7 – نفح الطيب في شرح أحاديث الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(7) – ((7)) [صحيح لغيره] وعن الضحاك بن قيس قال: قال رسول الله – -:
» إن الله تباركَ وتعالى يقول: أنا خيرُ شريكٍ، فمن أشركَ معي شريكًا
فهو لشريكي، يا أيها الناسُ أخْلِصوا أعمالَكم؛ فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمالِ إلا ما خَلُصَ له، ولا تقولوا: هذه لله وللرحمِ؛ فإنها للرحمِ، وليس لله منها شيءٌ، ولا تقولوا: هذه للهِ ولوجوهكمَ؛ فإنها لوجوهكم، وليس لله منها شيءٌ «.
رواه البزار بإسناد لا بأس به، والبيهقي ((1)).
قال الحافظ:» لكن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته «.
————
تحريم الرياء
قال: «عن أبي هريرة مرفوعًا. قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه غيري تركته وشركه» رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: ومَعْناهُ أنا غني عَنِ المُشارَكَةِ وغَيْرِها فَمَن عَمِلَ شَيْئًا لِي ولِغَيْرِي لَمْ أقْبَلْهُ بَلْ أتْرُكْهُ لِذَلِكَ الغَيْرِ والمراد أن عمل المرائى باطل لا ثواب فِيهِ ويَاثَمُ بِهِ. [شرح النووي على مسلم ((18) / (115))].
و قال ابن تيمية رحمه الله: فالعَمَل الصّالح لا بُد ان يُراد بِهِ وجه الله تَعالى فَإن الله تَعالى لا يقبل من العَمَل الا ما اريد بِهِ وجهه وحده. [الاستقامة ((2) / (227))].
قال ابن هبيرة في (الإفصاح) ((8) / (181) – (182)):
* في هذا الحديث من الفقه أبلغ التشديد في أمر الشرك؛ بأبلغ لطف في النطق، وذلك أن الله سبحانه وتعالى حرم أن يشرك به، فإذا أشرك به أحد من عبيده تنزه سبحانه عن ذلك الشرك نطقا، كما تنزه عنه سبحانه حقيقة، ثم إنه سبحانه لما كان جالب هذا الإشراك هو هذا العبد بجهله، مع كونه ملكا لله عز وجل، تنزه الله عن ذلك بأن ترك العبد الذي جلب الشرك وما أثاره جهله.
وقوله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) ولأن الشريكين إنما يشتركان لكون قوة كل واحد منهما لا تنهض بانفرادها في مقاومة المقصود بما ينهض به مع مشاركة القوة الأخرى، والله سبحانه وتعالى خالق القوى غير محتاج إلى شركة غيره، فهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك.
* وقوله (تركته وشركه) أي تركت المشرك لي والشرك أيضا.
* ومعنى الحديث أن كل عمل يشرك فيه بالله غيره؛ فإنه لا يقبل الله منه شيئا لقوله: (تركته وشركه).
و قال العلامة العثيمين رحمه الله:
فالإنسان في الحقيقة محاط بأمرين:
فالإنسان في الحقيقة محوط بأمرين
أمر قبل الإقدام على العبادة يثبطه الشيطان يقول لا تعمل هذا رياء ترى الناس يمدحونك
وأمر ثاني بعد أن يشرع في العبادة يأتيه الشيطان أيضا فعليه أن يدحض الشيطان وأن يستعيذ بالله منه وأن يمضي في سبيله وألا يفتر
فإن قال قائل إذا فرغ الإنسان من العبادة وسمع الناس يثنون عليه وفرح بهذا هل يضره؟ فالجواب لا يضره لأن العبادة وقعت سليمة وكون الناس يثنون عليه هذا من عاجل بشرى المؤمن أن يكون محل الثناء من الناس لكن هذا بعد أن ينتهي من العبادة نهائيا سمع الناس يثنون عليه يقول الحمد لله الذي جعلني محل الثناء بالخير
كذلك أيضا لو أن الإنسان فعل العبادة ولما انتهى منها سر بها فهل نقول هذا السرور إعجاب يبطل العمل؟ لا ما يضره لأن الإعجاب أن الإنسان إذا فرغ من العبادة أعجب بنفسه وأدلى على الله بها ومن على الله بها، هذا هو الذي يبطل عمله والعياذ بالله، لكن هذا الإنسان ما طرأ على باله هذا، ولكن حمد الله وفرح أن الله وفقه إلى الخير، هذا لا يضره، ولهذا جاء في الحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن جعلنا الله وإياكم منهم
[شرح رياض الصالحين ((6) / (343))]
قال الأتيوبي: قال ابن رجب:
واعلم أن العمل لغير الله أقسام:
فتارة يكون رياء محضا بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين، لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل: {وإذا قامُوا إلى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراءُونَ النّاسَ} [النساء: آية (142)] وقال تعالى {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: آية (4)]، وكذلك وصف الله تعالي الكفار بالرياء المحض في قوله {ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِمْ بَطَرًا ورِئاءَ النّاسِ} [الأنفال: آية (47)] وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة، والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، والتي يتعدى نفعها فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضا وحبوطه … .
فإن خالط نيته الجهاد نية غير الرياء، مثل أخذه أجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة؛ نقص بذلك جهاده، ولم يبطل بالكلية.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي – – قال: «إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم، فإن لم يغنموا شيئا تم لهم أجرهم» وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضا من الدنيا أنه لا أجر له، وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا.
وقال الإمام أحمد: التاجر والمستأجر والمكاري، أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزواتهم، ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره، وقال أيضا فيمن يأخذ جُعْلا على الجهاد، إذا لم يخرج إلا لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ كأنه خرج لدينه، فإن أعطي شيئا أخذه …
وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الجمَّال وحج الأجير وحج التاجر: هو تام لا ينقص من أجورهم شيء، وهذا محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب.
وأما إن كان أصل العمل لله، ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره، فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره، بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك، ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد، وابن جرير الطبري، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري، وغيره، ويستدل لهذا القول بما أخرجه أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن بني سلمة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نَجْدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا» وذكر ابن جرير أن هذا
الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية. وكذلك روي عن سليمان ابن داود الهاشمي أنه قال: ربما أحدث بحديث ولي فيه نية، فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي، فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات، ولا يرد هذا على الجهاد كما في مرسل عطاء الخراساني، فإن الجهاد يلزم بحضور الصف ولا يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج.
فأما إذا عمل العمل لله خالصا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره ذلك.
وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر، عن النبي – -: أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يحمده الناس عليه، فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» أخرجه مسلم، وخرجه ابن ماجه وعنده: الرجل يعمل فيحبه الناس عليه. ولهذا المعنى فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وابن جرير الطبري وغيرهم، وكذلك الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيسره، فإذا اطلع عليه أعجبه، فقال: «له أجران أجر السر، وأجر العلانية».
وبالجملة فما أحسن
قول سهل بن عبد الله: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب،
وقال يوسف بن الحسين الرازي: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر،
وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلتُهُ لك على نفسي ثم لم أوف به لك، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت. اهـ كلام الحافظ بن رجب في جامع العلوم والحكم، وهو كلام نفيس جدًّا، والله أعلم ص (11) – (16). [شرح المجتبى للعلامة الأتيوبي رحمه الله ((2) / (262) – (266))].
و جاء في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ((5) / (673)): وقد عرفت من هذا كله أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر، وأنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع به إلى الرب -تعالى-، إلا ما ورد في حديث فيه مقال في حق نبينا أو نحو ذلك- فإنه قد أشرك مع الله غيره، واعتقد ما لا يحل اعتقاده؛ لقوله -تعالى-: {مَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا}.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
ويستفاد من هذا الحديث:
(1) – بيان غنى الله تعالى؛ لقوله: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك».
(2) – بيان عظم حق الله، وأنه لا يجوز لأحد أن يشرك أحدا مع الله في حقه.
(3) – بطلان العمل الذي صاحبه الرياء؛ لقوله: «تركته وشركه».
(4) – تحريم الرياء؛ لأن ترك الإنسان وعمله، وعدم قبوله يدل على الغضب، وما أوجب الغضب، فهو محرم.
(5) – أن صفات الأفعال لا حصر لها؛ لأنها متعلقة بفعل الله، ولم يزل الله ولا يزال فعالا.
[مجموع الفتاوى ورسائل العثيمين ((10) / (710) – (711))].