الوسيلة في قوله تعالى:
3 – [{الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ، أُولَئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَة وَأُولَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
[سورة البقرة 156، 157]
تضمنت هذه الآيات الدعاء والتوسل:
فأقر المؤمنون بأنهم عبيد لله وأنهم راجعون إليه، وحالهم يقول: نسأله سبحانه وتعالى، أن يجبر مصابنا ويعظم ثوابنا؛ لذلك جاء بعدها الاستجابة.
و ربما غفل بعضنا عن هذه الآية واستعملها عند مصيبة الموت فقط … والنصوص تدل على العموم فكل ما آذى المؤمن فهو مصيبة.
قال ابن عثيمين:
أي قالوا: بقلوبهم، وألسنتهم إنا ملك لله يفعل بنا ما يشاء،
قوله تعالى: {وإنَّآ إلَيْهِ راجِعُونَ} [البقرة (156)]، أي:» وإنا إليه صائرون فنرجو ثوابه «.
تفسير ابن عثيمين: (2) / (179). [بتصرف بسيط].
قال الزجاج:” أي نحن وأموالنا لله ونحن عبيده يصنع بنا ما شاء، وفي ذلك صلاح لنا وخير”
و نحن مصدقون بأنا نبعث ونعطي الثواب على تصديقنا، والصبر على ما ابتلانا به”
معاني القرآن: (1) / (231).
قال أبو حيان:” معناه الإقرار بالملك والعبودية لله، فهو المتصرّف فينا بما يريد من الأمور”.
قال أهل العلم:” إن إسناد الإصابة إلى المصيبة، لا إلى الله تعالى، ليعم ما كان من الله، وما كان من غيره. فما كان من الله فهو داخل تحت قوله: {إنَّا لِلَّهِ}، لأن في الإقرار بالعبودية تفويضًا للأمور إليه، وما كان من غيره فتكليفه أن يرجع إلى الله في الإنصاف منه، ولا يتعدى”
(إليه راجعون) إقرار بالبعث وتنبيه على مصيبة الموت التي هي أعظم المصائب، وتذكير أن ما أصاب الإنسان دونها فهو قريب ينبغي أن يصير له «.
ولِلْمُفَسِّرِينَ في هاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ المَقُولَتَيْنِ أقْوالٌ: أحَدُها: أنَّ نُفُوسَنا وأمْوالَنا وأهْلِينا لِلَّهِ لا يَظْلِمُنا فِيما يَصْنَعُهُ بِنا. الثّانِي: أسْلَمْنا الأمْرَ لِلَّهِ ورَضِينا بِقَضائِهِ، {وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ} يَعْنِي: لِلْبَعْثِ لِثَوابِ المُحْسِنِ ومُعاقَبَةِ المُسِيءِ. الثّالِثُ: راجِعُونَ إلَيْهِ في جَبْرِ المُصابِ وإجْزالِ الثَّوابِ
البحر المحيط: (1) / (451) – (452).
قال الثعلبي: أي» {وإنا إليه راجعون} في الآخرة «.
تفسير الثعلبي: (2) / (23).
قال ابن كثير:” أي: تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة”.
تفسير ابن كثير: (1) / (467) – (468).
قال البيضاوي:» وليس الصبر بالاسترجاع باللسان، بل به وبالقلب بأن يتصور ما خلق لأجله، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما أبقى عليه أضعاف ما استرده منه فيهون على نفسه، ويستسلم له “.
تفسير البيضاوي: (1) / (115).
قال ابن عطية:
[{الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ}
ثُمَّ وصَفَ تَعالى الصابِرِينَ الَّذِينَ بَشَّرَهم بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ} الآيَةُ، وجَعَلَ هَذِهِ الكَلِماتِ مَلْجَأً لِذَوِي المَصائِبِ، وعِصْمَةً لِلْمُمْتَحِنِينَ، لِما جَمَعَتْ مِنَ المَعانِي المُبارَكَةِ وذَلِكَ: تَوْحِيدُ اللهِ، والإقْرارُ لَهُ بِالعُبُودِيَّةِ، والبَعْثُ مِنَ القُبُورِ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمْ يُعْطَ هَذِهِ الكَلِماتِ نَبِيٌّ قَبْلَ نَبِيِّنا، ولَوْ عَرَفَها يَعْقُوبُ لَما قالَ: يا أسَفا عَلى يُوسُفَ. انتهى
المحرر الوجيز: (1) / (228)
قال القرطبي بعد أن ذكر مثل كلام ابن عطية:
الخامسة- قال أبو سنان: دفنت ابني سنانا، وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر، فلما أراد الخروج أخذ بيدي فأنشطني وقال: ألا أبشرك يا أبا سنان، حدثني الضحاك عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول فماذا قال عبدي
فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد (. وروى مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:) ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها (. فهذا تنبيه على قوله تعالى:” وبشر الصابرين” إما بالخلف كما أخلف الله لأم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تزوجها لما مات أبو سلمة زوجها. وإما بالثواب الجزيل، كما في حديث أبي موسى، وقد يكون بهما. السادسة- قوله تعالى:” أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة” هذه نعم من الله عز وجل على الصابرين المسترجعين. وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج: الصلاة من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن. ومن هذا الصلاة على الميت إنما هو الثناء عليه والدعاء له، وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى ……..
وقيل: أراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة. وفي البخاري وقال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة:” الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”. أراد بالعدلين الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الاهتداء. قيل: إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر، وقيل: إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
قال العلامة الأثيوبي:
قوله تعالى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَة}؛ أي: نائبة وشدة مما ذكر، وحلت بهم؛ أي: بشر الصابرين الذين إذا نزل بهم كرب أو بلاءً أو مكروه {قَالُوا} باللسان والقلب جمعًا، لا باللسان فقط، فإن التلفظ بذلك مع الجزع قبح وسخط للقضاء، وذلك بأن يتصور بقلبه ما خلق لأجله، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعم الله تعالى عليه؛ ليرى أن ما أبقى الله تعالى عليه أضعاف ما استرده منه، فهون عليه، ويستسلم {إِنَّا لِلَّهِ} ملكًا وخلقًا وعبدًا؛ أي: نحن عبد الله وأموالنا له، يفعل فينا ما يشاء، لا يسئل عما يفعل {وَإِنَّا إِلَيْهِ}؛ أي: إلى لقائه {رَاجِعُونَ} بالبعث والنشور بعد الموت، وإن لم نرض بقضائه لا يرضى منا أعمالنا.
قال أبو بكر الوراق {إنَّا لله} إقرارٌ منا بالملك له تعالى {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إقرار على أنفسنا بالهلاك …. [الروح والريحان (3) / (48)]