: 159 جامع الأجوبة الفقهية ص 197
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
باب المسح على الخفين
مسألة: المسح على الخف المخرق
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
صورة المسألة: هل يجوز المسح على الخف المخرق في محل الفرض؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال وهي:
– القول الأول: أنه يجوز المسح عليه مطلقاً ما أمكن المشي فيها، وهو قول سفيان الثوري، وإسحاق، وابن المبارك، وابن عيينة وداود وأبو ثور، ونصره ابن حزم واختاره ابن المنذر وابن تيمية، والشيخ الألباني وابن عثيمين ومقبل
انظر: ابن المنذر في الأوسط (1/ 448)، المحلى 216، مجموع الفتاوى (21/ 172)، إتمام النصح في أحكام المسح (ص:4)، فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين (118/ 25).
– واحتجوا بعدة أدلة منها:
1 – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مسح على الخفين، وأذن بالمسح، وإذنه – صلى الله عليه وسلم – عام مطلق لم يشترط فيه كونه سليماً من العيوب، فكلما وقع عليه اسم خف، فالمسح عليه جائز على ظاهر الأخبار، ولا يستثنى من الخفاف شيء إلا بسنة أو إجماع، وتقييد ما أطلقه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – لا يجوز كإطلاق ما قيده الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – سواء بسواء.
واجيب عنه: بأنه محمول على المعهود وهو الخف الصحيح.
2 – اشتراط كون الخف سليماً من الخروق هذا الشرط هل هو في كتاب الله، أو في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو من عمل الصحابة رضوان الله عليهم، فإن لم يكن، فكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط.
3 – معظم الصحابة فقراء، وخفافهم لا تخلو من فتوق أو خروق، ولو كان الفتق والخرق مؤثراً لوجب على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبينه لهم؛ لأن الأمر متعلق بالصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية، فلما لم يبينه لهم علم أن الفتق والخرق لا يمنع من المسح. وهذا من أوضح الأدلة.
4 – فعل الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن تيمية: ” أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – الذين بلغوا سنته، وعملوا بها، لم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفين، مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم – صلى الله عليه وسلم – جواز المسح على الخفين مطلقاً.
5 – اشتراط كون الخفاف سليمة من الخروق ينافي المقصود من الرخصة، فإن المقصود من المسح على الخفين التيسير على المكلفين، ولهذا اكتفى الشرع بمسح ظاهره، بينما في غسله يجب غسل جميع القدم، قال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق عليه: ويل للأعقاب من النار، فلو قلنا: لا يجوز المسح إلا على الخف السليم بطل المقصود من الرخصة، لا سيما والذين يحتاجون إلى ذلك هم الأكثر، وهم المحتاجون، وهم أحق بالرخصة من غير المحتاجين، فإن سبب الرخصة هو الحاجة.
قالوا: أن المخرق لا يلبس غالبا فلا تدعو إليه الحاجة.
6 – تناقض قول من يشترط أن يكون الخف ساتراً لما يجب غسله خالياً من الخروق يدل على ضعف الشرط، فبعضهم يقول: لا يجوز، ولو كان الخرق بمقدار رأس المخراز، وبعضهم يمنع ظهور ثلاثة أصابع، ولا يمنع ما دونها، وبعضهم يحده بالثلث، وبعضهم يوجب غسل ما ظهر، ومسح الباقي، فهذا الاختلاف دليل على أن الأمر ليس من عند الله، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء، آية: 82) فالتحديد بمقدار معين لابد فيه من توقيف شرعي، فإنه لا يبدو فرق بين الأصبعين والثلاثة، ولا ما بين الثلث وما دون الثلث بقليل.
7 – إذا كان المسح على الخفين إنما شرع لمشقة نزعهما، فلا فرق في ذلك بين الخف الذي فيه خرق، وبين الخف الذي لا خرق فيه، فالمشقة موجودة فيهما.
8 – قالوا: إذا كان لبس الخف المخرق محرماً على المُحْرِم، ويسمى خفاً، فلما لم يخرجه خرقه عن مسمى الخف لم يمنع من المسح عليه لبقاء اسم الخف عليه.
واجيب: بأن إيجاب الفدية منوط بالترفه وهو حاصل بالمخرق والمسح منوط بالستر ولا يحصل … بالمخرق ولهذا لو لبس الخف في إحدى الرجلين لا يجوز المسح ولو لبسه محرم وجبت الفدية
– القول الثاني: أنه لا يمسح عليه مطلقاً، ما دام أنه يظهر منه شيء، وهو القول الجديد في مذهب الشافعية، والمشهور عند الحنابلة.
انظر: الحاوي (1/ 362)، المجموع (1/ 522)، الفروع (1/ 159)، الإنصاف (1/ 181،182)، المغني لابن قدامة (1/ 216)
– واحتجوا بما يلي:
1 – أن الأصل وجوب غسل الرجلين، قال تعالى {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأجلكم إلى الكعبين} (المائدة، آية: 6). وجه الدلالة: أن مطلق الآية يوجب غسل الرجلين إلا ما قام دليله من المسح على خفين صحيحين.
وأجيب: بل الإذن مطلق لكل ما يسمى خفاً، فأين الدليل على كون الخفين صحيحين، فهذا هو موضع النزاع، فلو كان الدليل يدل على اشتراط كون الخفين صحيحين لم نختلف معكم، ولكن لا يوجد دليل يدل على اشتراط ذلك.
2 – قالوا: إذا انكشفت إحدى الرجلين لم يجز المسح على الأخرى، فكذلك إذا انكشف بعض القدم لم يجز المسح على الباقي من باب أولى؛ لأنه إذا كان انكشاف إحدى الرجلين يؤثر على الأخرى، وهي منفصلة عنها، فكونه يؤثر في الرجل نفسها المتصلة ببعض من باب أولى.
وأجيب: ليست العلة هي انكشاف القدم، ولكن العلة هي النهي عن المشي في نعل واحدة، ومثله الخف، فإن كان ترك إحدى القدمين لعلة، فلا مانع من المسح على الأخرى.
– القول الثالث: التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكبير، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، على خلاف بينهم في حد اليسير والكثير.
فقد ذهب الحنفية إلى أنه إن بدا منه ثلاثة أصابع، فهو كثير، وإن بدا منه أقل فهو قليل، وتجمع الخروق من خف واحد، لا من الخفين لانفصال أحدهما عن الآخر، وهل تقدر بأصابع الرجل أم اليد قولان في مذهبهم.
وأما المالكية فاليسير عندهم ما كان دون الثلث، فإن بدا من الخرق ثلث القدم فأكثر لم يجز المسح عليه، وإن كان ما يبدو أقل من الثلث، فهو قليل، ويجوز المسح عليه، انظر العزو إلى كتبهم.
انظر: بدائع الصنائع (1/ 11)، حاشية ابن عابدين (1/ 459)، حاشية الخرشي (1/ 180)، مواهب الجليل (1/ 320)
– وحجتهم: قالوا: إن الخف قلما يخلو من فتوق وخروق، حتى ولو كان جديداً. فإذا ظهر أكثر الأصابع، فللأكثر حكم الكل.
والدليل على أن القليل معفو عنه أن جماهير أهل العلم كانوا يعفون عن ظهور يسير العورة، وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز منها، فالخرق اليسير في الخف من باب أولى.
وأما دليل المالكية بتقدير القليل بما دون الثلث، واعتبار الثلث فما فوق من الكثير، فلعلهم يستدلون بما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص في الصحيحين، وفيه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يعوده في مرضه فقال: أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. فقلت: بالشطر؟ فقال: لا، ثم قال: الثلث، والثلث كبير، أو كثير … الحديث. فسمى الثلث بأنه كثير، فعموم هذا اللفظ يدل على أن الثلث في كل شيء كثير.
– قال ابن المنذر بعد أن نقل قول من قال يمسح على الخف ما أمكن المشي عليها: وبهذا القول أقول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مسح على الخفين، وأذن بالمسح عليهما إذنًا عامَّا مطلقًا؛ ودخل فيه جميع الخفاف، فكل ما وقع عليه اسم خف؛ فالمسح عليه جائز على ظاهر الأخبار.
– قال العلامة الألباني في رسالته “إتمام النصح في أحكام المسح” (ص:4):
“وأما المسح على الخف، أو الجورب المخرق فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، فأكثرهم يمنع منه على اختلاف طويل بينهم تراه في مبسوطات الكتب الفقهية، والمحلى. وذهب غيرهم إلى الجواز، وهو الذي نختاره. وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة، فمن منع، واشترط السلامة من الخرق، أو وضع له حدا فهو مردود، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل” متفق عليه. وأيضا فقد صح عن الثوري أنه قال: امسح عليها ما تعلقت به رجلك، هل كانت خفاف المهاجرين والأنصار الا مخرقة، مشققة، مرقعة؟. أخرجه عبد الرزاق في المصنف (753) ومن طريقه البيهقي (1/ 83) وقال ابن حزم (2/ 100) فإن كان في الخفين، أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولا أو عرضا فظهر منه شيء من القدم، أقل القدم أو أكثرها، فكل ذلك سواء، والمسح على كل ذلك جائز، ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوري، وداود، وأبي ثور، وإسحاق بن راهويه، ويزيد بن هارون، ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض، ثم رد عليها، وبين أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله: لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يُمسَحُ عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء، بهذا جاءت السنة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وقد علم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين ومسح على الجوربين أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرقَ خرقا فاحشا أو غير فاحش.
وغير المخرق، والأحمر والأسود والأبيض والجديد والبالي، فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحي به، ولا أهمله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المفترض عليه البيان، حاشاه من ذلك فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اختياراته (ص 13) ويجوز على اللفائف في أحد الوجهين حكاه ابن تميم وغيره وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمشي فيه ممكنا وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء.
قلت: ونسبه الرافعي في شرح الوجيز (2/ 370) للأكثرية، واحتج له بأن لقول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة، فوجب أن يمسح. ولقد أصاب رحمه الله. انتهى.
– جاء في ذخيرة العقبى (3/ 239) بعد ان نقل كلام الشيخ الألباني في رسالته تمام النصح بأحكام المسح، قال: قال الجامع عفا الله عنه: هذا تحقيق نفيس حقيق بالقبول، وما عداه قول لا يؤيده منقول، والحاصل أن الراجح جواز المسح على جميع أنواع الخف، سالمها، ومخرقها، لعموم الأدلة في الجميع، والله أعلم. انتهى
– واجاب الشيخ ابن عثيمين على سؤال وجه إليه عن المسح على الخف المخرق في فتاوى نور على الدرب (118/ 25):
القول الراجح أنه يجوز المسح على الخف المخرق وعلى الجورب الخفيف الرهيف الذي تبدو منه البشرة لأنه لا دليل على اشتراط أن لا يكون فيه خرق أو شق أو أن لا يكون خفيفاً ولو كان هذا شرطاً لجاء في الكتاب والسنة والأصل في جواز المسح على الجورب والخف التخفيف على الأمة فإذا اشترطنا شروطاً لا دليل عليها من الكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عادت التخفيف تثقيلاً فالصواب جواز المسح على الجورب مادام اسمه باقياً سواءً كان خفيفاً أم ثقيلاً مخرقاً أم سليماً. انتهى
– جاء في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 272):
اختلف العلماء في جواز المسح على الخف المخرَّق: ……
وقال شيخ الإسلام: إنَّ هذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه في العفو عن يسير ستر العورة، وعن يسير النجاسة ونحو ذلك؛ فإنَّ السنَّة وردت بالمسح على الخفين مطلقًا، وقد استفاضت الأخبار عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح: “أنَّه مسح على الخفين”، وتلقَّى الصحابة عنه ذلك، فأطلقوا القول بجواز المسح على الخفين، ومعلومٌ أنَّ الخفاف عادةً لا يخلو كثيرٌ منها من فَتْق أو خَرْق، وكان كثير من الصحابة فُقَراءَ لم يكنْ يمكنهم تجديدُ ذلك.
ومن تدبَّر الشريعةَ، وأعطى القياس حقَّه، علم أنَّ الرخصة في هذا الباب واسعة، وأنَّ ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة، والأدلَّة على رفع الحرج عن هذه الأمَّة بَلَغَتْ مبلغ القطع، ومقصدُ الشَّارع من مشروعية الرخصة الرفقُ في تحمُّل المشاقِّ، فالأخذُ بها مطلقًا موافقة للعقيدة.
أمَّا لو زال اسم الخفِّ منه، وزال معناه والفائدة منه: فهذا لا يصح المسح عليه. انتهى
والله أعلم …