: 1120 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——-”
——-‘——‘——-”
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1120):
قال أبو داود رحمه الله: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ، وَلَا بِسُجُودٍ، فَإِنَّهُ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إِذَا رَفَعْتُ، إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ)).هذا حديث حسن. هذا حديث حسن.
===================
– جعله الوادعي رحمه الله تعالى في (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين)، وبوب عليه: “التأني في الركوع والسجود حتى يركع الإمام ويسجد” (ج2/ص100).
– وسبق في صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود الإشارة إلى الأحكام المتعلقة بمتابعةُ المأمومِ للإمامِ.
– وعموما الأحكام المتعلقة بالإمام والمأموم ثلاثة أقسام:
الأول:
المشتركة بينهما.
والثاني: أحكام خاصة، وهي على قسمين:
1 – الأحكام الخاصة بالإمام.
2 – الأحكام الخاصة بالمأموم. وقد بسط الفقهاء في بيان هذه الأحكام كما في (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) وغيره.
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث عَلَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آدابَ صَلاةِ الجَماعةِ وسُننَها، وأمَرَنا باتِّباعِ الإمامِ ومُوالاتِه في أفعالِ وحَركاتِ الصَّلاةِ؛ فعن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأَ فأَنصِتوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: آمِينَ، وإذا ركَع فارْكعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا ولك الحمد، وإذا سجَد فاسجدُوا، وإذا صلَّى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا أجمعينَ)) [رواه البخاري (734)، ومسلم (414)].
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ معاويةُ بنُ أبي سُفيانَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لا تُبادِروني بِالرُّكوعٍ ولا بالسُّجودٍ»، أي: لا تَسْبِقوني إلى الرُّكوعِ ولا إلى السُّجودِ، وهذا نَهيٌ صَريحٌ عن سَبقِ الإمامِ في الصَّلاةِ، ولكنْ على المُصَلِّي أن يَتَّبِعَه في الحَركاتِ؛ «فإنَّه مَهْما أَسْبِقْكم به إذا رَكَعْتُ تُدرِكوني به إذا رَفَعْتُ»، أي: إنَّ ما فَاتَكم مِن وقْتِ رُكوعي قَبلَكم يُعوِّضُه بَقاؤُكم عندَما أرْفَعُ، فَتكونونَ قد رَكَعتُم مِثلَما رَكَعْتُ؛ فهذه بتِلك أَسبِقكُم في النُّزولِ إلى الركوعِ والسُّجودِ وتَلحقُونَ بي في الرَّفعِ منهما، ولا يَفوتُكم شيءٌ من تمامِهما، ثم ذَكَر سَببَ ذلك، فقال: «إِنِّي قد بَدَّنْتُ»؛ بالتشديدِ، أي: كَبِرتُ وضَعُفتُ، وأمَّا تَخفيفُ (بَدُنت) مع ضَمِّ الدَّالِ فلا يُناسِبُ؛ لِكونِه من البَدانة، بمعْنى كَثرةِ اللَّحْمِ، ولم يكُن هذا من صِفَتِه صلَّى الله عليه وسلَّم. وفي هذا إِشارةٌ وَتنبيهٌ للشَّابِّ والقَويِّ إلى أنَّه قد يَسبِقه في الشُّروعِ في رُكنٍ من أرْكانِ الصَّلاة في صَلاةِ الجَماعة.
قال الشيخ عبد المحسن في شرح الحديث: ” قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبادروني بركوع ولا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت؛ إني قد بدنت))].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب ما يؤمر به المأموم من متابعة الإمام.
يعني: كونه يأتي بالأفعال بعد الإمام.
الحالات التي تكون بين الإمام والمأموم من حيث (متابعته) أربع حالات: – مسابقة, – وتخلف، – وموافقة، – ومتابعة. فهذه الأربع الحالات تجري من المأموم مع الإمام، فإما أن يسابق المأموم الإمام أو يتخلف عنه أو يتابعه أو يوافقه، وقد قال العلماء: إن المسابقة والتخلف محرمة؛ لأنها تنافي الائتمام، وأما (الموافقة) فهي مكروهة وأما (المتابعة) فهي سنة. و (المسابقة): هي أن يركع قبل ركوع الإمام. و (التخلف): أن يتخلف عن الإمام بأن يفرغ الإمام من الركوع وهو لم يركع. و (الموافقة): النزول مع الإمام تماماً لا يتقدم ولا يتأخر. (المتابعة): بعدما يشرع الإمام في الركن ويستقر فيه يتابعه فيه، بمعنى: أنه إذا استقر راكعاً يبدأ بالركوع ولا يركع معه بحيث يساويه، ولا يتأخر عنه ولا يسابقه, بل يتابعه، فهذه هي السنة.
أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبادروني بركوع ولا سجود)) يعني: لا تسبقوني ولا تفعلوا مثل ما أفعل معي مباشرة، بل إذا أخذت في الركوع فاركعوا
قوله: [(فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت)].
يعني: أنتم إذا فعلتم هذا الفعل لأجل أن يحصل لكم مثل ما يحصل لي، فالذي سبقتكم به عند الركوع يعوضه بقاؤكم عندما أرفع فتكونون قد ركعتم مثل ما ركعت؛ لأنني سبقتكم في البداية وأنتم تأخرتم عني في النهاية، وهذا التأخر ليس تأخراً طويلاً، وإنما هو بمقدار شروع الإمام في الركن الذي وراءه.
قوله: [(إني قد بدنت)]. فسر بأنه قد طعن في السن، أو أنه قد زاد لحمه.”. انتهى.
الوجه الثاني: الفوائد: وفي الحديث: النَّهيُ عن سَبقِ الإمامِ في الصَّلاةِ، والحَثُّ على مُتابَعتِه وأداءِ هَيئاتِ الصَّلاة وحَركاتِها بَعد الإمامِ. [الموسوعة الحديثية]
الوجه الثالث: المسائل المتعلقة بمتابعةُ المأمومِ للإمامِ، وفيه فروع:
الفرعُ الأوَّلُ: حُكمُ متابعةِ المأمومِ للإمامِ
يَجِبُ على المأمومِ الائتمامُ بإمامِه ومتابعتُه، وعدمُ مخالفتِه، وذلك في الجملةِ.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1 – عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأَ فأَنصِتوا، وإذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فقولوا: آمِينَ، وإذا ركَع فارْكعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا ولك الحمد، وإذا سجَد فاسجدُوا، وإذا صلَّى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا أجمعينَ)) [رواه البخاري (734)، ومسلم (414)].
2 – عن أنسِ بنِ مالكٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركِب فرسًا فصُرِع عنه، فجُحِشَ شقُّه الأيمنُ، فصلَّى صلاةً من الصلواتِ وهو قاعدٌ، فصَلَّيْنا وراءَه قعودًا، فلمَّا انصرَف، قال: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، فإذا ركَع فارْكعوا، وإذا رفَع فارْفعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِده، فقولوا: ربَّنا ولكَ الحمدُ)) [رواه البخاري (689)، ومسلم (411)].
3 – عن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتِه وهو شاكٍ، فصلَّى جالسًا وصلَّى وراءَه قومٌ قيامًا، فأشار إليهم أنِ اجلسوا، فلمَّا انصرف قال: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا ركَع فاركعوا، وإذا رفَع فارْفَعوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا)) [رواه البخاري (688)، ومسلم (412)].
4 – عن البراءِ بن عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا نُصلِّي خلفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظَهرَه حتى يضعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جبهتَه على الأرضِ)) [رواه البخاري (811)، ومسلم (474)].
5 – عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أمَا يَخشَى أحدُكم- أو: ألا يَخشَى أحدُكم- إذا رفَعَ رأسَه قبلَ الإمامِ، أن يجعلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ، أو يجعلَ اللهُ صورتَه صورةَ حمارٍ؟!)) [رواه البخاريُّ (691)، ومسلم (427)].
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ حزمٍ، قال: (واتَّفقوا أنَّ مَن فَعَل ما يفعله الإمامُ من ركوع وسجود وقيام بعدَ أنْ فعلَه الإمام، لا معه ولا قبله، فقدْ أصاب). ((مراتب الإجماع)) (ص: 26)، وقال ابنُ عبد البَرِّ: (فقد أجمَع العلماءُ على أنَّ الائتمامَ واجبٌ على كلِّ مأموم بإمامه في ظاهر أفعاله، وأنَّه لا يجوزُ له خلافه لغير عُذر) ((التمهيد)) (6/ 136)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (2/ 170)، وقال ابنُ رُشد: (وأجمَع العلماء على أنَّه يجب على المأموم أن يَتبع الإمامَ في جميع أقواله وأفعاله، إلَّا في قوله: سمِع الله لِمَن حمِده، وفي جلوسه إذا صلَّى جالسًا لمرضٍ عند مَن أجاز إمامةَ الجالس). ((بداية المجتهد)) (1/ 150).
مَسألة: أثَرُ خَطأِ الإمامِ في صلاةِ المأمومِ
ما فَعَله الإمامُ خطأً في الصَّلاةِ، كما لو سلَّم خطأً، أو صلَّى خمسًا، لا يلزمُ منه بُطلانُ صَلاةِ المأمومِ، إذا لم يتابعْه عليه.
الدَّليل من الإجماع: نقَلَ الإجماع على ذلك: قال ابنُ تَيميَّة: (وقدِ اتَّفقوا كلُّهم على أنَّ الإمام لو سلَّم خطأً لم تبطُل صلاةُ المأموم إذا لم يتابعْه، ولو صلَّى خمسًا لم تبطُل صلاة المأموم إذا لم يتابعْه؛ فدلَّ ذلك على أنَّ ما فعله الإمامُ خطأً لا يلزم فيه بطلانُ صلاة المأموم). ((مجموع الفتاوى)) (23/ 378).
الفَرعُ الثَّاني: تخلُّفُ المأمومِ عن إمامِه برُكنٍ مثاله: أن يركع الإمام ويرفع قبل أن يركع المأموم وأيضًا مثل أن يرفع الإمام من السجدة الأولى، ويظل المأموم يدعو الله في السجود إلى أن يسجد الإمام السجدة الثانية. ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/ 188).
اختلف أهلُ العِلْمِ في حُكْمِ تخلُّفِ المأمومِ عن إمامِه برُكْنٍ على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوّل: إذا تخلَّفَ المأمومُ عن إمامِه برُكنٍ واحدٍ لغيرِ عُذرٍ؛ بطلَتْ صلاتُه، وهو مذهبُ الحَنابِلَة، ووجهٌ عند الشافعيَّة، واختارَه ابن عُثَيمين. وسيأتي إن شاء الله نقل كلامه كاملا انظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 465)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/ 14). وخصه الحنابلة بالركوع، قال البهوتي: (وإن تخلف مأموم عن إمامه بركن بلا عذر … فإن كان ركوعًا بطلت وإلا فلا). ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 354)،
قال النوويُّ: (الحال الثاني: أن يتخلَّف عن الإمام، فإنْ تخلَّف بغير عُذر نُظرت؛ فإنْ تخلَّف بركن واحد لم تَبطُل صلاته على الصَّحيح المشهور، وفيه وجهٌ للخُراسانيِّين أنَّها تبطُل) ((المجموع)) (4/ 235)، قال ابنُ عُثيمين: (القول الرَّاجح .. أنَّه إذا تخلَّف عنه- أي: تخلَّف المأمومُ عن الإمام- بُركن لغير عُذر فصلاتُه باطلة، سواء كان الركن ركوعًا، أم غير ركوع) ((الشرح الممتع)) (4/ 188).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1 – عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِل الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا … )) [رواه البخاري (734)، ومسلم (414)].
2 – عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركِب فرسًا فصُرِعَ عنه، فجُحِشَ شقُّه الأيمن …. ُ)) [رواه البخاري (689)، ومسلم (411)].
3 – عن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتِه وهو شاكٍ … )) [رواه البخاري (688)، ومسلم (412)].
وجهُ الدَّلالةِ من الأحاديثِ:
أنَّ قوله: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به)) معناه: أنَّ الائتمامَ يَقتضي متابعةَ المأمومِ لإمامِه؛ فلا يجوزُ له المقارنةُ والمسابقةُ والمخالفةُ [((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/ 250)].
ثانيًا: تَبطُل صلاتُه؛ لأنَّه تركَ الواجبَ عمدًا [((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 466)].
القول الثاني: إذا تخلَّفَ المأمومُ عن إمامِه برُكنٍ واحدٍ بغير عذر لم تبْطُلْ صلاته، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ؛ وذلك لأنَّ تخلُّفَه يسيرٌ. [((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (1/ 285)] [انظر: (الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (1/ 595)، (المجموع)) للنووي (4/ 235) ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 369، 370)، (الفروع)) لابن مفلح (2/ 448 – 446)].
_____
الفرعُ الثَّالِث: أحكامُ مُسابقَةِ الإمامِ
المَسألةُ الأولى: حُكمُ مسابقةِ المأمومِ للإمامِ في تكبيرةِ الإحرامِ
إنْ تَقدَّمَ المأمومُ إمامَه في تكبيرةِ الإحرامِ لم يصحَّ الاقتداءُ أصلًا, وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشافعيَّة, والحَنابِلَة. [انظر: (المبسوط)) للسرخسي (1/ 67)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/ 138)، (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 310)، وينظر: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 74) (ص: 49)، و ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 373) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/ 230)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 265) , ((الإنصاف)) للمرداوي (2/ 167)]]
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا .. )) [رواه البخاري (734)، ومسلم (414)].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به)) دلَّ على أنَّ الائتمامَ لا يتحقَّق إذا لم يُكبِّرِ الإمامُ، أو إذا لم ينتهِ من التكبير؛ لِأَنَّهُ نَوَى الاقْتِداء بمَن لم يَصِرْ إمامًا بل بمَن سيصيرُ إمامًا إذا فرَغ مِن التَّكبِير. [((المبسوط)) للسرخسي (1/ 67)، ((شرح النووي على مسلم)) (4/ 120)].
أنَّ قوله: ((فإذا كبَّر فكبِّروا)). فيه أمرُ المأموم بأن يكونَ تكبيرُه عقبَ تكبيرِ الإمامِ [((شرح النووي على مسلم)) (4/ 120)].
ثانيًا: لأنَّ معنى الاقتداءِ، وهو البناء، لا يُتصوَّر هاهنا؛ لأنَّ البناءَ على العدمِ مُحالٌ [((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/ 138)].
——-
المَسألةُ الثَّانية: مسابقةُ الإمامِ برُكوعٍ، أو رَفْعٍ، أو سُجودٍ
تَحرُمُ مسابقةُ الإمامِ برُكوعٍ، أو رَفْعٍ، أو سُجودٍ.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1 – عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صلَّى بِنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ فلمَّا قضَى الصَّلاةَ أَقبلَ علينا بوجهِه، فقال: أيُّها الناسُ، إنِّي إمامُكم؛ فلا تَسبِقوني بالرُّكوعِ، ولا بالسُّجودِ، ولا بالقيامِ، ولا بالانصرافِ)) [أخرجه مسلم (426)].
2 – عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَا يَخشَى أحدُكُم- أو: ألَا يخشَى أحَدُكُم- إذا رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ، أنْ يجعَلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمَارٍ، أو يجعَلَ صورتَهُ صورَةَ حمَارٍ؟!)) [أخرجه البخاري (691)، ومسلم (427)].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
هذا تهديدٌ لِمَن سابَقَ الإمامَ, ولا تهديدَ إلَّا على فِعلٍ مُحرَّم, أو تَرْكِ واجبٍ [((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/ 111)].
3 – عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به …. )) [رواه البخاري (734)، ومسلم (414)].
4 – عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركِب فرسًا فصُرِعَ عنه، فجُحِشَ شقُّه الأيمنُ، فصلَّى صلاةً من الصلواتِ وهو قاعدٌ … [رواه البخاريُّ (689)، ومسلم (411)].
5 – عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا ركَع فارْكَعوا، وإذا رفَع فارْفَعوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا)) [رواه البخاري (688)، ومسلم (412)].
وجهُ الدَّلالةِ من الأحاديثِ: أنَّ قوله: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به)) معناه: أنَّ الائتمامَ يَقتضي متابعةَ المأمومِ لإمامِه؛ فلا يجوزُ له المقارنةُ والمسابقةُ والمخالفةُ [((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/ 250)].
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعُ نقَل الإجماعَ على ذلك: قال ابنُ تَيميَّة: (أمَّا مسابقة الإمام، فحرامٌ باتفاق الأئمَّة، لا يجوز لأحدٍ أن يركعَ قبل إمامه، ولا يرفع قَبلَه، ولا يسجُد قَبلَه). ((مجموع الفتاوى)) (23/ 336).
ووقَع خلافٌ فيما إذا سابَقَ المأمومُ الإمامَ، ثم عادَ قبل انتقال الإمام؛ قال ابنُ حجر الهيتميُّ: (ومذهبنا: أنَّ مجرَّد رفْع الرأس قبل الإمام، أو القيام أو الهُويِّ قَبْلَه مكروهٌ كراهةَ تنزيه، وأنْ يُسنَّ له العودُ إلى الإمام إنْ كان باقيًا في ذلك الركن، فإنْ سبقَه برُكن كأنْ ركَعَ واعتدلَ- والإمامُ قائم لم يركع- حرُم عليه). ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 242).
——–
المَسألةُ الثَّالثة: سبقُ المأمومِ إمامَه إلى الرُّكنِ
اختلف أهلُ العِلمِ في سَبْقِ المأمومِ إمامَه إلى الرُّكنِ؛ هل تبطُلُ به الصلاةُ؟ على ثلاثةِ أقوالٍ:
القول الأول: أنَّ سَبْقَ المأمومِ للرُّكنِ لا تَبْطُل به الصلاةُ، وهو مذهَبُ الجمهور: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة؛ وذلك لِقِلَّةِ المُخالفةِ.
القول الثاني: أنَّ سَبْقَ المأمومِ للركنِ تَبْطُل به الصَّلاةُ إلَّا إذا رجع فأتى به بعد إمامِه وأدرَكَه فيه، فلا تَبْطُل، وهذا مذهب الحَنابِلَة.
ودليلُ البُطلانِ إذا لم يرجِعْ: أنَّه ترَكَ الواجِبَ عمدًا، ودليلُ عَدَمِ البُطلانِ إذا رَجَعَ: أنَّه سَبْقٌ يسيرٌ، وقد اجتمع معه في الرُّكْنِ بَعْدُ، فحصلَتِ المتابعةُ [((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 465)].
القول الثالث: إذا سَبَقَ المأمومُ إمامَه إلى الركنِ مُتعمِّدًا بطَلَتْ صلاتُه، سواء رجَعَ فأتَى به معه، أو بَعدَه، أم لا وهو روايةٌ عن أحمدَ، وقولٌ للشافعيَّة، وقولُ ابنِ باز، وابنِ عُثَيمين.
الأدلَّة: أولًا:
من السُّنَّة
1 – عن أبي هُرَيرَةَ، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمنا؛ يقول: ((لا تُبادِرُوا الإمامَ؛ إذا كَبَّر فكبِّروا، وإذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، وإذا ركَع فاركعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لكَ الحمدُ)) [رواه مسلم (415)].
2 – عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((أمَا يَخشَى أحدُكُم- أو: ألَا يخشَى أحَدُكُم- إذا رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ، أنْ يجعَلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمَارٍ، أو يجعَلَ صورتَهُ صورَةَ حمَارٍ؟!)) [رواه البخاريُّ (691)، ومسلم (427)].
3 – عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ، فلمَّا قضى الصَّلاةَ أقبل علينا بوجهِه، فقال: ((أيُّها الناسُ، إنِّي إمامُكم؛ فلا تَسبِقوني بالركوعِ ولا بالسُّجودِ، ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ؛ فإنِّي أراكم أمامي ومِن خَلْفي)) [رواه مسلم (426)].
ثانيًا: لأنَّه فَعَلَ محظورًا في الصَّلاةِ، والقاعدة: أنَّ فِعْل المحظورِ عمدًا في العبادة يُوجِب بُطلانَها [((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/ 182)].
——
المَسألةُ الرَّابعة: سَبْقُ المأمومِ إمامَه برُكنٍ
سبق في المسألة السابقة الكلام على سبق المأموم الإمام (إلى) ركن أما هذه المسألة فسبقه بركن
اختلف أهل العلم في حكم سبق المأموم إمامه بركن- كأنْ يَركعَ المأمومُ ويرفعَ قبلَ الإمامِ- على قولين:
القول الأول: إذا سبَقَ المأمومُ إمامَه برُكنٍ متعمِّدًا بطلَتْ صلاتُه، وهو مذهب الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وهو قول جماعة من الشافعية.
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة1 – عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمنا؛ يقول: ((لا تُبادِروا الإمامَ؛ إذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركَع فاركعوا، وإذا قال: سمِعَ اللهُ لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لك الحمدُ)) [رواه مسلم (415)].
2 – عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أمَا يَخشَى أحدُكم- أو: أَلا يَخشَى أحدكم- إذا رفَع رأسَه قبلَ الإمامِ، أنْ يَجعلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يجعلَ اللهُ صورتَه صورةَ حمارٍ)) [رواه البخاري (691)، ومسلم (427)].
3 – عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ، فلمَّا قضَى الصَّلاةَ أقبل علينا بوجهِه، فقال: ((أيُّها الناسُ، إنِّي إمامُكم، فلا تسبقوني بالركوعِ ولا بالسُّجودِ، ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ، فإنِّي أَراكم أمامي ومِن خَلْفي)) [رواه مسلم (426)].
ثانيًا: ولأنَّه فعَلَ محظورًا في الصَّلاةِ، والقاعدة: أنَّ فِعلَ المحظورِ عمدًا في العبادةِ يُوجِبُ بطلانَها [((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/ 182)].
ثالثًا: لأنَّه سَبَقَه بركنٍ كاملٍ، هو معظَمُ الركعةِ، أشبَهَ ما لو سَبَقَه بالسَّلامِ [((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 466)].
القول الثاني: أنَّ السَّبْقَ بركن؛ لا يجوزُ، ويلزَمُه أن يعود إلى متابَعَتِه؛ فإن لم يفعَلْ حتى لَحِقَه فيه لم تَبْطُل صلاتُه، وهو مذهب الشَّافعيَّة [((المجموع)) للنووي (4/ 234)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 373)].
الأَدِلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أبي هريرة، عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أما يخشى أحدُكم- أو: لا يخشى أحَدُكم- إذا رفع رأسَه قبل الإمامِ، أن يجعَلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ، أو يجعَلَ اللهُ صورَتَه صورةَ حمارٍ)) [رواه البخاري (691)، ومسلم (427)].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ السَّبْقَ ببعضِ الرُّكنِ كأنَّ رَكَع قبل الإمامِ ولَحِقَه الإمامُ في الركوعِ، كالسَّبْقِ بركنٍ؛ لا تبطُلُ به الصَّلاةُ [((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 359)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/ 233)].
ثانيًا: ولأنَّه تقَدَّمَ بركنٍ واحدٍ، وهو قدرٌ يسيرٌ ومفارقةٌ قليلةٌ [((المجموع)) للنووي (4/ 234)].
—–
الفرع الرابع: إذا كَبَّرَ المأمومُ مع الإمامِ:
إنْ قارنَ المأمومُ الإمامَ في تَكبيرةِ الإحرامِ لم تَنعقِدْ صلاتُه، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ أبي يُوسفَ من الحَنَفيَّة، وداودَ الظاهريِّ.
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كَبَّر فكبِّروا .. )) [رواه البخاري (734)، ومسلم (414)]. [انظر: الموسوعة الفقهية شبكة الدرر السنية]
————
————
الوجه الثالث: خلاصة أحوال المأموم مع إمامه في الصلاة باعتبار المتابعة:
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع:
” المأمومُ مع إمامِهِ له أحوالٌ أربعٌ:
1 – سَبْقٌ.
2 – تَخَلُّفٌ.
3 – موافقةٌ.
4 – متابعةٌ.
الأول: السَّبْقُ: “بأن يسبق المأموم إمامه في ركن من أركان الصلاة”،
كأن يسجد قبل الإمام أو يرفع قبله أو يسبقه بالركوع أو بالرفع من الركوع، وهو محرم؛ ودليلُ هذا: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: لا تركَعُوا حتى يركعَ، ولا تسجدُوا حتى يسجدَ، والأصلُ في النَّهي التحريمُ، بل لو قال قائلٌ: إنَّه مِن كبائرِ الذُّنوبِ لم يُبْعِدْ؛ لقولِ النَّبيِّ: أما يخشى الذي يرفعُ رأسَه قبلَ الإِمامِ أن يُحَوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يجعلَ صورتَه صورةَ حِمارٍ. وهذا وعيدٌ، والوعيدُ مِن علاماتِ كون الذَّنْبِ مِن كبائرِ الذُّنوبِ.
حكم صلاة من سبق إمامه: متى سَبَقَ المأمومُ إمامَه: عالماً، ذاكراً، فصلاتُه باطلةٌ، وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاتُه صحيحةٌ،
إلا أنْ يزولَ عذره قبل أنْ يُدرِكَهُ الإمامُ فإنه يلزمُه الرجوعُ ليأتيَ بما سَبَقَ فيه بعدَ إمامِه، فإن لم يفعلْ عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه، وإلا فلا.
الثاني: التَّخلُّفُ: والتَّخلُّفُ عن الإِمامِ نوعان:
1 – تخلُّفٌ لعذرٍ.
2 – وتخلُّفٌ لغير عذرٍ.
فالنوع الأول: أن يكون لعذرٍ، فإنَّه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ الإمامَ ولا حَرَجَ عليه، حتى وإنْ كان رُكناً كاملاً أو رُكنين، فلو أن شخصاً سَها وغَفَلَ، أو لم يسمعْ إمامَه حتى سبقَه الإمامُ برُكنٍ أو رُكنين، فإنه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ إمامَه، إلا أن يصلَ الإمامُ إلى المكان الذي هو فيه؛ فإنَّه لا يأتي به ويبقى مع الإِمامِ، وتصحُّ له ركعةٌ واحدةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامهِ الرَّكعةِ التي تخلَّفَ فيها والرَّكعةِ التي وصلَ إليها الإِمامُ. وهو في مكانِهِ. مثال ذلك:
رَجُلٌ يصلِّي مع الإِمامِ، والإِمامُ رَكَعَ، ورَفَعَ، وسَجَدَ، وجَلَسَ، وسَجَدَ الثانيةَ، ورَفَعَ حتى وَقَفَ، والمأمومُ لم يسمعْ المُكبِّرَ إلا في الرَّكعةِ الثانيةِ؛ لانقطاعِ الكهرباء مثلاً، ولنفرضْ أنه في الجمعة، فكان يسمعُ الإِمامَ يقرأُ الفاتحةَ، ثم انقطعَ الكهرباءُ فأتمَّ الإِمامُ الركعةَ الأُولى، وقامَ وهو يظنُّ أنَّ الإِمامَ لم يركعْ في الأُولى فسمعَه يقرأ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الغاشية / 1
فنقول: تبقى مع الإِمامِ وتكونُ ركعةُ الإِمامِ الثانيةِ لك بقية الركعة الأولى فإذا سلَّمَ الإِمامُ فاقضِ الركعةَ الثانيةَ، قال أهلُ العِلمِ: وبذلك يكون للمأمومِ ركعةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامِهِ؛ لأَنه ائتَمَّ بإمامه في الأُولى وفي الثانية.
فإن عَلِمَ بتخلُّفِهِ قبلَ أن يصلَ الإِمامُ إلى مكانِهِ فإنَّه يقضيه ويتابعُ إمامَه، مثاله:
رَجُلٌ قائمٌ مع الإِمامِ فرَكَعَ الإِمامُ وهو لم يسمعْ الرُّكوعَ، فلما قال الإِمامُ: سَمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه سَمِعَ التسميعَ، فنقول له: اركعْ وارفعْ، وتابعْ إمامَك، وتكون مدركاً للركعةِ؛ لأن التخلُّفَ هنا لعُذرٍ.
النوع الثاني: التخلُّف لغيرِ عُذرٍ. إما أن يكون تخلُّفاً في الرُّكنِ، أو تخلُّفاً برُكنٍ. فالتخلُّفُ في الرُّكنِ معناه: أن تتأخَّر عن المتابعةِ، لكن تدركُ الإِمامُ في الرُّكنِ الذي انتقل إليه، مثل: أن يركعَ الإِمامُ وقد بقيَ عليك آيةٌ أو آيتان مِن السُّورةِ، وبقيتَ قائماً تكملُ ما بقي عليك، لكنك ركعتَ وأدركتَ الإِمامَ في الرُّكوعِ، فالرَّكعةُ هنا صحيحةٌ، لكن الفعلَ مخالفٌ للسُّنَّةِ؛ لأنَّ المشروعَ أن تَشْرَعَ في الرُّكوعِ من حين أن يصلَ إمامك إلى الرُّكوعِ، ولا تتخلَّف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رَكَعَ فاركعوا.
والتخلُّفُ بالرُّكنِ معناه: أنَّ الإِمامَ يسبقك برُكنٍ، أي: أن يركَعَ ويرفعَ قبل أن تركعَ. فالفقهاءُ رحمهم الله يقولون: إذا تخلَّفتَ بالرُّكوعِ فصلاتُك باطلةٌ كما لو سبقته به، وإنْ تخلَّفتَ بالسُّجودِ فصلاتُك على ما قال الفقهاءُ صحيحةٌ؛ لأنه تَخلُّفٌ برُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ.
ولكن القولَ الراجحَ أنَّه إذا تخلَّفَ عنه برُكنٍ لغيرِ عُذرٍ فصلاتُه باطلةٌ، سواءٌ كان الرُّكنُ ركوعاً أم غير ركوع. وعلى هذا؛ لو أنَّ الإِمامَ رَفَعَ مِن السجدةِ الأولى، وكان هذا المأمومُ يدعو اللهَ في السُّجودِ فبقيَ يدعو اللهَ حتى سجدَ الإِمامُ السجدةَ الثانيةَ فصلاتُه باطلةٌ؛ لأنه تخلُّفٌ بركنٍ، وإذا سبقه الإِمامُ بركنٍ فأين المتابعة؟
الثالث: الموافقة: والموافقةُ: إما في الأقوالِ، وإما في الأفعال، فهي قسمان:
القسم الأول: الموافقةُ في الأقوالِ فلا تضرُّ إلا في تكبيرةِ الإِحرامِ والسلامِ. أما في تكبيرةِ الإِحرامِ؛ فإنك لو كَبَّرتَ قبلَ أن يُتمَّ الإِمامُ تكبيرةَ الإِحرام لم تنعقدْ صلاتُك أصلاً؛ لأنه لا بُدَّ أن تأتيَ بتكبيرةِ الإِحرامِ بعد انتهاءِ الإِمامِ منها نهائياً.
وأما الموافقةُ بالسَّلام، فقال العلماءُ: إنه يُكره أن تسلِّمَ مع إمامِك التسليمةَ الأُولى والثانية، وأما إذا سلَّمت التسليمةَ الأولى بعدَ التسليمة الأولى، والتسليمةَ الثانية بعد التسليمةِ الثانية، فإنَّ هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلِّمَ إلا بعد التسليمتين.
وأما بقيةُ الأقوالِ: فلا يؤثِّرُ أن توافق الإِمامَ، أو تتقدَّم عليه، أو تتأخَّرَ عنه، فلو فُرِضَ أنك تسمعُ الإِمامَ يتشهَّدُ، وسبقتَه أنت بالتشهُّدِ، فهذا لا يضرُّ لأن السَّبْقَ بالأقوالِ ما عدا التَّحريمةِ والتسَّليمِ ليس بمؤثرٍ ولا يضرُّ، وكذلك أيضاً لو سبقتَه بالفاتحة فقرأت: ولا الضالين [الفاتحة] وهو يقرأ: إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة] في صلاةِ الظُّهرِ مثلاً، لأنه يُشرعُ للإِمامِ في صلاةِ الظُّهر والعصرِ أن يُسمِعَ النَّاسَ الآيةَ أحياناً كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلُ.
القسم الثاني الموافقةُ في الأفعالِ وهي مكروهةٌ.
مثال الموافقة: لما قالَ الإِمام: الله أكبر للرُّكوعِ، وشَرَعَ في الهوي هويتَ أنت والإِمامُ سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال: إذا رَكع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ وفي السُّجودِ لما كبَّرَ للسجودِ سجدتَ، ووصلتَ إلى الأرضِ أنت وهو سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فقال: لا تسجدوا حتى يسجدَ.
الرابع: المتابعة: المتابعة هي السُّنَّةُ، ومعناها: أن يَشْرَعَ الإنسانُ في أفعالِ الصَّلاةِ فَوْرَ شروعِ إمامِهِ، لكن بدون موافقةٍ.
فمثلاً: إذا رَكَعَ تركع؛ وإنْ لم تكملْ القراءةَ المستحبَّةَ، ولو بقيَ عليك آيةٌ، لكونها توجب التخلُّفَ فلا تكملها، وفي السُّجودِ إذا رفعَ مِن السجودِ تابعْ الإِمامَ، فكونك تتابعُه أفضلُ من كونك تبقى ساجداً تدعو الله؛ لأنَّ صلاتَك ارتبطت بالإِمامِ، وأنت الآن مأمورٌ بمتابعةِ إمامِكِ”. انتهى بتصرف يسير، انظر الشرح الممتع 4/ 275
وينبغي ألا يشرع المأموم في الانتقال إلى الركن حتى يصل إليه الإمام، فلا يبدأ في الآنحناء للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض.
قال البراءُ بن عَازب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النبي صلى الله عليه وسلم سَاجداً، ثم نَقَعُ سجوداً بعدَه. رواه البخاري (690) ومسلم (474).