994 التعليق على الصحيح المسند
جمع مجموعة عبدالحميد البلوشي
وشارك حسين البلوشي ونورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
الصحيح المسند
مسند البزار:
206 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: نا أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ: نا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ، فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ فِي أَثَرِ الْكِتَابِ فَأَدْرَكَا امْرَأَةً عَلَى بَعِيرٍ فَاسْتَخْرَجَا مِنْ قَرْنٍ مِنْ قُرُونِهَا مَا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ فَقَالَ: يَا حَاطِبُ أَنْتَ كَتَبْتَ هَذَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ كُنْتُ غَرِيبًا فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ أَهْلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَخِفْتُ عَلَيْهِمْ فَكَتَبْتُ كِتَابًا لَا يَضُرُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَيْئًا، وَعَسَى أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِي، فَقَالَ عُمَرُ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْكِنِّي مِنْ حَاطِبٍ فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا نَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
——-
نصوص تذم التجسس:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً} [الحجرات: 12].
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا) [البخاري].
وعن سلمة بن الأكوع قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه [متفق عليه].
—-
قصة حاطب رواها البخاري (3007) ومسلم (2494)
تكلمنا تحت حديث 908 من الصحيح المسند الأمور التي يباح فيها القتل ومنها الجاسوس وسيأتي الخلاف فيه.
– فيها أنه يخص الله عز و جل أقواما فيغفر لهم ذنوبهم بأعمال صالحة قاموا بها مثل أهل بدر و منهم حاطب بن أبي بلتعه
اقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب كتبه بعض الباحثين وحذفنا تعليقاته واضفنا بعض النقولات الأخرى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد،
فإن حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في مكاتبته للمشركين يعد ركيزة من ركائز بيان (الولاء والبراء)،
أولاً: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم (الأم):
[المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين:
قيل للشافعي: أ رأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بـ: أن المسلمين يريدون غزوهم. أو بالعورة من عوراتهم. هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين؟.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا: أن يقتل. أو يزنى بعد إحصان. أو يكفر كفراً بيِّناً بعد إيمان ثم يثبت على الكفر.
وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّن].
وقتل المسلمين والفتك بهم مجرداً عن الاستحلال وعن محبة انتصار المشركين ليسا من الكفر الأكبر المخرج من الملة؛ بل هما من كبائر الذنوب وعظائم المعاصي، لكن دون الشرك الأكبر
ثم روى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قصة حاطب رضي الله عنه من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وذكر بعض دلالاتها فقال:
[فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً؟
قال: قلته ـ بما لا يسع مسلماً عَلِمه عندي أن يخالفه ـ بالسنة المنصوصة، بعد الاستدلال بالكتاب.
فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه.
قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبى رافع قال: سمعت علياً يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب) فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة … وفيه (دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل.
الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) قال: فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء).
قال الشافعي رحمه الله تعالى: [في هذا الحديث ـ مع ما وصفنا لك ـ طرح الحكم باستعمال الظنون.
لأنه لما كان الكتاب:
” يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله.
” ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام.
” واحتمل المعنى الأقبح … كان القول قوله فيما احتمل فعله.
وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن: لم يقتله. ولم يستعمل عليه الأغلب.
ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده.
فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه].
[قيل للشافعي: أ فرأيت إن قال قائل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد صدق) إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره.
فيقال له:
– قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كلًّ بالظاهر وتولى الله سبحانه وتعالى منهم السرائر.
– ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية.
– وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي: عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً. أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة. أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله.
قلت للشافعي: أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقال الشافعي: إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال، وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تجافوا لذوى الهيئات) وقد قيل في الحديث: (ما لم يكن حد). فإذا كان هذا: من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له. وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام ـ والله تعالى أعلم ـ تعزيره.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لجهالته يعنى المعترف بما عليه، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله].
ثانياً: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وقال ابن تيمية في الفتاوى 28 [/109]: (ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس) اهـ.
قال الإمام سحنون: (إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يُستتب، وماله لورثته).
وفي المستخرجة قال ابن القاسم في الجاسوس: (يُقتل ولا تُعرف لهذا توبة، هو كالزنديق).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر حديث حاطب وقصته:
(وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء المغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى، فإن عثمان وعلياً وطلحة و الزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة وكان حاطب مسيئاً إلى ممالكيه وكان ذنبه في مكاتبته المشركين وإعانتهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعظم الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء، ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله وكذب من قال: إنه يدخل النار لأنه شهد بدراً والحديبية وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر، ومع هذا فقد قال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق واستحل قتله ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة)، ثم ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى قصة الإفك وما حدث فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان:
[الأصل الثاني
أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف:
– فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله؛ كما قال تعالى (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) [المائدة: 81]. وقال: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) [المجادلة: 22].
– وقد تحصل للرجل لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً.
– كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) [الممتحنة: 1]
– وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك فقال لسعد بن معاذ: ” كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله “. قالت عائشة: ” وكان قبل ذلك رجلًا صالحاً ولكن احتملته الحمية ” ولهذه الشبهة سمى عمر حاطباً منافقاً فقال: ” دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: (إنه شهد بدراً) فكان عمر متأولاً في تسميته منافقاً للشبهة التي فعلها.
– وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة: ” كذبت لعمر الله لنقتلنه إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين ” هو من هذا الباب.
– وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم: ” منافق “، وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين.
ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً بل: فيهم المنافق المحض. وفيهم من فيه إيمان ونفاق، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق وكان كثير ذنوبهم بحسب ظهور الإيمان. ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكونوا يعاتبون عليه قبل ذلك].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فهذه أمور صدرت عن شهوة وعجلة لا عن شك في الدين كما صدر عن حاطب – رضي الله عنه – التجسس لقريش مع أنها ذنوب ومعاصي يجب على صاحبها أن يتوب وهي بمنزلة عصيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم).
– قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وفي هذا الحديث بيان أن الله يغفر لهؤلاء السابقين كأهل بدر والحديبية من الذنوب العظيمة بفضل سابقتهم وإيمانهم بها كما لم تجب معاقبة حاطب رضي الله عنه مما كان منه).
– قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( … وكذلك حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كاتب المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد عمر قتله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات، ولم يشترط مع ذلك توبة و إلا فلا اختصاص لأولئك بهذا، والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل، وإذا قيل هذا لأن أحداً من أولئك لم يكن له إلا صغائر لم يكن ذلك من خصائصه أيضاً، وإن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم).
– قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر قصة حاطب رضي الله عنه: (فهذه السيئة العظيمة غفرها الله له بشهود بدر، فدلّ ذلك على أن الحسنة العظيمة يغفر الله بها السيئة العظيمة)
– قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ومن هذا الباب أن الرجل الذي قال له لما قسم غنائم حنين: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أقتل هذا المنافق، فقال: ((معاذ الله أن يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه)) ثم أخبر أنه يخرج من ضئضئه أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وذكر حديث الخوارج. رواه مسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عمر من قتله لئلا يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب رضي الله عنه فإنه لما قال: ((ما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله عليه وسلم: ((إنه قد صدقكم، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال: ((إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) فبيّن أنه باق على إيمانه وأنه صدر منه ما يغفر له به الذنوب فعلم أن دمه معصوم، وهذا علل بمفسدة زالت فعلم أن قتل مثل هذا القائل إذا أمنت هذه المفسدة من السنة).
– قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ((وما يدريك .. )) الخ جواب عن قوله: ((إنه منافق)):
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وهذا حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة لشهوده بدراً والحديبية وقال لمن قال: ((إنه منافق)): ((وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))].
– جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه يدل على أن حاطباً رضي الله عنه ليس بمنافق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ويدل على جواز قتل الزنديق المنافق من غير استتابة ما خرجاه في الصحيحين في قصة حاطب بن أبي بلتعة قال: فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))، فدلّ على أن ضرب عنق المنافق من غير استتابة مشروع إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر استحلال ضرب عنق المنافق ولكن أجاب بأن هذا ليس بمنافق ولكنه من أهل بدر المغفور لهم فإذا ظهر النفاق الذي لا ريب فيه أنه نفاق فهو مبيح للدم]
– اعتقاد نفاق الجاسوس مطلقاً خطأ، وهو خطأ مغفور له إذا صدر عن مجتهد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعملية] وذكر أمثلة لذلك إلى أن قال: [أو اعتقد أنّ من جس للعدو وعلمهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم فهو منافق كما اعتقد ذلك عمر في حاطب وقال: ((دعني أضرب عنق هذا المنافق … ))}
– اختلاف الأئمة في قتل الجاسوس المسلم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وأما مالك وغيره فحكى عنه أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد في مثل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين فإن أحمد يتوقف في مثله، وجوز مالك وبعض الحنابلة كابن عقيل قتله، ومنعه أبو حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى … ].
قال ابن القيم في “زاد المعاد” (2/ 115) عن حديث حاطب بن أبي بلتعة:
استدل به من لا يرى قتل المسلم الجاسوس كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله، واستدل به من يرى قتله كمالك وابن عقيل من أصحاب أحمد رحمه الله وغيرهما، قالوا: لأنه علل بعلة مانعة من القتل غير موجودة وهي شهود بدر، ولو كان الإسلام مانعا من قتله لم يعلل بأخص منه وهو شهوده بدراً. اهـ بتصرف.
وقال في موضع آخر من ” زاد المعاد ” (3/ 422):
والصحيح أن قتله -يعني الجاسوس- راجع إلى رأي الإمام فإن كان قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه والله أعلم اهـ.
قال ابن حجر في الفتح [8/ 503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.
قال ابن تيمية في الصارم [356]: (فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار) اهـ.
و ذلك الرجل من الأنصار الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري -: (أراك تحابي ابن عمتك!!). وذلك لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بأن يسقي أرضه، ثم يرسل الماء إلى أرض جاره الأنصاري!
قال ابن العربي في الأحكام [5/ 267]: (كل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاري زل زلة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ.
انقطاع الوحي
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: (إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم؛ فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يُحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة).
ومن حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه أنزل الله عزوجل في المنافقين: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنمُ جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
بينما أنزل الله في الثلاثة الذين صدَقوا الحديث – منهم كعب من مالك – قوله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} إلى قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117 – 119].
لا يدخل النار شهد بدر:
وفي صحيح مسلم: (إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد – إن شاء الله – ممن شهد بدراً والحديبية).
وحاطب قد جمع بين الخيرين، فقد شهد بدراً والحديبية معاً!
======
قلت سيف: كل ما ورد عن بعض الأئمة يفهم منه الإطلاق أو الإجمال فبيان الشافعي وابن تيمية لا مزيد عليه.
وهذا بحث وقفت عليه فيه نقولات جيدة لبعض الباحثين: وكل نقل لأحد الأئمة فهم منه الإطلاق. ففي النقل الذي نقلناه عن الشافعي وابن تيمية تفصيل وبيان واضح:
قال باحث في بيانه لقصة حاطب:
اعلم أخي الكريم – وفقني الله وإياك – أنَّ هذه المسألة – أعني هل فعل حاطب رضي الله عنه يُعدُّ كفراً أم لا؟ – من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، وأصل منشأ الخلاف هو:
هل الموالاة بجميع صورها تُعدُّ كفراً أم أنَّ منها ما هو كفر ومنها ما دون ذلك؟
وهل هناك فرقٌ بين الموالاة والتولي؟
وهل قوله تعالى: ” وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ” [المائدة: 51] أي كافر مثلهم، أم هو كقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. ومعلوم أن ليس كلُّ تشبه بالكفار يعد كفرا، فإذا علمت ذلك تبين لك خطأ من يجعل هذه المسألة من مسائل العقيدة ويخطِّيء أو يبدع من لم يقل بقوله، فإما جعله مرجئاً أو خارجياً، وهذا مما ابتليت به الأمة في الآونة الأخيرة.
أما مسألة الموالاة والمعاداة ومظاهرة الكافرين على المسلمين فهي من مسائل العقيدة بل أصل من أصول التوحيد، وأما تكفير حاطب – رضي الله عنه – فلم يقل به أحدٌ من أهل السنة فهو صحابي بدري قد وجبت له الجنة، وإليك البيان بشيء من الإيجاز والاختصار:
الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب – رضي الله عنه – كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو كبرى، وموالاة خاصة دون موالاة.
ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب – رضي الله عنه – من النوع الأول، ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب – رضي الله عنه – من النوع المُكفِّر أم لا؟ – وسيأتي -، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
وعمدة من يقول أن الموالاة نوع واحد وأنها كفر، قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ” [المائدة: 51]، وقوله تعالى: ” وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” [التوبة: 23] قالوا لم ترد الموالاة في القرآن إلا بوصف الكفر، قال ابن جرير: ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا هو به وبدينه.
وقال ابن حزم في ” المحلى ” (11/ 138): وصح أنَّ قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ” [المائدة: 51] إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ” مجموع الفتاوى ” (1/ 274): وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم. ثم استشهد بالآيتين السابقتين.
هذه مقدمة لابد منها قبل الإجابة على سؤال: هل فعل حاطبٍ – رضي الله عنه – كان كفراً أم لا؟
واعلم أن قصة حاطب – رضي الله عنه – رواها البخاري في الصحيح (3007،4272،4890،6259) ومسلم في الصحيح (4550) وأبو داود في السنن (3279) والترمذي في السنن (3305) وأحمد في المسند (3/ 350) وأبو يعلافي المسند (4/ 182) وابن حبان في صحيحه (11/ 121) والبزار في مسنده (1/ 308) والحاكم في المستدرك (4/ 87) والضياء في الأحاديث المختارة (1/ 286) وغيرهم، وقد جمعت لك ما صح من رواياتهم في سياق واحد – وأصلها من صحيح البخاري – ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَاتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: الْكِتَابُ. فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عُمَرُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ” ” دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ” ” فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ ” فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت؟.
قَالَ حَاطِبٌ: ” وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” ” وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام ” ” وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا ” ” وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ “ِ ” مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ ” ” أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ ” ” فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله ” أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال: َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
فأنت ترى أنَّ حاطباً – رضي الله عنه – شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاته لكفار قريش، وظهر له أنَّ هذا كفرٌ وردة لكنه يعلم من نفسه أنه لم يفعله ارتداداً عن دين الله فقال: ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وما غيرت ولا بدلت – أي ديني – أما إني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً.
إذن هذا العمل بمجرده يُعَدُّ كفراً وارتداداً وغشاً ونفاقاً، وكأنه – رضي الله عنه – ذُهل عن هذا الأمر أثناء الوقوع في المعصية بعذر قدَّمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ” أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي “.
فإمَّا أن يقال كان جاهلاً وما تبين له هذا إلا بعد أن استجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال كان – رضي الله عنه – متأولاً وهذا أصوب بدليل أنه قال كما صحت به رواية أحمد وأبو يعلى وابن حبان: ” أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ ” فهو يعلم أن المولاة كُفر لكنه لا يَعِدُّ ما فعله موالاة – تأولاً – لثقته أن الله ناصرٌ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما صحت به رواية البزار والحاكم والضياء من قوله: ” كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله ” فهو لثقته الكبيرة بربه ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحموا له أهله لكن لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الحافظ في الفتح (8/ 634): ” وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ , وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ , فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَنْ لا ضَرَر فِيهِ “، ويؤكد ذلك لفظ الخطاب – إن صح – فقد قال الحافظ في الفتح (4274): ” وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي ” تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام” أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: ” أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده.
فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام ” كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ ” وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لقريش، كلُّ ذلك جعل حاطب -رضي الله عنه – يتأول أن ليس في هذا موالاة لكفار قريش وكيف يواليهم وهوالصحابي البدري؟!
والواقع أن قصة حاطب وقصة قدامة ابن مظعون – رضي الله عنهما- الذي استباح شرب الخمر متأولاً أنه لا جناح على الذين آمنوا أن يطعموها من أفضل ما يمكن أن يستشهد به على أنَّ التأويلَ مانعٌ من موانع التكفير.
أمَّا عمر – رضي الله عنه – فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً – رضي الله عنهما – بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر – رضي الله عنه – وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب – رضي الله عنه – إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر – رضي الله عنه – ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن.
قال ابن حزم في ” الفصل ” (3/ 143): ” وقد قال عمر رضي الله عنه – بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم – عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً “.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 282): ” إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك “. ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب – رضي الله عنهما -.
أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر – رضي الله عنه – قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت – أي ديني – فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب – رضي الله عنه – من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى (7/ 523): ” وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ” [الممتحنة:1]
والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ” عيون الرسائل والأجوبة على المسائل” (1/ 179).
لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد.
قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام:
الثامن: ” مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: ” وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ” [المائدة:51]
وقال الشيخ حمد بن عتيق في ” الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع ” (ص32): ” وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين”.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – في ” مجموع الفتاوى ” (1/ 274): ” وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم “.
والخلاصة:
أنْ نقول إنَّ حاطباً – رضي الله عنه – حصل منه نوع موالاةٍ للكفار، فمن قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه – رضي الله عنه – من النوع غير المُكفِّر، وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً – رضي الله عنه – كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد.
ولذلك لَمَّا سئل الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ عن مسألة سبَبت خلافاً بين أهل السنة في زمانه عن الموالاة والمعاداة هل هي من معنى لا إله إلا الله، أو من لوازمها؟
أجاب: ” الجواب أنَّ يقال: الله أعلم، لكن بحسب المسلم أنَّ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، 000 وأمَّا كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، وإنما كلفنا بمعرفة أنَّ الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، فمن عرف أنَّ ذلك من معناها، أو من لازمها، فهو خير، ومن لم يعرفه، فلم يُكلف بمعرفته، لاسيما إذا كان الجدل والمنازعة فيه مما يفضي إلى شرٍ واختلافٍ، ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله وعادوا المشركين ووالوا المسلمين، فالسكوت عن ذلك متعين ” انتهى كلامه. انظر: ” مجموعة التوحيد ” (ص69)
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
——
مسألة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه
الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض.
والموالاة على نوعين:
مُكفِّرة وغير مُكفِّرة،
والذي يهمنا هنا
هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟
قبل ذلك لابد أن نعلم أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعير بذنب تاب منه رضي الله عنه.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القران 18/ 52:
من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين اهـ
ومظاهرة الكفار على المسلمين تحتها أقسام:
1_ مظاهرتهم ومعاونتهم على المسلمين مع محبة ما هم عليه من الكفر فهذا القسم كفر أكبر.
2_ أن يعاونهم على المسلمين لا مختارا وهو لا يحبهم بل يكرهونه على ذلك بسبب إقامته بينهم فهذا عليه وعيد شديد ويخشى عليه من الكفر.
3_ من يعين الكفار على المسلمين وهو مختار غير مكره مع بغضه لدين الكفار وعدم الرضا عنه فهذا فاعل لكبيرة من كبائر الذنوب ويخشى عليه من الكفر.
4_ من يعين الكفار على الكفار الذين لهم عهد عند المسلمين فهذا حرام ولا يجوز.
5_ أن يبغضهم ولكن يظهر لهم الموالاة والتأييد والنصرة وتحسين دينهم وإنما حمله على ذلك إما طمع في رياسة أو مال فإن هذا كافر ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن.
——
قال صالح آل الشيخ: [قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} قال العلماء: أثبت أنهم ألقوا المودة ومع ذلك ناداهم باسم الإيمان، فقال {يا أيها الذين آمنوا} ومع ذلك قال في آخرها: {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}، فدل على أن هذا الفعل – وهو الموالاة بهذا المعنى – محرم وضلال عن سواء السبيل، ولكن لا يخرج عن اسم الإيمان، *ولكنه إذا نصر الكفار مرجحا سلامة نفسه على سلامة الإسلام هنا يكفر ولو بالفعل*،
*ففرق بين أن يُسرَّ إليهم بشئ أو يمدهم بمال ونحو ذلك، وبين فعل شئ فيه نصر لهم على المسلمين، يعني: يفعل شيئا معه نصر للكفر على الإسلام أو ظهور للكفار على المسلمين؛ ولهذا في نواقض الإسلام لإمام الدعوة رحمه الله ذكر من النواقض: مظاهرة المشركين على المسلمين*. ص (20)
مِن شرحه على كتاب الفرقان لابن تيمية
و هذا هو معنى التولي الذي يكفر به و ان يكون في قلبه يريد نصرة الكفار على المسلمين بخلاف المولاة
يعني هناك فرق بين التولي و المولاة
ذكر ذلك ايضا في شرح ثلاثة الأصول
و هناك رسالة للشيخ محمد بازمول
و كذلك للشيخ محمد بن ابراهيم ال الشيخ تكلم عّن مظاهرة المشركين و لو بالرأي
ومن محاضرة
الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن تأليف معالي الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ
ضابط التولي للكفار:
فهاهنا عندنا في الشرع , وعند أئمة التوحيد , لفظان لهما معنيان , يلتبس أحدهم بالآخر عند كثيرين:
الأول: التولي.
الثاني: الموالاة.
التولي: مكفر.
الموالاة: غير جائزة.
والثالث: الاستعانة بالكافر واستئجاره: جائزة بشروطها.
فهذه ثلاث مسائل.
* أما التولي؛ فهو الذي نزل فيه قول الله جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّه مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)
وضابط التولي: هو نصرة الكافر على المسلم وقت الحرب المسلم والكافر , قاصداً ظهور الكفار على المسلمين.
فأصل التولي: المحبة التامة , أو النصرة للكافر على المسلم , فمَن أحب الكافر لدينه؛ فهذا قد تولاَّه تولياً , وهذا كفر.
* وأما موالاة الكفار؛ في مودتهم , ومحبتهم لدينهم , وتقديمهم , ورفعهم , وهي فسق وليست كفراً.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (الممتحنة:1)
قال أهل العلم: ناداهم باسم الإيمان , وقد دخل في النداء من ألقى المود للكفار , فدلَّ على أن فعله ليس كفراً , بل ضلال عن سواء السبيل.
وذلك لأنه ألقى المودة, وأسر لهم؛ لأجل الدنيا , لا شكّاً في الدين.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن صنع ذلك: ما حملك على ما صنعت؟. قال: والله ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله , أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي … الحديث أخرجاه في الصحيحين.
فمن هذا يتبيَّن أن مودة الكافر والميل له لأجل دنياه ليس كفراً إذا كان أصل الإيمان والاطمئنان به حاصلاً لمن كان منه نوع موالاة.
* وأما الاستعانة بالكافر على المسلم أو استئجاره؛ فهذا قال أهل العل بجوازه في أحوال مختلفة؛ يفتي أهل العلم في كل حال , وفي كل واقعة , بما يرونه يصح أن يُفتى به.
وأما إعطاء الكفار أموالاً صدقة أو للتآلف أو لدفع الشرور فهذا له مقام آخر , وهو نوع آخر غير الأقسام الثلاثة.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ….
ضابط الموالاة المكفرة للشيخ محمد بازمول
عدم فهم كلام العلماء من أسباب الخروج عن منهج أهل السنة والجماعة.
من ذلك:
أن الإمام محمد بن عبد الوهاب يقول: ” الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. والدليل قوله -تعالى-: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) “اهـ
فلم يفرق بعض الناس بين المظاهرة (التي هي بمعنى التولي) وبين الموالاة (التي هي التعامل مع الكفار في الظاهر). ولم يفرق بعضهم بين معاونة الكفار على قتال المسلمين التي لأجل الدنيا وبين معاونتهم على قتال المسلمين محبة للكفار ونصرة لدينهم،
فالأولى من الكبائر والثانية كفر وردة عن الإسلام. ويوضح لك المسألة:
– أن تعلم أن الموالاة معناها المحبة والنصرة. فمحبة الكافر ونصرته لأجل الدنيا كبيرة من الكبائر إذا اقترنت بمخالفة شرعية. ومحبته ونصرته لدينه كفر وردة.
– موالاة الكفار من أجل الدنيا إذا اقترنت بمخالفة شرعية حرام.
– وموالاتهم من أجل الدنيا إذا لم تقترن بمخالفة شرعية؛
تارة تكون مباحة مثل التعامل معهم بالبيع والشراء وقد مات رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي.
وقد تكون واجبة كنصرة الوالدين الكافرين بما لا يخالف الشرع، ومحبة الزوجة الكتابية بحق الزوجية.
وقد تكون مكروهه وخلاف الأولى كاستئجار الكفار مع وجود المسلم.
ومثال موالاة الكفار لأمر دنيوي واقترن بمخالفة شرعية كالتشبه بهم فيما هو من خصائصهم في أمور دنيوية، أو التجسس على المسلمين ونقل المعلومات عنهم إلى الكفار، فهذا من الكبائر.
– المظاهرة هي التولي. واستعمال الشيخ محمد بن عبدالوهاب لها ليعين أنه يريد التولي الذي كفر وردة، وهو الذي يكون محبة من أجل الدين ونصرة من أجل الدين، لأن معنى الظهير من جعل نفسه ظهراً لهم يحمل عنهم ويتلقى عنهم ويقوم مقامهم.
وعدول الشيخ إلى كلمة (مظاهرة) الكفار مع استدلاله بالآية التي فيها ذكر الموالاة إشارة منه إلى أنه لا يريد مطلق الموالاة، إنما يريد الموالاة التي هي كفر، التي تكون بمحبة ونصرة للكفار من أجل دينهم.
ومما تقدّم تعلم مدى دقته رحمه الله في العبارة عن هذا الناقض. وتعلم مقدار الخطأ في فهم كلامه عند من اعتبر أن مطلق الموالاة عند الشيخ ناقضة. أو أن مطلق التعاون مع الكفار يكون ناقضاً مخرجاً من الدين.
تنبه: أظن هنا خطأ ممن فرغ هذه الصوتية
و أما موالاة الكفار في مودتهم و محبتهم لدينهم [و الصواب لدنياهم]
[لا موالاة إلا بالمعاداة]
قال ابن القيم رحمه الله:
فلا تصح الموالاة إلا بالمعاداة كما قال تعالى عن إمام الحنفاء المحبين أنه قال لقومه: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون – أنتم وآباؤكم الأقدمون – فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [سورة الشعراء: (75) – (77)].
فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلا بتحقيق هذه المعاداة، فإنه لا ولاء إلا بالبراءة من كل معبود سواه، قال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} [سورة الممتحنة: (4)].
وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين – وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} [سورة الزخرف: (26) – (28)].
أي جعل هذه الموالاة لله، والبراءة من كل معبود سواه كلمة باقية في عقبه يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض وهي كلمة: لا إله إلا الله، وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة.
الجواب الكافي [(195)]