(2592) الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
وشارك الاخ نورس
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
صحيح مسلم، باب فضل الرفق
(74) – ((2592)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا مَنصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ?، قالَ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
(75) – ((2592)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قالُوا: حَدَّثَنا وكِيعٌ، ح وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ غِياثٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الأعْمَشِ، ح وحَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لَهُما قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنا وقالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا – جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ العَبْسِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ?، يَقُولُ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
(76) – ((2592)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي إسْماعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «مَن حُرِمَ الرِّفْقَ، حُرِمَ الخَيْرَ أوْ مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
(77) – ((2593)) حَدَّثَنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى التُّجِيبِيُّ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الهادِ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ?، أنَّ رَسُولَ اللهِ ? قالَ: «يا عائِشَةُ» إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي عَلى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي عَلى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي عَلى ما سِواهُ “.
(78) – ((2594)) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ المِقْدامِ وهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ?، عَنِ النَّبِيِّ ?، قالَ: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيْءٍ إلّا شانَهُ»
(79) – ((2594)) حَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ المِقْدامَ بْنَ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، بِهَذا الإسْنادِ، وزادَ فِي الحَدِيثِ: رَكِبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا، فَكانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ ? «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ» ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ
==========
التمهيد: “الرفق واللين يطوع المشكلات ويحل العقد ويتغلب على العقبات وهو وسيلة ناجحة بكل المقاييس للوصول إلى النتائج الأفضل والأحسن بعكس العنف الذي إن نجح في حل مشكلة خلف وراءه حقدا ورغبة في الثأر والانتقام وما أكثر عدم نجاحه وتعقيده لغير المعقد ومضاعفة تعقيده للعقد حقا ما دخل الرفق في شيء إلا زانه وجمله وحسنه وما دخل العنف في شيء إلا شانه وعيبه وقبحه وأساء إليه وما أحسن قوله تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف (199)] {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت (34)، (35)] ” [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
الحديث الأول:
[(6575)] ((2592)) – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا مَنصُورٌ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ
جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -?- قالَ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُباعيّات المصنّف رحمه الله، وأنه مسلسل بالكوفيين من سفيان،
والباقيان بصريّان، وأن شيخه أحد التسعة الذين يروي عنهم الجماعة بلا
واسطة، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وعلى من قال: إن منصورًا تابعيّ صغير، ففيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض، وأن صحابيّه من فضلاء الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي الصحيحين عنه قال: “ما حجبني رسول الله -?- منذ
أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم”، وسمّاه عمر -رضي الله عنه-: يوسف الأمة، لجماله، والله تعالى أعلم.
عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -?-: (مَن) شرطيّة، أو موصولة.
وقوله: (الرِّفْقَ) منصوب على أنه مفعول ثان، والرفق بكسر الراء، وسكون
الفاء، بعدها قاف: هو لِين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو
ضد العُنْف، قاله في «الفتح» [«الفتح» (10) / (449)].
وقال القاري: الرفق بالكسر: ضدّ العُنف، وهو المداراة مع الرفقاء،
ولِين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (14) / (373)].
وقوله: (يُحْرَمِ الخَيْرَ) بالجزم، لكنه مكسور للالتقاء الساكنين، وهو جواب «من» على أنها شرطيّة، وخبرها على أنها موصولة، والمعنى: أن من يَصِر محرومًا من الرفق يُحْرَم الخير كله، ففيه: فضل الرفق والحث على التخلق به، وذم العنف، وإن الرفق سبب كل خير. [«الفتح» (10) / (449)].
«الرفق» واللام فيه للعهد الذهنيّ، وهو الخير الحاصل من الرفق. انتهى.
وقال القاضي: يدلّ أن الرفق خير كلّه، وسبب كلّ خير، وجالب كلّ نفع، وضدّه الخَرْق، والاستعجال، والعُنف، وهو مفسد للأعمال، وموجب لسوء الأحوال، قال تعالى: {ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ} [آل عمران (159)].
وقال القرطبيّ: معناه: من يُحرم الرفق يفضي به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة. انتهى.
والله تعالى أعلم.
وحديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
الحديث الثاني: [(6576)] ( … ) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ،
ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قالُوا: حَدَّثَنا وكِيعٌ (ح) وحَذَثنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا
أبُو مُعاوِيةَ (ح) وحَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا حَفْصٌ -يَعْنِي: ابْنَ غِياثٍ-
كُلُّهُمْ عَنِ الأعْمَشِ (ح) وحَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ -واللَّفْظُ
لَهُما- قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثنا، وقالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ العَبْسِي، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ -?- يَقُولُ: «مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
[تنبيه]: – رواية وكيع عن الأعمش ساقها ابن ماجه رحمه الله في «سننه»، ((3687)) –
– وأما رواية أبي معاوية عن الأعمش، فساقها البيهقيّ رحمه الله في
[«سنن البيهقي الكبرى» (10) / (193)].
– وأما رواية جرير بن عبد الحميد عن الأعمش، فساقها الطبرانيّ رحمه الله في
«الكبير»، فقال: ((2452)) –
– وأما رواية حفص بن غياث عن الأعمش، فلم أجد من ساقها، فلْيُنظَر،
والله تعالى أعلم.
—-‘
الحديث الثالث: [(6577)] ( … ) – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا عَبْدُ الواحِدِ بْنُ زِيادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي إسْماعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، قالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ -?-: «مَن حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الخَيْرَ، أوْ مَن يُحْرَمِ
الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ».
وقوله: (أوْ مَن يُحْرَم الرِّفْقَ) «أو» هنا للشكّ من الراوي، هل قال: «من حُرم» بصيغة الماضي، أوَ قال: «من يُحرَم» بصيغة المضارع، والشكّ من
محمد بن أبي إسماعيل، أو مَن دونه.
والحديث من أفراد المصنف رحمه الله، وقد مضى تمام البحث فيه قبله.
—
الحديث الرابع: [(6578)] ((2593)) – حَدَّثَنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى التُّجِيبِيُّ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الهادِ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ -يَعْني: بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -?-، أنَّ رَسُولَ اللهِ -?- قالَ: «يا عائِشَةُ، إنَّ اللهَ رَفِيقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي عَلى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي عَلى العُنْفِ، وما لا يُعْطي عَلى ما سِواهُ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: أنه من سُباعيّات المصنّف رحمه الله، وأنه مسلسل بالمصريين إلى حيوة،
والباقون مدنيّون، وفيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض، وفيه
عائشة -رضي الله عنها- من المكثرين السبعة. (أنَّ رَسُولَ اللهِ -?- قالَ: «يا عائِشَةُ، إنَّ اللهَ رَفِيقٌ)؛ أي: لطيف بعباده، يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر، فيكلفَهم فوق طاقتهم، بل يسامحهم، ويلطف بهم، قيل: لا يجوز إطلاق الرفيق على الله تعالى اسمًا؛ لأن أسماءه تعالى إنما تثبت بالتواتر، ولم يُستعمل هنا على قصد التسمية، وإنما أخبر به عنه تمهيدًا للحكم الذي بعده، لكن قال النوويّ:
الأصح جواز تسميته تعالى رفيقًا وغيره مما يثبت بخبر الواحد. انتهى. [» شرح الزرقانيّ” (4) / (504)].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: هذا الذي صححه النوويّ رحمه الله من جواز تسميته تعالى بما ثبت في خبر الآحاد هو الحقّ؛ فإن خبر الآحاد تثبت به الأحكام الشرعيّة، سواء كان في باب العقائد، أو العبادات، أو المعاملات، واشتراط كون الأخبار متواترة في باب العقائد مذهب الطوائف الزائغة، فتبصّر لذلك، فإنه من مزالّ الأقدام، والله تعالى وليّ التوفيق. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “نعم، من أسماء الله تعالى: إنَّ الله رفيقٌ، مثل: جميلٌ يُحبّ الجمال”. [فتاوى الدروس هل “الرفيق” مِن أسماء الله تعالى؟، الموقع الرسمي لفضيلته]
قال ابن القيم: وهو الرفيق يحب أهل الرفق *** يعطيهم بالرفق فوق أمان
[((النونية بشرح أحمد بن عيسى)) (2/ 229)]
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله:» إن الله رفيق يحب الرفق «؛ أي: يأمر به، ويحضّ عليه، وقد تقدّم أن حبّ الله للطاعة شَرْعه لها، وترغيبه فيها، وحبّ الله لمن أحبه من عباده: إكرامه له.
قال الأثيوبي عفا الله عنه: قد تقدّم الردّ على القرطبيّ وغيره في تأويلهم صفة المحبّة بالإكرام ونحوه، فالحقّ أن صفة المحبّة ثابتة لله تعالى على ظاهرها، كما يليق بجلاله، فتنبه فإن هذا من مزالّ الأقدام، والله تعالى أعلم. وقال الخطابي: (قوله: “إن الله رفيق” معناه: ليس بعجول، وإنما يعجل من يخاف الفوت، فأما من كانت الأشياء في قبضته وملكه فليس يعجل فيها). [(الكتاب الأسنى)) (ورقة 429 أ – ب)]
(يُحِبُّ الرِّفْقَ) بالكسر: لِين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بايسر الوجوه، وأحسنها؟ أي: يحب أن يَرْفُق بعضكم ببعض، [«شرح الزرقانيّ» (4) / (504)].
(ويُعْطِي عَلى الرِّفْقِ) في الدنيا: من الثناء الجميل، ونيل المطالب، وتسهيل
المقاصد، وفي العقبى: من الثواب الجزيل، (مَما لا يُعْطِي عَلى العُنْفِ) بتثليث
العين، وضمّها أشهر، وبسكون النون: الشدة، والمشقة، فكل ما في الرفق من
الخير، ففي العنف من الشر مثله، ونبّه به على وطاءة الأخلاق، وحسن المعاملة، وكمال المجاملة، وفيه: إيذان بأن الرفق أنجح الأسباب، وأنفعها بأسرارها، ووَصَفَ الله سبحانه وتعالى بالرفق إرشادًا وحَثًّا لنا على تحري الرفق في كل أمر. [«فيض القدير» (2) / (237)]،
وقوله: (ومَما لا يُعْطِي)؛ أي: ويُعطي الذي لا يعطيه (عَلى ما)؛ أي: على الخُلق الذي هو (سِواهُ»)؛ أي: غير الرفق، ففيه: تعميم بعد التخصيص،
وقال القاري: قوله: «على ما سواه»؛ أي: سوى الرفق، وهو العنف، ففي الكلام زيادة مبالغة وتأكيد للحكم، والأظهر أن التقدير: ما سوى الرفق، من الخصال الحسنة.
وإنما ذكر قوله: «وما لا يعطي على ما سواه» بعد قوله: «ما لا يعطي على العنف»؛ ليدلّ على أنّ الرفق أنجح الأسباب كلها، وأنفعها بأسرها، قال
الطيبيّ: وفي معناه قول الشاعر [من الكامل]:
يا طالِبَ الرِّزْقِ الهَنِيِّ بِقُوَّةٍ … هَيْهاتَ أنْتَ بِباطِلٍ مَشْغُوفُ
أكَلَ العُقابُ بِقُوَّةٍ جِيَفَ الفَلا … ورَعى الذُّبابُ الشَّهْدَ وهْوَ ضَعِيفُ
والمعنى: ينبغي للمرء أن لا يحرص في رزقه، بل يَكِل أمره إلى الله تعالى الذي تولى القسمة في خَلْقه، فالنَّسْر يأكل الجيفة بعنفه، والنحل يرعى العسل برفقه.
قال التوربشتيّ: فإن قيل: فما معنى قوله – ? -: «أنت رفيق، والله الطبيب»؟ [الحاشية: أشار به إلى ما أخرجه الحميديّ في «مسنده» (2) / (382) بسند جيّد عن إياد بن لقيط، عن أبي رِمْثة السلميّ قال: دخلت مع أبي على رسول الله – ? -، فرأى أبي الذي بظهره، فقال: دعني أُعالج الذي بظهرك، فإني طبيب، فقال: «إنك رفيق، والله الطبيب … » الحديث.]
قلنا: الطبيب الحاذق بالشيء الموصوف، ولم يُرد بهذا القول نفي هذا الاسم عمن يتعاطى ذلك، وإنما حوّل المعنى من الطبيعة إلى الشريعة، وبيّن لهم أن الذي يرجون من الطبيب فالله فاعله، والمنّان به على عباده، وهذا كقوله: «فإن الله هو الدهر»، وليس الطبيب بموجود في أسماء الله سبحانه، ولا الرفيق، فلا يجوز أن يقال في الدعاء: يا طبيب، ولا يا رفيق. انتهى.
وفيه: إيماء إلى أنه يجوز أن يقال: هو الطبيب، وهو رفيق على منوال ما ورد، وأما قوله – ? – في آخر كلامه عند خروجه من الدنيا: «الرفيق الأعلى»
فيَحْتَمِل أن يراد به الله، وأن يراد به الملأ الأعلي، فمع الاحتمال لا يصحّ الاستدلال. انتهى. [«مرقاة المفاتيح» (8) / (797) – (798)].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: الحقّ أن ما ثبت في الحديث الصحيح من
تسمية الله تعالى به، جائز الاستعمال، مثل قوله: «رفيق» فنفي التوربشتي
الجواز غير مقبول، فتبصّر بالإنصاف.
وقال النوويّ – رحمه الله -: قوله – ? -: «ما لا يعطي على العنف» العنف بضم العين، وفتحها، وكسرها، حكاهن القاضي وغيره، والضم أفصح، وأشهر،
وهو ضد الرفق، ومعنى «يعطي على الرفق»؛ أي: يثيب عليه ما لا يثيب على
غيره، وقال القاضي: معناه: يتأتى به من الأغراض، ويسهل من المطالب ما لا
يتأتى بغيره.
وقال القاضي عياض في «المشارق»: الرفق في صفات الله تعالى وأسمائه بمعنى اللطيف الذي في القرآن، والرفق واللطف: المبالغة في البرّ على أحسن وجوهه، وكذلك في كلّ شيء، والرفق في كلّ أمر: أخْذه بأحسن وجوهه، وأقربها، وهو ضد العنف. انتهى [«مشارق الأنوار» (1) / (296)].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» معناه: أن الله تعالى يعطي عليه في الدنيا من الثناء الجميل، وفي الآخرة من الثواب
الجزيل، ما لا يعطي على العنف الجائز، وبيان هذا: بأن يكون أمرٌ مّا من الأمور سَوَّغ الشرع أن يُتوصّل إليه بالرفق، وبالعنف، فسلوك طريق الرّفق أولى؛ لِما يحصل عليه من الثناء على فاعله بحُسن الخلق، ولما يترتّب عليه من حُسن الأعمال، وكمال منفعتها، ولهذا أشار – ? – بقوله: «ما كان الرفق في شيء إلّا زانه»، وضدّه الخرق، والاستعجال، وهو مفسد للأعمال، وموجب لسوء الأحدوثة، وهو المعبّر عنه بقوله: «ولا نُزِع من شيء إلّا شانه»؛ أي: عابه، وكان له شينًا، وأما الخرق والعنف فمفوِّتان مصالح الدنيا، وقد يفضيان إلى تفويت ثواب الآخرة، ولذلك قال – ? -: «من يُحرم الرفق يُحرم الخير»؛ أي: يفضي ذلك به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة. انتهى [«المفهم» (6) / (578)]، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة – رضي الله عنها – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
(المسألة الثانية): في فوائده:
(1) – (منها): بيان فضل الرفق، والحثّ على التخلق، وذمّ العنف، والرفق سبب كلّ خير.
وقال وليّ الدين – رحمه الله -: فيه الحثّ على الرفق، والصبر، والحلم، وملاطفة الناس ما لَمْ تَدْع حاجة إلى المخاشنة.
(2) – (ومنها): بيان عظيم خُلُق النبيّ – ? -، وكمال حِلمه، وذلك أن سبب
هذا الحديث أن قوما من اليهود دخلوا على النبيّ – ? -، فقالوا: السام عليك،
فسمعت عائشة – رضي الله عنها – ذلك منهم، فقالت: بل عليكم السام، واللعنة، فقال: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله … )) الحديث.
(3) – (ومنها): بيان تسمية الله – عَزَّوَجَلَّ -، ووَصْفه بالرفيق، قال القرطبيّ – رحمه الله -:قد تقرّر في غير موضع: أن العلماء اختلفوا في أسماء الله تعالى، هل الأصل فيها التوقيف، فلا يسمّى إلّا بما سمّى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله – ? -، أو بإجماع عليه؟، أو الأصل جواز تسميته تعالى بكل اسمٍ حسنٍ،
إلّا أن يمنع منه مانع شرعيّ؟ …..
قال الأثيوبي عفا الله عنه: الحقّ ثبوت الأسماء والصفات لله تعالى بأخبار
الآحاد، كما يأتي تحقيقه، فتبصر، وبالله تعالى التوفيق.
قال النوويّ بعد نقل كلام المازريّ هذا: والصحيح جواز تسمية الله تعالى رفيقًا وغيره مما ثبت بخبر الواحد، وقد قدمنا هذا واضحًا في «كتاب الإيمان» في حديث: «إنّ الله جميل يحب الجمال» في «باب تحريم الكبر»، وذَكَرنا أنه اختيار إمام الحرمين. انتهى.
قال الأثيوبي عفا الله عنه: هذا الذي صححه النوويّ – رحمه الله – من ثبوت
تسمية الله تعالى بخبر الواحد هو الحقّ الذي تؤيّده النصوص، وهذه المسألة قد
استوفيت بحثها في «كتاب الإيمان» عند شرح حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -.
برقم [(41) / (272)] ((91)): «إن الله جميل يحبّ الجمال … » الحديث [راجع: «البحر المحيط» (3) / (102) – (118)]،
وقلت – الأثيوبي -: الحقّ جواز تسمية الله تعالى ووَصْفه بما ورد في أخبار الآحاد، مثل هذا الحديث، وأن أخبار الآحاد الصحيحة الثابتة عن النبيّ – ? – مما يوجب العلم والعمل معًا، والقول بأنه لا يوجب العلم، واشتراط التواتر في باب العقائد قول باطلٌ، وإن كثر به القائلون من المتكلّمين، وممن سار على دربهم، وقد حقّقت ذلك في «التحفة المرضيّة» في الأصول، حيث قلت:
قَدْ أجْمَعَ السَّلَفُ أنْ يُحْتَجَّ فِي … بابِ العَقائِدِ بِهِ فَهْوَ يَفِي
كَبابِ الأحْكامِ لأنَّ الحُجَجا … كِلَيْهِما تَعُمُّ خُذْهُ مَنهَجاِ [راجع: «التحفة المرضيّة» ص (55) – (57)]
الحديث الخامس: [(6579)] ((2594)) – حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ المِقْدامِ – وهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ – عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ – ? -، عَنِ النَّبِيِّ – ? – قالَ: «إنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إلّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ
مِن شَيْءٍ إلّا شانَهُ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأن نصفه الأول مسلسلٌ بالبصريين،
والثاني بالكوفيين، غير عائشة – رضي الله عنها -، فمدنيّة، وفيه رواية الابن عن أبيه في
موضعين، وفيه – رضي الله عنها –
أي: لا يكون الرفق مستقرًّا في شيء يتّصف بوصف من الأوصاف، إلّا بصفة الزينة، والشيء عامّ في الأعراض، والذوات. انتهى.
وقد بيّن في الرواية التالية سبب قوله – ? – لها ذلك، فقال: «ركبت عائشة
بعيرًا، فكانت فيه صعوبة، فجعلت تردّده، فقال لها رسول الله – ? -: عليكِ
بالرفق … » الحديث، وفي رواية البيهقيّ: عن عائشة – رضي الله عنها – أنّها كانت على
جَمَل، فجعلت تضربه، فقال النبيّ – ? -: «يا عائشة عليك بالرفق، فإنه لَمْ يكن
في شيء إلّا زانه، ولم ينزع من شيء إلّا شانه». (ولا يُنْزَعُ) بالبناء للمفعول؛
أي: لا يُفقَد، ولا يُعْدَم (مِن شَيْءٍ إلّا شانَهُ) من باب باع؛ أي: عابه،
وتنقّصه، والشَّين خلاف الزَّيْن، والله تعالى أعلم.
وحديث عائشة – رضي الله عنها – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
الحديث السادس:
[(6580)] ( … ) – حَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّي، وابْنُ بَشَّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ المِقْدامَ بْنَ شُرَيْحِ بْنِ هانِئٍ، بِهَذا الإسْنادِ، وزادَ فِي الحَدِيثِ: رَكِبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا، فَكانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللهِ – ? -: ((عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ))، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
وقوله: (رَكبَتْ عائِشَةُ بَعِيرًا) – بفتح الموحّدة، وقد تُكْسَر -: مِثلُ الإنسان، يقع على الذكر والأنثي، يقال: حلبتُ بَعِيرِي، والجَمَلُ بمنزلة الرَّجُل، يختصّ بالذكر، والنَّاقَةُ بمنزلة المرأة، تختص بالأنثي، والبَكْرُ، والبَكْرَةُ، مثل الفتى والفتاة، والقَلُوصُ كالجارية، قاله الفيّوميّ. [» المصباح المنير «(1) / (53)].
وقوله: (فَكانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ)؛ أي: شدّة؛ يعني: أنه لا ينقاد لراكبه.
[تنبيه]: أخرج أبو داود حديث عائشة – رضي الله عنها – هذا في» سننه «من طريق
شريك، عن المقدام بن شُريح، عن أبيه قال: سألت عائشة – رضي الله عنها – عن البداوة؟
فقالت: كان رسول الله – ? – يبدو إلى هذه التِّلاع، وإنه أراد البداوة مرّةً، فأرسل إليّ ناقةً مُحَرَّمًة من إبل الصدقة، فقال لي:» يا عائشة ارفُقي، فإن الرفق لَمْ
يكن في شيء قط إلّا زانه، ولا نُزع من شيء قطّ إلّا شانه «[» سنن أبي داود” (3) / (3)].
قوله:» عن البداوة «؛ أي: الخروج إلى البدو، والمقام به، وفيه لغتان:
كَسْر الباء، وفَتْحها، قاله الخطابي. «يبدو»؛ أي: يخرج إلى البادية لحصول
الخلوة وغيرها، «إلى هذه التلاع» بكسر التاء: مجاري الماء من أعلى الأرض
إلى بطون الأودية، واحدتها تَلْعَة بفتح، فسكون، وقيل: هو من الأضداد، يقع
على ما انحدر من الأرض، وما ارتفع منها. «ناقة مُحَرَّمة» بفِتح الراء، من
التحريم، قال الخطابيّ: الناقة المُحَرَّمة: التي لَمْ تُركب، ولم تُذلّل، فهي غير
وطئة. «ارفقي»؛ أي: لا تصعُبي على الناقة. [«عون المعبود» (7) / (112)].
وقوله: (فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ)؛ أي: تُزعجه، وتحرّكه، وفي رواية البيهقيّ:
«فجعلت تضربه».
[تنبيه]: رواية محمد بن جعفر عن شعبة هذه ساقها الإمام أحمد – رحمه الله – في
«مسنده»، فقال:
((25425)) – حَدَّثَنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، قال: سمعت المقدام بن
شُريح بن هانئ، يحدّث عن أبيه، عن عائشة، قال: ركبت عائشة بعيرًا، وكان
منه صعوبة، فجَعَلت ترَدِّده، فقال لها رسول الله – ? -: «عليكِ بالرفق، فإنه لا
يكون في شيء إلّا زانه، ولا يُنزع من شيء إلّا شانه». انتهى [«مسند الإمام أحمد بن حنبل» (6) / (171)]. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير]
=======
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): تعريف الرِّفق:
مر تعريفه في الشرح، ويمكن الحديث عن الألفاظ ذات الصلة بالرفق
فقد ظهر من خلال البحث أن جملة من الألفاظ لها صلة بالرِّفق، بعضها يوافقه في معناه أو يقاربه، وبعضها يضادُّه ويخالفه، ونظراً لكثرة تلك الألفاظ من جهة، وكونِ هذه الدراسة دراسة حديثية من جهة أخرى، فإني سأقتصر على ذكر ما وقفت عليه من الألفاظ في السُّنَّة النبوية خاصة، جاعلاً إياها في مطلبين على النحو الآتي:
المطلب الأول: الألفاظ الموافقة لمعنى الرِّفق، ومن أبرزها الألفاظ التسعة التالية:
1 – الهَوْن: يقال: هان يَهُون هَوْناً، إذا سهُلَ.
وفي التنزيل: {وعِبادُ الرَّحمنِ الذينَ يَمْشُونَ على الأرضِ هَوْناً}.
والهيِّن، والهَيْن: الساكن المُتَّئِد [((القاموس)) مادة (هـ ي ن)]، والهَيْنَةُ: الرِّفق، قاله ابن حجر [((فتح الباري)) 2: 144 عند شرح حديث (639)].
2 – اللِّين: هو ضِدُّ الخشونة، يقال: لانَ فلانٌ لقومه يَلِين لِيناً، إذا سَهُل، وفلانٌ ليِّنُ الجانب ولَيْنُ الجانب [الراغب في ((مفردات ألفاظ القرآن)) ص 752، و ((القاموس)) مادة (ل ي ن)].ومنه قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
3 – السُّهولة: هي ضدُّ الشِّدَّة والصُّعوبة، يقال: سَهُل فلان إذا مال إلى اللِّين وقِلَّة الخُشونة، فهو سَهْلٌ، وفلانٌ سهلُ الخُلُق أو القِياد أو المعاملة أي: لَيِّنٌ، سَلِسٌ، سَمْحٌ.
وقد جاءت الألفاظ الثلاثة الآنفة مجتمعة في حديث شريف يحثُّ على الرِّفق ويرغِّب فيه:
عن عبداللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخْبِرُكم بمن يَحْرُم على النَّار، أو: بِمَنْ تَحْرُم عليه النارُ؟ على كلِّ قريبٍ هَيْنٍ لَيْن سهل)) أخرجه الترمذي [الترمذي: كتاب صفة القيامة – باب (45) حديث (2488) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.].
والمعنى: تحرم النار على كلِّ قريبٍ إلى الناس، قد اتّصف بالسكون والوقار والسهولة، فهو كريم الشمائل، سهل الأخلاق، ليس شديداً ولا عنيفاً ولا صَعْباً [ينظر: ((النهاية)) 5: 289 – 290، و ((تحفة الأحوذي)) 7: 160 – 161].
4 – المداراة:
سبق الحديث عنه في صحيح مسلم.
5 – اللُّطْف: يقال: لَطَف به، ولَطَف له، يَلْطُف، لُطْفاً، ولَطَفاً: رفَق به ورأف. وتلطَّف للأمر، وفيه، وبه: ترفَّق، وألطف له في القول وفي المسألة: سأله سؤالاً لطيفاً، ولاطفه: رفق به وألان له القول، وتلاطف القوم وتلطّفوا: رفَق بعضُهم ببعض [((المعجم الوسيط)) مادة (ل ط ف)].
قالت عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك: ((فقدِمْنا المدينةَ فاشتكَيْتُ بها شهراً والناس يُفِيضون من قول أصحاب الإفك، ويَرِيبُني في وجَعي أني لا أَرَى من النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذي كنْتُ أَرى منه حين أَمْرَضُ … )) الحديث، أخرجه الشيخان [البخاري: كتاب الشهادات – باب تعديل النساء بعضهن بعضاً 5: 319 (2661)، ومسلم: كتاب التوبة – باب في حديث الإفك 4: 2129 حديث 56 (2770)].
قال الحافظ ابن حجر [((فتح الباري)) 8: 320]: ((اللُّطْف – بضم أوله وسكون ثانيه، وبفتحهما، لغتان، والمراد: الرِّفْق، ووقع في رواية ابن إسحاق: أنكرت بعضَ لُطْفِه)).
6 – الأَنَاة: يقال: أَنِيَ، يانَى، أَنْياً وإِنىً: تمهَّل وترفَّق.
وتأنّى فلان: إذا رفق.
واستأنِ يا فلان، أي: لا تعجل، وتأنَّ في أمركَ واتَّئِدْ: بمعناه.
وامرأةٌ أَنَاةٌ، أي: رزينةٌ لا تَصْخَبْ ولا تُفْحِشْ.
والأنَاة: التُّؤَدة والرِّفق [((لسان العرب)) 14: 48، و ((المعجم الوسيط)) مادة (أ ن ي)].
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأشَجِّ عبدِ القيسِ: ((إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما الله: الحِلْمُ والأَنَاةُ)) رواه مسلم [مسلم: كتاب الإيمان – باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله > وشرائع الدين … عن ابن عباس رضي الله عنهما 1: 48 حديث (25)].
7 – الرِّقّة:
يقال: رَقَّ جانبُه، إذا لانَ وسهُل، ورقَّ له: رحِمَه، ورقَّق قلبَه: لطَّفه وليَّنه، ورقَّق كلامَه: لطَّفه وحسَّنه، ورقَّق مَشْيَه: مشى مَشياً سهلاً، وضدُّ الرِّقَّة: الغِلْظة [((القاموس)) و ((المعجم الوسيط)) مادة (ر ق ق)].
قال مالك بن الحُوَيْرِث رضي الله عنه: ((أتينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ونحن شبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنَّ أنّا اشتَقْنا أهلَنا، وسألَنا عمّن ترَكْنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رقيقاً رحيماً … )) الحديث أخرجه البخاري [البخاري: كتاب الأدب – باب رحمة الناس والبهائم (6008)].
وقال عائشة رضي الله عنها: ((إن أبا بكر رجل رقيق)) [الحديث أخرجه البخاري: كتاب الأذان – باب أهل العلم والفضل أحقُّ بالإمامة (678)، ومسلم: كتاب الصلاة – باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر … 1: 316 حديث 101 (420) عن أبي موسى رضي الله عنه] أي: ضعيف هيِّن ليِّن … والمراد بالرِّقَّة هنا: ضدُّ القسوة والشِّدَّة، قاله ابن الأثير [((النهاية)) 2: 252].
8 – العطف: يقال: عطَف يَعْطِف، إذا مال وانحنى، وعطَف عليه وتعطَّف، إذا أشفق ورَحِم [((القاموس)) و ((المعجم الوسيط)) مادة (ع ط ف)].جاء في الحديث: ((إنَّ الله خلق يومَ خلقَ السماواتِ والأرضَ مئةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمةً، فبها تَعْطِفُ الوالدةُ على ولدها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعضٍ … )) الحديث رواه مسلم.
9 – الرِّسْل: الرِّسْل: الرِّفق والتُّؤَدة، يقال: افعل كذا على رِسْلِك، أي: اتَّئِد ولا تعجل [((القاموس)) و ((المعجم الوسيط)) مادة (ر س ل)].
وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث الشريف، ومن ذلك ما جاء في حديث الهجرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: وتجهَّز أبو بكر قِبَل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على رِسْلك فإني أرجو أن يُؤْذنَ لي)) … الحديث، أخرجه البخاري [البخاري: كتاب مناقب الأنصار – باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (3905)].
قال ابن حجر: ((قوله (على رِسْلِك): بكسر أوله، أي: على مهلك، والرِّسْل: السير الرفيق)) [((فتح الباري)) 7: 276].
والتَّرسُّل: التمهُّل والتَّرفُّق، يقال: ترسَّلَ في كلامه وقراءته ومشيته [((المعجم الوسيط)) مادة (ر س ل)].قال ابن الأثير: ((ومنه حديث عمر ((إذا أذَّنْتَ فترسَّل)) [البيهقي في ((السنن الكبرى)) 1: 629 (2010) وهو موقوف على عمر رضي الله عنه، وروي مرفوعاً من حديث جابر، أخرجه الترمذي (195) والحاكم في ((المستدرك)) 1: 204 وإسناده ضعيف، ينظر ((نصب الراية)) 1: 275 – 276]، أي: تأنَّ ولا تعجل)) [((النهاية)) 2: 223]. [انظر: الألفاظ ذات الصلة بالرفق].
======
(المسألة الثانية): ما ورد من الآثار عن الرِّفق والترغيب فيه
أولًا: في القرآن الكريم: – قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}. [آل عمران: 159].
(يقول تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم، ممتنًّا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته، المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ} أي: أي شيء جعلك لهم لينًا لولا رحمة الله بك وبهم). [((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 148)].
– وقال سبحانه مخاطبًا الرسول: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] (أي: ارفق بهم وألن جانبك لهم). [((معالم التنزيل)) للبغوي (6/ 207)].
* قال العلامة السعدي رحمه الله. {ولو كنت فظا} أي: سيئ الخلق {غليظ القلب} أي: قاسيه، {لانفضوا من حولك} لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ. فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله)).
* قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (الفظ: الغليظ، [و] المراد به هاهنا غليظ الكلام، لقوله بعد ذلك: (غليظ القلب) أي: لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم، كما قال عبد الله بن عمرو: إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح).
– وقال سبحانه: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. [طه: 43 – 44].
فقوله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} (أي: سهلًا لطيفًا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا [صلف]، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، لَّعَلَّهُ بسبب القول اللين يَتَذَكَّرُ ما ينفعه فيأتيه، أَوْ يَخْشَى ما يضره فيتركه، فإنَّ القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه) [((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (506)].
[الصلف: مجاوزة القدر في الظرف والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 196)].
ثانيًا: في السُّنة النَّبَويَّة: – عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أن يهود أتوا النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال: مهلًا يا عائشة، عليك بالرِّفق وإياك والعنف والفحش. قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) [رواه البخاري (6030)].
– وعن جرير رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يحرم الرِّفق يحرم الخير) [رواه مسلم].
(يعني أنَّ الإنسان إذا حرم الرِّفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه، وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنَّه يحرم الخير كله، أي: فيما تصرَّف فيه، فإذا تصرَّف الإنسان بالعنف والشدة، فإنَّه يحرم الخير فيما فعل، وهذا شيء مجرَّبٌ ومشاهد، أنَّ الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشِّدَّة؛ فإنَّه يحرم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرِّفق والحلم والأناة وسعة الصدر؛ حصل على خيرٍ كثير، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائمًا رفيقًا حتى ينال الخير). [((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 592)].
– سنن أبي داود كتاب الجهاد | باب: ما جاء في الهجرة وسكنى البدو 2478 سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْبَدَاوَةِ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلَاعِ، وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ نَاقَةً مُحَرَّمَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِي: ” يَا عَائِشَةُ، ارْفُقِي؛ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا شَانَهُ “.حكم الحديث: صحيح
– سنن الترمذي أبواب الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. | باب: من المزارعة. 1385 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. حكم الحديث: صحيح
– مسند أحمد مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 24427 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ “.حكم الحديث: حديث صحيح، وهذا إسناد اختلف فيه هشام بن عروة.
وفي مسند أحمد
(26875) – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ أبِي بُكَيْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا إسْرائِيلُ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ قابُوسَ بْنِ أبِي المُخارِقِ، عَنْ أُمِّ الفَضْلِ، قالَتْ: رَأيْتُ كَأنَّ فِي بَيْتِي عُضْوًا مِن أعْضاءِ رَسُولِ اللهِ ?. قالَتْ: فَجَزِعْتُ مِن ذَلِكَ، فَأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ? فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ: «خَيْرًا رَأيْتِ، تَلِدُ فاطِمَةُ غُلامًا، فَتَكْفُلِينَهُ بِلَبَنِ ابْنِكِ قُثَمٍ» قالَتْ: فَوَلَدَتْ حَسَنًا، فَأُعْطِيتُهُ،
فَأرْضَعْتُهُ حَتّى تَحَرَّكَ، أوْ فَطَمْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إلى رَسُولِ اللهِ ? فَأجْلَسْتُهُ فِي حِجْرِهِ، فَبالَ، فَضَرَبْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقالَ: «ارْفُقِي بِابْنِي، رَحِمَكِ اللهُ، أوْ: أصْلَحَكِ اللهُ، أوْجَعْتِ ابْنِي» قالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، اخْلَعْ إزارَكَ، والبَسْ ثَوْبًا غَيْرَهُ حَتّى أغْسِلَهُ، قالَ: «إنَّما يُغْسَلُ بَوْلُ الجارِيَةِ، ويُنْضَحُ بَوْلُ الغُلامِ»
قال الدارقطني في «العلل» (5) /ورقة (218): والصواب قول من قال: عن سماك، عن قابوس، عن أم الفضل.
قال محققو المسند وسيرد بإسناد صحيح
(26878) – حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، قالَ: حَدَّثَنا أيُّوبُ، عَنْ صالِحٍ أبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ، عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بنحوه
وفيه فَأصابَ البَوْلُ إزارَهُ، فَزَخَخْتُ بِيَدِي عَلى كَتِفَيْهِ، فَقالَ: «أوْجَعْتِ ابْنِي أصْلَحَكِ اللهُ» أوْ قالَ: «رَحِمَكِ اللهُ».
قال السندي: قولها: فزخخت بيدي، قيل: لعل هذا من قولهم: زُخَّ في قفاه، على بناء المفعول: إذا دُفع ورُمي به. ثم اعلم أن هذا الحديث لا يخلو عن إشكال من جهة تاريخ ولادة الحسن والحسين رضي الله عنهما، وتاريخ هجرة العباس، إلا أن تكون هجرةُ أمِّ الفضل قبلَ هجرة العباس، وحديث ابن
عباس: أنا وأمي كنا من المستضعفين، يأبى ذلك، والله أعلم.
– مسند أحمد مسند النساء. | حديث أم الفضل امرأة عباس. 26881 أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرِهِ. حكم الحديث: إسناده صحيح على شرط الشيخين
– وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)) [رواه مسلم].
و (قد يظن بعض النَّاس أنَّ معنى الرِّفق أن تأتي للناس على ما يشتهون ويريدون، وليس الأمر كذلك، بل الرِّفق أن تسير بالنَّاس حسب أوامر الله ورسوله، ولكن تسلك أقرب الطرق وأرفق الطرق بالنَّاس، ولا تشق عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله، فإن شققت عليهم في شيء ليس عليه أمر الله ورسوله، فإنَّك تدخل في الطرف الثاني من الحديث، وهو الدعاء عليك بأن يشق الله عليك). [((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 634)].
– وعنها أيضًا رضي الله عنها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه). [رواه مسلم].
– وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أعطي حظه من الرِّفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرِّفق حرم حظه من الخير)) [رواه الترمذي (2013) واللفظ له، وأحمد (6/ 451) (27593)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (464). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6055)] .. (إذ به تنال المطالب الأخروية والدنيوية وبفوته يفوتان). [((فيض القدير)) للمناوي (6/ 75)].
صحيح البخاري كتاب: العلم | باب ما جاء في العلم. 63 عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ – وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ – فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قَدْ أَجَبْتُكَ “. فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ، فَقَالَ: ” سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ …. الحديث
وهذه النصوص التي مرت معنا تدل (على أنَّ الرِّفق في الأمور، والرِّفق بالنَّاس، واللين، والتيسير، من جواهر عقود الأخلاق الإسلامية، وأنَّها من صفات الكمال، وأنَّ الله تعالى من صفاته أنَّه رفيق، وأنه يحب من عباده الرِّفق، فهو يوصيهم به ويرغبهم فيه، ويعدهم عليه عطاءً لا يعطيه على شيءٍ آخر. ويُفهم من النصوص أنَّ العنف شَيْن خلقي، وأنَّه ظاهرة قبيحة، وأنَّ الله لا يحبه من عباده).
ثالثًا: أقوال السلف والعلماء في الرفق
– (بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ جماعة من رعيته اشتكوا من عماله، فأمرهم أن يوافوه، فلما أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أيها النَّاس، أيَّتها الرعية إنَّ لنا عليكم حقًّا، النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير، أيَّتها الرعاة إنَّ للرعيَّة عليكم حقًّا فاعلموا أنَّه لا شيء أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام ورفقه، ليس جهل أبغض إلى الله، ولا أغم من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنَّه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممن هو دونه). [رواه الطبري في ((تاريخه)) (4/ 224)].
– – عن جابر -رضي الله عنه- قال: الرفق رأس الحكمة. [الفردوس بمأثور الخطاب ج: 2 ص: 280رقم 3298]. وعن عروة بن الزبير قال: (كان يقال: الرِّفق رأس الحكمة) [رواه ابن أبي شيبة (5/ 209) (25308)، ووكيع في ((الزهد)) (ص 776)، وأحمد في ((الزهد)) (ص 44)، وهناد في ((الزهد)) (2/ 653)].
– قال ابن عمر: العلم زين والتقوى كرم والصبر خير مركب، وزين الإيمان العلم وزين العلم الرفق وخير القول ما صدقه الفعل. [الفردوس بمأثور الخطاب ج: 3 ص: 70رقم 4196].
– وعن حبيب بن حجر القيسيِّ، قال: (كان يقال: ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرِّفق). [((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 396)].
– عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له والله لأقتلنك فقال الرجل يا أمير المؤمنين تأن علي فإن الرفق نصف العفو، قال: فكيف وقد حلفت لأقتلنك؟ قال: يا أمير المؤمنين لأن تلقى الله حانثا، خير لك من أن تلقاه قاتلا، فخلى سبيله. [تاريخ بغداد ج: 10 ص: 191].
– وفي سنن الدارمي المقدمة | باب: صيانة العلم. 596 عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَا أَوَى شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَزْيَنُ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ. حكم الحديث: إسناده صحيح
وفي سنن الدارمي المقدمة | باب: صيانة العلم. 597 عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: زَيْنُ الْعِلْمِ حِلْمُ أَهْلِهِ. حكم الحديث: إسناده صحيح
– وقال سفيان لأصحابه: (تدرون ما الرِّفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها؛ الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه) [((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 186)].
– وعن قيس بن أبي حازم قال كان يقال: (الرِّفق يمن، والخرق شؤم) [((الزهد)) لهناد بن السري (2/ 654)].
– وقال ابن القيم: (من رَفَقَ بعبادِ الله رَفَقَ الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفةٍ عامله الله بتلك الصِّفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه) [((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص 35)].
– وقال ابن حجر: (لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرِّفق، إلا عجز وانقطع فيغلب) [((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 94)].
– وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل لزوم الرِّفق في الأمور كلها، وترك العجلة والخفَّة فيها، إذ الله تعالى يحب الرِّفق في الأمور كلها، ومن منع الرِّفق منع الخير، كما أنَّ من أعطي الرِّفق أعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب، إلا بمقارنة الرِّفق ومفارقة العجلة) [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 215)].
– وقال أيضًا: (العاقل يلزم الرِّفق في الأوقات، والاعتدال في الحالات؛ لأنَّ الزيادة على المقدار في المبتغى عيبٌ، كما أنَّ النقصان فيما يجب من المطلب عجز، وما لم يصلحه الرِّفق لم يصلحه العنف، ولا دليل أمهر من رفق، كما لا ظهير أوثق من العقل، ومن الرِّفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز ترجى السلامة، وفي ترك الرِّفق يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة) [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 216)]. [موسوعة الأخلاق، وغيره.]
(المسألة الثالثة) أنواع وحكم الرفق: أولاً: أنواع الرفق
أنواع الرِّفق بالنَّظر إلى باعثه
أنواع الرِّفق:
من خلال الأحاديث الواردة في الباب ظهر أنَّ الرِّفق على أنواع، وهذه الأنواع ترجع إلى اعتبارين:
• فبالنظر إلى باعثه يتنوّع الرِّفق إلى: فطري ومكتسب.
• وبالنَّظر إلى محلِّه يتنوّع إلى: ذاتيّ ومتعدّ، وهاك البيان:
النوع الأول: الرِّفق بالنَّظر إلى باعثه: يتنوّع الرِّفق بالنَّظر إلى باعثه إلى: رفق فطري، ورفق مكتسب.
فأما ما يتعلَّق بالنوع الأول – وهو الرِّفق الفطري -: فإن الرِّفق غريزة بشرية، وأمر جِبِلِّيٌّ في نوع الإنسان، وهو موجود في داخل كل أحد.
ومهما بدا على أقوال وأفعال الإنسان من سلوكٍ يتنافى مع الرِّفق، إلا أن أصل الرِّفق كامن في إنسانيته، لذلك تكون العودة إليه ممكنة غالباً، إلا ممّن نزع الله الرحمة من قلبه، فهو لا يُتوقَّع منه رفق ولا لطف ولا لين.
وأما النوع الثاني – وهو الرِّفق المكتسب – فمعلوم أن الناس متفاوتون في أخلاقهم، فمنهم من يغلب اللُّطف واللِّين على أحواله وتصرفاته، ومنهم من تغلب عليه الشدة والغلظة، وهذا الأخير مأمور بمجاهدة نفسه وحملها على الرِّفق، والسَّير على خطى المترفِّقين، فإنه إن فعل ذلك كان رفقه مكتسباً.
ومما يدُلُّ على وجود هذين النوعين – الرِّفق الغريزيّ، والرِّفق المكتسب -: قولُه صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس: ((إنَّ فيكَ خَلَّتَيْن يُحِبُّهما الله: الحِلْمُ وَالأَنَاةُ)).
قال: يا رسول الله أنا أتخَلَّقُ بهما، أمِ اللهُ جبلني عليهما؟
قال: ((بل اللهُ جَبَلَك عليهما)).
قال: الحمدُ لله الذي جبلني على خَلَّتَيْن يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه. رواه أبو داود [أبو داود: كتاب الأدب – باب في قُبْلة الرِّجْل (5225) عن الزارع وكان في وفد عبد القيس، وحسَّن المنذريُّ هذا الحديث، وأصله عند مسلم.].
فطَرْحُ الأشجِّ لهذا السؤال، وإقرارُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عليه، يشعر بأن الأناة والرِّفق واللُّطْف، وكذا الحلم وسائر الأخلاق الكريمة، منها ما هو جِبِلِّيٌّ غريزي، ومنها ما هو مكتسب، والله أعلم
ومن صور الرِّفق الجِبِلِّيّ الغريزي: رِفْق الأم بولدها، وهذا ظاهر حتى في غير نوع الإنسان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جعل الله الرَّحمةَ في مئة جزء، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى ترفعَ الفرسُ حافرَها عن ولدها؛ خشية أن تُصيبَه)) رواه البخاري ومسلم [البخاري: كتاب الأدب – باب جعل الرحمة في مئة جزء (6000)، ومسلم: كتاب التوبة – باب في سعة رحمة الله تعالى … 4: 2108 حديث 17 (2752)].
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله خلق يومَ خلقَ السماواتِ والأرضَ مئةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمةً، فبها تَعْطِفُ الوالدةُ على ولدها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعضٍ، فإذا كان يوم القيامة أكملَها بهذه الرَّحمة)) رواه مسلم [مسلم: كتاب التوبة – باب في سعة رحمة الله تعالى … 4: 2109 حديث 21 (2753)].
وهذا النوع من الرِّفق دوافعه – كما ترى – غريزية نفسية، يستوي فيه الإنسان وغيره من المخلوقات، لكن إذا استعمله الإنسان على وفق الشرع احتاج منه إلى اكتساب وعلم ونية، فيكون بهذا الاعتبار شرعياً. وإذا ضعف الرِّفق الجِبِلِّيُّ عند الإنسان لاعتبارات متعدِّدة، احتاج إلى من يذكّره به، يدل على ذلك:
1 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صوتَ خصومٍ بالباب عاليةًٍ أصواتُهما، وإذا أحدُهما يَسْتَوْضِعُ الآخرَ، ويَسْتَرْفِقُه في شيء، وهو يقول: والله لا أَفْعَلُ. فخرج عليهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أين المُتَأَلِّي على الله لا يفعلُ المعروفَ؟)). فقال: أنا يا رسول الله، وله أَيُّ ذلك أَحَبَّ. أخرجه البخاري ومسلم [البخاري: كتاب الصلح – باب هل يشير الإمام بالصلح (2705)، ومسلم: كتاب المساقاة – باب استحباب الوضع من الدَّين 3: 1192 حديث 20 (1558)].
ومعنى قولها: ((إذا أحدُهما يَسْتَوْضِعُ الآخرَ ويَسْتَرْفِقُه)) أي: يطلب منه أن يَضَعَ عنه بعضَ الدَّيْن ويَرْفُقَ به في الاستيفاء والمطالبة [((شرح صحيح مسلم)) للنووي 10: 220].
قال ابن حجر: ((في هذا الحديث: الحضُّ على الرِّفْق بالغَرِيم والإحسان إليه بالوَضْع عنه … )) (فتح الباري)) 5: 363].
2 – عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن زوج بَرِيرةَ كان عبداً يقال له: مُغِيثٌ، كأني أنظر إليه يطوفُ خلفَها يبكي، ودموعُه تَسيلُ على لحيته، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبَّاس: ((يا عَبَّاس، ألا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرةَ مغيثاً)).
فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لو راجَعْتِهِ)).
قالت: يا رسول الله تَامُرُني؟
قال: ((إنما أنا أشفع)).
قالت: لا حاجةَ لي فيه. رواه البخاري [البخاري: كتاب الطلاق – باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة (5283)].
قال ابن حجر: ((وفيه ….. استحبابُ شفاعةِ الحاكم في الرِّفق بالخَصْم، حيث لا ضررَ، ولا إلزامَ، ولا لومَ على من خالفَ، ولا غَضَبَ، ولو عَظُمَ قَدْرُ الشّافع)) [((فتح الباري)) 9: 324 عند شرح حديث (5284)].
والاستدلال بهذين الحديثين ونحوهما ظاهر على التذكير بالرِّفق لمَن غفل عنه، وغلبت عليه الشدَّة والقسوة، ويكون الرِّفق بالنسبة إلى هؤلاء وأمثالهم إذا هم أجابوا: رفقاً مكتسباً. [انظر: أنواع الرِّفق بالنَّظر إلى باعثه]
النوع الثاني: الرِّفق بالنَّظر إلى محلِّه
يتنوَّع الرِّفق بالنظر إلى محلِّه إلى: ذاتيّ ومتعدّ، وأعني بالرِّفق الذاتي: رفق الإنسان بنفسه، وبالرِّفق المتعدّي: رفقه بالآخرين.
فأما ما يتعلَّق بالنوع الأول (الرِّفق بالنفس): فقد تقرّر فيما سبق أن الرِّفق خيرٌ كله، فيكون أولى الناس بهذا الخير نفسُك التي بين جنبيك، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ابْدَا بِنَفْسِكَ … )) الحديث أخرجه مسلم.
ثم إن الرِّفق إذا كان مطلوباً عند التّعامل مع الآخر، فهو في حقِّ النفس مطلوب بالأولى.
وقد جاء الإسلام يؤكّد على ضرورة الرِّفق بالنفس من خلال تعاليمه وأحكامه، فقد عُنِي بحفظ النَّفس وصيانتها، وحثَّ على القيام بالضرورات التي تصلحها، وأوجب عليها التكاليف التي لا مشقة فيها ولا عنت، وإليك بعض جوانب الرِّفق بالنفس من خلال الأحاديث النبوية الشريفة:
1 – المحافظة على النفس، وحرمة الاعتداء عليها بقتل أو دونه:
عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ تَردَّى مِنْ جبل فقتلَ نَفْسَه، فهو في نارِ جَهَنَّمَ يَتَردَّى فيه خالداً مُخَلَّداً فيها أبداً، ومن تَحَسَّى سُمّاً فقتلَ نفسَه، فَسُمُّه في يده يَتَحَسَّاهُ في نارِ جهنَّمَ خالداً مُخَلَّداً فيها أبداً، ومَنْ قتلَ نَفْسَه بحديدةٍ، فحديدتُه في يدِه يَجَأُ بها في بطنِه في نارِ جهنَّمَ خالداً مُخَلَّداً فيها أبدًا)) رواه البخاري ومسلم.
فقد اشتمل الحديث على تحريم قتل النفس أياً كانت الدواعي والأسباب، وبأي وسيلة، ولا ريب أنَّ قتل النفس من مظاهر العنف والقسوة التي لا تتلاءم مع الرِّفق المطلوب في حقِّ النفس، لذا جاء التحريم لهذا الفعل، والوعيد الشديد لمن أقدم على هذا الفعل.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29، 30].
قال القرطبي في تفسير {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]: ((لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصدٍ منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال، بأن يحمل نفسَه على الغرر المؤدّي إلى التَّلف، ويحتمل أن يقال {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]: في حال ضجرٍ أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي)) [((الجامع لأحكام القرآن)) 5: 156 – 157].
2 – إعطاء النفس ما تحتاجه من الأمور الضرورية: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تقومُ اللَّيل وتصوم النهار؟)).قلتُ: إني أفعل ذلك. قال: ((فإنك إذا فعلتَ ذلك هجمَتْ عينُك َنفِهَتْ نفسُك، وإنَّ لنفسك حقاً، ولأهلك حقاً، فصُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ)) أخرجه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر في معنى (وإنَّ لنفسك عليك حقاً): ((أي: تعطيها ما تحتاج إليه ضرورةُ البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه؛ ليكون أعون على عبادة ربه … )) [((فتح الباري)) 3: 47].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذُكِر له صَوْمي فدخلَ عَليَّ …. ثم قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا صومَ فوق صوم داود عليه السَّلام: شطر الدَّهرِ، صُمْ يوماً، وأفطِرْ يوماً)) أخرجه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر في فوائد هذا الحديث: ((بيانُ رِفْقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته وشفقتِه عليهم، وإرشادُه إياهم إلى ما يصلحهم، وحثُّه إياهم على ما يطيقون الدوام عليه، ونهيُهم عن التعمُّق في العبادة؛ لما يخشى من إفضائه إلى الملل المفضي إلى الترك أو تركِ البعض، وقد ذمَّ الله تعالى قوماً لازموا العبادة ثم فرّطوا فيها)) [((فتح الباري)) 4: 265].
ونقل عن المُهلَّب قوله: ((كان داود عليه السلام يُجِمُّ نفسَه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه: هل مِنْ سائلٍ فأُعطيَه سُؤْلَه، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نَصَبِ القيام في بقية الليل … وإنما صارت هذه الطريقة أحبَّ من أجل الأخذ بالرِّفْق للنَّفْس التي يُخْشَى منها السآمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا)) [هو جزء من حديث رواه البخاري: (5861)، ومسلم: 215 (782) عن عائشة رضي الله عنها]، والله يُحِبُّ أن يُدِيمَ فضلَه ويوالي إحسانَه، وإنما كان ذلك أرفق؛ لأن النوم بعد القيام يُرِيح البدن، ويُذْهِبُ ضررَ السَّهر، وذُبُولَ الجسم، بخلاف السَّهَرِ إلى الصَّباح)) [((فتح الباري)) 3: 21].
3 – ترفيه النَّفْس باختيار الطَّيِّب لها مما أباحه الله تعالى:
عن أبي سعيد الخُدْريِّ وعن أبي هريرة رضي الله عنهما، أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبرَ، فجاءَه بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكُلُّ تمرِ خيبرَ هكذا؟)). قال: لا والله يا رسول الله، إنَّا لَنأخذُ الصَّاعَ من هذا بالصَّاعين، والصَّاعين بالثَّلاثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بالدَّراهمِ، ثم ابْتَعْ بالدَّراهمِ جَنِيباً)) رواه البخاري ومسلم. قال ابن حجر: ((فيه: جواز الرِّفق بالنفس، وتركُ الحمل على النفس لاختيار أكل الطّيّب على الرديء، خلافاً لمن منع ذلك من المتزَهِّدين)) [((فتح الباري)) 4: 468].
وقال ابن الجوزي: ((لا ينبغي للإنسان أن يَحْمِلَ على بدنه ما لا يُطِيق، فإنَّ البدنَ كالراحلة إن لم يُرْفَقْ بها لم تَصِلْ بالرّاكب، فترى في الناس مَن يتزهَّد وقد ربَّى جسدَه على التَّرف، فيُعْرِض عمّا ألِفَه، فتتَجَدَّدُ له الأمراض، فتقطَعُه عن كثيرٍ من العبادات)) [((صيد الخاطر)) ص 391].
ومنه قوله تعالى
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا? فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا خَالِصَة? يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَ ا?لِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْم? يَعْلَمُونَ)
[سورة الأعراف 32]
وقوله تعالى:
(فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَام?ا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْق? مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)
[سورة الكهف 19]
وأما ما يتعلق بالنوع الثاني – الرِّفق بالآخرين -: فيراد به: لينُ الجانب، والتَّعاملُ بلطف ورحمة مع كلِّ أحد: صغيراً كان أو كبيراً، رجلاً أو امرأة، قوياً أو ضعيفاً، صاحبَ سلطة أو غير ذلك، ما لم يفوّت مقصداً شرعياً، عملاً بقول الله تعالى مخاطباً المصطفى صلى الله عليه وسلم: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88]، وقولِه سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وقولِه جلَّ وعلا: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ طويل أنه قال: ((وكونوا عباد الله إخواناً)) [تمام الحديث: ((إيَّاكُم والظَّنَّ، فإِنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تدابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، وَكُونوا عبادَ الله إخواناً)). البخاري: (6064)، ومسلم: (2563)، عن أبي هريرة رضي الله عنه]
قال النووي: ((أي: تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودّة والرّفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك، مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال)) [((شرح صحيح مسلم)) للنووي 16: 116]. [انظر: الرفق بالنظر إلى محله].
ثانيًا: ضوابط الرِّفق: للرِّفق ضوابط لا ينبغي تجاهلها أو التّهاون فيها؛ لما لها من الأهمية، فبها يتمكّن الفرد من استعمال الرِّفق استعمالاً سليماً، وبدونها ربما فُسِّر الرِّفق تفسيراً خاطئاً، وبدا فاعله في مظهر غير لائق، وأدّى رِفقه هذا إلى نتائج سلبية.
وهذه الضوابط مستنبطة من النصوص، ومن حكمة مشروعية الرِّفق، ومن أبرزها:
1 – أن يكون الرِّفق ليناً من غير ضعف:
فاللّين مع الضعف عَجْزٌ، والإسلام ينهى أتباعه وينأى بهم عن الظهور بمظهر العَجْز، ففي الحديث: ((استعِنْ بالله، ولا تَعْجِز)). [أخرجه مسلم: 2664 عن أبي هريرة رضي الله عنه]
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهمَّ إِني أَعوذ بك من العَجْزِ والكسَلِ … )) الحديث. [أخرجه البخاري: (2823)، ومسلم: (2706)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
كما أن القوّة مع العنف غِلْظة وفظاظة،
فلا يُتصوَّر الرِّفق من الفظِّ الغليظ، كما لا يتحقَّق المقصود من رفق العاجز الضعيف، وأما اللِّين مع القوّة فهو خير الأمور وأوسطها، وهو الرِّفق المطلوب.
2 – أن يكون الرِّفق تيسيراً في الدين من غير تفريط فيه:
فليس من الرِّفق دعوة الناس إلى التساهل في الدين، والعدولِ عن السبيل القويم، وليس منه أيضاً التسامح مع من يترك المأمورات، أو يقترف المحظورات، أو يعطل الحدود أو يتهاون فيها؛ لما في ذلك من إثم كبير.
وفي الحديث: ((ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرَيْن إلا اختار أيسرَهُما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه)) [أخرجه البخاري: (3560)، ومسلم: (2327)].
وأعظم الإثم في ترك واجب، أو فعل محرّم، فهذا لا رفقَ فيه ولا تسامح.
وإذا كان الرِّفق محموداً ومفيداً في أكثر الأحوال وأغلب الأمور، فإن الحاجة إلى الشدَّة والقوة قد تقع في بعض الأحيان.
قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرُّوجُ حريرٍ فلَبِسَه، ثم صلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً – كالكاره له – ثم قال: ((لا ينبغي هذا للمتقين)). [البخاري: (5801)].
قال ابن حجر: ((قوله (فنزعه نزعا شديداً) زاد أحمد في روايته: (عنيفاً) أي: بقوة ومبادرةٍ لذلك، على خلافِ عادته في الرِّفق والتّأنِّي، وهو مما يؤكِّدُ أن التحريم وقع حينئذ))
وقال البخاري: باب ما يجوز من الغضب والشِّدَّة لأمر الله تعالى
وعلّق ابن حجر قائلاً: ((كأنه يشير إلى أن الحديث الوارد في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبر على الأذى إنما هو فيما كان من حقِّ نفسِه، وأما إذا كان لله تعالى فإنه يتمثَّلُ فيه أمر الله من الشِّدَّة … )) [((فتح الباري)) 10: 534].
3 – أن يستعمل الرِّفق في موضعه استعمالاً حكيماً:
والاستعمال الحكيم للرِّفق بوضعه في المكان الصحيح، وللحالات التي يناسبها. أما الحالات التي لا يصلح لها الرِّفق: فمن الحكمة استعمال الشِّدَّة فيها، ومن غير الحكمة تكلُّف الرِّفق لها.
وعلَّق النووي رحمه الله عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة إن الله يحب الرِّفقَ في الأمر كلِّه)) بقوله: ((هذا من عظيم خلُقه صلى الله عليه وسلم وكمالِ حِلْمه، وفيه حثٌّ على الرِّفق والصبر والحلم وملاطفة الناس، ما لم تدع حاجةٌ إلى المخاشنة)) [وقد تقدم].
لذا لما كانت الطِّباع إلى العنف والحِدَّة أميل، كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرِّفق أكثر، فلذلك كثَّر الشرع على جانب الرِّفق دون العنف، وإن كان العنف في محلِّه حسناً، كما أن الرِّفق في محلِّه حسن. ويترتَّب على وضع الرِّفق في غير موضعه من النتائج السلبية، ما يترتَّب على وضع العنف في غير موضعه، ناهيك عن أمور أخرى، ومخالفة صريحة لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
وكذلك الرِّفق بمن يعيث فساداً في الأرض، يروِّع الناس، ويهدِّد الأمن، سواء أكان الرفق بتهوين جريمته، أم بتخفيف عقوبته، أم بالعفو عنه، فهذا لا يزيده الرفق إلا إصراراً على جرائمه، ويعدُّ إساءةً، وتصرُّفاً غير حكيم.
وكذلك الرِّفق بالمسيء بترك تأديبه، وبالمقصّر بترك محاسبته، ونحو ذلك ..
كل هذا يعدُّ مذموماً، وفيه سوء استعمال للرِّفق، وضعف وهوان ممن تكلّفه في هذه الحالات التي لا يصلح لها.
ومن هذا الباب: أن يترك الجرّاح مِبْضَعه في حالةٍ تستلزم الجراحة، أو لا يستأصل عضواً مريضاً ربما تضاعفت الحالة بالإبقاء عليه، أو لا يعطي مريضه الدواء المُرَّ، أو غير ذلك.
لذا قيل: ((من الأمور أمور لا يصلح فيها الرِّفق، إلا الشِّدَّة: كالجرح يعالج، فإذا احتيج إلى الحديد لم يكن منه بُدّ)) [نقلاً عن ((فيض القدير)) للمناوي 4: 59].
فهذه الأمور وما في معناها يطلب فيها العزم والحزم، لا الرِّفق والرقة.
وقبل هذا وبعده: على المسلم أن يكون حكيماً، فيضع الشدة موضعها، واللين موضعه.
قال سفيان الثوري لأصحابه: تدرون ما الرِّفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد. قال: أن تضع الأمورَ في مواضعها: الشدَّةَ في موضعها، واللينَ في موضعه، والسيفَ في موضعه، والسوطَ في موضعه.
وحاصل ما سبق أن للرِّفق ضوابط تناسبه لابد من مراعاتها حتى تتحقّق أهدافه وغاياته. [ضوابط الرفق].