب، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب). (شرح رياض الصالحين)
قال ابن حجر:” واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد، … “. (فتح الباري)
ففيه أمر بالتسمك والمحافظة على السنة، والشاهد من الحديث:” فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَاتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ “