1126 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——–‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1126):
مسند معقل بن يسار رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله: حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مستلم بن سعيد ابن أخت منصور بن زاذان عن منصور يعني ابن زاذان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار قال:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: ((لا))، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ)).
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث صحيح.
===================
الحديث رواه النسائي (3227) وأبو داود (2050)، وصححه ابن حبان (9/ 363) والألباني في ” صحيح الترغيب ” (1921).
قلت سيف بن دورة: قال أبو عوانة في هذا الحديث نظر.
ولو صح فقد حمله العلماء على الاستحباب والا النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بعض نسائه وهن كبيرات فأم سلمة كان عمرها خمس وستين وسودة 56.
ثم الرجل الذي قد يتزوج امرأة لا تلد بنفسه قد يكون كبير في السن أو ليس عنده قدرة مالية على نكاح الصغيرات أما إذا كان عنده القدرة المالية والجسدية فينطبق عليه حديث تزوجوا الولود الودود. ….
سبق في صحيح مسلم التحدث عن نساء قريش فيما يتعلق بالحسب
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث الزَّواجُ سُنَّةُ الأنبياءِ، وقد حثَّنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليه؛ لأنَّ به تَكثيرًا لسَوادِ المسلِمينَ في الدُّنيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ مَعْقِلُ بنُ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: “جاء رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي أَصْبتُ”، أي: وجَدْتُ امرأةً “ذاتَ حَسَبٍ وجمالٍ”، أي: تُميَّزُ بأنَّها جميلةٌ، وأنَّها ذاتُ نَسَبٍ، و”حَسَبٍ” بفتحتين، أي: شرف فضيلة من جهة الآباء أو حسن الأفعال والخصال. “وإنَّها لا تَلِدُ”، أي: ولكِنَّ عَيْبَها أنَّها لا تُنجِبُ الأولادَ، وكأنَّهُ عَلِمَ ذلك بأنَّها كانت قَبْلَه عِنْدَ أزواجٍ فلَمْ تَلِدْ، أو عَلِمَ أنَّها لا تَحيضُ، أو غيرَ ذلك، “أَفأتزَوَّجُها؟ “، أي: فهل أَتزوَّجُها؟ مُسْتنصِحًا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا))، أي: لا تَتزوَّجْها.
قال مَعْقِلٌ: “ثُمَّ أَتاه الثَّانيةَ”، أي: جاء الرَّجُلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألُه في المرأةِ ذاتِها مرَّةً ثانيةً، فنهاه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن زَواجِها، “ثُمَّ أتاه الثَّالثةَ”، أي: سألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للمرَّةِ الثَّالثةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((تَزوَّجوا الوَدُودَ))، أي: الَّتي تُحِبُّ زَوْجَها مَحبَّةً شديدةً، وكثير المحبة للزوج المراد بها البكر أو يعرف ذلك بحال قرابتها وكذا معرفة، ((الوَلودَ))، أي: كثيرةَ الوِلادَةِ، ويُعْرَفُ ذلك بالنَّظرِ إلى نِسائِها القَريبةِ منها؛ كأُمِّها، وأُخْتِها؛ وكثير الولادة يعرف بذلك في البكر واعتبار كونها ودودا مع أن المطلوب كثرة الأولاد كما يدل عليه التعليل لأن المحبة هي الوسيلة إلى ما يكون سببا للأولاد؛ ((فإنِّي مُكاثِرٌ بكُمُ الأُمَمَ))، أي: مُفاخِرٌ بكثرتِكُمُ الأممَ السَّابِقةَ على أنبيائِها يومَ القيامةِ. ((فَإنِّي مُكاثِرٌ بِكُمْ)) الفاء للتعليل؛ أي لأني مكاثر، أي مفاخر بسبب كثرتكم الأنبياء يوم القيامة، كما جاء في رواية ابن حبّان في «صحيحه» رقم (4028) – من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -، قال: كان رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: «تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة». وفي حديث أبي أمامة – رضي الله عنه -، مرفوعًا: «تزوّجوا، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى». حديث حسن بشواهده، رواه البيهقيّ في «السنن الكبرى».
قلت سيف بن دورة: ذكره ابن عدي فيما أنكر على محمد بن ثابت العبدي. لكن ورد في تبتل عثمان بن مظعون وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لم أبعث بالرهبانية.
وراجع الصحيحة 1782
ومن الطرق الصحيحة
ما أخرجه الدارمي
أخرجه الدارمي (2308) قال: حدثنا محمد بن يزيد الحزامي، قال: حدثنا يونس بن بكير،
ابن إسحاق قال حدثني الزهري
عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال:
«لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم، فقال: يا عثمان، إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي؟ قال: لا، يا رسول الله، قال: إن من سنتي أن أصلي وأنام، وأصوم وأطعم، وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان، إن لأهلك عليك حقا، ولعينيك عليك حقا».
قال سعد: فوالله، لقد كان أجْمَع رجالٌ من المسلمين، على أن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم، إن هو أقر عثمان على ما هو عليه، أن نختصي فنتبتل.
وكذلك
– عن عروة بن الزبير، عن عائشة، زوج النبي صَلى الله عَليه وسَلم، قالت:
«دخلت علي خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وكانت عند عثمان بن مظعون، قالت: فرأى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم بذاذة هيئتها، فقال لي: يا عائشة، ما أبذ هيئة خويلة؟ قالت: فقلت: يا رسول الله، امرأة لا زوج لها، يصوم النهار، ويقوم الليل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم إلى عثمان بن مظعون فجاءه، فقال: يا عثمان، أرغبة عن سنتي؟ قال: فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر، وصل ونم» أخرجه أحمد وأخرجه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة
وذكر محققو مسند الإمام أحمد هذه الشواهد واثبتوا أن عروة سمعه من عائشة … تحت تخريج حديث أبي أمامة 22291
ومثل ذلك قصة سلمان مع أبي الدرداء
__
تنبيه: من الفهوم الخائطة في الباب قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: قوله: «ولود»، أي: كثيرة الولادة، وهذا ظاهره يتناقض مع قوله: «بكر»؛ لأن البكر ما ولدت حتى نعلم أنها ولود أم لا، ولكن لا تناقض، ويمكن معرفة هذا بمعرفة قريباتها، فإذا كانت من نساء عرفن بكثرة الولادة فالغالب أنها تكون مثلهن، فيختار المرأة التي عرفت قريباتها بكثرة الولادة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك فقال: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة»؛ ولأن كثرة الأمة عِزٌّ لها، وإياك وقول الماديين الذين يقولون: إن كثرة الأمة يوجب الفقر، والبطالة، والعطالة، بل والكثرة عِزٌّ امتَنَّ الله به على بني إسرائيل، حيث قال: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6]، وذَكَّر شعيب عليه الصلاة والسلام قومه بها، حيث قال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86].
فكثرة الأمة عِزٌّ، لا سيما إذا كانت أرضهم قابلة للحراثة، والزراعة، والصناعة، بحيث يكون فيها مواد خام للصناعة وغير ذلك، وليس ـ والله ـ كثرة الأمة سبباً للفقر والبطالة أبداً.
لكن ـ مع الأسف ـ أن بعض الناس ـ الآن ـ يختار المرأة التي يمكن أن تكون عقيماً، فهي أحب من الولود، ويحاولون أن لا تلد نساؤهم إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات من الزواج وما أشبه ذلك، وهذا خطأ؛ لأنه خلاف مراد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويقولون أحياناً: إن تربيتهم تشق، فنقول: إذا أحسنتم الظن بالله أعانكم الله.
ويقولون أحياناً: إن المال الذي عندنا قليل، نقول لهم: {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، وأحياناً يرى الإنسان الرزق ينفتح إذا ولد له، وقد حدثني من أثق به ـ وهو رجل يبيع ويشتري ـ يقول: إني منذ تزوجت فتح الله علي باب رزق، ولما ولد ولدي فلان انفتح باب رزق آخر، وهذا معلوم؛ لأن الله يقول {وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، ويقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151]، وقال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31]، وقال: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]، فالحاصل أن هذه العلة وهي ـ كون الأولاد سبباً للفقر ـ خطأ.
قد يقول قائل: أنا أحب أن تبقى زوجتي شابة فلا أحب أن تلد. فنقول: هذا غرض لا بأس به، لكن الولادة، أو كثرة الأولاد أفضل من ذلك.
ولو قال قائل: أنا أريد أن أنظم النسل، بمعنى أن أجعل امرأتي تلد كل سنتين مرة، فهل يجوز أو لا؟ الجواب: هذا لا بأس به، وقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يعزلون في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والعزل لا شك أنه يمنع من الحمل غالباً. انتهى. [الشرح الممتع]
الوجه الثاني: المسائل المتعلقة بـ
أولاً: قال ابن قدامة رحمه الله:
” والناس في النكاح على ثلاثة أضرب:
منهم: من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور أن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح.
الثاني: من يُستحب له، وهو له شهوة يأمن معها الوقوع في المحظور؛ فهذا الاشتغال به أولى من التخلي لنوافل العبادة، وهو قول أصحاب الرأي، وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم.
قال ابن مسعود: لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوما، وليَ طَوْل النكاح فيهن [أي: القدرة عليه]، لتزوجت مخافة الفتنة.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟
قُلْتُ: لا!!
قَالَ: فَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. رواه البخاري (5069)
وقال إبراهيم بن ميسرة: قال لي طاوس: لتنكحن، أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور!! ” انتهى. وسيأتي القسم الثالث في حينيه -إن شاء الله تعالى-.
ثانياً: رغَّب الرسول صلى الله عليه وسلم بنكاح المرأة الولود، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ , إِنِّي مُكَاثِرٌ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أحمد (12202)، وصححه ابن حبان (3/ 338) والهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (4/ 474).
وقال شمس الدين آبادي رحمه الله:” (الودود) أي: التي تحب زوجها. (الولود) أي: التي تكثر ولادتها، وقيد بهذين؛ لأن الولود إذا لم تكن ودوداً لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهن، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض” انتهى. [” عون المعبود ” (6/ 33، 34)].
ثالثاً: وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التزوج من العقيم، لحديث مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه
رابعاً: وهذا النهي ليس للتحريم، وإنما على سبيل الكراهة فقط، فقد ذكر العلماء أن اختيار الولود مستحب وليس واجباً.
قال ابن قدامة في “المغني”:” وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْوِلَادَةِ ” انتهى.
وقال المناوي في “فيض القدير” (6/حديث 9775):” تزوج غير الولود مكروه تنزيهاً ” انتهى. وقد بوب الأئمة على أحاديث الباب كما بوب أبو داوود في كتاب النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء رقم (2050)، والنسائي، كتاب النكاح، باب كراهية تزويج العقيم، رقم (3227). و” «العَقيم»: هو الذي لا يولد له، يُطلق على الذكر والأنثى، وعَقِمَتِ الرَّحِمُ عَقَمًا، من باب تَعِبَ، ويتعدّى بالحركة، فيقال: عَقَمَها اللَّه عَقْمًا، من باب ضرب، والاسم العُقْم، مثلُ قُفْل، ويُجمع الرجل على عُقَماء، وعِقام، مثلُ كَريم، وكُرَماء، وكِرام، وتُجمَع المرأة على عَقائِم، وعُقُم -بضمّتين-. قاله الفيّوميّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب”. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى – محمد آدم الأثيوبي].
خامساً: وكما يجوز للمرأة أن تتزوج من الرجل العقيم، فكذلك يجوز للرجل أن يتزوج من المرأة العقيم.
جاء في “الفتح”:” أما من لا ينسل ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع، فهذا مباح في حقه (يعني: النكاح) إذا علمت المرأة بذلك ورضيت” انتهى.
فأما العاجز عن الوطء الذي لا تحصل في حقه مقاصد النكاح فقد ذكر ابن قدامة رحمه الله تعالى فيه وجهين، قال: “القسم الثالث: من لا شهوة له؛ إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعنين، أو كانت له شهوة فذهبت بِكِبَر أو مرض ونحوه؛ ففيه وجهان:
أحدهما: يستحب له النكاح لعموم ما ذكرنا.
والثاني: التخلي له أفضل؛ لأنه لا يحصل مصالح النكاح، ويمنع زوجته من التحصين بغيره، ويضر بها بحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه .. “.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ” وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه، وقال ينبغي للرجل أن يتزوج فإن كان عنده ما ينفق أنفق، وإن لم يكن عنده صبر .. وهذا في حق من يمكنه التزويج، فأما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله). انتهى من المغني (9/ 341 – 344) باختصار، وتصرف يسير.
فائدة: مجلة مجمع الفقه الإسلامي: وفى رأينا – والله أعلم – أن الدليل المتضمن في هذا الحديث يتعلق بالنهي عن قطع النسل وليس فيه دعوة إلى العمل على زيادة عدد السكان لمجرد التزايد، والقرائن التالية تدل – إن شاء الله – على صحة ما نرمي إليه:
(1) – يروى الحديث كرد من الرسول – صلى الله عليه وسلم – على من سأله عن رغبته في زواج الجميلة التي لا تلد، وهذا مهم لفهمنا للمعنى المتضمن في هذا الحديث، فالرسول – صلى الله عليه وسلم – ينهاه عن قطع نسله بالزواج من العقيم، وهذا هو المعنى الذي فهمه أكثر رواة الحديث ولذلك نجد أن النسائي رحمه الله قد أدرجه في باب «كراهية تزويج العقيم»، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه في باب «النهي في تزويج من لم تلد من النساء»، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده في باب «صفة المرأة التي يستحب خطبتها»، فالواضح أن المعنى في الحديث لا ينصرف للدعوة إلى تكثير السكان، وإنما إلى النهي عن قطع النسل.
(2) – والراجح أن هذا كان فهم الصحابة رضوان الله عليهم للحديث. إذ لو أنهم فهموا منه الدعوة إلى تكثير السكان لمجرد العدد وأن على ولي الأمر مسئولية فعل ذلك، لكان الخلفاء منهم رضي الله عنهم قد اتخذوا خطوات عملية بهذا الصدد مثل الحث على زيادة الأولاد أو دفع المكافآت لهذا العمل أو الدعوة إلى تعدد الزوجات … إلخ. ولكننا لا نعرف في السياسات التي اتبعها الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم في عهود التابعين ما يدل على أن على ولي الأمر أن يعمل على زيادة عدد السكان بالتوالد.
(3) – إن كلمة (الولود) معناها الوالدة، كما قال الأعرابى للجاحظ في القصة المشهورة (كل أذون ولود وكل صموخ بيوض) فجعل الولود أي التي لا تبيض وإنما تحمل وتلد ((1)). والولود تعني أيضا كثيرة الولد.
والذين يدعون إلى ضرورة زيادة عدد السكان لمجرد التكاثر يصرفون معنى الولود في الحديث إلى كثيرة الولد، والأرجح أن المعنى إنما ينصرف إلى عكس العقيم، أي المرأة التي تحمل وتلد لأن سؤال الصحابي كان عن العقيم، ومن ثم لا يكون معنى الحديث الطلب إلى المسلم أن يستغل كل طاقاته التناسلية في إنجاب الأطفال بل مجرد النهي عن قطع النسل.
((1)) انظر في ذلك معجم محيط المحيط لبطرس البستاني، بيروت، مكتبة لبنان (1983) ص (984) مادة ولد، ومعاجم اللغة جميعها تورد لكلمة ولد معنيين، الأول الوالدة والثاني كثيرة الولد. [مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5) / (234)] مكتبة الشاملة “تراث”.
الوجه الثالث: في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف أي: النسائي -رحمه الله تعالى-، وهو كراهية نكاح العقيم.
(ومنها): شدة حرص النبيّ – صلى الله عليه وسلم – في كثرة عدد أمته، حتى يفاخر بهم الأنبياء السابقين. [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى – محمد آدم الأثيوبي]
(ومنها): التَّرغيبُ في التزويجِ بالودودِ الولودِ؛ لِمَا في ذلك مِن نفْعٍ يَعودُ على الزوجِ والأُمَّةِ في الدُّنيا والآخرةِ.
تنبيه:
ذكر غير واحد من أهل العلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يتزوج حتى مات، قال الذهبي في “ترجمته” (ص10): ” له شهامة وقوة نفسٍ توقعه في أمورٍ صعبةٍ، ويدفع الله عنه، وله نظمٌ قليلٌ وسطٌ، ولم يتزوج ولا تسرى ” انتهى.
ولم يترك رحمه الله النكاح رغبة عنه وتركا للسنة، ولكنه كان مشغولا بالجهاد والعلم ومحاربة البدعة وأهلها والدعوة والإصلاح والتربية، مع ما كان فيه من الشدة، وما لاقاه من الاضطهاد والحبس والضرب والأذى والاغتراب، فآثر العلم والتربية والجهاد على النكاح، الذي كان ربما لا يتيسر له؛ لما كان عليه من شدة الحال.
وقد قال شيخ الإسلام نفسه:
” وإن احتاج الإنسان إلى النكاح، وخشي العنت بتركه: قدمه على الحج الواجب.
وإن لم يخف: قدم الحج. ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح وغيره، واختاره أبو بكر.
وإن كانت العبادات فرض كفاية، كالعلم والجهاد: قدمت على النكاح إن لم يخش العنت “.
انتهى، من “الاختيارات” لأبي العباس البعلي (175).
وينظر أيضا: “شرح العمدة” لشيخ الإسلام، كتاب الحج (1/ 155)، “مطالب أولي النهى” (5/ 5).
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
هل عدم زواج شيخ الإسلام رحمه الله هو من قبيل التبتل والتشدد؟
فأجاب:
” إذا صار هذا السائل مثل شيخ الإسلام في جهاده وعلمه، وصار الزواج يعوقه عن الدعوة وعن الجهاد: فهو معذور.
شيخ الإسلام إنما تركه: لأنه مجاهد في سبيل الله، وأيضا مطارد ويسجن ويعذب، وهو لم يتفرغ للزواج ” انتهى.
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
” يذكر مترجموه أنه لم يتزوج ولم يتسر، كما في تاريخ ابن الوردي (2/ 411) وغيره.
فهل عزوبته رحمه الله تعالى إيثارا للعلم؟ أم للعبادة واللهج؟ أم للجهاد والغزو؟ أم لمكاسرة المتعصبة للمذهبية؟ أم لفض جموع الغلو والطرقية؟ أم لمقارعة الخصوم؟ أم بسبب ما جناه عليه خصوم الكتاب والسنة من السجن والإيذاء؟ وكم؟ وكم؟
وهو رحمه الله تعالى ثابت الجأش، فرح النفس، قرير العين ” انتهى، من “النظائر” (ص 257 – 258)
والله أعلم