1111 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق، وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1111):
قال أبو داود رحمه الله: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِىُّ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا حَرِيزٌ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَقُولُ ارْتَقَبْنَا النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فِى صَلاَةِ الْعَتَمَةِ فَأَخَّرَ حَتَّى ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ صَلَّى فَإِنَّا لَكَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا فَقَالَ لَهُمْ «أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلاَةِ فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ».هذا حديث صحيح ورجاله ثقات حمصيون.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث:
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، وشأنُها في الإسلامِ عَظيمٌ، ولها مِنَ الأهمِّيَّةِ ما يَجْعَلُ المحافظةَ عليها مِنْ شَعائرِ الدِّينِ اللَّازِمةِ، وقَدْ جَعَلَ اللهُ أَجْرَ انْتِظارِها كأَجْرِ أدائِها، وهذا مِن عظيمِ قَدْرِها وفَضْلِها ومَكانتِها في الشَّرعِ.
أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: [(أبقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي: جَعَلْنا نَنْتظِرُه لصَلاةِ العِشاءِ.
قوله: [في صلاة العتمة] وهي العشاء، وقد جاء ما يدل على أنه لا يقال للعشاء: العتمة.
وإنما يقال لها: العشاء، كما جاء ذلك في القرآن وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونهم يقولونه يدل على الجواز، لكن إطلاق العشاء هو الأولى.
[فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج]. أي: تأخَّرَ في خُروجِه إلى تِلك الصَّلاةِ من بَيتِه، حتَّى ظَنَّ البعضُ أنَّه لنْ يَخْرُجَ لصَلاةِ العِشاءِ هذه اللَّيلةَ،
قوله: [والقائل منا يقول: صلى] يعني أنه مر وقت طويل، ولم يكن معهودا عنه صلى الله عليه وسلم أن يؤخر هذا التأخير، ولذا مِنْهم مَنْ ظَنَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد صلَّاها.
قوله: [فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا] “فإنَّا لَكذلِك”، أي: على انْتِظارِنا له، واجْتِهادِنا في سبَبِ تأخيرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأن واحدا قال كذا، وواحدا قال كذا.
قوله: [(اعتموا بهذه الصلاة)] أي: تأَخَّروا في هذه الصَّلاةِ حتَّى يَعُمَّ الظَّلامُ ويُعْتِمَ؛ أي: مضي شيء من الليل، فإنَّ المُسلِمَ ما يزالُ في صلاةٍ وأَجْرٍ مُدَّةَ انْتِظارِه للصَّلاةِ في المَسْجِدِ، وهذا مِن عظيمِ فَضْلِ اللهِ على عِبادِه المؤمنينَ؛ حيثُ لم يُضيِّعْ وَقْتَ انْتِظارِهِمْ.
ثُمَّ بيَّنَ لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم السَّببَ في ذلك وما فيه من الفَضْلِ، بقولِه: [(فإنكم قد فضلتم على سائر الأمم بهذه الصلاة، ولم تصلها أمة قبلكم)].
يحتمل أن يكون المقصود أنهم فضلوا بصلاة العشاء، وأن تلك الأمم لم تفرض عليهم صلاة العشاء، ويحتمل أن يكون المقصود التأخير إلى هذا الوقت، وقد سبق أن مر في حديث جبريل لما ذكر له الأوقات أنه قال: (هذا وقت الأنبياء من قبلك) وهذا يدلنا على أن الصلوات الخمس فرضت على الأمم السابقة، ولكن كيفيتها الله تعالى أعلم بها.
فهذا الذي جاء في الحديث -وهو أن هذه الأمة فضلت بها- إذا فسر بأنها تعتم بها وتؤخرها فلا تنافي بينه وبين الحديث الذي سبق أن مر، ومعنى هذا أن هذه الصلاة كانت على الأمم السابقة، ولكن فضلت هذه الأمة بها بكونهم يؤخرونها، بخلاف الأمم السابقة، فإنها لم تكن تؤخرها مثل هذا التأخير. [شرح الشيخ عبد المحسن العباد على السنن] بتصرف يسير. وفي الحَديثِ: بيانُ فَضْلِ تأخيرِ صلاةِ العِشاءِ.
الوجه الثاني: المسائل المتعلقة بوقت العشاء وقول: العتمة
تم عرض مسائل الباب سابقًا عدة مواضع في الصحيح المسند، وعلى الذيل على الصحيح المسند، وغيرهما، وأما ما يتعلق براتبة العشاء فقد مر في الصحيح المسند (1106). وجاء في (48 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند): 14949 – حدثنا أبو الجواب، حدثنا عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا ليلة، حتى ذهب نصف الليل، أو بلغ ذلك، ثم خرج، فقال: ((قد صلى الناس ورقدوا، وأنتم تنتظرون هذه الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها)).
وقت العشاء: الحديث يبين ثلاث مسائل: الاولى: تأخير العشاء الى أخر وقتها أفضل؟ أم تعجيلها؟
الثانية: وقت آخر العشاء
الثالثة: انتظار الصلاة
فالكلام على المسالة الأولى:
المسألة الأولى: هل تأخير العشاء إلى آخر وقتها المختار أفضل؟ أم تعجيلها أفضل؟ أم الأفضل مراعاة حال المأمومين؟
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن تعجيلها أفضل، وهو أحد قولي الشافعي، بل أشهرهما، وقول مالك.
والقول الثاني: أن تأخيرها أفضل، وحكاه الترمذي في (جامعه) عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين.
مع مراعاة حال المؤمومين:
ومما يدل على اعتبار حال المأمومين، وأنه لا يشق عليهم: ما روى أسامة بن زيد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ يتخلف عند النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء أم قومه، فاحتبس عنهم معاذ ليلة فصلى سليم وحده وانصرف، فأخبر معاذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى سليم، فسأله عن ذلك، فقال: إني رجل أعمل نهاري، حتى إذا أمسيت أمسيت ناعساً، فيأتينا معاذ وقد أبطأ علينا، فلما أبطأ عليّ أمسيت، ثم انقلبت إلى أهلي. قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ: (لا تكن فاتنا تفتن الناس، ارجع إليهم فصل بهم قبل أن يناموا).
فقد تبين بهذا أن هذا القول الثالث، وهو مراعاة حال المأمومين في التأخير الكثير دون اليسير، هو الأرجح في هذا المسألة. فتح الباري (3/ 207). منقول بتصرف
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 48): واستدل بذلك على فضل تأخير صلاة العشاء ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل لكن قال بن بطال: ولا يصلح ذلك الآن للأئمة لأنه صلى الله عليه و سلم أمر بالتخفيف وقال إن فيهم الضعيف وذا الحاجة فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى.
قلت: وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وبن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدرى (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل). وسيأتى في حديث بن عباس قريبا (لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوها هكذا) وللترمذي وصححه من حديث أبي هريرة (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)
فعلى هذا من وجد به قوه على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل. وقد قرر النووي ذلك في شرح مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم.
قال الألباني في الثمر المستطاب (73): ومع ذلك فكان عليه السلام يراعي أحوال المجتمعين قلة وكثرة فقد كان أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر.
قال العثيمين: وفي هذا الحديث دليل على أن الأفضل تأخير صلاة العشاء وهو كذلك إلا إذا كان يشق على الناس أو على بعضهم فالأفضل أن يقدموا وعلى هذا فإذا كانوا جماعة في سفر أو في غير سفر أو في بلد لا تقام فيها جماعات فإن الأفضل أن تؤخر الصلاة إلى قريب من منتصف الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي وكان صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر والله الموفق. شرح رياض الصالحين (5/ 68).
المسألة الثانية: في آخر وقت العشاء الآخرة، وفيه أقوال:
أحدها: ربع الليل، حكاه ابن المنذر عن النخعي، ونقله ابن منصور، عن إسحاق.
والقول الثاني: إلى ثلث الليل، روي ذلك عن عمر، وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز، وهو المشهور عن مالك، وأحد قولي الشافعي، بل هو أشهرهما، ورواية عن أحمد، وقول أبي ثور وغيره.
والقول الثالث: إلى نصف الليل، وروي عن عمر بن الخطاب – أيضا -، وهو قول الثوري والحسن بن حي وابن المبارك وأبي حنفية، والشافعي في قوله الآخر، وأحمد في الرواية الأخرى، وإسحاق، وحكي عن أبي ثور – أيضا.
وتبويب البخاري هاهنا يدل عليه.
والقول الرابع: ينتهي وقت العشاء إلى طلوع الفجر. فتح الباري لابن رجب (3/ 208)
قال الحافظ في الفتح (2/ 52): ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت.
قال النووي على مسلم (5/ 138): وقوله في رواية عائشة ذهب عامة الليل أي كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم إنه لوقتها ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل.
قال الألباني معقبا على كلام النووي: قلت: وقد يدل لهذا التأويل أن الحديث قد جاء في البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والمسند (6/ 43 و 215 و 272) من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة وليس فيه قوله: (حتى ذهب عامة الليل) وإنما فيه: (حتى ناداه عمر بن الخطاب: قد نام النساء والصبيان). وذلك إنما يكون عادة قبل نصف الليل. ويقوي ذلك أن الحديث هذا رواه ابن عباس أتم منه فقال: أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل فقام عمر رضي الله عنه فنادى: الصلاة يا رسول الله رقد النساء والولدان. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه وهو يقول: (إنه الوقت لولا أن أشق على أمتي). أخرجه النسائي (92) والدارمي (276) من طريق سفيان عن عمرو عن عطاء عنه وعن ابن جرير عن عطاء عنه، وهذان إسنادان صحيحان على شرط الشيخين
وقد رواه مسلم (117) وأحمد (1/ 366) عن ابن جريج به وفيه التصريح بسماع ابن جريج من عطاء
فهذه الرواية تدل على أن حديث عائشة برواية أم كلثوم عنها وحديثها برواية عروة عنها إنما هو حديث واحد اختصره بعض الرواة وهي تدل دلالة ظاهرة على أن قوله فيها: (إنه الوقت) يريد به الوقت الذي نام فيه النساء والولدان وذلك قبل نصف الليل عادة كما قلنا فرجع الحيث إلى أن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره كما قال النووي وهو من دقة فهمه رحمه الله. الثمر المستطاب (ص 71).
قال العباد: وجاء في بعض الروايات الصحيحة الثابتة أنه إلى نصف الليل، فيكون الوقت الاختياري منتهياً بنصف الليل، ونصف الليل يتحدد بغروب الشمس وطلوع الفجر، ويطول الليل ويقصر، والحد الذي يمكن أن يعرف به مقدار الليل ومقدار نصفه بمقدار المدة التي بين غروب الشمس وطلوع الفجر، فنصفها نصف الليل، سواءٌ أطال الليل أم قصر، ولا تؤخر عن نصف الليل إلا إذا كان الإنسان مضطراً إلى ذلك بسبب نوم أو نسيان أو غفلة، وإلا فلا يجوز للإنسان أن يتعمد تأخيرها عن نصف الليل الذي هو آخر الوقت الاختياري. [شرح سنن ابي داود للعباد]
قال الجامع (محمد ادم الاثيوبي) عفا الله تعالى عنه: الحق الذي يؤيده الدليل قول من قال: إن آخر وقت العشاء نصف الليل، فليس للعشاء وقت أداء بعد ذلك، وإنما هو قضاء، وأقوى دليل في ذلك وأصرحه، حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما الذي أخرجه مسلم في “صحيحه”: “فإذا صليتم العشاء، فإنه وقت إلى نصف الليل”.
فهذا نص صريح في أن النصف هو الآخر، لا يزيد عليه، ولا يوجد نص صريح يدل على تأخره بعده. (شرح المجتبى / 7/ 152).وهذا ما اميل اليه آخر وقت العشاء ينتهي الى نصف الليل، و الله اعلم.
المسألة الثالثة: انتظار الصلاة بعد الصلاةحدثنا يحيى بْنُ أيُّوبَ وَقُتيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيغا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حدثنا إسْمَاعيلُ، أخْبَرَنِى العَلاءُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (ألا أدُلُّكُمْ عَلَىَ مَا يَمْحو اللهُ بِه الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَرَجَات؟ ” قَالُوا: بَلَىَ، يَارَسُولَ اللّهِ قَالَ (إسْبَاغُ الوُضُوءَ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطًا إلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصلاة بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرباطُ).رواه مسلم/برقم 251.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة). رواه البخاري في أثناء حديث ومسلم.
وللبخاري (إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه والملائكة تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث) وفي رواية لمسلم وأبو داود قال (لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة والملائكة تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث قيل وما يحدث قال يفسو أو يضرط).
ورواه مالك موقوفا عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: (إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا)
رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
ملاحظة: كل الأحاديث التي ذكرتها آنفا منقولة من صحيح الترغيب والترهيب.
قال صاحب المنتقى على شرحه للموطأ /1/ 397:
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا وَالْعَفْوِ عَنْهَا وَقَدْ يَكُونُ مَحْوُهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ دَلِيلًا عَلَى عَفْوِهِ تَعَالَى عَمَّنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ بِاكْتِسَابِهِ لَهَا.
وَقَوْلُهُ (يَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ) يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنَازِلَ فِي الْجَنَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْفَعَ دَرَجَتَهُ فِي الدُّنْيَا بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ ثُمَّ بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا لِلْمُكَلَّفِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَضِيلَةِ …..
وَأَمَّا انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ الَّتِي تَلِيهَا وَهَذَا يَكُونُ فِي صَلَاتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ أَوْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعِشَاءَ وَأَمَّا انْتِظَارُ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْحَدَثُ وَكَذَلِكَ انْتِظَارُ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَأَمَّا انْتِظَارُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا أَذْكُرُ الْآنَ فِيهِ نَصًّا وَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ انْتِظَارِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَحُكْمُ انْتِظَارِ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ كَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ صَلَاةً لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي صَلَّى اشْتِرَاكٌ فِي وَقْتٍ وَاَلَّذِي يَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ رَأَيْت رِوَايَةً فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا أَذْكُرُ مَوْضِعَهَا الْآنَ.
مسألة: هل يشترط الحصول على فضيلة انتظار الصلاة بعد الصلاة بأن يكون في المسجد؟
لا يشترط؛ ولكن يحمل على معنيين بالحصول على فضيلة الانتظار
1 – … إما الجلوس في المسجد
2 – … تعلق القلب بالصلاة والإهتمام بها خارج المسجد.
قال أبو عمر في الاستذكار/2/ 299: أما قوله (الملائكة تصلي على أحدكم) فقد بان في سياق الحديث معناه وذلك قوله (اللهم اغفر له اللهم ارحمه) ومعنى (تصلي على أحدكم) يريد تدعو له وتترحم عليه ومصلاه موضع صلاته وذلك عندي في المسجد؛ لأن هناك يحصل منتظرا للصلاة في الجماعة وهذا هو الأغلب في معنى انتظار الصلاة
ولو قعدت المرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت الصلاة الأخرى فتقوم إليها لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة وخوفا من أن تكون في شغل يفوتها معه الصلاة.
قال صاحب العرف الشذي/1/ 111: فإن أبا هريرة كان يذكر: أن انتظار الصلاة بعد الصلاة كالصلاة ما لم يحدث فقيل: ما الحدث؟ قال: صوت أو ريح، فإن المتحقق في المسجد حدثاً هو الصوت أو الريح وخرج الحديث مخرج المبالغة ورفع الوساوس وعدم اعتبارها.
قال ابن رجب في فتح الباري: وقد اختلف فِي تفسير الحدث: هَلْ هُوَ الحدث الناقض للوضوء، أو الحدث باللسان من الكلام الفاحش ونحوه، ومثله الحدث بالأفعال الَّتِيْ لا تجوز؟ وقد أشرنا إلى هَذَا الاختلاف فِي ((كِتَاب الطهارة)).
وذهب مَالِك وغيره إلى أَنَّهُ الحدث الناقض للوضوء، ورجحه ابن عَبْد البر؛ لأن المحدث وإن جلس فِي المسجد فهو غير منتظر للصلاة؛ لأنه غير قادر عَلَيْهَا.
والثاني: أن منتظر الصلاة لا يزال فِي صلاة مَا دامت الصلاة تحبسه.
وقد فسر ذَلِكَ بأنه ((لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة))، وهذا يشمل من دَخَلَ المسجد للصلاة فِيهِ جماعة قَبْلَ إقامة الصلاة فجلس ينتظر الصلاة، ومن صلى مَعَ الإمام ثُمَّ جلس ينتظر الصلاة الثانية، وهذا من نوع الرباط فِي سبيل الله.
قال صاحب المنتقى على شرحه للموطأ/1/ 394: وَقَدْ يَكُونُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْتَظِرَ وَقْتَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَنْتَظِرَ إقَامَتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍثُمَّ قَعَدَ بِمَوْضِعِهِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى أَتَرَاهُ فِي صَلَاةٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ.
قال المباركفوري في التحفة /1/ 141: وانتظار الصلاة: أي وقتها أو جماعتها (بعد الصلاة) يعني إذا صلى بالجماعة أو منفردا ثم ينتظر صلاة أخرى ويعلق فكره بها بأن يجلس في المجلس أو في بيته ينتظرها أو يكون في شغله وقلبه معلق بها (فذلكم الرباط).
قال ابن بطال في شرحه على البخاري/3/ 320: وأما من كان مجاور المسجد حيث يسمع الإقامة ولا تخفى عليه، فانتظارها فى داره كانتظاره لها فى المسجد، له أجر منتظر الصلاة؛ لأنه لا يجوز أن يترك الرسول الأفضل من الأعمال فى خاصته ويحض عليها أمته، بل كان يلتزم التشديد فى نفسه، ويحب التخفيف على أمته، ولو لم يكن له فى بيته فضل الانتظار لخرج إلى المسجد قبل الإقامة، ليأخذ بحظ من الفضل، والله أعلم.
قال صاحب مصابيح التنوير على جامع الصغير/1/ 431: (وانتظار الصلاة) أي دخول وقتها لتفعل (بعد الصلاة) أي الجلوس في المسجد لذلك أو لتعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها.
وهذا سؤال وجه لابن عثيمين: عن حديث اسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة هل معنى ذلك الجلوس في المسجد حتى يحين موعد الصلاة التي بعدها؟
الجواب: الشيخ: اسباغ الوضوء على المكاره معناه أن الإنسان يتمم وضوءه على الوجه الأكمل في الأيام الباردة وكذلك ينتظر الصلاة بعد الصلاة سواء في المسجد أو بعد المسجد وإنما المعنى أن يكون قلبه معلقاً بالصلاة إذا أدى صلاةً ينتظر الصلاة الأخرى فيكون دائماً معلقاً قلبه في الصلاة وليس معنى الجملة الأولى اسباغ الوضوء على المكاره أن الإنسان يتقصد الماء البارد مع وجود الماء الساخن فإن هذا ليس من السنة بل إذا يسر الله لك ما فيه راحةٌ لك فهو أفضل (فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين). انتهى المقصود.
وراجع شرح حديث رقم 1632 من الصحيح المسند): مسألة إطلاق العتمة على صلاة العشاء.
——
الوجه الثالث: فمن خصائص الأمة المحمدية
إن الله – عَزَّ وجَلَّ – خصَّ هذه الأمة المسلمةَ بخصائصَ عظيمةٍ وجليلةٍ عن سائرِ الأُمم، وإنَّ الله أفردَها وميزَّها عن بقيةِ الأُممِ، فالمتأمِّلُ لهذه الأمةِ, وما خَصَّها اللهُ – عَزَّ وجَلَّ – به من الخصائصِ يجد العَجَبَ العُجَابَ؛ لما حباه اللهُ لهذه الأمة عن غيرِها فكانت من أفضلِ الأُممِ، وكان رسولهُا أفضلَ الرُّسلِ, ودينُها أحسنَ الأديانِ، فهي أمةٌ مخصوصةٌ ومصطفاه، وإننا في هذا السياق سنذكر ما تيسَّر ذكرُهُ من الخصائص التي خصَّها الله – عَزَّ وجَلَّ – لهذه الأمة عن غيرِها من الأُممِ السَّابقةِ، وإليك هذه الخصائصَ:
1 – اختصاصها بالخيرية:
قالَ اللهُ – عَزَّ وجَلَّ -: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} آل عمران 110.
وعن بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ عن أبيه عن جَدِّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (نُكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرُها) رواه ابن ماجه (4288) , وصححه الألباني في “صحيح سنن ابن ماجه” (2/ 2426/1433) رقم 4287.ود (2/ 312) ون (93 – 94) مج (239) حم (2/ 10 و 19 و 49 و 144) عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو في الصحيح المسند 1113 مطولا ومختصرا. وأخرجه أحمد 20050. وفيه زيادة (أين تامرني خر لي فقال بيده نحو الشام) وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند قسم الزيادات.
2 – اختصاصها بأنها لا تجُمع على ضلالة: وعن ابن عَبَّاسٍ – رَضيَ اللهُ عنهُ – مرفوعاً: أنَّ رسولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبداً, ويدُ اللهِ على الجماعةِ) الحاكم في المستدرك (1/ 116). وهو في الصحيح المسند 603
وعن ابن عمر مرفوعاً: (لا يجمعُ اللهُ هذه الأمةَ على ضلالةٍ، ويدُ اللهِ مع الجماعةِ، وعليكم بالسَّوادِ الأعظمِ, ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النَّارِ) أخرجه الحاكم (1/ 115) ضعفه الالباني ثم حسنه في الصحيحة 1331 بمجموع طرقه
وقال البيهقي عن أبي سفيان المديني ليس بمعروف.
ورواه اللاكائي؛ في اعتقاد أهل السنة 154 باسقاطه ووضع بدله سليمان والد معتمر. ومرة 1067 ذكره فالله أعلم هل أحد الرواة اتبع الجادة فيكون الإسناد السابق أرجح
قال الترمذي سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال: سليمان المدني هذا منكر الحديث وهو عندي سليمان بن سفيان وقد روى عن سليمان بن سفيان أبوداود الطيالسي وابوعامر العقدي وغير واحد من المحدثين. العلل الكبير 597
وقد ثبت عن أبي مسعود أنه قال: (عليكم بالجماعة فإنه الله لا يجمع أمةَ مُحمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – على ضلالة) أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/ 41 – 42) بسندٍ جيدٍ قاله الألبانيُّ.
قلت سيف: هو على شرط الذيل على الصحيح المسند لأن له حكم الرفع.
3 – اختصاصها أنها أول الأمم دخولاً الجَنَّة:
عن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أول زمرة تلج الجَنَّة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يتمخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذّهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحدٌ، يسبحون الله بكرةً وعشياً) البُخاريُّ – الفتح (6/ 367) رقم الحديث (3245) كتاب بدء الخلق, باب ما جاء في صفة الجَنَّة وأنها مخلوقة.
وعن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجَنَّة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له (قال يوم الجمعة) فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى) صحيح مسلم (2/ 585 – 586) رقم (855) , كتاب الجمعة, باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.
4 – اختصاصها بالوسطية والشهادة على النَّاس: قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس} (143) سورة البقرة.
وعن أبي سعيدٍ – رضي الله عنه – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (يجيء نوحُ وأمته، فيقول الله – تعالى-: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي ربِّ!! فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ!! فيقولُ لنوح: من شهد لك؟ فيقول: مُحمَّد – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله – جَلَّ ذكره -: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس) (143: البقرة)،البُخاريُّ – الفتح (6/ 427) رقم (3339) كتاب الأنبياء قول الله: (ولقد أرسلنا نوحاً … ) الآية.
5 – اختصاصها بأنها أكثر الأمم دخولاً الجَنَّة: عن عبد الله بن مسعود – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: (كنا مع النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – في قبة فقال: أترضون أن تكونوا رُبع أهل الجَنَّة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجَنَّة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفس مُحمَّد بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجَنَّة، وذلك أن الجَنَّة لا يدخُلها إلا نفسٌ مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) البُخاريّ – الفتح (11/ 385) رقم (6528) كتاب الرقاق باب الحشر.
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (أهل الجَنَّة عشرون ومئة صف؛ ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم) رواه ابن ماجه (2/ 1433 – 1434) و تحفة الأحوذي (7/ 254 – 255) وهو صحيح لطرقه.
6 – أن اجتماع الصلوات الخمس هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تكن فرضت على الأنبياء من قبله، وإن كان خالف في ذلك بعض أهل العلم، لكن هذا هو الصحيح إن شاء الله، وقد بوب السيوطي في “الخصائص الكبرى” (2/ 303): ” باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بمجموع الصلوات الخمس، ولم تجمع لأحد، وبأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله ” وذكر تحته مجموعة من الأحاديث، منها: عن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال: (أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ) رواه أبو داود (421) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وهو حديث الباب في الصحيح المسند.
7 – اختصاصها بأن صفوفها كصفوف الملائكة: عن حذيفة – رَضيَ اللهُ عنهُ – عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (فُضِّلنا على النَّاس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجداً وتربتها طهوراً، وأعطيت آخر سورة البقرة فهن من كنز تحت العرش) صحيح مسلم (1/ 371) رقم (522) كتاب المساجد.
8 – اختصاصها بأن سبعين ألفاً منها يدخلون الجَنَّة بغير حساب: عن عمران بن حصين – رَضيَ اللهُ عنه – قال: (لا رقية إلا من عين أو حُمةٍ) فذكرته لسعيد بن جبير فقال: حدثنا ابن عَبَّاسٍ قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (عُرضت عليّ الأمم، فجعل النَّبيّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ والأنبياء يمرون معهم الرهط، والنَّبيّ ليس معه أحد، حَتَّى رُفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق!! ثم قيل لي: انظر هاهنا وهاهنا – في آفاق السماء – فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل: هذه أمتك، ويدخل الجَنَّة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب … ) الحديث. البُخاريُّ – الفتح (10/ 164) رقم (5705) كتاب الطب باب من اكتوى أو كوى غيره , وفضل من لم يكتو.
وعن سهل بن سعد – رَضيَ اللهُ عنهُ – أن رسول الله – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (ليدخُلنَّ الجَنَّة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبعمائة ألفٍ – لا يدري أبو حازم أيهما قال – متماسكون، آخذُ بعضهم بعضاً، لا يدخل أولهم حَتَّى يدخل آخرهم، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر) صحيح مسلم: (1/ 198 – 199) رقم (219) كتاب الأيمان, باب موالاة المؤمنين, ومقاطعة غيرهم, والبراء منهم.
9 – اختصاصها بأنها أمةٌ محفوظةٌ من الهلاكِ والاستئصالِ:
فعن ثوبان – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (إنَّ الله زَوَى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوي لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض, وإني سألت ربي لأمتي أن لا يُهلكها بسنةٍ عامةٍ، وأن لا يُسلِّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإنَّ ربي قال: يا مُحمَّدُ إني إذا قضيتُ قضاءً فإنَّهُ لا يُردُّ، وإني أعطيتُك لأمتك أنْ لا أهلكهم بسنةٍ عامةٍ, وأنْ لا أسلطَ عليهم عدواً مِن سوى أنفسِهم يستبيحُ بيضتَهم ولو اجتمعَ عليهم مَن بأقطارِها حَتَّى يكونَ بعضُهم يُهلك بعضاً، ويسبي بعضُهم بعضاً) رواه مسلم رقم (2889).
10 – اختصاصها بصلاة العشاء: عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: أبقينا النَّبيّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – في صلاة العَتَمَة فأخرى حَتَّى ظنَّ الظان أنه ليس بخارج والقائل منّا يقول: صلّى، فإنّا لكذلك حَتَّى خرج النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، فقالوا له كما قالوا، فقال: (أَعتِموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فُضِّلتُم بها على سائر الأمم، ولم تُصلِّها أمةٌ قبلكم) صححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (1/ 85) رقم (421). وسبق بيانه.
11 – اختصاصها بأن الله جعل لها الأرض مسجداً وطهوراً: عن جابر بن عبد الله – رَضيَ اللهُ عنهما – قال: (أُعطيتُ خمساً لم يُعطهن أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ .. ) الحديث, البُخاريُّ – الفتح (11/ 519) رقم (335) كتاب التيمم.
وفي رواية أخرى عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: أن رسول الله – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – عام غزوة تبوك قام يصلي، فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه، حَتَّى إذا صلى انصرف إليهم فقال لهم: (لقد أعطيت خمساً ما أعْطيهنّ أحد قبلي – وذكر منها -: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً … ) الحديث. مسند أحمد مع شرح أحمد شاكر (12/ 25 – 26) رقم (7068) وقال: إسناده صحيح.
12 – اختصاصها أن الله جعل لها التيمم عند عدم الماء: خصَّ اللهِ – عَزَّ وجَلَّ – هذه الأمة بهذا الأمر، وإنْ دل فإنما يدل على تفضيل الله لهذه الأمة على من سبقها؛ لأنه لم يُشرع في حقهم التيمم، وهذا يدل على سعة رحمة الله بهذه الأمة، وأنه ما شرع لهم إلا الخير والبركة واليُسر، ولم يشدد عليهم كما شدد على بني إسرائيل وغيرهم من الأمم السابقة المتمردة كما قال – سبحانه -: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} الآية. راجع القول الأحمد في خصائص أمة مُحمَّد. وعن أبي ذر – رَضيَ اللهُ عنهُ – مرفوعاً فيه ذكر طهور المسلم: (إن الصَّعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليَمسَّه بشرته فإن ذلك خير) رواه أبو داود رقم (332)، وقال حسن صحيح كتاب الطهارة، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي دواود (صحيح) والله أعلم.
13 – اختصاصُها بأنها تأتي يوم القيامة وهُمْ غرٌّ من السجود مُحجَّلُون من الوضوء:
عن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود النَّاس عنه كما يذود الرّجل إبل الرّجل عن إبله) قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: (نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون عليّ غرّاً محجَّلين من آثار الوضوء … ) الحديث. صحيح مسلم (1/ 217) رقم (247) كتاب الطهارة باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. وكذلك حديث: (ما من أحدٍ مِنْ أُمَّتي إلا وأنا أعرفه يومَ القيامة)، قالوا: كيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: (أرأيت لو دخلت صبرة فيها خيل دُهم بُهم، وفيها فرس أغر مجمل، أما كنت تعرفه منها؟ قال: بلى، قال: فإن أمتي يومئذٍ غر من السجود مُحجَّلُون من الوضوء) أخرجه أحمد بسند صحيح, والتِّرمذيُّ, وهو مخرَّجٌ في “السلسلة الصحيحة”, وراجع: “صفة صلاة النَّبيِّ” للألباني ص149. وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند
14 – اختصاصها بأنَّ عيسى – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – يُصلِّي وراء ولي من هذه الأمة: عن جابر بن عبد الله – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: سمعتُ رسولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – يقولُ: (لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسى ابن مريم – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – فيقول أميرهم: تعال صَلِّ لنا!! فيقولُ: لا إن بعضكم على بعضٍ أمراءٌ تكرمة الله هذه الأمة) صحيح مسلم (3/ 1524) رقم 1037 كتاب الإمارة باب قوله – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم – لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم.
15 – اختصاصها بيوم الجمعة: عن حذيفة – رضي الله عنه – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة، ونحن الآخرون من أهل الدُّنيا والأولون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق) راجع: كتاب”صحيح الترغيب والترهيب” (ص701) للشيخ الألباني.
وعن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنهُ – أنه سمَع رسولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمَّ هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنَّاس لنا فيه تبعُ: اليهود غداً، والنصارى بعدَ غدٍ) البُخاريُّ – الفتح (2/ 412) رقم (876) كتاب الجمعة باب فرض الجمعة.
16 – اختصاصها بأن الله أحلَّ لها الغنائم: عن جابر – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أُعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النَّبيّ يبُعث إلى قومه خاصَّة وبُعثت إلى النَّاس عامة) البُخاريُّ – الفتح (1/ 519) , رقم الحديث 335 كتاب التيمم.
وعن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قال النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (غزا نبيٌّ من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأةً وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبنِ بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا آخر اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولدها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس: إنَّك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحُبست حَتَّى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم، فجاءت يعني النار لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءُوا برأس بقرة من الذهب فوضعها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلَّها لنا) البُخاريُّ – الفتح (6/ 254) رقم (3124) كتاب الخمس, باب قول النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: أحلت لكم الغنائم.
17 – اختصاصها بأن الله أحلَّ لها بعضَ الأطعمة: فعن ابن عمر – رَضيَ اللهُ عنهما – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (أُحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) رواه أحمدُ (2/ 92) وابن ماجه (3314) وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (1118).
18 – اختصاصها بأن قُبض رسولها – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قبلها: عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (إن الله – عَزَّ وجَلَّ – إذا أراد رحمة أمةٍ من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً (أي المتقدم إلى الماء ليهيء السقى)، وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمةٍ عذَّبها ونبيها حيّ، فأهلكها وهو ينظرْ، فأقرَّ عينهُ بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره) صحيح مسلم رقم (2288) (4/ 1792) كتاب الفضائل باب إذا أراد الله رحمة أمة قبض نبيها قبلها.
وهذا من خصائص أمة مُحمَّد – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، فإنه ما من نبي من الأنبياء إلا رأى عذاب قومه بعينه، أو حصل لهم عذاب وهو حي بين ظهرانيهم ابتداء من نوح – عليه السلام – وقد دعا على قومه، فاستجاب الله له فأهلكهم جميعاً حَتَّى ابنه، وكذلك قوم لوط حَتَّى امرأته كانت من الغابرين، وقوم شعيب أخذتهم الرجفة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – أن كل نبي تعجل دعوته على قومه في الدُّنيا إلا النَّبيّ مُحمَّد – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قد خبأ دعوته لأمته إلى يوم القيامة، وغيرها من الأحاديث التي تدل على هذه الخصيصة من خصائص أمة مُحمَّد. أ. هـ. نقلاً من “القول الأحمد في خصائص أمة مُحمَّد” بتصرف (85 – 87).
19 – اختصاصها بكثرة أنواع الشهادة: امتن الله على هذه الأمة بأن جعل أنواع الشهداء فيها كثير بعد أن كان الشهيد في الأمم السابقة هو الذي استشهد في المعركة فقط، ويدل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنه – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (ما تعدون الشهيد فيكم؟) قالوا: يا رسول الله! من قتل في سبيل الله فهو شهيد!! قال: (إنَّ شهداء أمتي إذاً لقليل)!! قالوا: فمن هم يا رسول الله؟! قال: (من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، وفي لفظ (والغريق شهيد) صحيح مسلم (3/ 1521) رقم (1915) كتاب الإمارة باب بيان الشهداء.
وفي هذا الحديث قرينه تدل على أن الأمم السابقة لم يعطهم الله – جل وعلا – أنواع الشهادة التي مرت خلا القتل في سبيل الله، والقرينة هي كلمة (أمتي) فهي مشعرة باختصاص هذه الأمة بهذه الأنواع من الشهادات. القول الأحمد ص95.
20 – اختصاصها بأنها أمة أقل عملاً وأكثر أجراً: عن ابن عمر – رَضيَ اللهُ عنهُما – عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (مثلكم ومثلُ أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أُجراءَ فقال: مَن يعمل لي من غدوة إلى نصف النَّهار على قيراطٍ؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النّهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ؟ فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمسُ على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاءً؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلى أوتيه من أشاء) البُخاريُّ – الفتح (4/ 521) (2268) كتاب الإجارة باب الإجارة إلى نصف النهار.
ومن ذلك حديث البراء – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: (أتى النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – رجلٌ مقنَّع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم، ثم قاتل!! فأسلم ثمّ قاتل فقُتل، فقالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: عمل قليلاً وأجر كثيراً) البُخاريُّ مع الفتح رقم (2808) كتاب الجهاد والسير (6/ 30) باب عمل صالح قبل القتال.
21 – اختصاصها بأنهم شهداء الله في الأرض:
وهذه خاصية عظيمة انفردت بها أمة مُحمَّد – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – من دون الأمم بفضل ربها – سبحانه وتعالى -. القول الأحمد (ص127).
ويوضح هذه الخاصية حديث عبد العزيز بن صهيب قال: سمعتُ أنس بن مالك – رَضيَ اللهُ عنهُ – يقول: (مرُّوا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: وجبتْ!!، ثم مرُّوا بجنازة فأثنوا عليها شراً فقال: وجبتْ!! فقال عمر بن الخطاب – رَضيَ اللهُ عنه -: ما وجبت؟، قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبتْ له الجَنَّة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) البُخاريُّ – الفتح (1367)، كتاب الجنائز (3: 270) باب ثناء النَّاس على الميت.
22 – اختصاصها بالعذر بالإكراه: العذر بالإكراه من خصائص أمة مُحمَّد – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -، فقد وضع الله – سبحانه وتعالى – عن هذه الأمة ما أُكرهت وأُجبرت على فعله، وأسقط عنها – جلَّ وعلا – الإثمَ والحرج بذلك، فلم يؤاخذها على الفعل. القول الأحمد (ص133).
يشهد لهذا حديث ابن عَبَّاسٍ – رَضيَ اللهُ عنهُما – عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) صحيح ابن ماجه رقم (2045) (1/ 348) وقال الألباني: صحيح.
وعن أبي هُرَيْرة – رَضيَ اللهُ عنهُ – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (إنَّ الله تجاوز لأمتي عمّا توسوس به صدورُها ما لم تعمل به، أو تتكلم به، وما استُكرهوا عليه) صحيح ابن ماجه رقم (2044) المصدر السابق.
23 – اختصاصها بأنها أول الأمم إجازة على الصراط: وقد أكرم الله هذه الأمة بأن تمر على الصراط قبل الأمم جميعاً، وفي الحديث الطويل عن أبي هُرَيْرة – رضي الله عنه -: ( … ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أوّل من يجيز، ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل … الحديث) صحيح مسلم رقم (182) (1/ 163 – 164) كتاب الإيمان.
24 – اختصاصها بأنها أول من تحاسب:
ومما خصَّ اللهُ – سبحانه وتعالى – أُمَّةَ مُحمَّد – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – وفضَّلها به على غيرِها من الأُممِ أنَّ الله – جَلَّ وعَلا – جعلها أول مَن يُحاسبُها ويُقدِّمها على غيرِها على الرغمِ مِن أنها آخرُ الأُممِ التي أخرجَها اللهُ للنَّاسِ. القول الأحمد ص185.
ويدلُّ على ذلكَ حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ – رَضيَ اللهُ عنهُما – قال: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (نحن آخرُ الأمم، وأول مَن يُحاسب، يُقال: أين الأمة الأميةُ ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون) صحيح ابن ماجه للألباني رقم (4290) وقال: صحيح، وانظر:” السلسلة الصحيحة” (2374). وهو في الصحيح المسند 658
25 – اختصاصها بأن الكافر فداء للمسلم يوم القيامة:
ومما أكرم اللهُ – جَلَّ وعَلَا – به هذه الأمةَ وخصَّها يومَ القيامةَ أنْ جعلَ كلَّ كافرٍ فداءً لكلِّ مُسلمٍ من النَّارِ. القول الأحمد (209).
فعن أنسِ بن مالكٍ – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -: (إنَّ هذه الأمة مرحومةٌ، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامةِ دُفِعَ إلى كلِّ رجلٍ من المسلمين رجلٌ من المشركين فيُقالُ: هذا فِداؤك من النَّارِ) صحيح ابن ماجه رقم (4292) وقال الألباني: صحيح. انظر السلسلة الصحيحة رقم (959 و 1381).
قلت سيف: وورد من حديث أبي موسى وهو في الصحيح المسند وأخرجه عبد بن حميد 537 وفيه زيادة وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند قسم الزيادات على الصحيحين.
26 – اختصاصها بالسلام والتأمين:
ومن خصائص هذه الأمة أنْ خصّها اللهُ – جَلَّ وعَلَا – بخصيصتين: السلام, والتأمين؛ من دون الأمم. القول الأحمد (ص35).
فعن عائشة – رَضيَ اللهُ عنهُا – عن النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ – قال: (ما حسدتكم اليهودُ على شيءٍ ما حسدتكم على السَّلامِ والتأمين) صحيح ابن ماجه رقم (856)، والسلسلة الصحيحة رقم (691). وهو في الصحيح المسند 1586.
[ما خص الله – عز وجل – أُمة محمد (صلى الله عليه وسلم) به عن سائر الأُمم التي قبلهم] بتصرف.