1117 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1117):
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو بكر عن عاصم عن أبي صالح عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية)).قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث حسن.
===================
ذكر الدارقُطني في العلل الخلاف في اسانيده ورجح هذه الطريق فهو حديث حسن
والحديث سيكون عن الحديث من وجوه:
الوجه الأول: الحديث جعله الوادعي رحمه الله تعالى في كتابه (الجامع): جعله الوادعي رحمه الله تعالى في كتاب: الإمارة، وترجم عليه: الواجب على المسلمين أن يسعوا إلى إيجاد إمام قريشي عادل. (4/ 451).
الوجه الثاني: شرح وفقه الحديث قال معاوية رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات بغير إمام)) معناه: أنه يجب على الإنسان أن يجعل له إماماً – حاكمًا -، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام؛ لأن هذا مخالف لقول الله -عزَّ وجلَّ- الذي قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59].
وهذا الذي مات وليس في عنقه بيعة شاذٌّ خارجٌ عن سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال.
ويدل على ذلك ما أخرجه رواه مسلم (1851) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) أي: بيعة الإمام، وهذا واضح الدلالة على وجوب نصب الإمام؛ لأنه إذا كانت البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، فنصب الإمام واجب.
ومن خرج عن ولاية إمامه الشرعي بعد أن كان تحت بيعته فلا يبقى تحت راية شرعية بعد المبايعة فهذا كالخروج عليه.
والبيعة لغير ولي الأمر باطلة، سواء أن كانوا على صورة جماعات منشقة واضحة أو فِرق مبتدعة تستر نفسها تحت جماعة المسلمين؛ لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقول: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
قوله ((مات ميتة جاهلية)) أي: مات على الضَّلالَةِ كما يموتُ أهلُ الجاهليَّةِ عليها مِن جِهَةِ أنَّهم كانوا لا يَدخُلون تحتَ طاعةِ أميرٍ ويَرَوْنَ ذلك عَيْبًا، بل يكون ضَعِيفُهم نَهْبًا لِقَوِيِّهم. [انظر: اللقاء الباب المفتوح للشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ج1 ص22)، موسوعة الحديث – الدرر السنية – بتصرف]
وقال الوادعي رحمه الله تعالى: ” إذا كان هناك إمام للمسلمين قرشي، وطلب البيعة فواجب على المسلمين أن يبايعوه، وهذا هو المشروع، واستبدل بها المقلدون لأعداء الإسلام التصويتات والانتخابات وهذا باطل، فالرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كان يأخذ البيعة على أصحابه: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}
وإذا وثب عليها – غير قرشي – واستتب له الأمر فيبايع، أما هذه الجماعات التي تعتبر مبتدعة، وفرقت شمل المسلمين، وأضعفتهم فليس لها بيعة، والبيعة لها تعتبر باطلة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقول: ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد “.
—
سؤال: هل تأسيس الخلافة واجب على كل مسلم؟
جواب: في حدود ما يستطيع المسلمون، واجب عليهم أن يسعوا في إيجاد الخلافة الإسلامية، ولسنا نقول كالشيعة: إن أول واجب هو وجود الإمام، بل أول واجب هو أن يعلم الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله، فالنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أرسل معاذاً إلى اليمن وقال: ((إنك ستأتي قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله …. )).
سؤال: هل هذا الحديث: ” من مات ولم يبايع ” متواتر لفظي أم معنوي؟
جواب: ورد عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – من طرق وهو صحيح، وإذا ثبت الحديث وجب العمل به ووجب قبوله بحسب الحكم الذي يترتب عليه، فتقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد هو تقسيم معتزلي تلقاه أصحاب أصول الفقه كما ذكره السيوطي في (تدريب الراوي).
راجع كتاب غارة الأشرطة (2/ 221 – 222) “. [موقع صفحات الشيخ أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى، تحت سؤال عن شرح حديث: ((من مات ولم يبايع مات ميتة جاهلية))].
الوجه الثالث: المسائل المتعلقة بالباب المسألة الأولى: بعض ما ورد في وجوب نصب الإمام، وبيعته:
1) القرآن الكريم1 – قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، أورد الطبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن أولي الأمر هم الأمراء)، ثم قال الطبري: (أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة)، وقال ابن كثير: (الظاهر – والله أعلم أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء)) وهذا هو الراجح. ووجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله سبحانه أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر؛ “لأن الله تعالى لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب”، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده، فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم.
2 – ومن الأدلة أيضًا قول الله تعالى مخاطبًا الرسول – صلى الله عليه وسلم -: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ … } [المائدة: 83]، وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49].فهذا الأمر من الله تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم – بأن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله – أي بشرعه -، وخطاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصصه به، وهنا لم يرد دليل على التخصيص، فيكون خطابًا للمسلمين جميعًا بإقامة الحكم بما أنزل الله إلى يوم القيامة، ولا يعني إقامة الحكم والسلطان إلا إقامة الإمامة؛ لأن ذلك من وظائفها ولا يمكن القيام به على الوجه الأكمل إلا عن طريقها، “فتكون جميع الآيات الآمرة بالحكم بما أنزل الله دليلاً على وجوب نصب إمام يتولى ذلك” .. ، والله أعلم.
3 – ومن الأدلة أيضًا قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].فمهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن أتى بعدهم من أتباعهم أن يقيموا العدل بين الناس على وفق ما في الكتاب المنزل، وأن ينصروا ذلك بالقوة، وهذا لا يأتي لأتباع الرسل إلا بتنصيب إمام يقيم فيهم العدل، وينظم جيوشهم المناصرة، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر .. فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده) اهـ (4).
4 – ومن الأدلة القرآنية أيضًا جميع آيات الحدود والقصاص ونحوها من الأحكام التي يلزم القيام بها وجود الإمام. وآيات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها من الآيات، “فالواقع أن جميع الآيات القرآنية التي نزلت بتشريع حكم من الأحكام التي تتعلق بموضوع الإمامة وشؤونها جاءت على أساس أن قيام الإمامة الشرعية والقيادة العامة في المجتمع الشرعي شيء مفروغ من إثباته ولا نقاش في لزومه؛ ذلك لأن الأحكام المشار إليها من الأمور التي يتوقف امتثالها وتنفيذها على وجود الإمام؛ لأنها من مسؤولياته ووظائفه”، فتشريع مثل هذه الأحكام يلزمه مسبقًا المفروغية من تشريع حكم لزوم الإمامة وقيام الدولة الإسلامية في المجتمع المسلم، وهذا ينبهنا إلى أن لزوم الإمامة وإقامة الدولة في المجتمع الإسلامي من بدهيات وضروريات الشريعة الإسلامية.
2) السنة النبوية الصحيحة.
أ- الأدلة من السنة القولية:
روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أحاديث كثيرة فيها دلالة على وجوب نصب الإمام، ومن هذه الأدلة ما يلي:
1 – ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) رواه مسلم (1851)، أي: بيعة الإمام، وهذا واضح الدلالة على وجوب نصب الإمام لأنه إذا كانت البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، فنصب الإمام واجب.
2 – ومنها روي من الأحاديث في إمارة السفر، ((لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا أحدهم)) [رواه أحمد (2/ 176) (6647)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) (4/ 84). من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، وقال ابن حجر في ((فتح الباري) (11/ 87): في سنده ابن لهيعة، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (10/ 134)]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإذا كان قد أوجب في أقلِّ الجماعات وأقصر الاجتماعات، أن يولى أحدهم، كان هذا تشبيهًا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك) [((الحسبة)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: 11)].
وغيرها من الأحاديث.
وقد تواتر عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم بايعوا أبا بكر رضي الله عنه بالخلافة بعد لحاق النبي – صلى الله عليه وسلم – بالرفيق الأعلى، ثم استخلف أبو بكر عمر رضي الله تعالى عنهما، ثم استخلف عمر أحد الستة الذين اختاروا عثمان رضي الله عنه، ثم بعد استشهاده بايعوا عليًا بالخلافة، فهذه سنتهم رضي الله عنهم في الخلافة، وعدم التهاون في منصبها، فوجب الاقتداء بهم في ذلك بأمر النبي – صلى الله عليه وسلم -.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على وجوب طاعة الحكام فيما لا معصية فيه، وأحاديث البيعة، والأمر بالوفاء بها للأول فالأول، وحرمة الخروج على أئمة المسلمين، والحث على ضرب عنق من جاء ينازع الإمام الحق، … كل هذه الأحاديث تقتضي وجود الإمام المسلم، فدلّ ذلك على وجوب نصبه. والله أعلم.
ب – من السنة الفعلية:
إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أقام أول حكومة إسلامية في المدينة، وصار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أول إمام لتلك الحكومة، فبعد أن هيأ الله لهذا الدين من ينصره ورسوله بدأ – صلى الله عليه وسلم – في تشييد أركانها، فأصلح ما بين الأوس والخزرج من مشاكل وحروب طاحنة قديمة، ثم آخى بين الأنصار والمهاجرين، ونظم الجيوش المجاهدة لنشر هذا الدين والذود عن حماه، وقد أرسل الرسل والدعوات إلى ملوك الدول المجاورة يدعوهم إلى الإسلام، وعقد الاتفاقات والمعاهدات مع اليهود وغيرهم، وأبان أحكام الأسرى وما يتعلق بهم، وأحكام الحرب وأهل الذمة، وقام بتدبير بيت مال المسلمين وتوزيعه كما أمر الله عز وجل، وعيَّن الأمراء والقضاة لتدبير شؤون المسلمين، وأقام الحدود الشرعية والعقوبات .. إلى غير ذلك من مظاهر الدولة ووظائف الإمامة. يقول الإمام الشاطبي في الاعتصام رحمه الله: (ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة).
ومن المعلوم أن قيام هذه الدولة وزعامته – صلى الله عليه وسلم – لها لم يكن هدفًا له في حد ذاته، وإنما هو من مستلزمات هذا الدين الذي لا يتم إلا به، كيف وقد عرضت عليه قريش من أول وهلة الملك عليها من دون تعب ولا جهاد، وإنما بترك سبِّ آلهتهم، فرفض ذلك رفضًا باتًا.
وإنما كان هدفه الوحيد – صلى الله عليه وسلم – القيام بتبليغ هذه الرسالة وحملها إلى الناس، واتخاذ كافة الوسائل المؤدية إلى ذلك، ومن هذه الوسائل قيام الدولة الإسلامية، فهي واجبة لهذا الغرض، ولأنها من مستلزمات هذا الدين …
فالمقصود أن فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – في تولية زعامة الدولة الإسلامية الأولى دليل على وجوب الإمامة، حيث إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان مبينًا للأحكام الشرعية بقوله وفعله وإقراره، وفعله – صلى الله عليه وسلم – يقتضي الوجوب إذا لم يكن مختصًا به – صلى الله عليه وسلم – ولا جبلِّيا ولا مترددًا بين الجبلي وغيره، ولا بيانًا لمجمل كقطع يد السارق ونحوه؛ لقوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158.]، ولقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا … } [الحشر: 7] ولقوله عز من قائل كريمًا {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً … } [الأحزاب: 63] قال ابن النجار: (فلولا الوجوب لما رفع تزويجه الحرج عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم) [((شرح الكوكب المنير)) (2/ 190)].
3) الإجماع: يقول الإمام ابن حزم: “اتفق جميع أهل السنة، وجميع المرجئة، وجميع الشيعة، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حاشا النجدات من الخوارج -؛ فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم”. اانتهى. [((تفسير القرطبي)) (1/ 264]
وقال القرطبي: “ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة، إلا ما روي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم. وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه”. انتهى. [((تفسير القرطبي)) (1/ 264)] والموجبون لها منهم من يرى وجوبها عن طريق الشرع، ومنهم من يوجبها عقلاً.
4) القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)
ومن الأدلة على وجوب الإمامة القاعدة الشرعية القائلة بأن: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، وقد علم أن الله سبحانه وتعالى أمر بأمور ليس في مقدور آحاد الناس القيام بها، ومن هذه الأمور: إقامة الحدود وتجهيز الجيوش المجاهدة لنشر الإسلام، وإعلاء كلمة الله، وجباية الزكاة وصرفها في مصارفها المحددة، وسد الثغور وحفظ حوزة المسلمين، ونشر العدل ودفع الظلم، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد .. إلى غير ذلك من الواجبات التي لا يستطيع أفراد الناس القيام بها، وإنما لا بد من إيجاد السلطة وقوةٌ لها حق الطاعة على الأفراد، تقوم بتنفيذ هذه الواجبات، وهذه السلطة هي الإمامة.
فبناء على ذلك يجب تعيين إمام يخضع له ويطاع، ويكون له حق التصرف في تدبير الأمور حتى يتأتى له القيام بهذه الواجبات، وفي هذا يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: “لا بد للناس من إمارة بَرَّة كانت أو فاجرة” قالوا: يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ قال: “يقام بها الحدود، وتأمن بها السبل ويجاهد بها العدو، ويقسم بها الفيء”. [((منهاج السنة)) (1/ 146)، و ((السياسة الشرعية))].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض”؛ ويقول معللاً ذلك: “لأن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة). [((السياسة الشرعية)) لابن تيمية ص: (161 – 162)]
ويقول ابن حزم: “وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله من الأحكام عليهم في الأموال، والجنايات، والدماء، والنكاح، والطلاق، وسائر الأحكام كلها، ومنع الظالم، وإنصاف المظلوم، وأخذ القصاص على تباعد أقطارهم وشواغلهم، واختلاف آرائهم، وامتناع من تحرى في كل ذلك ممتنع غير ممكن .. ” إلى أن قال: ” … وهذا الذي لا بد منه ضرورة، وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها، فإنه لا يقام هناك حكم حق، ولا حدّ حتى قد ذهب الدين في أكثرها، فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد أو أكثر … ” [((الفصل في الملل والنحل)) (4/ 72)].
5) دفع أضرار الفوضى
كما أن من الأدلة على وجوب الإمامة دفع أضرار الفوضى؛ لأن في عدم اتخاذ إمام معين من الأضرار والفوضى ما لا يعلمه إلا الله، ودفع الضرر وحماية الضروريات الخمس – الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل – واجب شرعًا، ومن مقاصد الشريعة حفظها. وهذا لا يتم إلا بإقامة إمام للمسلمين، فدل على وجوبه، قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية محمد بن عوف بن سفيان الحمصي: “الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس” [((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: 19) و ((السنة)) (1/ 81)، و ((طبقات الحنابلة)) (1/ 311) بلفظ (بأمر المسلمين)].
ويقول ابن المبارك رحمه الله:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا [انظر: ((الحلية)) لأبي نعيم (8/ 164)]
وخير دليل على ذلك: الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، ففيه دلالة قاطعة على أنه لن تقوم للإسلام قائمة إلا بالرجوع إلى الله، ثم إقامة حكم الله على هذه الأرض وفق ما ارتضى لها ربها عز وجل. [الموسوعة العقدية].
المسألة الثانية: تفسير الشيعة للأحاديث الواردة:
الأول: حول الأحاديث والألفاظ الواردة في الباب، ومعنى ذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في رده على ” الحلي ” الرافضي استدلاله بهذا الحديث-: ” قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)) يقال له:
أولا: من روى هذا الحديث بهذا اللفظ؟ وأين إسناده؟! وكيف يجوز أن يحتج بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير بيان الطريق الذي به يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؟!
وهذا لو كان مجهول الحال عند أهل العلم بالحديث، فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف، إنما الحديث المعروف، مثل ما روى مسلم في صحيحه عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد ابن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعته يقول: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))
وهذا حدث به عبد الله بن عمر لعبد الله بن مطيع بن الأسود لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد، مع أنه كان فيه من الظلم ما كان، ثم إنه اقتتل هو وهم، وفعل بأهل الحرة أمورا منكرة، فعلم أن هذا الحديث دل على ما دل عليه سائر الأحاديث الآتية من أنه لا يخرج على ولاة أمور المسلمين بالسيف، وأن من لم يكن مطيعا لولاة الأمور مات ميتة جاهلية، وهذا ضد قول الرافضة، فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة الأمور، وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرها، ونحن نطالبهم أولا بصحة النقل.
ثم بتقدير أن يكون ناقله واحدا، فكيف يجوز أن يثبت أصل الإيمان بخبر مثل هذا الذي لا يعرف له ناقل، وإن عرف له ناقل أمكن خطؤه وكذبه، وهل يثبت أصل الإيمان إلا بطريق علمي.
[منهاج السنة النبوية (1/ 59)]
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله:”وهذا الحديث رأيته في بعض كتب الشيعة، ثم في بعض كتب القاديانية، يستدلون به على وجوب الإيمان بدجالهم ميرزا غلام أحمد المتنبي، ولو صح هذا الحديث لما كان فيه أدنى إشارة إلى ما زعموا، و غاية ما فيه: وجوب اتخاذ المسلمين إماما يبايعونه، وهذا حق كما دل عليه حديث مسلم وغيره.
ثم رأيت الحديث في كتاب ” الأصول من الكافي ” للكليني من علماء الشيعة (1/ 377)، رواه عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله مرفوعا، وأبو عبد الله هو الحسين بن علي رضي الله عنهما.
لكن الفضيل هذا – وهو الأعور – أورده الطوسي الشيعي في “الفهرست” (ص126)، ثم أبو جعفر السروي في “معالم العلماء” (ص81)، ولم يذكرا في ترجمته غير أن له كتابا!
وأما محمد بن عبد الجبار فلم يورداه مطلقا، وكذلك ليس له ذكر في شيء من كتبنا.
فهذا حال هذا الإسناد الوارد في كتابهم ” الكافي ” الذي هو أحسن كتبهم كما جاء في المقدمة (ص 33).
ومن أكاذيب الشيعة التي لا يمكن حصرها قول الخميني في “كشف الأسرار” (ص197): وهناك حديث معروف لدى الشيعة وأهل السنة، منقول عن النبي: … ثم ذكره دون أن يقرنه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذه عادته في هذا الكتاب!
فقوله: وأهل السنة كذب ظاهر عليهم؛ لأنه غير معروف لديهم كما تقدم، بل هو بظاهره باطل إن لم يفسر بحديث مسلم كما هو محقق في ” المنهاج ” و ” مختصره “، و حينئذ فالحديث حجة عليهم فراجعهما ” انتهى. [السلسلة الضعيفة] (رقم/350)]
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) أو كما قال.
فما المقصود بالحديث في العصر الراهن، وكيف نفهمه ونطبقه؟
فأجابت:
الحديث الأول: لا نعلم صحته بهذا اللفظ.
وأما الحديث الثاني: فأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن نافع رحمه الله قال: لما خلعوا يزيد واجتمعوا على ابن مطيع أتاه ابن عمر رضي الله عنه …
ومعنى الحديث: أنه لا يجوز الخروج على الحاكم (ولي الأمر) إلا أن يرى منه كفرا بواحا، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، كما أنه يجب على الأمة أن يؤمروا عليهم أميرا يرعى مصالحهم ويحفظ حقوقهم ” انتهى. [فتاوى اللجنة الدائمة (4/ 419)].
إذا فالفرق بين أهل السنة والشيعة في هذين الحديثين هو أن الحديث الذي اخترعه الرافضة يوجب على المسلمين الإيمان بالإمامة التي هي في مقام النبوة عندهم، حيث يعتقدون العصمة للأئمة، ويعتقدون ولايتهم عن الله سبحانه وتعالى، ونحو ذلك من العقائد البدعية المضلة.
أما أهل السنة فيفهمون من الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم ضرورة طاعة ولاة أمور المسلمين – إذا أقاموا الدين والعدل -، وهو مضمون حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أيضا، حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ)) رواه البخاري (3606) ومسلم (1847)، فالمقصود لزوم جماعة المسلمين، وعدم شق عصا الفتنة والفرقة، والسمع للإمام الذي هو الحاكم في غير معصية.
ثانيًا: من عقائد الشيعة، والواجبات فيه على كل شيعي الإيمان بإمامة اثني عشر إماماً في مقدمتهم سيدنا عليّ رضي الله عنه وآخرهم محمد بن الحسن العسكري.
الفرع الأول: مفهوم الإمامة عند الشيعة الأثنى عشرية:
تعريف الإمامة عند الشِّيَعة، 1) فقد قال صاحب كتاب (الإمامة): “الإمام في حقيقته هو تعبير عن مرجع متخصص في أمور الدين، وهو خبير حقيقي به بحيث لا يداخل معرفته الخطأ ولا يلابسها الاشتباه”.
2) وتعريف آخر يبرز أهمية الإمامة لدى الشِّيَعة، وفيه يقول: “نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين مهما عظموا وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة”.
3) وكما ذكر مُطَهَّرِي، قائلاً:”عندما نريد نحن الشِّيَعة أن نعد أصول الدين انطلاقاً من رؤيتنا المذهبية، نقول: إنها التوحيد والنبوة والعدل والإمامة والمعاد، إي إننا ندخل الإمامة في نطاق أصول الدين”.
فالإمامة عند الشِّيَعة كما هو واضح في التعريفات السالفة أصل في الدين، والإمام يجب أن يكون متخصصاً في أمور الدين بل يكون معصوم لا يخطأ، بل جعلوها في منزلة التوحيد والنبوة.
[انظر: مع الشِّيَعة الإمامية في عقائدهم، جعفر السبحاني ص54، ط1/ 1413ه، وانظر: المهدي المنتظر عند الشِّيَعة الاثني عشرية، ص13، والإمامة، مرتضى المطهري، ترجمة: جواد علي كسار، ص (99،37)، دار الحوراء للطباعة والنشر والتوزيع، وعقائد الإِمَامِيَّة، لمحمد رضا المظفر، ص73، تاريخ الطبعة:1422ه، مركز الأبحاث العقائدية بإيران].
الفرع الثاني: اعتقادات الشيعة لمن وصف بالإمامةللشيعة الإمامية في الإمام اعتقاد خاص يخالف ما عليه جمهور المسلمين – إذ يعتقدون أن الإمامة ركن من أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والشهادتين، – وهي عندهم أمر عينه النبي صلى الله عليه وسلم نصاً وتعينا، – وللأئمة عندهم منزلة قد تصل إلى مرتبة الأنبياء، – وقد وصل بالشيعة الأمر أن يكفروا من لم يقر بأمر الإمامة، فهم يعتبرون الإمامة أصلاً من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، فمن لم يذهب مذهبهم في الإمامة فهم يجمعون على أنه غير مؤمن، وإن اختلفوا في تفسير غير المؤمن هذا، فمن قائل بكفره ومن قائل بالفسق، وأكثرهم اعتدالا يذهب إلى أنه ليس مؤمنا بالمعنى الخاص وإنما هو مسلم بالمعنى العام، ما لم يكن مبغضا للأئمة وشيعتهم، فضلا عن حربهم فهو يعد كافرا عند جميع الجعفرية.
– بل إن إنكار الإمامة عندهم شر من إنكار النبوة، فقد ذكر الحلي بأن إنكار الإمامة شر من إنكار النبوة حيث قال: “الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص، لإمكان خلو الزمان من نبي حي، بخلاف الإمام وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص”.
– بل يعتبرون أن منكر الإمامة شر من اليهود والنصارى، ولأن اعتقادهم في الإمامة هو أصل الأصول، لدرجة أنهم يقولون بعدم حجية القرآن إلا بالقيم أي: الإمام.
يقول الكليني: “القرآن لا يكون حجة إلا بقيم وإن علياً كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، كان الحجة على الناس بعد رسول الله”. [((أصول الكافي)) في (1/ 78) وانظر: ((رجال الكشي)) (ص: 420)، ((وسائل الشيعة)): الحر العاملي (8/ 141)]
ومعنى ذلك: أن النص القرآني لا يكون حجة إلا بالرجوع للإمام، ولذلك سموا الإمام بالقرآن الناطق، والقرآن بالقرآن الصامت، ويروون عن علي رضي الله عنه: أنا كتاب الله الناطق.
ويقولون: إن الإمام هو القرآن نفسه ويزعمون أنه لم يفسر القرآن إلا رجل واحد، وإذا كانت حجية القرآن في علي فقط ثم انتقلت إلى باقي الأئمة حتى الإمام الغائب منذ ما يزيد على أحد عشر قرنا، فمعنى ذلك أن الاحتجاج بالقرآن متوقف على رجوعه. [موسوعة الفرق الدرر السنية]
الوجه الرابع: فوائد الباب:
في الحديثِ: وجوب اتخاذ المسلمين إماما يبايعونه. وفيه: الأمرُ بطاعةِ الأُمراءِ ووُلاةِ الأمورِ على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ.
وفيه: الأمرُ بملازمةِ الجماعةِ.
وفيه: أهميَّةُ البَيْعةِ والحثُّ عليها.
وفيه: النهيُ عن الخروجِ على الأُمراءِ ووُلاةِ الأمورِ.