4737 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——–”
——-‘——‘——–‘
صحيح مسلم: كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، بَابُ تَحْرِيمِ سَبِّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
4737 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ – قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا – أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ)).
4738 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ)).
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَوَكِيعٍ، ذِكْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
==========
نقل النووي تعقب أبي مسعود الدمشقي على مسلم في ايراده الحديث عن أبي هريرة. ونقل كذلك كلام الدارقُطني.
لكن الملاحظ أن مسلما ربما أخطأ في الكتابة لأنه ذكر الأسانيد آخر الباب عن شعبة ووكيع عَنِ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا
أو الخطأ يكون ممن هو دون مسلم.
وسيأتي في آخر الشرح بيان صاحبنا أبي صالح حازم حول الطرق.
تمهيد:
إن سب المسلم ولعنه من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، بل سب الحيوان ولعنه من الذنوب الكبيرة، وكلما ارتفعت قيمة المسبوب ارتفعت الجريمة وغلظت، لهذا جاء في الصحيح إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويلعن أمه.
والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أفضل أهل الأرض بعد الأنبياء والرسل، فخير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم، لما قدموا للإسلام من خدمات يصغر معها ما يقدم من غيرهم، وقد علم صلى الله عليه وسلم أن الصحابة سيقع بينهم حروب، وتختلف وجهات النظر في الحكم على أعمالهم، فحسم المادة، ونهى عن سبهم ولعنهم، وأمام المسلم أمران، إما أن يمدحهم ويذكر أفضالهم، وإما أن يسكت إذا أحس خطأ من أخطائهم، رضي الله عنهم أجمعين.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي) كذا بالتكرير في الرواية الأولى، وفي الرواية الثانية كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحدا من أصحابي.
بدون تكرير، وقد وضحت هذه الرواية المخاطب، بقوله: لا تسبوا وهو وإن كان الضمير فيه جمعا، لكن المقصود به واحد، وهو خالد، وغيره يجري عليه النهي بطريق القياس؛ لأنه إذا نهى الصحابي صاحب الفضل عن أن يسب، نهى غير صاحب الفضل من باب أولى، ويحتمل أن يكون الخطاب لكل من يتأتى خطابه، في أي زمان، وأي مكان، أي لا تسبوا معشر المكلفين من المسلمين أصحابي، وقد روي أن مناقشة دارت في التفاضل بين السابقين إلى الإسلام وفضلهم، وبين اللاحقين، وكان خالد ممن تأخر إسلامهم، فغضب وسب.
(فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) قال الحافظ ابن حجر: فيه إشعار بأن المراد بقوله أصحابي أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال أحدكم وهذا كقوله {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10]، ومع ذلك فنهي بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه بذلك، عن سب من سبقه، يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يخاطبه عن سبه من سبقه من باب أولى.
وفي رواية (لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا) وهذه الزيادة حسنة، والمد مكيال يعدل حفنة – بكف الرجل المعتدل، والنصيف بوزن رغيف هو النصف، وقيل: النصيف مكيال دون المد، وحكى الخطابي أنه روي مد أحدهم بفتح الميم.
قال: والمراد به الفضل والطول.
قال البيضاوي: معنى الحديث: لا ينال أحدكم – بإنفاق مثل أحد ذهبا – من الفضل والأجر، ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية.
قال الحافظ ابن حجر: وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك، لشدة الاحتياج إليه.
قلت مع ضيق ذات اليد، ووقوعه في وقت شدة وعسر.
قال: وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال، كما وقع في الآية: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته، وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما، لشدة الحاجة إليه، وقلة المعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك، لأن المسلمين صاروا كثرة بعد الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم. [فتح المنعم]
الحسنى: الجنة؛ كذا قال مجاهد وقتادة” (انظر تفسير ابن جرير الطبري: 2/ 127).
[2] الأَمَنَة: هي الأمان.
[3] المد: قال في لسان العرب: المُد: ضرب من المكاييل، وهو ربع صاع، وهو قدر مد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أقوالًا أخرى،
وقال: وقيل: “إن أصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعامًا، ونقل الحافظ ابن حجر في “الفتح” (7/ 34) عن البيضاوي قوله: “معنى الحديث: لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبًا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مُد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية، قلت: (القائل: الحافظ): وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك؛ لشدة الاحتياج إليه، وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال؛ كما وقع في الآية: {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]، فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته؛ وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيمًا؛ لشدة الحاجة إليه، وقلة المعتني به، بخلاف ما وقع بعد ذلك؛ لأن المسلمين كثروا بعد الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم، والله أعلم.
وقوله: نصيفه، قال الترمذي: “أي: نصف المد”.
—–
—–
ثانيًا: فقه الحديث:
الوجه الأول: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة رضي الله عنهم.
سبق ذكر ما يتعلق بهذا، وسيكون الحديث فيما يتعلق بالباب على النحو التالي:
أولا: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام مجملا:
الأول: وجوب محبتهم.
الثاني: إثبات عدالتهم.
الثالث: سلامة ألسنتهم وقلوبهم للصحابة.
الرابع: أهل السنة يمسكون عما شجر بين الصحابة.
الخامس: الدعاء والاستغفار لهم.
السادس: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم.
السابع: إثبات الخلافة للخلفاء الراشدين حسب ترتيبهم في الفضل.
فرع: عدالة الصحابة رضي الله عنهم: من المعلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة: أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عدول، وهذه من مسائل العقيدة القطعية، ومما هو معلوم من الدين بالضرورة، والأدلة على ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم”.
أولًا: الأدلة من القرآن الكريم على عدالة الصحابة: تجد أن رب العالمين في كثير من الآيات القرآنية يثني على الصحابة، ويترضى عنهم؛ قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]، فتجد في هذه الآية أن الله تعالى زكى بواطنهم وما في قلوبهم، وهذا لا يعلمه إلا الله؛ لذا ترضى عنهم، يقول ابن حزم رحمه الله تعالى كما في “الفصل في الملل والنحل” (4/ 148):
“فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم البتة”؛ اهـ.
وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: “وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور”؛ (زاد المسير: 1/ 204).
• وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في “الصارم المسلول” (ص572):
“فرَضِيَ عن السابقين عن غير اشتراط إحسان، ولم يرضَ عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان”؛ اهـ.
• وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [1] [الحديد: 10].
وقد استدل ابن حزم رحمه الله تعالى بهذه الآية على: “أن الصحابة جميعًا من أهل الجنة؛ لقوله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]؛ (الفصل في الملل والنحل: 4/ 148).
• وقال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59].
يقول سفيان الثوري والسدي في هذه الآية: “هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”؛ (تفسير ابن كثير: 3/ 503).
وقال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6].
يقول قتادة رحمه الله تعالى في هذه الآية: “هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”؛ (تفسير الطبري: 22/ 44).
وهناك كثير من الآيات التي تبين مكانة الصحابة ورفعة درجاتهم، كيف لا؟ وهم الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأبنائهم وأموالهم، وقاتلوا دونه، ورفعوا رايته، وأعزوا سنته، ونصروا شريعته.
• يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
“من كان منكم متأسيًا، فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه؛ فاعرِفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”؛ (جامع بيان العلم وفضله: 2/ 947).
—–
ثانيًا: الأدلة من السنَّة المطهرة على عدالة الصحابة: فكما أثنى رب العالمين على الصحابة أجمعين، فكذلك أثنى عليهم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم … ))؛ الحديث.
• ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّهم، وحذر من الطعن فيهم.
1) فقد أخرج الطبراني في “الكبير” عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سب أصحابي، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين))؛ (الصحيحة: 2340) (صحيح الجامع: 6285). صححه باسنادين ضعيفين وثالث مرسل عن عطاء. وانظر كلام العقيلي في الحديث التالي
2) وأخرج الطبراني أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: ((لعن اللهُ من سب أصحابي))؛ (صحيح الجامع: 5111).
ونقل الشيخ الألباني في الضعيفة 3157 عن العقيلي انه قال في ترجمة عبدالله بن سيف وذكر هذا الحديث: … عبد الله بن سيف حديثه غير محفوظ وهو مجهول بالنقل وفي النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ثابتة الأسانيد من غير هذا الوجه وأما اللعن فالرواية فيه لينة وهذا يروى عن عطاء مرسل.
قال الذهبي: صوابه مرسل. وقال ابن عدي: رأيت له غير حديث منكر.
3) وأخرج الطبراني كذلك عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا))؛ (صحيح الجامع: 545).
قلت سيف بن دورة: محتمل أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
نقل الألباني في الصحيحة عن ابن رجب أنه قال: روي من وجوه في اسانيدها كلها مقال. انتهى
وكذلك قال ذلك البيهقي
قال الألباني وكل طرقه ضعيفة وجدا ما عدا الأول فلا يتقوى ثم قال: وجدت له شاهدا مرسلا أخرجه عبدالرزاق في الأمالي حدثنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا به
والطريق الأولى التي فيها ضعف هي حديث ابن مسعود وفيه مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني قال البخاري: فيه بعض النظر. قال العراقي إسناده حسن
ولم أجده في كتاب الشيخ مقبل الجامع الصحيح في القدر فقد لا يتقوى عنده.
لكن محتمل أن يكون على شرط المتمم على الذيل حيث قول البخاري بعض النظر ليست تضعيفا شديد.
4) وأخرج ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).
وسيأتي أن الحديث يصلح على شرط الذيل على الصحيح المسند
5) وأخرج “البخاري ومسلم” عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا … ))
6) وأخرج البخاري في “التاريخ” والترمذي – بسند فيه مقال – عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهَ الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرَضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله أوشك أن يأخذه”.
وإن كان الحديث ضعيفًا إلا أن المعنى صحيح، ويشهد لمعناه الأحاديث السابقة؛ لأن من سب الصحابة فقد رد ثناء الله عليهم، وكذَّب بصريح القرآن، وبكلام الحبيب العدنان صلى الله عليه وسلم.
7) وأخرج الإمام الإمام مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((النجوم أمنة للسماء … )).
8) وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم في “السنة” عن واثلة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحبني))؛ (حسنه الحافظ في الفتح: 7/ 5). ويشهد لمعناه حديث يغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: نعم.
9) وأخرج الإمام أحمد والنسائي والحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم)). و أخرجه عبدالرزاق 11/ 341 عن معمر عن عبدالملك بن عمير عن عبدالله بن الزبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم فقال: أكرموا أصحابي فإنهم خياركم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر فيهم الكذب. … إلخ. وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لرسالة الشافعي
ذكره العقيلي في ترجمة عمران بن عيينة وأنه وهم في قوله عن عبدالملك بن عمير عن ربعي بن حراش قال خطبنا عمر ….. ثم ذكر أن معمر ويونس بن أبي إسحاق وابوعوانة وحسين بن واقد وقزعة بن سويد وغيرهم عن عبدالملك بن عمير عن عبدالله بن الزبير عن عمر …… ثم ذكر أوجه أخرى ولم يرجح لكن هذه الرواية هي رواتها الأكثر والاوثق فلعله يصلح أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند.
10) وأخرج ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا عليه قال: “لا تسبوا أصحاب محمد؛ فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة”.
• وفي رواية: “خير من عمل أحدكم عمره”.
وهناك أحاديث كثيرة جدًّا تدل على فضائل الصحابة، وقد جمع الإمام أحمد رحمه الله تعالى في كتابه “فضائل الصحابة ” مجلدين، قريبًا من ألفي حديث وأثر، وهو أجمع كتاب في بابه.
وسيأتي ذكر أدلة الباب إن شاء الله تعالى.
——-‘——-
ثانيًا: من عقيدة أهل السنة والجماعة نحو الصحابة
سلامة ألسنتهم وقلوبهم للصحابة – كما مر -، ويتفرع منه: تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، والحديث في هذا على النحو التالي:
1 – تمهيد فمن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة، وسلامة ألسنتهم من كل قول لا يليق بهم.
فقلوبهم سالمة من ذلك، مملوءة بالحب والتقدير والتعظيم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بهم.
فهم يحبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويفضلونهم على جميع الخلق، لأن محبتهم من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من محبة الله، وألسنتهم أيضاً سالمة من السب والشتم واللعن والتفسيق والتكفير وما أشبه ذلك مما يأتي به أهل البدع، فإذا سلمت من هذا، ملئت من الثناء عليهم والترضي عنهم والترحم والاستغفار وغير ذلك.
[شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – ص 2/ 247].
الأدلة الواردة في تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم: سبق إيراد شيء من ذلك
أولا: الأدلة على تحريم سبهم من القرآن
إن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بنص الكتاب العزيز وهو ما تعتقده وتدين به الفرقة الناجية من هذه الأمة، وقد جاءت الإشارة إلى تحريم سبهم في غير ما آية من كتاب الله – جل وعلا – من ذلك:
(1) قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] الآية.
ووجه دلالة الآية على تحريم سبهم أنه قد بين تعالى في آخر هذه الآية أن هؤلاء الذين رضي الله عنهم هم من أهل الثواب في الآخرة يموتون على الإيمان الذي به يستحقون ذلك حيث قال: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] ولذا لما كان هؤلاء الأخيار بهذه المنزلة العظيمة والمكانة الرفيعة أمر الله من جاء بعدهم أن يستغفروا لهم ويدعوا الله ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، ومن هنا علم أن الاستغفار وطهارة القلب من الغل لهم أمر يحبه الله ويرضاه، ويثني على فاعله كما أنه قد أمر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].
وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، ومحبة الشيء كراهية لضده، فيكون الله يكره السب لهم، الذي هو ضد الاستغفار، والبغض لهم الذي هو ضد الطهارة، وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها: (أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم) (رواه مسلم (3022)) [انظر: ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (ص: 572 – 575)].
(2) قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب: 57].
هذه الآية تضمنت التهديد والوعيد بالطرد والإبعاد من رحمة الله والعذاب المهين لمن آذاه – جل وعلا – بمخالفة أوامره وارتكاب زواجره وإصراره على ذلك [((تفسير ابن كثير)) (5/ 514)]، وإيذاء رسوله (يشمل كل أذيّة قولية أو فعلية من سب وشتم أو تنقص له أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى) [((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (6/ 121)]. ومما يؤذيه صلى الله عليه وسلم سب أصحابه وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن إيذاءهم إيذاء له، ومن آذاه فقد آذى الله [الحديث رواه الترمذي (3862). وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي))]، وأي أذية للصحابة أبلغ من سبهم فالآية فيها إشارة قوية ظاهرة إلى أنه يحرم سبهم رضي الله عنهم.
تنبيه: سبق بيان أن الحديث معناه صحيح
(3) قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58].
وهذه الآية فيها التحذير من إيذاء المؤمنين والمؤمنات بما ينسب إليهم مما هم منه براء لم يعملوه، ولم يفعلوه، والبهتان الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم. [((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 514 – 515)]
ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم أنهم في صدارة المؤمنين فإنهم المواجهون بالخطاب في كل آية مفتتحة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة: 104]، ومثل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [الكهف: 107] في جميع القرآن
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند هذه الآية: (ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم، فإن الله – عز وجل – قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبداً فهم في الحقيقة منكسوا القلوب يذمون الممدوحين ويمدحون المذمومين) (((تفسير ابن كثير)) (5/ 515)) اهـ.
وكما هو معلوم (أن سب آحاد المؤمنين موجب للتعزير بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ وتعزير من سب العلماء وأهل الدين أعظم من غيرهم) (((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (6/ 121)).
(4) قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ في وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ في التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ في الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] الآية.
ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم أنه لا يسبهم شخص إلا لما وجد في قلبه من الغيظ عليهم، وقد بين تعالى في هذه الآية إنما يغاظ بهم الكفار، فدلت على تحريم سبهم، والتعرض لهم بما وقع بينهم على وجه العيب لهم.
قال أبو عبد الله القرطبي: (روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير: كنا عند مالك بن أنس، فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ حتى بلغ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)، فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية) – ثم قال -: (لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين، ثم ذكر طائفة من الآيات القرآنية التي تضمنت الثناء عليهم والشهادة لهم بالصدق والفلاح، ثم قال عقبها: “وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم) (((الجامع لأحكام القرآن)) (16/ 296 – 297)، وانظر قول مالك في ((شرح السنة)) للبغوي (1/ 229)) اهـ.
فهذه الآية اشتملت على تحريم سب الصحابة، لأن سبهم إنما يصدر ممن امتلأ قلبه غيظاً عليهم، لا محل فيه للإيمان [انظر ما قاله الإمام مالك فيمن يسب الصحابة في ((تفسير ابن كثير)) (5/ 365)]، نعوذ بالله من الخذلان.
(5) قوله تعالى: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات: 12].
وجه الدلالة: أن سبهم وازدراءهم والتنقص من مكانتهم الرفيعة التي أنزلهم الله فيها إنما هو من البهت
(6) قوله تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة يتضح بما قاله السلف في تفسير هذه الآية، فقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه بعد أن سئل عن قوله: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ، قال: (طعان، لمزة، قال: مغتاب) [((الدر المنثور)) (8/ 624)].
وقال مجاهد: (الهمزة الطعان في الناس، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس) [((الدر المنثور)) (8/ 624)].
وقال قتادة: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ قال: تهمزه في وجهه وتلمزه من خلفه … ) [((الدر المنثور)) (8/ 624)]
وسبق أن غيبة المؤمنين لا تجوز فالصحابة من باب أولى.
—–
ثانيا: الأدلة من السنة على تحريم سب الصحابة
لقد دلت السنة النبوية المطهرة على تحريم سب الصحابة والتعرض لهم بما فيه نقص وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في ذلك لأن الله – تعالى – اختارهم لصحبة نبيه ونشر دينه وإعلاء كلمته، وبلغوا الذروة في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا له وزراء وأنصاراً يذبون عنه وسعوا جاهدين منافحين لتمكين الدين في أرض الله حتى بلغ الأقطار المختلفة ووصل إلى الأجيال المتتابعة كاملاً غير منقوص، ولمقامهم الشريف ولما لهم من القيام التام بأنواع العبادات، وصنوف الطاعات والقربات جاءت النصوص النبوية القطعية بتحريم سبهم وتجريحهم أو الطعن فيهم والحط من قدرهم ومن تلك النصوص:
(1) حديث أبي سعيد في الصحيحين
(2) وعند الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: ((كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهباً أو مثل الجبال ذهباً لما بلغتم أعمالهم)) [رواه أحمد (3/ 266) (13839). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 19): رجاله رجال الصحيح، وقال الشوكاني في ((در السحابة)) (38): إسناده رجاله رجال الصحيح. وصحح الألباني إسناده على شرط البخاري في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1923)].
قلت سيف بن دورة: يصلح أن يكون على شرط الذيل على أحاديث معلة حيث رجح ابن معين أن الراجح فيه أنه عن الحسن مرسلا وبين ذلك لأحمد بن يونس فقال: هكذا في كتابي. تاريخ ابن معين 2642. وكذلك رجح المرسل ابوحاتم العلل 25
هذان الحديثان اشتملا على النهي والتحذير من سب الصحابة رضي الله عنهم، وفيهما التصريح بتحريم سبهم، وقد عد بعض أهل العلم سبهم (من المعاصي الكبائر) [انظر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (16/ 93).]
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون) [انظر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (16/ 93)]
والنهي في هذين الحديثين المتقدمين كان موجهاً من النبي صلى الله عليه وسلم لمن كانت له صحبة متأخرة، أن يسب من كانت له صحبة متقدمة (لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية، وإن كان قبل فتح مكة، فكيف حال من ليس من الصحابة بحال مع الصحابة رضي الله عنهم) [((شرح الطحاوية)) (ص: 529 – 530)]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإن قيل: فلم نهى خالداً عن أن يسب أصحابه إذ كان من أصحابه أيضاً؟ وقال: ((لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) [رواه مسلم (2541)].
قلنا: لأن عبد الرحمن بن عوف ونظراءه هم من السابقين الأولين الذين صحبوه في وقت كان خالد وأمثاله يعادونه فيه، وأنفقوا أموالهم قبل الفتح وقاتلوا وهم أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى، فقد انفردوا من الصحبة بما لم يشركهم فيه خالد ونظراؤه ممن أسلم بعد الفتح الذي هو صلح الحديبية وقاتل، فنهى أن يسب أولئك الذين صحبوه قبله، ومن لم يصحبه قط نسبته إلى من صحبه كنسبة خالد إلى السابقين وأبعد.
وقوله: ((لا تسبوا أصحابي)) خطاب لكل أحد أن لا يسب من انفرد عنه بصحبته عليه الصلاة والسلام، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ((أيها الناس إني أتيتكم، فقلت: إني رسول الله إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت. فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟)) [رواه البخاري (3661). من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه] .. أو كما قال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، قال ذلك لما عاير بعض الصحابة أبا بكر، وذلك الرجل من فضلاء أصحابه ولكن امتاز أبو بكر عنه بصحبته وانفرد بها عنه) [((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (ص: 576 – 577)] اهـ.
فالنهي عن سبهم عام لكل من وجد على ظهر الأرض أيا كان عن أن يسب أي واحد من الصحابة.
قال المناوي بعد قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((دعوا لي أصحابي)): (الإضافة للتشريف تؤذن باحترامهم وزجر سابهم … ((أنفقتم مثل أحد ذهباً ما بلغتم أعمالهم)) أي: ما بلغتم من إنفاقكم بعض أعمالهم لما قارنها من مزيد إخلاص وصدق نية وكمال يقين، وقوله: ((أصحابي)) مفرد مضاف فيعم كل صاحب له لكنه عموم مراد به الخصوص … يدل على أن الخطاب لخالد وأمثاله ممن تأخر إسلامه وأن المراد هنا متقدموا الإسلام منهم الذي كانت له الآثار الجميلة والمناقب الجليلة في نصرة الدين من الإنفاق في سبيل الله واحتمال الأذى في سبيل الله ومجاهدة أعدائه، ويصح أن يكون من بعد الصحابة مخاطباً بذلك حكماً إما بالقياس أو بالتبعية) [((فيض القدير)) للمناوي (3/ 531)].
(4) روى الحافظ الطبراني بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، لعن الله من سب أصحابي)) [رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5/ 94) (4771). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 24): رجاله رجال الصحيح غير علي بن سهل وهو ثقة، وقال الشوكاني في ((در السحابة)) (ص: 30): رجاله رجال الصحيح غير علي بن سهل وهو ثقة].
(5) وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) [رواه الطبراني (12/ 142) (12740). وحسنه محمد جار الله الصعدي في ((النوافح العطرة)) (383)، والألباني بمجموع طرقه في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2340)].
(6) وروى أيضاً: بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله من سب أصحابي)) [رواه الطبراني (12/ 434) (13622). وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5111)].
هذه الأحاديث الثلاثة مشتملة على لعن من سب الصحابة ودلت على أن سبهم من الكبائر، وقد جمع الإمام الذهبي الذنوب التي هي كبائر وعد سب الصحابة منها [انظر كتاب ((الكبائر للذهبي)) (ص: 233 – 237)]،
تنبيه: سبق تخريج هذه الأحاديث الثلاثة في أول البحث
وتحريم سبهم يشمل من لابس الفتن ومن لم يلابسها، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون فسبهم كبيرة ونسبتهم إلى الضلال أو الكفر كفر) [((فيض القدير)) للمناوي (6/ 146 – 147)].
(7) روى الإمام أحمد وغيره من حديث سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من أربى الربا الاستطالة على عرض المسلم بغير حق)) [رواه أبو داود (4876)، وأحمد (1/ 190) (1651). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 308): رواة أحمد ثقات، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 153): رجال أحمد رجال الصحيح غير نوفل بن مساحق وهو ثقة، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 451) كما أشار إلى ذلك في المقدمة].
فكل من أطلق لسانه بالسب لهم فهو مستطيل عليهم بغير حق وهو أفاك أثيم إذ لفظ المسلم في الحديث أول ما ينطلق عليهم إذ هم مقدمة المسلمين الذين انقادوا لله تعالى بالطاعة وأخلصوا العبادة له وحده لا شريك له (وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتاباً) [((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (ص: 571)].
قلت سيف بن دورة: حديث من أربى الربا. …. لا يصح وهناك رسالة مستقلة في بيان ضعفه
(8) روى الشيخان من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) [رواه البخاري (48)، ومسلم (64)].
قال النووي رحمه الله تعالى: (فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ((شرح النووي)) (2/ 53 – 54)، وعلى هذا فالرافضة والخوارج ومن سلك طريقهم من أهل البدع الذين يشتمون الصحابة ويتكلمون فيهم بما يعيبهم بغير حق فهم أكثر من يدخل في وصف الفسق كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
(9) روى أبو القاسم الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ساب الموتى كالمشرف على الهلكة)) رواه الطبراني 14411 كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (8/ 79) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وضعفه الألباني راجع ضعيف الجامع 6943
قلت سيف بن دورة:
وذكر محقق المعجم الكبير للطبراني أن أبا معاوية رواه عن الأعمش عن الأعمش … موقوفا على عبدالله بن عمرو أخرجه ابن أبي شيبة. ورواه يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش عن خيثمة من قوله.
أما سند المرفوع ففيه المحاربي مدلس ويحيى بن سليمان صدوق يخطئ أخرجه مسدد كما في المطالب العالية
(أراد: الموتى المؤمنين وإيذاء المؤمن الميت أغلظ من الحي لأن الحي ممكن استحلاله، والميت لا يمكن استحلاله، فلذا توعد عليه بالوقوع في الهلاك) ((فيض القدير)) (4/ 79).
(10) وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة)) رواه البزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (8/ 76) وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وحسنه الشيخ الألباني في ((صحيح الجامع)) (3586). وعزاه للبزار والصحيحة 1878
ومعنى الحديث: (أي: يكاد أن يقع في الهلاك الأخروي، وأراد في ذلك المؤمن المعصوم والقصد به التحذير من السب) [((فيض القدير)) للمناوي (4/ 79)].
قلت سيف بن دورة: هو نفس سند الحديث السابق وبعضهم رواه كذلك ساب الموتى …. وكما سبق الراجح رواية الوقف. فهو يصلح على الذيل على أحاديث معلة.
وهذا الحديث والذي قبله تضمنا العقوبة الشديدة التي تلحق ساب أي ميت من المسلمين وأي مؤمن كان فما الشأن بمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خيار موتى المؤمنين وأفضل المؤمنين بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،
(11) فقد روى أبو القاسم الطبراني من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: ((شكا عبد الرحمن بن عوف خالداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا خالد لا تؤذ رجلاً من أهل بدر فلو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله، قال: يقعون في فأرد عليهم، فقال: لا تؤذوا خالداً فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار)) رواه الطبراني في ((المعجم الصغير)) (1/ 348) (580). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 352): رجاله ثقات، وقال الشوكاني في ((در السحابة)) (190): إسناده رجاله ثقات.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل أي كلام يتضمن الأذى من بعض الصحابة لآخرين منهم، فما الشأن بحال من ليس من الصحابة
(12) فقد روى الحافظ الطبراني من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا)) رواه الطبراني (10/ 198) (10470). قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/ 50): إسناده حسن، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 205): رواه الطبراني وفيه مسهر بن عبد الملك وثقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (545).
فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ذكر أصحابي)) بما شجر بينهم من الحروب والمنازعات (فأمسكوا) وجوباً عن الطعن فيهم والخوض في ذكرهم بما لا يليق فإنهم خير الأمة وخير القرون، ولما جرى بينهم محامل [((فيض القدير)) للمناوي (1/ 347)]
(13) فقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى جابر بن سمرة، قال: ((خطب عمر الناس بالجابية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا فقال: أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) [رواه أحمد (1/ 26) (177). قال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/ 98): إسناده صحيح، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، والحديث صححه الألباني بمجموع طرقه في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1116)]،
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالإحسان إلى جميع الصحابة.
ثالثا: الأدلة من كلام السلف على تحريم سب الصحابة
إن النصوص الواردة عن سلف الأمة وأئمتها من الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان التي تقضي بتحريم سب الصحابة والدفاع عنهم كثيرة جداً ومتنوعة في ذم وعقوبة من أطلق لسانه على أولئك البررة الأخيار وأقوال السلف التي كانوا يواجهون بها الذين ابتلوا بالنيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت في غاية الإنكار على من وقع في ذلك وبيان الخسارة الكبيرة التي يكسبها من أراد الله فتنته بالوقوع والنيل من خير القرون.
(1) فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى يوسف بن سعد عن محمد بن حاطب قال: (ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة، فقال لي يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه، فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده، فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه، فقال علي رضي الله عنه كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى فيهم: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف: 16]، قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم قالها ثلاثاً: قال يوسف: فقلت لمحمد بن حاطب الله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه، قال: آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه) [رواه ابن أبي حاتم (10/ 3295)].
(2) وكان رضي الله عنه يعاقب بالجلد الموجع على الكلام الذي فيه إيماء أو إشارة إلى النيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد ذكر ابن الأثير (أن رجلين وقفا على باب الدار الذي نزلت فيه أم المؤمنين بالبصرة، فقال أحدهما: جزيت عنا أمنا عقوقاً.
وقال الآخر: يا أمي توبي فقد أخطأت – فبلغ ذلك علياً – فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة وهما: عجلان، وسعد ابنا عبد الله فضربهما مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما) [((الكامل في التاريخ)) (3/ 257)].
(3) روى أبو داود بإسناده إلى رباح بن الحارث قال: ((كنت قاعداً عند فلان في مسجد الكوفة، وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فرحب به وحياه وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس بن علقمة، فاستقبله فسب وسب، فقال سعيد: من يسب هذا الرجل؟ قال: يسب علياً، فقال: ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك ثم لا تنكر ولا تغير؟ أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – وإني لغني أن أقول عنه ما لم يقل فيسألني عنه غداً إذا لقيته –: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة، وسكت عن العاشر، قالوا: من هو العاشر؟ فقال: سعيد بن زيد –يعني نفسه-، ثم قال: والله لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح)) [رواه أبو داود (4650) وسكت عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))].
زاد رزين: ثم قال: ((لا جرم لما انقطعت أعمارهم، أراد الله أن لا يقطع الأجر عنهم إلى يوم القيامة، والشقي من أبغضهم، والسعيد من أحبهم)) [انظر: ((جامع الأصول)) (9/ 411)]
(4) وذكر ابن الأثير عن رزين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر) ((جامع الأصول)) (9/ 408 – 409)، ((مسند عائشة)) للسيوطي (ص: 164).
(5) روى ابن بطة بإسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه قال: ((لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة – يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم – خير من عمل أحدكم أربعين سنة)) ذكره ((شارح الطحاوية)) (ص: 530)، وانظر ((الشرح والإبانة)) لابن بطة (ص: 119).
وفي رواية وكيع: ((خير من عبادة أحدكم عمره)) ذكره أيضاً: ((شارح الطحاوية)) (ص: 531).
(6) وروى أبو نعيم بإسناده (أن مزيد بن هزاري أنه لقي سعيد بن جبير بأصبهان، فقال له: إن رأيت أن تفيدني مما عندك؟ فحبس دابته وقال: قال لي ابن عباس: احفظ عني ثلاثاً: إياك والنظر في النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة، وإياك والنظر في القدر، فإنه يدعو إلى الزندقة، وإياك وشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكبك الله في النار على وجهك يوم القيامة) ((أخبار أصبهان)) (1/ 324).
(7) وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي إلى عريب بن حميد قال: (قام رجل فنال من عائشة رضي الله عنها، فقام عمار رضي الله عنه يتخطى الناس فقال: اجلس مقبوحاً منبوحاً أنت تقع في حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 21 – 22)، وأورده ابن الأثير في (النهاية)) (4/ 3).
(8) وروى أبو يعلى والطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي: (يا أبا عبد الله أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم، قلت: أنى يسب رسول صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه) رواه أبو يعلى (12/ 444) (7013)، والطبراني (23/ 322) (19689). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 133): رجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد الله وهو ثقة، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (7/ 996): إسناد جيد.
(9) وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله بإسناده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، قال: (قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكر؟ قال: يقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يقتل) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 23).
هذه تسعة نماذج عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها توضيح للطريقة التي كانوا يواجهون بها من أزاغ الله قلبه عن معرفة ما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(10) فقد روى أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى محمد بن علي بن الحسين بن علي أنه قال لجابر الجعفي: (يا جابر بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا ويتناولون أبا بكر وعمر، ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم عني أني إلى الله منهم بريء والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما إن أعداء الله لغافلون عن فضلهما، فأبلغهم أني بريء منهم وممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 12)، وأورده الحافظ ابن كثير في كتابه ((البداية والنهاية)) (9/ 349)، والسياق له.
(11) وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن الحسن بن علي أنه قال: (ما أرى رجلاً يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبداً) ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 17).
(12) وقال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: (من شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقد ارتد عن دينه وأباح دمه) ((الشرح والإبانة))، لابن بطة، (ص: 162).
(13) وقال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: (الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام) ((الشرح والإبانة))، لابن بطة، (ص: 162).
(14) روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى الحسن بن الربيع قال: (سمعت أبا الأحوص يقول: لو أن الروم أقبلت من موضعها يعني تقتل ما بين يديها وتقبل حتى تبلغ النخيلة ثم خرج رجل بسيفه فاستنقذ ما في أيديها وردها إلى موضعها ولقي الله وفي قلبه شيء على بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما رأينا أن ذلك ينفعه) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 12).
(15) وروى أيضاً: بإسناده إلى عبد الله بن مصعب قال: (قال لي أمير المؤمنين – المهدي – ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: زنادقة يا أمير المؤمنين، قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك فكيف ذلك؟ قلت: إنما قوم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا أحداً من الأمة يتابعهم على ذلك فيه فشتموا أصحابه رضي الله عنهم يا أمير المؤمنين ما أقبح بالرجل أن يصحب صحابة السوء فكأنهم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم صحب صحابة السوء، فقال لي: ما أرى إلا كما قلت) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 22 – 23)، وأخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (ص: 10/ 175).
(16) روى أبو عبيد الله بن بطة إلى أبي بكر بن عياش أنه قال: (لا أصلي على رافضي ولا حروري لأن الرافضي يجعل عمر كافراً، والحروري يجعل علياً كافراً) [((الشرح والإبانة)) لابن بطة، (ص: 160)].
(17) روى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى يعقوب بن حميد قال: (سمعت سفيان بن عيينة يقول: حج هارون الرشيد أمير المؤمنين فدعاني فقال: يا سفيان إن أبا معاوية الضرير حدثني عن أبي جناب الكلبي عن أبي سليمان الهمداني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سيكون بعدي قوم لهم نبز يسمون الرافضة وآية ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر، فإذا وجدتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون، فقلت: يا أمير المؤمنين اقتلهم بكتاب الله، فقال: يا سفيان وأين موضع ذلك من كتاب الله؟ فقلت: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ إلى قوله لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح: 29]، يا أمير المؤمنين، فمن غاظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر) [كتاب ((النهي عن سب الأصحاب)) (ص: 24 – 25)].
(19) ذكر القرطبي عن عمر بن حبيب قال: (حضرت مجلس هارون الرشيد فجرت مسألة تنازعها الحضور وعلت أصواتهم فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع بعضهم الحديث وزادت المرافعة والخصام، حتى قال قائلون منهم: لا يقبل هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن رسول الله وأبو هريرة صحيح النقل صدوق فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره فنظر إليّ الرشيد نظر مغضب وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل: صاحب البريد بالباب، فدخل فقال لي: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه، فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي .. حاسر عن ذراعيه بيده السيف، وبين يديه النطع، فلما بصر بي قال لي: يا عمر بن حبيب ما تلقاني أحد من الرد والدفع لي بمثل ما تلقيتني به، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الذي قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول، فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله) [((الجامع لأحكام القرآن)) (16/ 298 – 299)].
(20) روى أبو عبيد الله بن بطة بإسناده إلى هارون بن زياد، قال: (سمعت الفريابي ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر، فقال: كافر، قال: فنصلي؟ قال: لا، فسألته: كيف نصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله، قال: لا تمسوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته) [((الشرح والإبانة)) (ص: 160)].
(21) وقال بشر بن الحارث: (من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين) [((الشرح والإبانة)) لابن بطة (ص: 162)].
(22) وقال أبو بكر المروزي: (سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم، فقال: ما أراه على الإسلام) ((الشرح والإبانة)) لابن بطة (ص: 161).
(23) وقال محمد بن بشار: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (لو كان من عصبتي ما ورثته) ((الشرح والإبانة)) (ص: 160).
(24) وروى محمد بن عبد الواحد المقدسي بإسناده إلى إسماعيل بن القاسم، قال: (قال لي عبد الله بن سليمان: يا إسماعيل ما تقول فيمن يسب أبا بكر وعمر، قلت: يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، قال لي القتال؟ قلت: نعم، قال: وأني لك هذا؟ قلت: بآية من كتاب الله تعالى، فقال: وآية من كتاب الله؟ قلت: نعم، قال: وأي هي من كتاب الله تعالى، قلت له: قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا) [المائدة: 3]، ولا فساد في الأرض أعظم من سب أبي بكر وعمر عليهما السلام، قال لي: أحسنت يا إسماعيل) كتاب ((النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب)) (ص: 25).
وهذه الآثار عن هؤلاء الأئمة كلها دلت على تحريم سب الصحابة عموماً وفيها بيان الخسارة الواضحة التي تلحق من أقحم نفسه في هذا الجرم الكبير.
25 – قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في أصول السنة: “و من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم، أو أبغضه بحدث كان منه، أو ذكر مساوئه، كان مبتدعا، حتى يترحم عليهم جميعا، و يكون قلبه لهم سليما”.
26 – و قال الإمام البربهاري رحمه الله في شرح السنة: “و إذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ فاعلم أنه صاحب قول سوء و هوى، لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم:”إذا ذكر أصحابي فأمسكوا”، قد علم النبي صلى الله عليه و سلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته، فلم يقل فيهم إلا خيرا، و قوله:”ذروا أصحابي، لا تقولوا فيهم إلا خيرا”، و لا تحدث بشيء من زللهم و لا حربهم، و لا ما غاب عنك علمه، و لا تسمعه من أحد يحدث به، فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت”.
27 – قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى: “إذَا رأيتَ الرجلَ ينتقصُ أحدًا منْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم فاعلمْ أنهُ زنديقٌ، و ذلكَ أنَّ الرسولَ عندنَا حقٌّ، و القرآنُ حق، و إنما أدى إلينا هذا القرآنَ و السننَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه و سلم، و إنما يريدونَ أن يجرحُوا شهودَنا، ليبطلوا الكتابَ و السنةَ، و الجرحُ بهم أولى، و هم زنادقةٌ”.
—-
رابعا: حكم سب الصحابة:
ينقسم سب الصحابة إلى أنواع، ولكل نوع من السب حكم خاص به.
والسب: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم من السب بعقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن والتقبيح، ونحوهما. انظر: ((الصارم المسلول)) (ص: 561).
وسب الصحابة رضوان الله عليهم دركات بعضها شر من بعض؛ فمن سب بالكفر أو الفسق، ومن سب بأمور دنيوية كالبخل، وضعف الرأي، وهذا السب إما أن يكون لجميعهم أو أكثرهم، أو يكون لبعضهم أو لفرد منهم، وهذا الفرد إما أن يكون ممن تواترت النصوص بفضله أو دون ذلك.
وإليك تفصيل وبيان أحكام كل قسم:
1 – من سب الصحابة بالكفر والردة أو الفسق جميعهم أو معظمهم
فلا شك في كفر من قال بذلك لأمور من أهمها:
– إن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وبذلك يقع الشك في القرآن والأحاديث؛ لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول.
– إن في هذا تكذيباً لما نص عليه القرآن من الرضا عنهم والثناء عليهم (فالعلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي) (((الرد على الرافضة)) (ص: 19) ضمن جزء ملحق المصنفات للإمام المجدد طبعة الجامعة) ومن أنكر ما هو قطعي فقد كفر.
– إن في ذلك إيذاء له صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أصحابه وخاصته، فسب المرء وخاصته، والطعن فيهم، يؤذيه ولا شك. وأذى الرسول صلى الله عليه وسلم كفر كما هو مقرر.
ومن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره؛ لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع؛ من الرضى عنهم، والثناء عليهم. بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الآية (كنتم خير أمة أخرجت للناس) – وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفار أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم وأن سابقي هذه الأمة هم شرارهم – وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام) [((الصارم المسلول)) (ص: 586 – 587)]
وقال الهيثمي رحمه الله: (ثم الكلام – أي الخلاف – إنما هو في سب بعضهم – أما سب جميعهم، فلا شك في أنه كفر) [((الصواعق المحرقة)) (ص: 379)]
ومع وضوح الأدلة الكلية السابقة، ذكر بعض العلماء أدلة أخرى تفصيلية، منها:
أولاً: ما مر معنا من تفسير العلماء للآية الأخيرة من سورة الفتح: من قوله (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَه) إلى قوله: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)، [الفتح: 29] استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية كفر من يبغضون الصحابة؛ لأن الصحابة يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر، ووافقه الشافعي وغيره. [((الصواعق المحرقة)) (ص: 317)، وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 204)]
ثانياً: ما سبق من حديث أنس عند الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) [(رواه البخاري (17)، ومسلم (74)]. وفي رواية: ((لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق)) (رواه البخاري (3783)، ومسلم (75). من حديث البراء رضي الله عنه).
ولمسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبغض الأنصار رجل آمن بالله واليوم الآخر)). فمن سبهم فقد زاد على بغضهم، فيجب أن يكون منافقاً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر. [((الصارم المسلول)) (ص: 581)].
ثالثاً: ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه ضرب بالدرة من فضله على أبي بكر. ثم قال: (أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا). ثم قال عمر: (من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري). [رواه أحمد في ((فضائل الصحابة)) (1/ 300). وصحح إسناده ابن تيمية في ((الصارم المسلول)) (3/ 1106)].
وكذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري). [رواه أحمد في ((فضائل الصحابة)) (1/ 84)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (2/ 575)، والبيهقي في ((الاعتقاد)) (ص: 358)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (30/ 383). قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (474): [روي] بأسانيد جيدة].
فإذا كان الخليفتان الراشدان عمر وعلي رضي الله عنهما يجلدان حد المفتري من يفضل علياً على أبي بكر وعمر، أو من يفضل عمراً على أبي بكر، مع أن مجرد التفضيل ليس فيه سب ولا عيب، علم أن عقوبة السب عندهما فوق هذا بكثير. [((الصارم المسلول)) (ص: 586)].
2 – من سب بعضهم سبا يطعن في دينهم. كأن يتهمهم بالكفر أو الفسق، وكان ممن تواترت النصوص بفضله كالخلفاء:
فذلك كفر – على الصحيح – لأن في هذا تكذيباً لأمر متواتر.
روى أبو محمد بن أبي زيد عن سحنون، قال: (من قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي: إنهم كانوا على ضلال وكفر. قتل. ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل ذلك نكل النكال الشديد) [(الشفا)) للقاضي عياض (2/ 1109)].
وقال هشام بن عمار: (سمعت مالكاً يقول: من سب أبا بكر وعمر قتل. ومن سب عائشة رضي الله عنها قتل؛ لأن الله تعالى يقول فيها: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [النور: 17]. فمن رماها فقد خالف القرآن. ومن خالف القرآن قتل) [((الصواعق المحرقة)) (ص: 384)].
أما قول مالك رحمه الله في الرواية الأخرى: (من سب أبا بكر جلد، ومن سب عائشة قتل. قيل له: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن) [((الشفا)) للقاضي عياض (2/ 1109)، ((الصارم المسلول)) (ص: 571)]
فالظاهر والله أعلم أن مقصود مالك رحمه الله هنا في سب أبي بكر رضي الله عنه فيما دون الكفر، يوضحه بقية كلامه عن عائشة رضي الله عنها، حيث قال: (من رماها فقد خالف القرآن). فهذا سب مخصوص يكفر صاحبه – ولا يشمل كل سب – وذلك لأنه ورد عن مالك القول بالقتل فيمن كفر من هو دون أبي بكر. ((الشفا)) (2/ 1109).
قال الهيثمي، مشيراً إلى ما يقارب ذلك عند كلامه عن حكم سب أبي بكر: (فيتلخص أن سب أبي بكر كفر عند الحنفية، وعلى أحد الوجهين عند الشافعية، ومشهور مذهب مالك أنه يجب به الجلد، فليس بكفر. نعم: قد يخرج عنه ما مر عنه في الخوارج أنه كفر. فتكون المسألة عنده على حالين: إن اقتصر على السب من غير تكفير لم يكفره وإلا كفر) ((الصواعق)) (ص: 386).
وقال أيضاً: (وأما تكفير أبي بكر ونظرائه ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فلم يتكلم فيها أصحاب الشافعي. والذي أراه الكفر فيها قطعاً) ((الصواعق)) (ص: 385).
وقال الخرشي: (من رمى عائشة بما برأها الله منه … ، أو أنكر صحبة أبي بكر، أو إسلام العشرة، أو إسلام جميع الصحابة، أو كفر الأربعة، أو واحداً منهم، كفر) ((الخرشي على مختصر خليل)) (8/ 74).
وقال البغدادي: (وقالوا بتكفير كل من كفر واحدا من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفروا من كفرهن، أو كفر بعضهن) ((الفرق بين الفرق)) (ص: 360).
والمسألة فيها خلاف مشهور، ولعل الراجح ما تقدم، وأما القائلون بعدم كفر من هذه حاله، فقد أجمعوا على أنه فاسق، لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق التعزير والتأديب، على حسب منزلة الصحابي، ونوعية السب.
وإليك بيان ذلك:
قال الهيثمي: (أجمع القائلون بعدم تكفير من سب الصحابة على أنهم فساق) [((الصواعق المحرقة)) (ص: 383)]
وقال ابن تيمية: (قال إبراهيم النخعي: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر). وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر التي قال الله تعالى فيها: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) [النساء: 31].
وإذا كان شتمهم بهذه المثابة، فأقل ما فيه التعزير؛ لأنه مشروع في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة.
وهذا مما لا نعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة والجماعة؛ فإنهم مجمعون على أن الواجب الثناء عليهم والاستغفار لهم والترحم عليهم .. وعقوبة من أساء فيهم القول) [((اللالكائي)) (8/ 1262 – 1266)، ((الصارم المسلول)) (1/ 577).]
وقال القاضي عياض: (وسب أحدهم من المعاصي الكبائر، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (16/ 93).
وقال عبد الملك بن حبيب: (من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً. وإن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر، فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه، ويطال سجنه حتى يموت) ((الشفا)) (2/ 1108)، وعنه ((الصارم المسلول)) (ص: 569).
فلا يقتصر في سب أبي بكر رضي الله عنه على الجلد الذي يقتصر عليه في جلد غيره؛ لأن ذلك الجلد لمجرد حق الصحبة، فإذا انضاف إلى الصحبة غيرها مما يقتضي الاحترام؛ لنصرة الدين وجماعة المسلمين، وما حصل على يده من الفتوح وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، كان كل واحد من هذه الأمور يقتضي مزيد حق موجب لزيادة العقوبة عند الاجتراء عليه. ((الصواعق المحرقة)) (ص: 387).
وعقوبة التعزير المشار إليها لا خيار للإمام فيها، بل يجب عليه فعل ذلك.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص. فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه، وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع) ((طبقات الحنابلة)) (1/ 24)، و ((الصارم المسلول)) (ص: 568).
فانظر أخي المسلم إلى قول إمام أهل السنة فيمن يعيب أو يطعن بواحد منهم، ووجوب عقوبته وتأديبه. ولما كان سبهم المذكور من كبائر الذنوب – عند بعض العلماء – فحكم فاعله حكم أهل الكبائر من جهة كفر مستحلها.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله؛ مبيناً حكم استحلال سب الصحابة: (ومن خص بعضهم بالسب، فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله؛ كالخلفاء، فإن اعتقد حقية سبه أو إباحته فقد كفر؛ لتكذيبه ما ثبت قطعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكذبه كافر، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته، فقد تفسق؛ لأن سباب المسلم فسوق. وقد حكم البعض فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقاً والله أعلم) [((فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)) لأحمد بن عبدالكريم نجيب (ص: 28)، و ((الرد على الرافضة)) (ص: 19)]
وقال القاضي أبو يعلي – تعليقاً على قول الإمام أحمد رحمه الله حين سئل عمن شتم الصحابة، فقال: ما أراه على الإسلام – قال أبو يعلى: (فيحتمل أن يحمل قوله: ما أراه على الإسلام. إذا استحل سبهم، فإنه يكفر بلا خلاف. ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك مع اعتقاده لتحريمه، كمن يأتي بالمعاصي. ثم ذكر بقية الاحتمالات) [((الصارم المسلول)) (ص: 571) وما قبلها].
يتلخص مما سبق فيمن سب بعضهم سباً يطعن في دينه وعدالته، وكان ممن تواترت النصوص بفضله، أنه يكفر – على الراجح – لتكذيبه أمراً متواتراً. أما من لم يكفره من العلماء، فأجمعوا على أنه من أهل الكبائر، ويستحق التعزير والتأديب، ولا يجوز للإمام أن يعفو عنه، ويزاد في العقوبة على حسب منزلة الصحابي. ولا يكفر – عندهم – إلا إذا استحل السب. أما من زاد على الاستحلال؛ كأن يتعبد الله عز وجل بالسب والشتم، فكفر مثل هذا مما لا خلاف فيه. ونصوص العلماء السابقة واضحة في مثل ذلك …
3 – من سب صحابياً لم يتواتر النقل بفضله سبا يطعن في الدين:
الراجح تكفير من سب صحابياً تواترت النصوص بفضله من جهة دينه. أما من لم تتواتر النصوص بفضله، فقول جمهور العلماء بعدم كفر من سبه؛ وذلك لعدم إنكاره معلوماً من الدين بالضرورة، إلا أن يسبه من حيث الصحبة.
قال صاحب نسيم الرياض نقلا عن السبكي: أما سب الجميع – أي الصحابة – فقيل: إنه كفر بلا شك، كسب الصحابي من حيث إنه صحابي فإنه تعريض بسب النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حمل قول الطحاوي (بغضهم كفر) ….. ثم بين انه قد يكون لأمر آخر دنيوي غير الصحبة وليس بكفر لأنه لتقديم علي واعتقادهم لجهلهم أنهما ظلماه وهما بريئان من ذلك وفي كتب الحنفية أن سبهما وإنكار إمامتهما كفر …… ) يعني الشيخين
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: (وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله، فالظاهر أن سابه فاسق، إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر) [((فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)) لأحمد بن عبدالكريم نجيب (ص: 28)، ((الرد على الرافضة)) (ص: 19)].
ن
4 – من سب بعضهم سبا لا يطعن في دينهم وعدالتهم
فلا شك أن فاعل ذلك يستحق التعزير والتأديب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما إن سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم؛ مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء) [((الصارم المسلول)) (ص: 586)]
وذكر أبو يعلى من الأمثلة على ذلك اتهامهم بقلة المعرفة بالسياسة. [((الصارم المسلول)) (ص: 571)].
ومما يشبه ذلك اتهامهم بضعف الرأي، وضعف الشخصية، والغفلة، وحب الدنيا، ونحو ذلك.
وهذا النوع من الطعن تطفح به كتب التاريخ، وكذلك الدراسات المعاصرة لبعض المنسوبين لأهل السنة، باسم الموضوعية والمنهج العلمي. وللمستشرقين أثر في غالب الدراسات التي في هذا النوع. [انظر: اعتقاد أهل السنة في الصحابة لمحمد بن عبد الله الوهيبي- بتصرف – ص: 37].انظر: الموسوعة العقدية.
لخص ابن عثيمين: حكم سب الصحابة فقال:
سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب “الصارم المسلول ” ونقل عن أحمد في ص 573 قوله: (لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك أدب، فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع).
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5/ 83 – 84).
ثالثًا: يؤخذ من الحديث:
1. تحريم اللعن.
2. أن سب الصحابة رضي الله عنهم من أكبر الكبائر.
3. اللعن من الله هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.
4. فضل الصحابة رضي الله عنهم، وأن لهم مكانة عالية عند الله تعالى.
5. الوعيد الشديد للذين يسبون الصحابة رضي الله عنهم.
6. أن الله يدافع عن أولياءه، فمن آذاهم فله العذاب الشديد.
[انظر: من حديث: من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله].
7 – أن مسألة سب الصحابة رضي الله عنه تعتبر من النواقض الإيمان القولية.
فائدة: فيما يتعلق من السب المتعلق بأبواب الدين:
1 – حكم سب الله
2 – حكم سب الدين.
3 – حكم سب الرسول صلى الله عليه وسلم
4 – فرع: حكم من سب عائشة أم المؤمنين
فائدة: قول القحطاني حين قال:
أكرم بفاطمة البتول وبعلها … وبمن هما لمحمد سبطان
غصنان أصلهما بروضة أحمد … لله در الأصل والغصنان
أكرم بطلحة والزبير وسعدهم … وسعيدهم وبعابد الرحمن
وأبي عبيدة ذي الديانة والتقى … وامدح جماعة بيعة الرضوان
قل خير قول في صحابة أحمد … وامدح جميع الآل والنسوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى … بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم … وكلاهما في الحشر مرحومان
والله يوم الحشر ينزع كل ما … تحوي صدورهم من الأضغان
والويل للركب الذين سعوا إلى … عثمان فاجتمعوا على العصيان
ويل لمن قتل الحسين فإنه … قد باء من مولاه بالخسران
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
واحفظ لأهل البيت واجب حقهم … واعرف عليا أيما عرفان
لا تنتقصه ولا تزد في قدره … فعليه تصلى النار طائفتان
إحداهما لا ترتضيه خليفة … وتنصه الأخرى آلها ثاني
والعن زنادقة الجهالة إنهم … أعناقهم غلت إلى الأذقان
جحدوا الشرائع والنبوة واقتدوا … بفساد ملة صاحب الإيوان
لا تركنن إلى الروافض إنهم … شتموا الصحابة دون ما برهان
لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد … وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة … ألقى بها ربي إذا أحياني
قال التفتازاني في شرح المقاصد: ويجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات سيما المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان ومن شهد بدرا وأحدا والحديبية فقد انعقد على علو شأنهم الإجماع، وشهدت بذلك الآيات الصراح والأخبار الصحاح ….
###
ذكر الحافظ ابن حجر في شرح حديث المصراة في صحيح البخاري أن أحد الحنفية قال: إن أبا هريرة ليس مثل عبد الله بن مسعود في الفقه، وهو الذي روى حديث المصراة، وهذا قدح في فقهه رضي الله عنه، فقال عند ذلك الحافظ ابن حجر: وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه، ومجرد تصور فساده يغني عن تكلف الرد عليه، ثم نقل كلام أبي المظفر السمعاني المتقدم. يعني قوله: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله وهو بدعة وضلالة.
ومن أشد وأوضح ما جاء في ذلك ما نقله الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية بإسناده إلى أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيتم من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب حق والرسول صلى الله عليه وسلم حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي الذين يقدحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.
لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، والمنقول هو الكتاب والسنة، والناقلون هم أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة.
: تتمة شرح مسلم في باب النهي عن سب الأصحاب
بيان صاحبنا أبي صالح حازم حول شذوذ كون الحديث عن أبي هريرة:
قال صاحبنا ابوصالح حازم:
رجعت تحفة الأشراف وأشار المزي إلى قريب مما تفضلتم به فقال أن الوهم وقع من مسلم في حال كتابته لا في حفظه وذلك أنه ذكر أولا حديث أبي معاوية ثم ثنى بحديث جرير وذكر المتن وبقية الإسناد عن كل واحد منهما، ثم ثلث بحديث وكيع ثم ربع بحديث شعبة ولَم يذكر المتن ولا بقية الإسناد عنهما (أي عن وكيع وشعبة) بل قال عن الأعمش بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثهما …. إلى آخر كلامه، فلولا أن إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحد لما جمعهما جميعا في الحوالة عليهما. والوهم يكون تارة في الحفظ وتارة في القول وتارة في الكتابة، وقد وقع الوهم منه هنا في الكتابة والله أعلم.
انتهى النقل من تحفة الأشراف
أخرج البخاري (3673) حديث ” لا تسبوا أصحابي” من طريق شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد مرفوعا ثم قال البخاري تابعه جرير وعبد الله بن داود *وأبومعاوية* ومحاضر عن الأعمش ثم شرح الحافظ في الفتح بما يرجح أن الوهم ممن دون مسلم
قال الإمام البخاري في صحيحه:
3673 – حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ» تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ عَنْهُ هَكَذَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَدَلَ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ وَهَمٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ خَلَفٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْمِزِّيُّ كَأَنَّ مُسْلِمًا وَهَمَ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِطَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ثُمَّ ثَنَّى بِحَدِيثِ جَرِيرٍ فَسَاقَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِحَدِيثِ وَكِيعٍ وَرَبَّعَ بِحَدِيثِ شُعْبَةَ وَلَمْ يَسُقْ إِسْنَادَهُمَا بَلْ قَالَ بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ فَلَوْلَا أَنَّ إِسْنَادَ جَرِيرٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ لَمَا أَحَالَ عَلَيْهِمَا مَعًا فَإِنَّ طَرِيقَ وَكِيعٍ وَشُعْبَةَ جَمِيعًا تَنْتَهِي إِلَى أَبِي سَعِيدٍ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ اتِّفَاقًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو بِكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمٍ فِيهِ فِي مُسْنَدِهِ وَمُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ وَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ جَوَّاسٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ بَعْدَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهَمَ وَقَعَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ إِذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَبَيَّنَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ مَعَ جَزْمِهِ فِي الْعِلَلِ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي تَتَبُّعِهِ أَوْهَامَ الشَّيْخَيْنِ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ هَذِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ وَخَيْثَمَةُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يحيى والإسماعيلي وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ أَحَدِ شُيُوخِ مُسْلِمٍ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَنَّهُ وَقع فِي بعض النّسخ عَن بن مَاجَهِ اخْتِلَافٌ فَفِي بَعْضِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالصَّوَابُ عَنْ أبي سعيد لَان بن مَاجَهْ جَمَعَ فِي سِيَاقِهِ بَيْنَ جَرِيرٍ وَوَكِيعٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ وَجَرِيرٍ إِنَّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكُلُّ مَنْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْمُصَنِّفِينَ وَالْمُخَرِّجِينَ أَوْرَدَهُ عَنْهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَة قديمَة جدا من بن مَاجَهْ قُرِئَتْ
فِي سَنَةِ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهِيَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ وَفِيهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي مُعَاوِيَةِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا مُسْتَبْعَدٌ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَمَعَهُمَا وَلَوْ مَرَّةً فَلَمَّا كَانَ غَالِبُ مَا وُجِدَ عَنْهُ ذِكْرَ أَبِي سَعِيدٍ دُونَ ذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شُذُوذًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ جَمَعَهُمَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَشَيْبَانُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ عَفَّانُ وَيَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فَلَمْ
يَذْكُرَا فِيهِ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ قَالَ وَالصَّوَابُ مِنْ رِوَايَاتِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ لَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ انْتَهَى وَقَدْ سبق إِلَى ذَلِك على بن الْمَدِينِيِّ فَقَالَ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَالْأَعْمَشُ أَثْبَتُ فِي أَبِي صَالِحٍ مِنْ عَاصِمٍ فَعُرِفَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ شَذَّ وَكَأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ شُهْرَةُ أَبِي صَالِحٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَسْبِقُ إِلَيْهِ الْوَهَمُ مِمَّنْ لَيْسَ بِحَافِظٍ وَأَمَّا الْحُفَّاظُ فَيُمَيِّزُونَ ذَلِكَ وَرِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ إِلَّا زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالُوا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ انْتَهَى وَأَمَّا رِوَايَةُ عَاصِمٍ فَأَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا زَائِدَةُ وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَيَحْيَى بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيِّ عِنْد أبي عوَانَة وَأَبُو
الْأَحْوَص عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَإِسْرَائِيلُ عِنْدَ تَمَّامٍ الرَّازِيِّ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فَقَدْ وَقَعَ لِي مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ وَأَبِي كَامِلٍ وَشَيْبَانَ عَنْهُ عَلَى الشَّكِّ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَرُبَّمَا وَهَمَ وَحَدِيثُهُ مِنْ كِتَابِهِ أَثْبَتُ وَمَنْ لَمْ يشك أَحَق با لتقديم مِمَّنْ شَكَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَمْلَيْتُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ جُزْءًا مُفْرَدًا لَخَّصْتُ مَقَاصِدَهُ هُنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى
وحكم الألباني في تحقيقه على السنة لابن أبي عاصم على حديث أبي هريرة بالشذوذ