2570 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
(14) – بَابُ ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ حُزْنٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.
(44) – ((2570)) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ – قَالَ: إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا – جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ – مَكَانَ الْوَجَعِ – وَجَعًا.
(44) – حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، ح وحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ح وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ مِثْلَ حَدِيثِهِ.
(45) – ((2571)) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، – قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا – جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ» قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ، فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي.
(45) – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ نَحْوَ حَدِيثِهِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ»
(46) – ((2572)) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، جَمِيعًا عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بِمِنًى، وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلَانٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ، فَكَادَتْ عُنُقُهُ، أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ، فَقَالَتْ: لَا تَضْحَكُوا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً، فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ»
(47) – ((2572)) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ – وَاللَّفْظُ لَهُمَا – ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ – قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا – أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً».
(48) – ((2572)) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا قَصَّ اللهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ».
(48) – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
(49) – ((2572)) حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا».
(50) – ((2572)) حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ،- زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتَّى الشَّوْكَةِ، إِلَّا قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيَّتُهُمَا قَالَ عُرْوَةُ.
(51) – ((2572)) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ».
(52) – ((2573)) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ».
((2574)) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبْي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ – وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ – حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: (123)] بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» قَالَ مُسْلِمٌ: «هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ».
(53) – ((2575)) حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».
(54) – ((2576)) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو بَكَرٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» قَالَتْ: أَصْبِرُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا.
==========
التمهيد: “يقول الله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} [النساء 123]، نعم إن زيادة الرجاء في عفو الله تخلق الأماني في غفران الذنوب وزيادة الأماني تزيد الطمع وتفضي إلى الاستهانة بالمعاصي والاستهتار بها والوقوع فيها فكانت آيات الخوف والوعيد ليكون المؤمن بين الخوف والرجاء.
لقد أزعجت هذه الآية القلوب الوجلة وقالوا لو أنا جوزينا بكل ما نعمل من سوء إذا لهلكنا فأزال النبي صلى الله عليه وسلم خوفهم وأعاد الرجاء إلى نفوسهم، نعم إنهم سيجزون بسيئاتهم وهم بالفعل يجزون بها صباح مساء آلام وحزن وهم وغم، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [الشورى 30] من أحبه الله كفر عنه سيئاته في الدنيا ليلقاه يوم القيامة وليس عليه ذنب، لذا كان الحديث الصحيح (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء فشكر الله فله أجر وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر فكل قضاء الله للمسلم خير) وفي الحديث (من أعطى فشكر وابتلي فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وقد رأى بعض الصالحين في المصائب نعما أربع يحمد الله عليها: الأولى: أنها لم تكن في دينه. الثانية: أنها لم تكن أكبر منها، فكل مصيبة فوقها ما فوقها. الثالثة: أن الله أقدره عليها. الرابعة: أنه سيؤجر عليها في الدنيا والآخرة”. [فتح المنعم، بتصرف]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
((14)) – (بابُ ثَوابِ المُؤْمِنِ فِيما يُصِيبُهُ مِن مَرَضٍ، أوْ حُزْنٍ،
أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، حَتّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها)
شرح الحديث:
(قالَ: قالَتْ عائِشَةُ) -رضي الله عنهما-: (ما) نافية، (رَأيْتُ رَجُلًا)
ولفظ البخاريّ: «أحدًا»، (أشَدَّ عَلَيْهِ الوَجَعُ) المراد بالوجع: المرض، والعرب تسمّي كلَّ وجع مرضًا [«الفتح» (13) / (18)]، (مِن رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-)
قد خَصّ الله تعالى أنبياءه عليه السلام بشدة الأوجاع، والأوصاب؛ لِما خَصّهم به من قوة اليقين، وشدة الصبر، والاحتساب؛ لِيَكْمُل لهم الثواب، ويعمّ لهم الخير [«عمدة القاري» (21) / (211)].
وقال القاري: شدّة الموت ليست من المنذرات بسوء العاقبة، بل لرفع الدرجات العالية. انتهى [«شرح سنن ابن ماجه» (1) / (117)].
وقال القاضي عياض رحمه الله [«إكمال المعلم» (7) / (40)]: قولها: «ما رأيت رجلًا أشدّ عليه الوجه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» تريد: المرض، وهذا يفسّره قوله في الحديث الآخر: «ذلك بأن لك أجرين؟ قال: أجل»، متّفق عليه، وقوله في حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه-: قال: قلت: يا رسول الله؛ أيّ: الناس أشدّ بلاء؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يُبتلى العبدُ على حَسَب دينه، فإن كان دينه صَلْبًا اشتدّ بلاءه، وإن كان في دينه رِقّة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما به خطيئةٌ»، رواه الترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح وهو في الصحيح المسند 371
وأخرج البخاريّ في «الأدب المفرد» عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-؛ أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو مَوْعُوك، عليه قطيفة، فوضع يده عليه، فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال أبو سعيد: ما أشدّ حُمّاك يا رسول الله؟ قال: «إنا كذلك يشتدّ علينا البلاء، ويضاعَف لنا الأجر»، فقال: يا رسول الله أيّ الناس
أشدّ بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الصالحون، وقد كان أحدهم يُبتلى بالفقر، حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها، فيلبسها، ويبتلى بالقمل، حتى يقتله، ولَأحدهم كان أشدّ فرحًا بالبلاء من أحدكم بالعطاء» [حديث صحيح، أخرجه البخاريّ في «الأدب المفرد» (1) / (179)]. وهو على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند.
شرح حديث ابن مسعود:
(عَنِ الحارِثِ بْنِ سُويدٍ) التيميّ الكوفيّ، له في هذا الكتاب أربعة أحاديث فقط. (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود -رضي الله عنه-؛ أنه (قالَ: دَخَلْتُ عَلى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وهُوَ يُوعَكُ) وفي رواية للبخاريّ: «أتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في مرضه»، والوَعْك- بفتح الواو، وسكون العين المهملة، وقد تُفتح-: الحُمّى، وقيل: ألَمُ الحُمّى، وقيل: تَعَبها، وقيل: إرعادُها الموعوكَ، وتحريكها إياه، وعن الأصمعيّ: الوعك: الحرّ، فإن كان محفوظًا، فلعل الحُمّى سُمِّيت وعْكًا؛ لحرارتها، قاله في «الفتح» [«الفتح» (13) / (19)، كتاب «المرضى» رقم ((5648))].
وقال القرطبيّ: الوعك: تمريغ الحمّى، وهو ساكن العين، يقال: وعكته الحمّى تَعِكه وعكًا، فهو موعوك، وأوعكتِ الكلابُ الصيدَ، فهو مُوعَكٌ: إذا مرّغته في التراب، والوعكة: السقطة الشديدة في الجري، والوعكة أيضًا: معركة الأبطال في الحروب. انتهى [» المفهم «(6) / (544)].
(فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي) بكسر السين الأولى، وفَتْحها، قال الفيّوميّ رحمه الله: مَسِسْتُهُ، من باب تَعِبَ، وفي لغة مَسَسْتُهُ مَسًّا، من باب قَتَلَ: أفضيت إليه بيدي، من غير حائل انتهى [» المصباح المنير «(2) / (572)].
وقوله:
(مِن مَرَضِ) بيان لـ» أذى «، (فَما سِواهُ)؛ أي: غير المرض، من الهمّ، والحزن، وغير ذلكَ، ففي حديث أبي سعيد، وأبي هريرة الاتي:» ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ، حَتّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلّا كُفِّرَ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ «. (إلّا حَطَّ)؛ أي: أزال (اللهُ) سبحانه وتعالى (بِهِ)؛ أي: بسبب ما أصابه مما ذُكر، (سَيِّئاتِهِ) منصوب على المفعوليّة لـ» حَطَّ «، (كَما تَحُط الشجَرَةُ ورَقَها») قال الطيبيّ رحمه الله: وجه التشبيه الإزالة الكليّة على سبيل السرعة، لا الكمال والنقصان؛ لأن إزالة الذنوب عن الإنسان سبب كماله، وإزالة الأوراق عن الشجرة سبب نقصانها. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (4) / (1339)].
وفي رواية للبخاريّ: «إلا كفّر الله بها سيّئاته، كما تحطّ الشجرة ورقها»، قال في «الفتح»: معنى قوله: «أذًى، شوكةٌ» التنوين فيه للتقليل، لا للجنس؛ ليصحّ ترتّب فوقها ودونها في العِظَم، والحقارة عليه بالفاء، وهو يَحْتَمِل فوقها في العظم، ودونها في الحقارة، وعكسه.
وقوله: «كما تحُطّ» بفتح أوله، وضم المهملة، وتشديد الطاء المهملة؛ أي: تُلقيه منتثرًا.
والحاصل أنه أثبت أن المرض إذا اشتدّ ضاعف الأجر، ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها. أو المعنى قال: نَعَم شدّة المرض ترفع الدرجات، وتحط الخطيئات
أيضًا، حتى لا يبقى منها شيء، ويشير إلى ذلك حديث سعد بن أبي وقاص الذي تقدّم ذكره: «حتى يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة». وهو في الصحيح المسند 371 ومثله حديث أبي هريرة، عند أحمد، وابن أبي شيبة، بلفظ: «لا يزال البلاء بالمؤمن، حتى يلقى الله، وليس عليه خطيئة، قال أبو هريرة: ما من وجع يصيبني أحب إليّ من الحمى، إنها تدخل في كل مَفْصِل من ابن آدم، وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر» [«الفتح» (13) / (19)، كتاب «المرضى» رقم ((5648))].
قوله (أجل) تصديق لذلك الخبر، فصدقّه أوّلًا، ثم استأنف الكلام، وزاد
عليه شيئًا آخر، وهو حطّ السيئات، فكأنه قال: نعم يزيد الدرجات، ويحطّ
الخطيئات أيضًا.
واختَلَف العلماء فيه، فقال أكثرهم: فيه رفع الدرجة، وحطّ الخطيئة،
وقال بعضهم: إنه يكفّر الخطيئة فقط، ذكره في «العمدة» [«عمدة القاري» (21) / (212)].
وقوله: (ولَيْسَ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي) أشار به إلى اختلاف شيوخه، ففي رواية عثمان، وإسحاق: «فمسسته بيدي»، وليس هذا في رواية زهير، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
[تنبيه]: ذكر الدارقطنيّ رحمه الله في «العلل» الاختلاف في حديث ابن مسعود «العلل» ((785)) – …..
ورواه أبو معاوية، وجرير، وعَبِيدة بن حُميد، وابن فضيل، وعيسى بن يونس، والثوريّ، وابن نُمير، ويعلى بن عُبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، عن الحارث بن سُويد، عن عبد الله، وهو الصحيح. انتهى [«العلل الواردة في الأحاديث النبوية» (5) / (153) – (154)].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: خلاصة ما ذكره الدارقطنىّ رحمه الله أن رواية مسلم من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، عن الحارث بن سُويد، عن عبد الله -رضي الله عنه-، صحيحة؛ لاتفاق هؤلاء الحفّاظ الثمانية الذين ذكرهم آنفًا عليها، وما خالفها فهو ضعيف، والله تعالى أعلم.
فوائد الحديث: (1) – (منها): بيان رفعة قَدْر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عند الله تعالى، حيث ضاعف له الأجر بمرضه، قال القرطبيّ رحمه الله: ومضاعفة المرض على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ ليضاعف له الأجر في الآخرة، وهو كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر:» أشدّ الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه»، وفي الحديث
الآخر: «نحن معاشر الأنبياء يشتدّ علينا البلاء، ويعظم لنا الأجر». انتهى [«المفهم» (6) / (544)].
(2) – (ومنها): بيان أن البلاء بالنسبة للمؤمن نعمة من الله عز وجل ينبغي أن يشكره عليه، فلذا كان الأنبياء أشدّ الناس بلاء؛ لِما لهم به من الزلفى والقرب من ربهم عز وجل.
(3) – (ومنها): أن الأمراض ونحوها ترفع الدرجات، كما تحط الخطيئات، فتجمع بين الاثنين، كما هو رأي الجمهور، وخالف في ذلك بعضهم، فجعلها للحطّ فقط، والصواب الأول.
(4) – (ومنها): ما قاله ابن الجوزيّ رحمه الله: في الحديث دلالة على أن القويّ يَحْمِل ما حُمِّل، والضعيف يُرفَق به، إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلي هان عليه البلاء، ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء، فيهون عليه البلاء، وأعلى من ذلك درجة مَن يرى أن هذا تصرّف المالك في مُلكه، فيُسَلِّم، ولا يعترض، وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء، وأنهى المراتب من يتلذذ به؛ لأنه عن اختياره نشأ، والله أعلم. انتهى. [«كشف المشكل» (1) / (287)].
(5) – (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: في هذه الأحاديث بشارةٌ عظيمةٌ للمسلمين، فإنه قلما ينفكّ الواحد منهم ساعةً من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض، والأسقام، ومصائب الدنيا، وهمومها، وإن قَلّت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور، وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء، وحَكى القاضي عياض عن بعضهم أنها تكفّر الخطايا فقط، ولا ترفع درجة، ولا تكتب حسنة، قال: ورُوي نحوه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: الوجع لا يُكتب به أجر، لكن يكفر به الخطايا فقط، واعتَمَد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا، ولم تبلغه الأحاديث التي ذكرها مسلم
المصرِّحة برفع الدرجات، وكتْب الحسنات.
قال العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشدّ بلاءً، ثم الأمثل فالأمثل، أنهم مخصوصون بكمال الصبر، وصحة الاحتساب، ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى؛ لِيُتِمّ لهم الخيرَ، ويُضاعِف لهم الأجر، ويُظهر صبرهم، ورضاهم. انتهى [» شرح النوويّ «(16) / (128) – (129)].
(6) – (ومنها): أن البخاريّ ترجم في» صحيحه «بقوله:» باب أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل «، قال في» الفتح «: كذا للأكثر، وللنسفيّ:» الأول، فالأول «، وجَمَعهما المستملي، والمراد بالأول: الأولية في الفضل، والأمثل أفعل من المثالة، والجمع أماثل، وهم الفضلاء، وصَدْر هذه الترجمة
لفظ حديث، أخرجه الدارميّ، والنسائيّ في» الكبرى «، وابن ماجه، وصححه الترمذيّ، وابن حبان، والحاكم، كلهم من طريق عاصم بن بَهْدلة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه،» قال: قلت: يا رسول الله؛ أيُّ: الناس أشدّ بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه .. «الحديث، وفيه:» حتى يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة «،
أخرجه الحاكم من رواية العلاء بن المسيَّب، عن مصعب أيضًا، وأخرج له شاهدًا من حديث أبي سعيد، ولفظه:» قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: الصالحون … «الحديث، وهو على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
وليس فيه ما في آخر حديث سعد، ولعل الإشارة بلفظ» الأول، فالأول «إلى ما أخرجه النسائيّ،
وصححه الحاكم، من حديث فاطمة بنت اليمان، أخت حذيفة:» قالت: أتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في نساء نَعُوده، فإذا بسقاء يقطر عليه من شدّة الحمى، فقال: إن من أشدّ الناس بلاءً الأنبياءَ، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
فيه أبو عبيدة بن حذيفة بن اليمان قال ابن حجر: مقبول وثقة العجلي وذكره ابن حبان في الثقات وحسنه الهيثمي وعزاه لأحمد وقال الحافظ: سنده قوي الإصابة 13/ 88. انتهى من أنيس الساري وحسنه صاحب أنيس الساري.
قال: ووجه دلالة حديث الباب على الترجمة [يعني: الحديث أخرجه مسلم هنا] من جهة قياس الأنبياء على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإلحاق الأولياء بهم؛ لِقُرْبهم منهم، وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، والسرّ فيه أن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر، كان بلاؤه أشدّ، ومِن ثم ضوعف حدّ الحرّ على العبد، وقيل لأمهات المؤمنين: {مَن يَاتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ}
[الأحزاب (30)].انتهى [» الفتح” (18) / (13) – (20)].
وقال المناويّ رحمه الله: قوله: «أشدّ الناس بلاءً الأنبياء»؛ أي: مِحْنةً، ويُطلق على المنحة، لكن المراد هنا بقرينة السياق: المحنة، فإن أصله الاختبار، لكن لمّا كان اختبار الله تعالى لعباده تارةً بالمحنة، وتارة بالمنحة، أُطلق عليهما.
وقوله: «الأنبياء»: المراد بهم ما يشمل الرسل، وذلك لتتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم، فيُقتدى بهم، ولئلا يُفتتن الناس بدوام صحتهم، فيعبدوهم، قال تعالى: {ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ} الآية [البقرة (155)].
وقال بعضهم: جَعَل مقام المبتلى يلي مقام النبوة، ولم يفصل بين بلاء الأبدان، وبلاء الأعراض، فيشمل كل ما يتأذى به الإنسان.
فرواية: ” إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا [البلاء كما يضاعف] (2) الأجر ” قالوا: يخص الله أنبياءه وأولياءه بذلك بحسب ما خصهم به من قوة العزم والصبر والاحتساب ليتم لهم الخير، ويعظم لهم به الأجر، ويستخرج منهم حالات الصبر والرضى [والشكر والتسليم، والتوكل والتفويض، والتضرع والدعاء، إعظاما لأجرهم]
«فما يبرح البلاء بالعبد»؛ أي: الإنسان، «حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة» كناية عن سلامته من الذنوب، وخلاصه منها؛ كأنه كان محبوسًا، فامع طلق، وخُلِّي سبيله، فهو يمشي، وما عليه بأس، ومن ظن أن شدّة البلاء هوان بالعبد، فقد ذهب لبّه، وعَمِي قلبه، فقد ابتُلي من الأكابر ما لا يحصى.
ألا ترى إلى ذبح نبيّ الله يحيى بن زكريا، وقَتْل الخلفاء الثلاثة، والحسين، وابن الزبير، وابن جبير، وجُرِّد مالك، وضُرب بالسياط، وجُذبت يده، حتى انخلعت من كتفه، وضُرب أحمد، حتى أغمي عليه، وأُمر بصَلْب سفيان، فاختفى، ومات البويطيّ مسجونًا في قيوده، ونُفي البخاريّ من بلده، ومات ابن تيميّة في السجن، إلى غير ذلك مما يطول [» فيض القدير” (1) / (518) – (519) بزيادة، وتغيير يسير]، والله تعالى أعلم.
7 – * قال القاري: شدّة الموت ليست من المنذرات بسوء العاقبة، بل لرفع الدرجات العالية. [شرح سنن ابن ماجه (1/ 117)]
8 – ترجم البخاري -رحمه الله- في كتاب المرضى من صحيحه،
باب ما جاء في كفارة المرض وقول الله تعالى: من يعمل سوءا يجز به
وأورد بعض أحاديث الباب، وزاد عليها:
عن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن كالخامة من الزرع، تفيئها الريح مرة، وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة، لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، من حيث أتتها الريح كفأتها، فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة، صماء معتدلة، حتى يقصمها الله إذا شاء.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يصب منه.
وقال الخطابي الأرزة مفتوحة الراء واحدة الأرز وهو شجر الصنوبر فيما يقال.
وقال القزاز قاله قوم بالتحريك.
وقالوا هو شجر معتدل صلب لا يحركه هبوب الريح ويقال له الأرزن.
قوله انجعافها بجيم ومهملة ثم فاء أي انقلاعها تقول جعفته فانجعف مثل قلعته فانقلع ونقل بن التين عن الداودي أن معناه انكسارها من وسطها أو أسفلها قال المهلب معنى الحديث أن المؤمن حيث جاءه أمر الله أن طاع له فإن وقع له خير فرح به وشكر وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الخير والأجر فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرا والكافر لا يتفقده الله باختباره بل يحصل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذابا عليه وأكثر ألما في خروج نفسه.
وقال غيره المعنى أن المؤمن يتلقى الأعراض الواقعة عليه لضعف حظه من الدنيا فهو كأوائل الزرع شديد الميلان لضعف ساقه والكافر بخلاف ذلك وهذا في الغالب من حال الإثنين …
9 – التقييد بالصبر
قال ابن حجر: صح التقييد بالصبر مع إطلاق ما يترتب عليه من الثواب وذلك فيما أخرجه مسلم من حديث صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد للمؤمن إن أصابته سراء فشكر الله فله أجر وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر فكل قضاء الله للمسلم خير وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أصابه خير حمد وشكر وإن أصابته مصيبة حمد وصبر فالمؤمن يؤجر في كل أمره الحديث أخرجه أحمد والنسائي وممن جاء عنه التصريح بأن الأجر لا يحصل بمجرد حصول المصيبة بل إنما يحصل بها التكفير فقط من السلف الأول أبو عبيدة بن الجراح فروى أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأصله في النسائي بسند جيد وصححه الحاكم من طريق عياض بن غطيف – وهو في الصحيح المسند – قال دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته فقلنا كيف بات أبو عبيدة فقالت امرأته نحيفة لقد بات بأجر فقال أبو عبيدة ما بت بأجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة وكأن أبا عبيدة لم يسمع الحديث الذي صرح فيه بالأجر لمن أصابته المصيبة أو سمعه وحمله على التقييد بالصبر والذي نفاه مطلق حصول الأجر العاري عن الصبر وذكر بن بطال أن بعضهم استدل على حصول الأجر بالمرض بحديث أبي موسى الماضي في الجهاد بلفظ (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما) قال فقد زاد على التكفير وأجاب بما حاصله أن الزيادة لهذا إنما هي باعتبار نيته أنه لو كان صحيحا لدام على ذلك العمل الصالح فتفضل الله عليه بهذه النية بأن يكتب له ثواب ذلك العمل ولا يلزم من ذلك أن يساويه من لم يكن يعمل في صحته شيئا وممن جاء عنه أن المريض يكتب له الأجر بمرضه أبو هريرة فعند البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عنه أنه قال (ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى لأنها تدخل في كل عضو مني وإن الله يعطي كل عضو قسطه من
الأجر) ومثل هذا لا يقوله أبو هريرة برأيه وأخرج الطبراني من طريق محمد بن معاذ عن أبيه عن جده أبي بن كعب أنه قال يا رسول الله ما جزاء الحمى قال: (تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق) الحديث والأولى حمل الإثبات والنفي على حالين فمن كانت له ذنوب مثلا أفاد المرض تمحيصها ومن لم تكن له ذنوب كتب له بمقدار ذلك ولما كان الأغلب من بني آدم وجود الخطايا فيهم أطلق من أطلق أن المرض كفارة فقط وعلى ذلك تحمل الأحاديث المطلقة ومن أثبت الأجر به فهو محمول على تحصيل ثواب يعادل الخطيئة فإذا لم تكن خطيئة توفر لصاحب المرض الثواب والله أعلم بالصواب وقد استبعد بن عبد السلام في القواعد حصول الأجر على نفس المصيبة وحصر حصول الأجر بسببها في الصبر وتعقب بما رواه أحمد بسند جيد عن جابر قال استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها إلى أهل قباء فشكوا إليه ذلك فقال ما شئتم إن شئتم دعوت الله لكم فكشفها عنكم وإن شئتم أن تكون لكم طهورا قالوا فدعها ووجه الدلالة منه أنه لم يؤاخذهم بشكواهم ووعدهم بأنها طهور لهم.
قلت يعني ابن حجر: والذي يظهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير ورفع الدرجات على ما تقدم تفصيله وإن لم يحصل الصبر نظر إن لم يحصل من الجزع ما يذم من قول أو فعل فالفضل واسع ولكن المنزلة منحطة عن منزلة الصابر السابقة وإن حصل فيكون ذلك سببا لنقص الأجر الموعود به أو التكفير فقد يستويان وقد يزيد أحدهما على الآخر فبقدر ذلك يقضى لأحدهما على الآخر ويشير إلى التفصيل المذكور حديث محمود بن لبيد الذي ذكرته قريبا والله أعلم. انتهى وحديث محمود على شرط الذيل على الصحيح المسند اذا أحب قوما ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع وهو في صحيح الترغيب 3406 وورد بنحوه من حديث أنس وهو صحيح الترغيب 3407
9 – قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
أقسام الناس إذا أصابتهم مصيبة:
الشاكر، الراضي، الصابر، الجازع.
أما الجازع: فقد فعل محرماً وتسخط من قضاء رب العالمين.
وأما الصابر: فقد قام بالواجب، والصابر هو الذي يكره وقوعها ويرى أن المصيبة مُرَّة وشاقَّة، لكنه يتحمل ويحبس نفسه عن الشيء المُحرم.
وأما الراضي: فهو الذي لا يهتم لهذه المصيبة ويرى أنها من عند الله فيرضى رضاً تاماً، ولا يكون في قلبه تحسّر، وحاله أعلى من حال الصابر.
وأما الشاكر: فهو الذي يشكر الله على هذه المصيبة.
ويكون شكره من وجهين:
– أن ينظر إلى من أصيب بما هو أعظم، فيشكر الله على أنه لم يصب مثله.
– أن يعلم أنه سيحصل له بهذه المصيبة تكفير للسيئات ورفعة في الدرجات إذا صبر.
نسأل الله أن يرزقنا الشُكر عند المصائب.
الشرح الممتع: (395/ 5)
10 – وترجم البخاري رحمه الله في كتاب المرضى من صحيحه،
باب شدة المرض
وأورد تحته حديثين:
# عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
# عن عبد الله رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وهو يوعك وعكا شديدا، وقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا، قلت: إن ذاك بأن لك أجرين؟ قال: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى إلا حات الله عنه خطاياه، كما تحات ورق الشجر.
وفي رواية عند البخاري كذلك، في باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكا شديدا؟ قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها.
11 – حديث المرأة التي تصرع، أورده البخاري رحمه الله تحت باب،
باب فضل من يصرع من الريح
===
——
شرح الحديث عائشة:
* بوب البيهقي على هذا الحديث وأحاديث أخر في شعب الإيمان فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا فِي الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْمُصِيبَاتِ مِنَ الْكَفَّارَاتِ.
* ينظر أحكام الضحك والتبسم وآدابه: في مجموعة السلام (2/ 432) تكلمنا في النهي عن الضحك لمن وقع عليه بلاء.
* بوب المنذري رحمه الله على هذا الحديث وأحاديث أخر في الترغيب والترهيب: الترغيب في الصبر سيّما لمن ابتليَ في نفسه أو ماله، وفضل البلاء والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره.
(عَلى طنبِ فُسْطاطٍ) الطنب «بضمّ النون، وإسكانها: هو الحبل الذي يُشَدّ به
الفُسطاط، وهو الخباء، ونحوه، ويقال: فُستاط، بالتاء بدل الطاء، وفُسّاط،
بحذفها، مع تشديد السين، والفاء مضمومة، ومكسورة فيهنّ، فصارت ستّ
لغات، قاله النوويّ رحمه الله [» شرح النوويّ «(16) / (128)]
(أوْ عَيْنُهُ) «أو» هنا للشكّ من الراوي، (أنْ تَذْهَبَ)
قوله: (شَوْكَةً) قال المناويّ: أي ألَم جَرْح شوكة، قال القاضي: والشوكة هنا المرّة من شاكه، ولو أراد واحدة
النبات لقال: يشاك بها، والدليل على أنها المرّة من المصدر جَعْلُها غايةً للمعاني. انتهى [» فيض القدير” (5) / (497)]
قال الأثيوبي عفا الله عنه: الظاهر أن المراد بالشوكة هنا النبات، يدلّ على ذلك ما وقع في بعض النسخ بلفظ: «بشوكة»، والله تعالى أعلم.
(فَما فَوْقَها) يَحْتَمل أن يكون المعنى: فما فوق الشوكة في العِظَمِ، وأن يكون فما فوقها في الدقّة، والحقارة
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المساله الأولى): حديث عائشة -رضي الله عنهما- هذا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): في فوائده:
(1) – (منها): بيان فضل المصيبة للمسلم حيث إنها تُكفَّر بها خطاياه، وتُرفع بها درجاته، قال القرطبيّ رحمه الله: ومقصود هذه الأحاديث أن الأمراض، والأحزان، وإن دقّت، والمصائب، وإن قلّت، أُجِر المؤمن على جميعها، وكُفِّرت عنه بذلك خطاياه، حتى يمشي على الأرض، وليست له خطيئة، كما
جاء في الحديث الآخر، لكن هذا كله إذا صبر المصاب، واحتسب، وقال ما أمر الله تعالى به في قوله: {الَّذِينَ إذا أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ ((156))} [البقرة (156)]، فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله تعالى به، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك. انتهى [«المفهم» (6) / (546).]
(2) – (ومنها): أنه لا ينبغي الضحك من مسلم وقع منه مثل هذا، إلا أن
يحصل غلبة، لا يمكن دَفْعه، وأما تعمّده فمذموم؛ لأن فيه شماتةً بالمسلم،
وكسرًا لقلبه، قاله النوويّ رحمه الله [«شرح النوويّ» (16) / (128)]
(3) – (ومنها): بيان أن هذا الفضل خاصّ بالمسلم، فليس للكافر فيه نصيب، بل هي بشرى عظيمة للمسلم؛ لأنه لا يخلو عن كونه متأذيًا بمصائب طول حياته، ففي كلّ مصيبة حطّ لخطيئته، ورَفْع لدرجته، فما أعظم النِّعَم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة (54)]، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} [الحديد (21)].
(4) – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: وفي هذا الحديث تعقُّب على الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام حيث قال: ظنّ بعض الجهلة أن المُصاب مأجور، وهو خطأ صريح، فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب، والمصائب ليست منها، بل الأجر على الصبر والرضا.
ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقَدْر زائد، يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة.
قال القرافيّ: المصائب كفّارات جزمًا سواءٌ اقترن بها الرضا أم لا، لكن
إن اقترن بها الرضا عَظُم التكفير، وإلا قلّ، كذا قال، والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها، وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عُوِّض عن ذلك من الثواب بما يوازيه.
وزعم القرافيّ أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب: جعل الله هذه المصيبة كفارةً لذنبك؛ لأن الشارع قد جعلها كفارةً، فسؤال التكفير طلب لتحصيل الحاصل، وهو إساءة أدب على الشارع، كذا قال، وتُعُقّب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع؛ كالصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وسؤال الوسيلة له.
وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يَرِد فيه شيءٌ، وأما ما ورَدَ فهو مشروع؛ ليُثاب من أمتثل الأمر فيه على ذلك. انتهى.
قال الأثيوبي عفا الله عنه: هكذا ذَكَر في «الفتح» كلام القرافيّ، ثم تعقّبه، ثم أجاب عن ذلك التعقّب، وفيه نظر لا يخفى، بل الصواب جواز الدعاء بما ذُكر؛ إذ لم يَرِدْ نصّ يَمْنع من ذلك، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
——–
شرح الحديث:
(إلّا كُفِّرَ بِها عَنْهُ)
وفي رواية أحمد: «إلا كان كفارة لذنبه»؛ أي: يكون ذلك عقوبة بسبب ما كان صدر منه من المعصية، ويكون ذلك سببًا لمغفرة ذنبه.
ووقع في الرواية السابقة من طريق الأسود، عن عائشة: «إلا رفعه الله بها درجةً، وحَطّ عنه بها خطيئةً».
وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا، حصول الثواب، ورفع العقاب، وشاهِدُه ما أخرجه الطبرانيّ في «الأوسط» من وجه آخر عن عائشة، بلفظ: «ما ضُرب على مؤمن عِرْق قط، إلا حَطّ الله به عنه خطيئة، وكتب له حسنة، ورفع له درجة»، وسنده جيّد.
وأما ما يأتي لمسلم من طريق عمرة عن عائشة -رضي الله عنها-: «إلا كتب الله له بها حسنة، أو حط عنه بها خطيئة» كذا وقع فيه بلفظ «أو»، فيَحْتَمِل أن يكون شكًّا من الراوي، ويَحْتَمِل التنويع، وهذا أوْجَه، ويكون المعنى: إلا كتب الله له بها حسنة، إن لم يكن عليه خطايا، أو حطّ عنه خطايا، إن كان له خطايا، وعلى هذا فمقتضى الأول أن من ليست عليه خطيئة يزاد في رَفْع درجته بقدر ذلك،
والفضل واسع.
[تنبيه]: وقع لهذا الحديث سببٌ أخرجه أحمد، وصححه أبو عوانة، والحاكم، من طريق عبد الرحمن بن شيبة العبدريّ، أن عائشة أخبرته: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طَرَقه وجَعٌ، فجعل يتقلب على فراشه، ويشتكي، فقالت له عائشة: لو صَنَع هذا بعضنا لوجدت عليه، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: إن الصالحين يُشدَّد
عليهم، وإنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة، فما فوق ذلك، إلا حُطَّت به عنه خطيئة، ورُفعت بها درجةٌ». على شرط الذيل على الصحيح المسند
قال السندي بين لها صلى الله عليه وسلم أنه ليس من قلة الصبر وإنما هو من اشتداد الوجع ..
(حَتّى الشَّوْكَةِ) جَوّزوا فيه الحركات الثلاث، فالجرّ بمعنى الغاية؛ أي: حتى ينتهي إلى الشوكة، أو عطفًا على لفظ «مصيبة»، والنصب بتقدير عامل؛ أي: حتى وجدانِهِ الشوكةَ، والرفع عطفًا على الضمير في «تصيب»، وقال القرطبيّ: قيَّده المحققون بالرفع، والنصب، فالرفع على الابتداء، ولا يجوز على المحلّ، كذا قال، ووَجّهه غيره بأنه يسوغ على تقدير أن «من» زائدة [» الفتح” (13) / (7) – (8)].
والحديث متّفقٌ عليه.
====
====
شرح الحديث أبي سعيد وأبي هريرة:
(عَنْ أبِي سَعِيدٍ، وأبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنهما-؛ (أنَّهُما سَمِعا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “مَما) نافية، (يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ) بفتح الواو، والصاد المهملة، ثم الموحّدة؛ أي: كالمرض وزنًا ومعنى، وقيل: هو المرض اللازم، (ولا نَصَبٍ)
بفتح النون، والصاد المهملة، ثم موحدة: هو التعب وزنًا، ومعنًى، (ولا سَقَمٍ) بفتحتين؛ كالمرض وزنًا ومعنًى، ويقال فيه: السُّقْم، بضمّ، فسكون، انتهى [«المصباح المنير» (1) / (280).]
(ولا حَزَنٍ) بفتحتين، وبضمّ، فسكون. انتهى [«المصباح المنير» (1) / (134)]
وقال النوويّ رحمه الله: «الوصب»: الوجع اللازم، ومنه قوله تعالى: {ولَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ}؛ أي: لازم ثابت، و «النصب»: التعب، وقد نَصِبَ يَنْصَب نَصَبًا؛ كفَرِح يَفْرَح فَرَحًا، ونَصَبه غيره، وأنصبه، لغتان، و «السقم»: بضم السين، وإسكان القاف، وفَتْحهما، لغتان، وكذلك الحُزْن والحَزَن، فيه اللغتان،
و «يهمه» قال القاضي: هو بضم الياء، وفتح الهاء، على ما لم يُسَمّ فاعله،
وضبطه غيره يَهُمه، بفتح الياء، وضم الهاء؛ أي: يَغُمّه، وكلاهما صحيح.
انتهى [«شرح النووي» (16) / (130)]
وقال القرطبيّ رحمه الله: «الوصب»: المرض، يقال منه: وصِبَ الرجلُ، يَوْصَبُ، فهو وصيب، وأوصبه الله، فهو مُوصَبٌ، و «النصب»: التعب، والمشقة، يقال منه: نَصِب الرجلُ -بالكسر- يَنصَب -بالفتح- وأنصبه غيره:
إذا أتعبه، فهو مُنصَب، وهَمّ ناصبٌ؛ أي: ذو نصب، و «السقم»: المرض
الشديد، يقال منه: سَقِم يَسْقَمُ، فهو سقيم، و «الهم»: الحزن، والجمع:
الهموم، وأهمَّني الأمر: إذا أقلقني، وحَزَنني، والمهِمّ: الأمر الشديد، وهمّني
المرض: أذابني.
قال القرطبيّ: هذا نقلُ أهل اللغة، وقد سوُّوا فيه بين الحزن والهم،
وعلى هذا فيكون الحزن والهم المذكوران في الحديث مترادفين، ومقصود
الحديث ليس كذلك، بل مقصوده: التسوية بين الحزن الشديد، الذي يكون عن
فَقْد محبوب، والهمّ الذي يُقلق الإنسان، ويشتغل به فكره من شيء يخافه، أو يكرهه في أنّ كل واحد منهما يكفّر به، كما قد جمع في هذا الحديث نفسه بين الوَصَب، وهو المرض، وبين السّقم، لكن أطلق الوصب على الخفيف منه، والسقم على الشديد، ويرتفع الترادف بهذا القدر. انتهى [«المفهم» (6) / (545) – (546)]
ولفظ البخاريّ رحمه الله: «ما يصيب المسلم، من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذًى، ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه». انتهى [«صحيح البخاريّ» (5) / (2137)]، قال في «الفتح»:: «ولا همّ، ولا حزن»: هما من أمراض الباطن، ولذلك ساغ عَطْفهما على الوصب، قوله: «ولا أذى»: هو أعمّ مما تقدم، وقيل: هو خاصّ
بما يَلحق الشخص من تعدّي غيره عليه، وقوله: «ولا غمّ» بِالغين المعجمة:
هو أيضًا من أمراض الباطن، وهو ما يَضيق على القلب، وقيل في هذه الأشياء
الثلاثة، وهي الهمّ، والغمّ، والحزن: إن الهمّ ينشأ عن الفكر فيما يُتوقع
حصوله، مما يُتأذّى به، والغمّ كرب يَحدُث للقلب بسبب ما حصل، والحزن
يَحدُث لِفَقْد ما يَشُقّ على المرء فَقْده، وقيل: الهمّ، والغمّ بمعنى واحد.
وقال الكرمانيّ [«شرح البخاريّ» للكرمانيّ (20) / (176) – (177)]: الغمّ يَشمل جميع أنواع المكروهات؛ لأنه إما بسبب ما يَعرِض للبدن، أو النفس، والأول إما بحيث يُخرِج عن المجرى الطبيعيّ،
أو لا، والثاني إما أن يلاحظ فيه الغير، أو لا، وإما أن يظهر فيه الانقباض،
أو لا، وإما بالنظر إلى الماضي، أو لا. انتهى. [«الفتح» (13) / (10)، و «عمدة القاري» (21) / (209)]
لفظ البخاريّ: «من خطاياه»، وظاهره أن «من» للتبعيض، ويحْتَمِل أن تكون زائدة على رأي من يجوّز زيادتها في الإثبات، والله تعالى أعلم. [البحر الثجاج]
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: لَمّا
نَزَلَتْ: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء (123)] بَلَغَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَبْلَغًا .. “.
(لما نزلت {{من يعمل سوءا يجز به}} بلغت من المسلمين مبلغا شديدا) أي بلغت هذه الآية من خوف المسلمين مبلغا كبيرا أي خافوا من عقوبات الآخرة لكثرة ما يعملون من السوء، فإن الآية تتوعد كل من عمل سوءا كبيرا أو صغيرا بالمجازاة عليه بالنار، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفهم بأن الكثير من السوء يكفر ويغفر بسبب ما يصيب المسلم من البلاء.
(قاربوا وسددوا) أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا وسددوا أي اقصدوا الصواب والسداد.
====
====
شرح حديث:
(دخل على أم السائب أو أم المسيب) قال الحافظ ابن حجر في الإصابة أخرج أبو نعيم عن جابر قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من الأنصار يقال لها أم المسيب فذكر نحو الحديث، وعند ابن منده أم السائب قال الحافظ ولم أر في شيء من طرق الحديث أنها أنصارية بل ذكرها ابن كعب في قبائل العرب بين المهاجرين والأنصار.
(فقال مالك يا أم السائب تزفزفين) بزاءين وفاءين مع ضم التاء، قال القاضي تضم وتفتح اهـ وعند فتحها تكون إحدى التاءين محذوفة تخفيفا أي تتزفزفين ووقع في بعض النسخ بالراء والفاء ورواه بعضهم في غير مسلم بالراء والقاف قال النووي ومعناه تتحركين حركة شديدة أي ترعدين اهـ يقال رفرف المحموم براءين وفاءين أي ارتعد ورفرف الطائر بسط جناحيه وحركهما ويقال رفرفت الريح إذا هبت في مضي ورفرف فلان أي ارتعد.
(قالت الحمى) خبر لمبتدأ محذوف أي سبب زفزفتي الحمى
(لا بارك الله فيها فقال لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم) اعتبر الدعاء عليها سبا لها
(كما يذهب الكير خبث الحديد) المراد من الكير النار التي تنفخ بالكير وهو منفاخ الحداد
(ألا أريك امرأة من أهل الجنة) ألا بتخفيف فتحة اللام
(هذه المرأة السوداء) في كتاب الصحابة للمستغفري فأراني حبشية صفراء عظيمة فقال هذه سعيرة الأسدية بضم السين وفتح العين على التصغير
(قالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي) أن يشفيني من الصرع وهو بفتح الصاد وسكون الراء وأصرع بضم الهمزة مبني للمجهول والصرع علة في الجهاز العصبي تصحبها غيبوبة وتشنج في العضلات وقولها إني أتكشف بالتاء المفتوحة وفي نسخة بالنون الساكنة، والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر، وعند البزار إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها، وقيل إنها كانت ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة. [فتح المنعم].
ثانيًا: يؤخذ من الأحاديث:
1 – أخذ بعضهم من إطلاق تكفير الذنوب أنه يشمل الكبائر والصغائر لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر، والمراد بالتكفير ستر الذنب أو محو أثره المترتب عليه من استحقاق العقوبة.
قال الألباني في صحيح الترغيب (1) / (265)
أي: ما لم يؤتَ، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في «شرح مسلم»:
“معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر، فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كان لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملًا فسياق الحديث يأباه.
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة، أو رحمة الله تعالى وفضله. والله أعلم «.
قلت: هذا الحصر ينافي الاستفهام التقريري في الحديث الذي قبله:» هل يبقى من درَنَهِ شيء؟ «كما هو ظاهر؛ فإنه لا يمكن تفسيره على أن المراد به الدرَن الصغير، فلا يبقى منه شيء، وأما الدرَن الكبير فيبقى كله كما هو! فإن تفسير الحديث بهذا ضرب له في الصدر، كما لا يخفى. وفي الباب أحاديث أخرى لا يمكن تفسيرها بالحصر المذكور كقوله -صلى الله عليه وسلم-:» من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه «. وسيأتي إن شاء الله تعالى.
فالذي يبدو لي -والله أعلم- أن الله تعالى زاد في تفضله على عباده، فوعد المصلين منهم بأن يغفر لهم الذنوب جميعًا وفيها الكبائر، بعد أن كانت المغفرة خاصة بالصغائر، ولعل مما يؤيد هذا قوله تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}، فإذا كانت الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر، فالفضل الإلهي يقتضي أن تكون للصلاة وغيرها من العبادات فضيلة أخرى تتميز بها على فضيلة اجتناب الكبائر، ولا يبدو أن ذلك يكون إلا بأن تكسر الكبائر. والله أعلم.
ولكن ينبغي على المصلين أن لا يغتروا، فإن الفضيلة المذكورة لا شك أنه لا يستحقها إلا من أقام الصلاة، وأتمها وأحسن أداءها كما أمِر، وهذا صريح في حديث أبي أيوب المتقدم ((4) – الطهارة/ آخر الباب (7)):» من توضأ كما أُمِرَ، وصَلى كما أمِرَ، غُفر له ما تقدم من عمل”. وأنى لجماهير المصلين أن يحققوا الأمرين المذكورين، ليستحقوا مغفرة الله وفضله العظيم؟! فليس لنا إلا أن ندعو الله أن يعاملنا برحمته، وليس بما نستحقه بأعمالنا!
2 – النهي عن سب المرض والدعاء عليه.
3 – أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب ذكره النووي.
4 – وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة.
5 – وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة.
6 – وفيه دليل على جواز ترك التداوي.
7 – قال الحافظ ابن حجر وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن به أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما: من جهة العليل وهو صدق القصد. والآخر: من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل.
والله أعلم. [فتح المنعم].
=====
=====
=====
ثالثًا: ما هي الحكمة من ابتلاء الأنبياء وهم عباد مكرمون معصومون؟
قال ابن القيم: “فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم:
أ- ليستوجبوا كمالَ كرامته.
ب- وليتسلى بهم مَن بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أُوذوا من الناس، فرأَوْا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضُوا وتأسَّوْا بهم.
ج- ولتمتلئ صاع الكفار، فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة، فيمحَقهم بسبب بَغْيهم وعداوتهم، فيعجل تطهير الأرض منهم.
فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم، وله الحكمة البالغة، والنعمة السابغة، لا إلهَ غيرُه، ولا رب سواه” [“بدائع الفوائد” (2/ 452)].
رابعًا: ابتلوا:
– ابتُلِيَ صاحب الجنتين بسبب كلمة قالها، وقد حكى لنا الحق سبحانه قوله: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34]؛ فكانت النتيجة: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ … وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: 42]! فكان بلاءً شديدًا!
– ابتُليَ إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له، وبالإلقاء في النار؛ قال الله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 68 – 70].
– وابتُلي بتأخُّر إنجاب الأولاد، ثم ابتُلي بالأمر بذبح ابنه إسماعيل؛ قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 102 – 107].
– ابتُلي يوسف عليه السلام من إخوته بدافع الحسد والغَيرة، وحصل اضطراب كبير في هذه الأسرة النبوية المباركة .. ولكن كانت النتيجة: ويوسف بعد الجب والسجن مَلِكٌ.
– ابتُلي نبيُّ اللهِ أيوبُ عليه السلام بالمرض الشديد، فصبر، فكان رمزًا للصبر في الأرض! وكانت النتيجة: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].
– ابتُلي نبي الله زكريا عليه السلام بالحرمان من الولد، فصبر، وقد نادى ربه: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89]،كلمات قليلة لكنها صادقة.
والنتيجة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90].
– فارَق يونسُ عليه السلام قومَه غاضبًا عليهم؛ لأنهم لم يستجيبوا لدعوته؛ قال تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87]؛ فابتُلي بأن ابتلَعَه الحوتُ؛ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
والنتيجة: نجَّاه اللهُ سبحانه، وكانت هذه الدعوةُ المباركة سببًا لنجاة المؤمنين.
ألم تسمَعْ قول الله: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87، 88].
قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 139 – 148].
– وابتُلي نوحٌ عليه السلام بابنه – الذي ابتعد عن رحاب بيت النبوة، وانحاز إلى معسكر المعرضين عن الله سبحانه، الجاحدين لربوبيته-.وكان يناديه: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]، فيُجيبه بلغة التمرُّد والعناد الأعمى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، والنتيجة: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 43].
ومع ذلك قال تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45].
فيأتيه الجوابُ الحاسم: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
– وابتُلي نبيُّ الله لوطٌ عليه السلام بزوجته، وانحازت إلى القوم المفسدين، والنتيجة؛ قال الله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81].
– تأمَّل حال الكليم موسى عليه السلام، وما آلت إليه محنته وفتونه؛ مِن أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلمه الله تكليمًا، وقرَّبه منه، وكتب له التوراة بيده، ورفعه إلى أعلى السموات، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره؛ فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجره إليه، وربه يحبه على ذلك كله، ولا سقط شيء منه مِن عينه، ولا سقطت منزلته عنده، بل هو الوجيه عند الله القريب، ولولا ما تقدم له من السوابق وتحمُّل الشدائد والمحن العظام في الله ومقاساة الأمر الشديد بين فرعون وقومه ثم بني إسرائيل وما آذَوْه به وما صبر عليهم لله – لم يكُنْ ذلك.
– تأمَّل حال المسيح صلى الله عليه وسلم وصبره على قومه واحتماله في الله، وما تحمله منهم، حتى رفعه الله إليه، وطهَّره من الذين كفروا، وانتقَم مِن أعدائه، وقطَّعهم في الأرض، ومزَّقهم كل ممزَّق، وسلَبهم مُلكَهم وفخرَهم إلى آخرِ الدهر. – فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله، وتلوُّن الأحوال عليه مِن سلم وخوف، وغنًى وفقر، وأمن وإقامة في وطنه، وتركه لله، وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل، والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله، يدعو إلى الله، فلم يؤذَ نبيٌّ ما أوذي، ولم يحتمل في الله ما احتمله، ولم يُعطَ نبي ما أعطيه؛ فرفع الله له ذكره وقرن اسمه باسمه، وجعله سيد الناس كلهم، وجعله أقرب الخَلْق إليه وسيلة، وأعظمهم عنده جاهًا، وأسمعهم عنده شفاعة، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته، وهي مما زاده الله بها شرفًا وفضلًا، وساقه بها إلى أعلى المقامات.
وهذا حال ورثته من بعده؛ الأمثل فالأمثل، كلٌّ له نصيب من المحنة، يسوقه الله به إلى كماله بحسَب متابعته له” [هذه الأمثلة الثلاثة من كتاب: “مفتاح دار السعادة” لابن القيم (1/ 299)].
– سورة الأحزاب تعلِّمُنا أن العاقبة للمتقين:
فقد اجتمعت أحزاب الكفر في غزوة الخندق.
والنتيجة: رِفعة لأهل الإيمان، وذِكر على مدى الأيام، وأما أحزاب الكفر وجحافل النفاق فقد كان مصيرهم مزابل التاريخ.
خامسا: ذكر ابن القيم رحمه الله عدة أسباب للصبر على البلاء
قال رحمه الله: والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:
ذكر ابن القيم رحمه الله عدةَ أسباب للصبر على البلاء
قال رحمه الله: والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:
*أحدها*: شهودُ جزائها وثوابها.
*الثاني*: شهودُ تكفيرها للسيئات ومحوِها لها.
*الثالث*: شهودُ القَدَر السابق الجاري بها، وأنها مقدرةٌ فى أم الكتاب قبل أن تخلقَ فلا بد منها، فجزعه لا يزيدُه إلا بلاء.
*الرابع*: شهودُه حقَّ الله عليه في تلك البلوى، وواجِبِه فيها، وهو الصبر بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضى على أحد القولين، فهو مأمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.
*الخامس*: شهود ترتّبها عليه بذنبه؛ كما قالَ الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى من الآية:30] وهذا عامٌّ في كل مصيبة دقيقةٍ وجليلة؛ فيشْغَلُه شهودُ هذا السببِ بالاستغفارِ الذي هو أعظمُ الأسباب في دفع تلك المصيبة؛ قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع بلاءٌ إلا بتوبة”.
*السادس*: أن يعلمَ أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمَها، وأنَّ العبودية تقتضي رضاه بما رَضِيَ له به سيدُه ومولاه؛ فإن لم يوفِ هذا المقَامَ حقَّه فهو لضَعْفِهِ؛ فلينزلْ إلى مقامِ الصبر عليها؛ فإن نزلَ عنه نزلَ إلى مقامِ الظلم وتعدِّي الحقّ.
*السابع*: أن يعلمَ أن هذه المصيبةَ هي دواءٌ نافعٌ ساقَه إليه الطبيبُ العليم بمصلحته الرحيم له؛ فليصبرْ على تجرُّعِه ولا يتقيَّاه بتسخُّطِه وشكْوَاه فيذهبَ نفْعُه باطلًا.
*الثامن*: أن يعلم أن في عُقْبَى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافيةِ والصحةِ وزوالِ الألمِ ما لا تحصلُ بدونه؛ فإذا طالَعَتْ نفسُه كراهيةَ هذا الدواءِ ومرارَتَه؛ فلينظرْ إلى عاقبته وحُسْنِ تأثيره، قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة من الآية:216]، وقال الله تعالى: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء من الآية:19]،
وفي مثل هذا القائل:
لَعَلّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ *** ورُبّمَا صَحّتِ الأجْسامُ بالعِلَلِ
*التاسع:* أن يعلمَ أن المصيبةَ ما جاءَتْ لتهلِكَه وتقتُلَه، وإنما جاءت لِتَمْتَحِنَ صبْرَه وتبْتَلِيَه؛ فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه؟ وجعْلِه من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه، وخلع عليه خِلَعَ الإكرام وألبسه ملابسَ الفضل، وجعل أولياءَه وحزبَه خدمًا له وعونًا له، وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه، طُرِدَ وصُفِع قفاه وأُقِصي، وتضاعفت عليه المصيبةُ وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلمُ بعد ذلك بأنَّ المصيبةَ في حقِّه صارت مصائب، كما يعلمُ الصابرُ أنَّ المصيبةَ في حقِّهِ صارَتْ نِعَمًا عديدة، وما بين هاتين المنزلتين – المتباينتين – إلا صبرُ ساعة، وتشجيعُ القلب في تلك الساعة، والمصيبة لا بدَّ أن تقلعَ عن هذا وهذا، ولكن تقلعُ عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخرِ بالحرمان والخذلان؛ لأن ذلك تقديرُ العزيز العليم، وفضلُ الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
*العاشر:* أن يعلم أن الله سبحانه يربّي عبدَه على السراء والضراء والنعمة والبلاء؛ فيستخرجَ منه عبوديَّتَه في جميع الأحوال؛ فإن العبدَ على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبدُ السرَّاء والعافيةِ الذي يعبد الله على حرفٍ؛ فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته؛ ولا ريب أنَّ الإيمان الذي يثبتُ على محكّ الابتلاء والعافية هو الإيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية فلا يكادُ يصحب العبد ويبلغُه منازل المؤمنين، وإنما يصحبه إيمانٌ يثبت على البلاء والعافية؛ فالابتلاء كِير العبد ومَحَكُّ إيمانه؛ فإما أن يخرج تِبْرا أحمر، وإما أن يخرج زغلًا محضًا، وإما أن يخرج فيه مادّتان ذهبية ونحاسية فلا يزال به البلاء حتى يُخرِج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبًا خالصًا؛ فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية لشغل قلبه بشكره ولسانه يقول: “اللهم أعني على ذكرك وشكر وحسن عبادتك”، وكيف لا يشكر من قيَّض له ما يستخرج خبَثَه ونُحَاسَه، ويُصيِّرُه تِبْرًا خالصًا يصلح لمجاورته والنظرِ إليه في داره؟!
فهذه الأسباب ونحوُها تثمرُ الصبرَ على البلاء؛ فإن قويت أثمرت الرضى والشكر؛ فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه، بمنّه وكرمه.
[طريق الهجرتين وباب السعادتين ص (552) ط. دار الهدي النبوي – دار الفضيلة]
طريق الهجرتين وباب السعادتين ((278) / (1))