108 لطائف التفسير والمعاني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
———‘———‘—–
———-‘——–‘——
من لطائف التفسير والمعاني ذكر آيات فيها الجزاء من جنس العمل
وكذلك السنة ورد فيها الجزاء من جنس العمل ولعلنا نفردها في لطائف السنة
——-‘——‘——-‘
لطائف التفسير في القرآن
قال ابن تيمية في الحسبة:
قَالُوا: وَقَدْ دَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة فِي أَكْثَر مِنْ مِائَة مَوْضِع عَلَى أَنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (جَزَاء وِفَاقًا): أَيْ: وَفْق أَعْمَالهمْ، وَهَذَا ثَابِت شَرْعًا وَقَدْرًا.
و هناك كتاب في هذا الموضوع بتأليف الدكتور/ سيد حسين العفاني،
وقد استهل الكتاب بموضوع: الجزاء من جنس العمل في القرآن الكريم، وذكر تحته إحدى وأربعين آية، يورد تحت كل آية أقوال بعض المفسرين فيها.
ثم أتبع ذلك بعناوين كثيرة بعضها مأخوذة من آيات القرآن كـ:
– جزاء النبيين والمرسلين.
– ذلك جزيناهم بما كفروا.
– فكلاً أخذنا بذنبه.
وبعدها عناوين أخرى كثيرة بعض عناصرها مستفادة من آيات القرآن الكريم.
فلعلّ الكتاب يغني في هذا الموضوع، أو يفتح – على الأقل – آفاقاً لمن أراد إفراد موضوع: الجزاء من جنس العمل في القرآن الكريم بالبحث والدراسة، والله تعالى أعلم
——–‘——‘——–
الأدلة في هذا باب الجزاء من جنس العمل على نوعين:
أحدهما: دلالة النص فيه ظاهرة على أن الجزاء من جنس العمل، وله أمثلة كثيرة:
– منها: قوله تعالى: (ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون).
– ومنها: قوله تعالى: (إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً)
– ومنها قوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم)
– ومنها قوله تعالى: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)
قال ابن كثير:
{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} أَيْ: لَمَّا أَعْرَضْتَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، وعامَلْتها مُعَامَلَةَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، بَعْدَ بَلَاغِهَا إِلَيْكَ تَنَاسَيْتَهَا وَأَعْرَضْتَ عَنْهَا وَأَغْفَلْتَهَا، كَذَلِكَ نُعَامِلُكَ [الْيَوْمَ] (4) مُعَامَلَةَ مَنْ يَنْسَاكَ (5) {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [الْأَعْرَافِ: 51] فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَأَمَّا نِسْيَانُ لَفْظِ الْقُرْآنِ مَعَ فَهْمِ مَعْنَاهُ وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَاهُ، فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ الْخَاصِّ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَعدًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِالنَّهْيِ الْأَكِيدِ، وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ رَجُلٍ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَنَسِيَهُ، إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ أَجْذَمُ”.
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً
قلت سيف: الحديث ضعيف. لكن من نسي القرآن عن تفريط فقد ترك خيرا عظيما ويدخل في معنى الاعراض عن أعظم خير.
– وقوله: (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا)
– ومنها: قوله تعالى: (فيسخرون منهم سخر الله منهم)
قال ابن كثير:
وَقَوْلُهُ: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جَنْسِ الْعَمَلِ، فَعَامَلَهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ سَخِرَ بِهِمْ، انْتِصَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا، وَأَعَدَّ لِلْمُنَافِقِينَ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا أليما.
– ومنها: قوله تعالى: (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون).
– ومنها قوله تعالى (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم لم يريدوا الخروج، وكره الله انبعاثهم).
– وكذلك قوله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
قال السعدي:
قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ} وهذا يشمل كل خير قوليّ وفعليّ، ظاهر وباطن، من واجب ومستحب.
{أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ} أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم، فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه، فلهذا قال: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} أي: يعفو عن زلات عباده وذنوبهم العظيمة فيسدل عليهم ستره، ثم يعاملهم بعفوه التام الصادر عن قدرته.
– وكذلك قوله تعالى: (ولينصرن الله من ينصره، وقوله: إن تنصروا الله ينصركم)
والآيات في هذا النوع كثيرة.
النوع الآخر: ما يحتاج فيه إلى بيان وجه المناسبة بين الجزاء والعمل، ومن أمثلته:
– منها: قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) فالميثاق المتصل بين العبد وربه، هو من قبل العبد بالطاعة والإيمان، ومن قبل الله بالرحمة والإنعام، فلما نقضوه من قبلهم استحقوا اللعنة والطرد من الرحمة.
وعظ أبو الوفاء ابن عقيل مرة فقال: (يا من وجد في قلبه قسوة انظر لعلك نقضت عهداً بينك وبين الله فإن الله يقول: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية
– ومنها قوله تعالى: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) وهذا فيه مناسبة ظاهرة لحال المنافقين لما كانوا يظهرون من الإسلام ويخفون من الكفر.
– ومنها قوله تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت)
قال ابن القيم: (فإذا كان يوم القيامة جازى الله سبحانه من يشاء من الكاذبين الكاتمين بطمس الوجوه وردها على أدبارها كما طمسوا وجه الحق وقلبوه عن وجهه جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد).
– ومنها قوله تعالى: (بل طبع الله عليها بكفرهم) فكما أن الكفر جامع لمعنى التغطية والنكران والجحد عوقبوا بالطبع على قلوبهم فلا ينفذ إليه الهدى.
– ومنها قوله تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه) ثم ذكر الله تعالى من عقوباتهم ما ناسب إجرامهم.
– وقال الإمام الشنقيطي: (وأما قوم لوط فلكونهم قلبوا الأوضاع بإتيان الذكور دون الإناث فكان الجزاء من جنس العمل قلب الله عليهم قراهم والعلم عند الله تعالى).
قال ابن القيم – – في تهذيب السنن: (قالوا وقد دل الكتاب والسنة في أكثر من مائة موضع على أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر كما قال تعالى جزاء وفاقا أي وفق أعمالهم وهذا ثابت شرعا وقدرا).
تنبيه: و “الجزاء من جنس العمل” هذا المعنى أكثر وضوحاً في أبواب الإساءة
أما في أبواب الخير، فالله عز وجل يمتن على عباده فيجزيهم بأفضل من جنس عملهم
ويعوض من ترك شيئاً له سبحانه عوضه خيراً منه.
والأئمة لما يطلقون في أبواب الخير الجزاء من جنس العمل لا يريدون نفي فضل الله إنما يريدون إثبات مت ورد في النصوص ويزيد الله من فضله ما يشاء.
——–‘——-‘——–
الجزاء من جنس العمل في القرآن والسنة:
أولا:
الجزاء من جنس العمل في القرآن:
1 – قال ابن كثير:
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ} هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ، أَيْ لَا تُمَكِّنوا هَؤُلَاءِ -إِذَا قَدَرُتم عَلَيْهِمْ-مِنْ دُخُولِهَا إِلَّا تَحْتَ الْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا فَتَحَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَنْ يُنَادَى بِرِحَابِ مِنًى: “أَلَّا لَا يَحُجَّن (1) بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُريان، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَجْلٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ”. وَهَذَا كَانَ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: 28]، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ إِلَّا خَائِفِينَ عَلَى حَالِ التَّهَيُّبِ، وَارْتِعَادِ الْفَرَائِصِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْطِشُوا بِهِمْ، فَضْلًا أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَيَمْنَعُوا (2) الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا. وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ الْحَقُّ وَالْوَاجِبُ إِلَّا ذَلِكَ، لَوْلَا ظُلْمُ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ سيُظْهرهم عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ يُذِلُّ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا، يَخَافُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيُعَاقَبَ أَوْ يُقْتَلَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَقَدْ أَنْجَزَ اللَّهُ هَذَا الْوَعْدَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَبْقَى بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَأَنْ تُجْلَى الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا تَشْرِيفُ أَكْنَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَطْهِيرُ الْبُقْعَةِ [الْمُبَارَكَةِ] (3) التِي بَعَثَ [اللَّهُ] (4) فِيهَا رَسُولَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (5). وَهَذَا هُوَ الْخِزْيُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. فَكَمَا صَدُّوا الْمُؤْمِنِينَ (6) عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، صُدوا عَنْهُ، وَكَمَا أَجْلَوْهُمْ مِنْ مَكَّةَ أُجْلُوا مِنْهَا {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} عَلَى مَا انْتَهَكُوا مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْتِ، وَامْتَهَنُوهُ مِنْ نَصْبِ الْأَصْنَامِ حَوْلَهُ، وَالدُّعَاءِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ عِنْدَهُ وَالطَّوَافِ بِهِ عُرْيًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفَاعِيلِهِمُ التِي يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
2 – قال ابن كثير:
قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أَيْ: فَلَمَّا أَبَى الْفَاعِلُونَ الْمُنْكَرَ قَبُولَ النَّصِيحَةِ، {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ: ارْتَكَبُوا الْمَعْصِيَةَ {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيهِمْ: هَلْ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ أَوْ مِنَ النَّاجِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
3 ـ قال تعالى في سورة البقرة 276: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) تأمل حكمته تعالى في محق أموال المرابين وتسليط المتلفات عليها كما فعلوا بأموال الناس ومحقوها عليهم وأتلفوها بالربا، جوزوا إتلافاً بإتلاف! فقل أن ترى مرابياً إلا وآخرته إلى محق وقلة وحاجة.
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة.
4 – قال السعدي:
قال تعالى: {يمحق الله الربا} أي: يذهبه ويذهب بركته ذاتا ووصفا، فيكون سببا لوقوع الآفات فيه ونزع البركة عنه، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادا له إلى النار {ويربي الصدقات} أي: ينميها وينزل البركة في المال الذي أخرجت منه وينمي أجر صاحبها وهذا لأن الجزاء من جنس العمل، فإن المرابي قد ظلم الناس وأخذ أموالهم على وجه غير شرعي، فجوزي بذهاب ماله، والمحسن إليهم بأنواع الإحسان ربه أكرم منه، فيحسن عليه كما أحسن على عباده {والله لا يحب كل كفار} لنعم الله، لا يؤدي ما أوجب عليه من الصدقات، ولا يسلم منه ومن شره عباد الله {أثيم} أي: قد فعل ما هو سبب لإثمه وعقوبته.
5 ـ قال تعالى في سورة الأعراف 163: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون) فاعتدوا فكان الجزاء: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين)
عوقب هؤلاء المتحيلين أنهم مسخوا قردة خاسئين، والذنب الذي فعلوه أنهم فعلوا شيئاً صورته صورة المباح ولكن حقيقته غير مباح، فصورة القرد شبيهة بالآدمي، ولكنه ليس بآدمي، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل.
ابن عثيمين ـ تفسير سورة البقرة.
6 ـ قال تعالى عن مانعي زكاة الذهب والفضة في سورة التوبة 35: (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)
ظهر لي في هذه الآية معنى: وهو أن كي هذه المواضع الثلاثة هي أشد على الإنسان من غيرها، وهي متضمنة لجهاته الأربع، الأمام والخلف واليمين والشمال، وهذه الوجوه التي يُخرج منها الإنسان. فلما منعوا الواجب عليهم منعاً تاماً من جميع جهاتهم جوزوا بنقيض مقصودهم.
السعدي ـ المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
7 – قال السعدي قال تعالى:
{أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي: العذاب الشديد، الذي يهينكم ويذلكم والجزاء من جنس العمل، فإن هذا العذاب {بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} من كذبكم عليه، وردكم للحق، الذي جاءت به الرسل.
8 – قال السعدي: قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} {40، 41}.
يخبر تعالى عن عقاب من كذب بآياته فلم يؤمن بها، مع أنها آيات بينات، واستكبر عنها فلم يَنْقَد لأحكامها، بل كذب وتولى، أنهم آيسون من كل خير، فلا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا وصعدت تريد العروج إلى الله، فتستأذن فلا يؤذن لها، كما لم تصعد في الدنيا إلى الإيمان بالله ومعرفته ومحبته كذلك لا تصعد بعد الموت، فإن الجزاء من جنس العمل.
9 – قال السعدي: قال تعالى:
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ} الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} عنه فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة، فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل، فكما استعمل عقله للعقل عن ربه، وللتفكر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك.
10 – قال السعدي: قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيرا كثيرا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.
ولهذا، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ولهذا قال هنا {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.
11 – قال السعدي: قال تعالى:
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أموَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} هذا حث عظيم من الله لعباده في إنفاق أموالهم في سبيله، وهو طريقه الموصل إليه، فيدخل في هذا إنفاقه في ترقية العلوم النافعة، وفي الاستعداد للجهاد في سبيله، وفي تجهز المجاهدين وتجهيزهم، وفي جميع المشاريع الخيرية النافعة للمسلمين.
ويلي ذلك الإنفاق على المحتاجين، والفقراء والمساكين.
وقد يجتمع الأمران، فيكون في النفقة دفع الحاجات، والإعانة على الخير والطاعات، فهذه النفقات مضاعفة، هذه المضاعفة بسبعمائة إلى أضعاف أكثر من ذلك، ولهذا قال: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} وذلك بحسب ما يقوم بقلب المنفق من الإيمان، والإخلاص التام، وفي ثمرات نفقته ونفعها، فإن بعض طرق الخيرات يترتب على الإنفاق فيها منافع متسلسلة، ومصالح متنوعة، فكان الجزاء من جنس العمل.
12 – قال السعدي: أن الجزاء من جنس العمل، فمن بخس أموال الناس، يريد زيادة ماله، عوقب بنقيض ذلك، وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله: {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أي: فلا تسببوا إلى زواله بفعلكم.
13 – قال السعدي: قال تعالى:
{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ} الدنيا {أَعْمَى} عن الحق فلم يقبله، ولم ينقد له، بل اتبع الضلال. {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} عن سلوك طريق الجنة كما لم يسلكه في الدنيا، {وَأَضَلُّ سَبِيلا} فإن الجزاء من جنس العمل، كما تدين تدان.
14: -قال ابن كثير:
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} قَالَ: هَذَا مَرَضٌ فِي الدِّينِ، وَلَيْسَ مَرَضًا فِي الْأَجْسَادِ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَالْمَرَضُ: الشَّكُّ الَّذِي دَخْلَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} قَالَ: زَادَهُمْ رِجْسًا، وَقَرَأَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التَّوْبَةِ: 124، 125] قَالَ: شَرًّا إِلَى شَرِّهِمْ وَضَلَالَةً إِلَى ضَلَالَتِهِمْ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَسَنٌ، وَهُوَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْأَوَّلُونَ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 17].
15 ـ قال تعالى عن الكافرين في ختام سورة الكهف 105: (فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) التعبير بكلمة حبط تعبير بليغ.
فأصل الحبوط أن تكثر الدابة من العشب حتى ينتفخ بطنها فيقضى عليها. ولقد أكثر هؤلاء الكفرة من الأعمال الدنيوية مالا ورجالا وحطاما حتى انتفخت نفوسهم بها عجبا وزهوا وكبرا فكان حتفهم في ذلك فحبطت تلك الأعمال فذهبت هباء منثوراً.
مصطفى مسلم ـ مباحث في التفسير الموضوعي.
16 ـ قال تعالى في سورة السجدة 16: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون).
تأمل:
كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس. وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقومون إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة.
ابن القيم ـ الروح.
17 ـ قال تعالى في سورة الطور 4: (والبيت المعمور) وهذا البيت هو كعبة أهل السماء، ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية والجزاء من جنس العمل.
ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم.
18 ـ قال تعالى في وصف عذاب الكافرين في جهنم في سورة الحج: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها) لما كان الكفار في سجن الكفر والشرك وضيقه، وكانوا كلما هموا بالخروج منه إلى فضاء الإيمان وسعته وروحه، رجعوا على حوافرهم، كانت عقوبتهم في الآخرة كذلك.
فالكفر والمعاصي والفسوق كله غموم، وكلما عزم العبد أن يخرج منه أبت عليه نفسه وشيطانه ومألفه، فلا يزال في غم ذلك حتى يموت، فإن لم يخرج من غم ذلك في الدنيا بقي في غمه في البرزخ وفي القيامة، وإن خرج من غمه وضيقه ها هنا خرج منه هناك. فما حَبَسَ العبد عن الله في هذه الدار حبسه عنه بعد الموت، وكان معذباً به هناك كما كان قلبه معذباً به في الدنيا.
ابن القيم ـ روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
19 ـ من طال وقوفه في الصلاة ليلاً ونهاراً لله، وتحمل لأجله المشاق في مرضاته وطاعته، خف عليه الوقوف يوم القيامة وسَهُل عليه، وإن آثر الراحة هنا والدعة والبطالة والنعمة، طال عليه الوقوف ذلك اليوم واشتدت مشقته عليه. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلاً * إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً) فمن سبح الله ليلاً طويلاً، لم يكن ذلك اليوم ثقيلاً عليه، بل كان أخف شيء عليه.
ابن القيم ـ اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية.
20 ـ ومنها: قوله تعالى في سورة المائدة: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) فالميثاق المتصل بين العبد وربه: هو من قبل العبد بالطاعة والإيمان، ومن قبل الله بالرحمة والإنعام، فلما نقضوه من قبلهم استحقوا اللعنة والطرد من الرحمة.
وعظ أبو الوفاء ابن عقيل مرة فقال: يا من وجد في قلبه قسوة انظر لعلك نقضت عهداً بينك وبين الله فإن الله يقول: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية).
21 ـ قوله تعالى في سورة الحديد: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) وهذا فيه مناسبة ظاهرة لحال المنافقين لما كانوا يظهرون من الإسلام ويخفون من الكفر.
22 ـ قوله تعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت).
قال ابن القيم رحمه الله: (فإذا كان يوم القيامة جازى الله سبحانه من يشاء من الكاذبين الكاتمين بطمس الوجوه وردها على أدبارها كما طمسوا وجه الحق وقلبوه عن وجهه جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد).
23 ـ قوله تعالى: (بل طبع الله عليها بكفرهم) فكما أن الكفر جامع لمعنى التغطية والنكران والجحد عوقبوا بالطبع على قلوبهم فلا ينفذ إليه الهدى.
24 ـ قوله تعالى في سورة العنكبوت: (فكلا أخذنا بذنبه) ثم ذكر الله تعالى من عقوباتهم ما ناسب إجرامهم.
وقال الإمام الشنقيطي: (وأما قوم لوط فلكونهم قلبوا الأوضاع بإتيان الذكور دون الإناث فكان الجزاء من جنس العمل قلب الله عليهم قراهم والعلم عند الله تعالى).
25 ـ قال تعالى في سورة الأعراف: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) فلمّا لم تفتح أبواب السماء لأعمالهم بل أغلقت عنها، لم تفتح لأرواحهم عند المفارقة بل أغلقت عنها.
ابن القيم ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين.
26 ـ قال تعالى في سورة الأعلى: (سيذكر من يخشى * ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى) فإن الجزاء من جنس العمل، فإنه في الدنيا لما لم يحي الحياة النافعة الحقيقية التي خلق لها، بل كانت حياته من جنس حياة البهائم، ولم يكن ميتاً عديم الإحساس، كانت حياته في الآخرة كذلك.
ابن القيم ـ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
27 ـ قال تعالى في سورة البقرة: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا)
الجزاء من جنس العمل فكما تقلبت عقولهم (وقالوا إنما البيع مثل الربا) جازاهم الله من جنس أحوالهم، فصارت أحوالهم أحوال المجانين.
السعدي ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
28 ـ (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون).
فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة.
ابن القيم ـ الوابل الصيب.
29 ـ قال تعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها) وهذا جزاء من جنس ما عملوا؛ كما تركوا وآثروا الباطل وقلبوا الحقائق فجعلوا الباطل حقاً والحق باطلاً، جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق.
السعدي ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
30 ـ قال تعالى في سورة النساء: (إن تبدو خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً)، (أو تعفو عن سوء)؛ أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم فتسمحوا عنه؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفا الله عنه. ومن أحسن؛ أحسن الله إليه؛ فلهذا قال: (فإن الله كان عفواً قديراً).
السعدي ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
31 – قال ابن كثير:
وَقَوْلُهُ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ: فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عَظَمَةَ مَا أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَاللَّذَّاتِ الَّتِي لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى مِثْلِهَا أَحَدٌ، لَمَّا أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ (8) أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، جَزَاءً وِفَاقًا؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
قَالَ الْحَسَنُ [الْبَصْرِيُّ]: (9) أَخْفَى قَوْمٌ عَمَلَهُمْ فَأَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ (10) عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
32 – قال ابن كثير:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، كَقَوْلِهِ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الْحَجِّ: 40]، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: “مَنْ بَلَّغ ذَا سُلْطَانٍ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
33 – قال ابن كثير:
الْمُرَادَ بِالسَّابِقِينَ هُمُ الْمُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ الْخَيِّرَاتِ كَمَا أُمِرُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ} [آلِ عِمْرَانَ: 133]، وَقَالَ: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} [الْحَدِيدِ: 22]، فَمَنْ سَابَقَ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَسَبَقَ إِلَى الْخَيْرِ، كَانَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْكَرَامَةِ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.
34 – قال ابن كثير:
يَقُولُ تَعَالَى مُؤَدِّبًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَآمِرًا لَهُمْ أَنْ يُحْسِنَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي الْمَجَالِسِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} وَقُرِئَ {فِي الْمَجْلِسِ} {فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: “مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ” (3) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: “وَمَنْ يَسَّر عَلَى مُعْسِر يَسَّر اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، [وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ] (4) وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” (5) وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ كَثِيرَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ}.
35 ـ قال تعالى في سورة المدثر: (كل نفس بما كسبت رهينة)
أي: كل نفس مرتهنة محبوسة ومُوثقة بكسبها السيء وحبسها في العذاب السيء، وذلك لأن الجزاء من جنس العمل، فكما حبس المجرمون ما لديهم لله ولخلقه من الحقوق اللازمة فلم يؤدوا الصلاة التي هي أكبر العبادات المتضمنة للإخلاص للمعبود، ولا أطعموا المساكين من الحق الذي أوجبه الله لهم في أموالهم، ولا حبسوا نفوسهم على ما شرع وقيدوها بقيود الدين بل أطلقوها فيما شاءوا من المرادات الفاسدة فخاضوا بالباطل مع الخائضين، ولا صدّقوا ربهم ورسله مع تواتر الآيات بل كانوا يكذّبون بيوم الدين فلذلك حُبسوا في هذا المحبس الفظيع وأُدخلوا في سقر.
السعدي ـ المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
36 ـ قال تعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء). فلا تُفتّحُ أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا، وصعدت تريد العروج إلى الله، فتستأذن فلا يؤذن لها؛ كما لم تصعد في الدنيا إلى الإيمان بالله ومعرفته ومحبته، كذلك لا تصعد بعد الموت؛ فإن الجزاء من جنس العمل.
السعدي ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
37 ـ قال جل وعلا عن المنافقين: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون). ولما كان إخفاء شيء عن الله تعالى محالاً، فسروا مخادعتهم لله بأنه خداع في الصورة لا في الحقيقة؛ وذلك أنه شُرع أن يعاملوا معاملة المؤمنين، ولكنهم لا يجزون جزاءهم في الآخرة، بل يكونوا في الدرك الأسفل من النار، كما أن عملهم الظاهر غير كفرهم الخفي في أنفسهم، فالجزاء من جنس العمل.
38 ـ قال تعالى في سورة المائدة: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم): (جزاءً بما كسبا)
أي: مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك، والجزاء من جنس العمل.
ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم.
39 ـ قال تعالى: عقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم: (الله نور السماوات والأرض) وسر هذا، أن الجزاء من جنس العمل، فمن غض بصره عما حرّم الله عز وجل عوضه تعالى من جنسه، ما هو خير منه، فكما أمسك نور بصره عن المحرمات، أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى.
ابن القيم ـ إغاثة اللهفان.
40 ـ قال تعالى في سورة الذاريات: (إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين).
والجزاء من جنس العمل، فكما أخذوا ما أمرهم به في الدنيا وقابلوه بالرضا والتسليم وانشراح الصدر، أخذوا ما آتاهم من الجزاء كذلك.
ابن القيم ـ التبيان في أقسام القرآن.
41 ـ قال تعالى في سورة إبراهيم: (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) ومكره تعالى بهم إنما كان بسبب مكرهم، فهو مكرهم عاد عليهم وكيدهم عاد عليهم. وسمي جزاء المكر مكراً، وجزاء الكيد كيداً، تنبيهاً على أن الجزاء من جنس العمل.
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة.
42 ـ قال تعالى في سورة طه: (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) فيه تنبيه على أنه من عمى البصر، وأنه من جنس عمله، فإنه لما أعرض عن الذكر الذي بعث الله به رسوله وعميت عنه بصيرته، أعمى الله بصره يوم القيامة، وتركه في العذاب، كما ترك الذكر في الدنيا، فجازاه على عمى بصيرته عمى بصره في الآخرة، وعلى تركه ذكره تركه في العذاب.
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة.
43 ـ كان في قوم لوط مع الشرك إتيان الفاحشة التي لم يسبقوا إليها، وفي قوم عاد مع الشرك التجبر والتوسع في الدنيا، وشدة البطش وقولهم: (من أشد منا قوة)، وفي أصحاب مدين مع الشرك الظلم في الأموال، وفي قوم فرعون مع الشرك الفساد في الأرض والعلو.
وكان عذاب كل أمة بحسب ذنوبهم وجرائمهم. فعذب قوم عاد بالريح الشديدة العاتية، التي لا يقوم لها شيء، وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك والرجم بالحجارة من السماء وطمس الأبصار، وقلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها، والخسف بهم إلى أسفل سافلين. وعذب قوم شعيب بالنار التي أحرقتهم وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان.
ابن القيم ـ التبيان في أقسام القرآن.
44 ـ قال تعالى: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وهذا من باب الجزاء من جنس العمل.
ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران.
45 ـ قال تعالى: (للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم).
وهذا من باب الجزاء من جنس العمل؛ لأنه لا شك أن التقوى والإحسان من أعظم عمل العبد فكان ثوابها عظيماً.
ابن عثيمين ـ تفسير سورة آل عمران.
46 ـ قال تعالى في سورة البروج: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق).
(فلهم عذاب جهنم) بسبب كفرهم، (ولهم عذاب الحريق) بسبب فتنتهم المؤمنين والمؤمنات، وفي جعل ذلك جزاء للفتنة من الحُسن ما لا يخفى.
الألوسي ـ روح المعاني.
47 – قال تعالى:
{فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.
48 ـ قال تعالى: (أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون * قل نعم وأنتم داخرون) والدخور: بمعنى الصغار والذل،
ومن فوائد الآية:
أن المؤمنين بذلك يحشرون يوم القيامة أعزة، ووجهه أنه إذا كان جزاء هؤلاء المكذبين أنهم يحشرون على وجه الصغار والذل، فإن العكس بالعكس، والجزاء من جنس العمل، فيحشر المؤمنون يوم القيامة أعزاء.
ابن عثيمين ـ تفسير سورة الصافات
49 ـ قال تعالى في سورة البقرة 276: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) تأمل حكمته تعالى في محق أموال المرابين وتسليط المتلفات عليها كما فعلوا بأموال الناس ومحقوها عليهم وأتلفوها بالربا، جوزوا إتلافاً بإتلاف! فقل أن ترى مرابياً إلا وآخرته إلى محق وقلة وحاجة.
ابن القيم ـ مفتاح دار السعادة.
50 ـ قال تعالى في سورة الأعراف 163: (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته مسخهم الله قردة يشبهونهم في بعض ظاهرهم دون الحقيقة).
قال ابن عثيمين:
فاعتدوا فكان الجزاء: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) عوقب هؤلاء المتحيلين أنهم مسخوا قردة خاسئين، والذنب الذي فعلوه أنهم فعلوا شيئاً صورته صورة المباح ولكن حقيقته غير مباح، فصورة القرد شبيهة بالآدمي، ولكنه ليس بآدمي، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل.
ابن عثيمين ـ تفسير سورة البقرة.
51 ـ قال تعالى عن مانعي زكاة الذهب والفضة في سورة التوبة 35: (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) ظهر لي في هذه الآية معنى: وهو أن كي هذه المواضع الثلاثة هي أشد على الإنسان من غيرها، وهي متضمنة لجهاته الأربع، الأمام والخلف واليمين والشمال، وهذه الوجوه التي يُخرج منها الإنسان. فلما منعوا الواجب عليهم منعاً تاماً من جميع جهاتهم جوزوا بنقيض مقصودهم.
السعدي ـ المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
52 ـ قال تعالى عن الكافرين في ختام سورة الكهف 105: (فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) التعبير بكلمة حبط تعبير بليغ. فأصل الحبوط أن تكثر الدابة منالعشب حتى ينتفخ بطنها فيقضى عليها. ولقد أكثر هؤلاء الكفرة من الأعمال الدنيوية مالا ورجالا وحطاما حتى انتفخت نفوسهم بها عجبا وزهوا وكبرا فكان حتفهم في ذلكفحبطت تلك الأعمال فذهبت هباء منثورا.
مصطفى مسلم ـ مباحث في التفسير الموضوعي.
53 قال تعالى في سورة السجدة 16: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلاتعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوايعلمون) تأمل: كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لاتعلمه نفس. وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقومون إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة.
ابن القيم ـ الروح.
54 ـ قال تعالى في سورة الطور 4: (والبيت المعمور) وهذا البيت هو كعبة أهل السماء، ولهذا وجد إبراهيم الخليل مسنداً ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية والجزاء من جنس العمل.
ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم.
55 – قال ابن القيم: قال تعالى:
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
حتم حكم الفيء، الذي هو الرجوع والعود إلى رضى الزوجة، والإحسان إليها: بأنه غفور رحيم، يعود على عبده بمغفرته ورحمته. إذا رجع إليه. والجزاء من جنس العمل. فكما رجع العبد إلى التي هي أحسن، رجع الله إليه بالمغفرة والرحمة التفسير القيم لابن القيم
56 – قال ابن القيم:
قال تعالى:
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) والذي حسن اجتماع التعليل والتشبيه: الإعلام بأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر.
57 – قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 15/ 27
وإنما أختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم لأنها إحسان من الله أرحم الراحمين وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان لأن الجزاء من جنس العمل فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته. وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة بعدا ببعد وقربا بقرب، فمن تقرب بالإحسان تقرب الله إليه برحمته ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته. والله سبحانه يحب المحسنين ويبغض من ليس من المحسنين، ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه. والإحسان هاهنا هو فعل المأمور به سواء كان إحسانا إلى الناس أو إلى نفسه. فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد والإنابة إلى الله والإقبال عليه والتوكل عليه وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالا ومهابة وحياء ومحبة وخشية فهذا هو مقام الإحسان كما
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وقد سأله جبريل عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه»
وإذا كان هذا هو الإحسان فرحمة الله قريب من صاحبه، فإن الله إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به وإنما كتب رحمته: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ والذين يتبعون رسوله فهؤلاء هم أهل الرحمة، كما أنهم هم المحسنون، وكما أحسنوا جوزوا بالإحسان. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ يعني هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه؟ قال بان عباس: هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم إلا الجنة؟
58 – قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 6/ 483
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} وَمِثْلُ هَذَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرٌ يُبَيِّنُ فِيهِمَا أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ
59 – قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 8/ 206
قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ لَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَيِّ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ وَلَا مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ، كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِك
60 – قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 11/ 178:
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا وَيَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا وَهُوَ كَمَا قَالُوا. فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ {يَشْرَبُ بِهَا} وَلَمْ يَقُلْ: يَشْرَبُ مِنْهَا لِأَنَّهُ ضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلَهُ يَشْرَبُ يَعْنِي يُرْوَى بِهَا فَإِنَّ الشَّارِبَ قَدْ يَشْرَبُ وَلَا يُرْوَى فَإِذَا قِيلَ يَشْرَبُونَ مِنْهَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّيِّ فَإِذَا قِيلَ يَشْرَبُونَ بِهَا كَانَ الْمَعْنَى يَرْوُونَ بِهَا فَالْمُقَرَّبُونَ يَرْوُونَ بِهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهَا إلَى مَا دُونَهَا؛ فَلِهَذَا يَشْرَبُونَ مِنْهَا صِرْفًا بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مُزِجَتْ لَهُمْ مَزْجًا وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}. فَعِبَادُ اللَّهِ هُمْ الْمُقَرَّبُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي تِلْكَ السُّورَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السِّكِّينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ؛
—
61 – قال ابن تيمية في الحسبة:
الفصل السابع
الثواب والعقاب من جنس العمل (1)
فالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَكُونَانِ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فِي قَدَرِ اللَّهِ وَفِي شَرْعِهِ: فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْعَدْلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (149) سورة النساء، وَقَالَ تعالَى: {وَلَا يَاتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) سورة النور.
62 – قال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين – (ج 1 / ص 265)
[يَكُونُ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَمِثَالِهِ] وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَزَاءُ مُمَاثِلًا لِلْعَمَلِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ، وَمَنْ سَمَحَ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ، وَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، وَمَنْ أَنْفَقَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَوْعَى أَوْعَى عَلَيْهِ، وَمَنْ عَفَا عَنْ حَقِّهِ عَفَا اللَّهُ لَهُ عَنْ حَقِّهِ، وَمَنْ تَجَاوَزَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ اسْتَقْصَى اسْتَقْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا شَرْعُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَوَحْيُهُ وَثَوَابُهُ وَعِقَابُهُ كُلُّهُ قَائِمٌ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ، وَاعْتِبَارُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ الشَّارِعُ الْعِلَلَ وَالْأَوْصَافَ الْمُؤَثِّرَةَ وَالْمَعَانِيَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْجَزَائِيَّةِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا أَيْنَ وُجِدَتْ، وَاقْتِضَائِهَا لِأَحْكَامِهَا، وَعَدَمِ تَخَلُّفِهَا عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ يُعَارِضُ
اقْتِضَاءَهَا وَيُوجِبُ تَخَلُّفُ أَثَرِهَا عَنْهَا، كَقَوْلِهِ – تَعَالَى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَقَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ}.
====
====