993 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة أبي تيسير طارق
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
الصحيح المسند
993 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها
وعن ابن عمر قال دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك. إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي والله لئن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا.
—–
قلت سيف:
– طلاق حفصة حقيقة وليس إشاعة أما طلاق نسائه كلهن فكان إشاعة. لكن ايلاؤه منهن صحيح ونزلت فيهن آية التخيير فكلهن اخترن الله ورسوله. ولا أدري هل واقعة تطليق حفصة كانت قبل آية التخيير أم بعدها لكن اليقين أنها قبل نزول قوله تعال (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) قال ابن جرير أن طلاقه لحفصة وإرادته طلاق سودة قبل هذه الآية وتعقبه ابن كثير بأن الآية إنما دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته وأنه لا يستبدل بهن غيرهن. ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال.
وبعضهم يزعم أن سبب طلاقها إفشاء سر الرسول صلى الله عليه وسلم في تحريمه مارية. لكن الصحيح أن هذا مرتبط بالايلاء وكانت عائشة وحفصة هما اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم فاعتزلهما النبي صلى الله عليه وسلم بل اعتزل كل نسائه لأنهن اكثرن عليه من طلب النفقة.
وفي الحديث الذي فيه إشاعة طلاقه صلى الله عليه وسلم لنسائه (أن عمر دخل على حفصة فقال: ما يبكيك أولم أكن حذرتك، أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري هو ذا في المشربة … )
فليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة.
تنبيهات سنذكر بحوث لبعض المشايخ. لكن هناك أحاديث معلة يحسن التنبيه عليها:
منها
قال الشيخ مقبل في غارة الفصل:
حديث أنس أخرجه الحاكم 4/ 15 أعله أبوحاتم كما في العلل 1286، وأن الصواب حديث قيس بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر تطليقة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: راجع حفصة بنت عمر؛ فإنها صوَّامه قوَّامه) …. الحديث.
وقيس بن زيد قال أبوحاتم كما في الجرح والتعديل: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لا أعلم له صحبة روى عنه ابوعمران الجوني. انتهى
وقيس مجهول. انتهى من غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل
وأنكر ابن المديني حديث حميد عن أنس قال: ليس عندنا هذا الحديث بالبصرة عن حميد.
وورد من طريق الحسن بن أبي جعفر عن عاصم عن زر عن عمار بن ياسر وفيه فإنها صوامه قوامه. أخرجه أبو نعيم في الحلية ومرة يرويه الحسن بن أبي جعفر من مسند أنس. والحسن بن أبي جعفر ضعيف
منتخب الأخبار في زوائد
وحديث قتادة عن أنس رجح الدارقُطني في العلل 2548 المرسل
فلا يصح لفظ إنها صوامه قوامه
كذلك لا يصح حفصة (ما طلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم من شبع) يعني من ملاله ولا بغض.
وذُكِر في السبب أن حفصة دخلَت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يَطَأ مارية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، فإن أباك يَلي الأمرَ من بعد أبي بكر إذا أنا مت. فذهبت حفصة فأخبَرتْ عائشة.
وهذا ضعيف.
قال عنه ابن كثير: إسناده فيه نظر.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن عمرو البجلى، وهو ضعيف، وقد وَثَّقَه ابن حبان، والضحاك بن مزاحم لم يَسْمَع مِن ابن عباس، وبقية رجاله ثقات.
والله تعالى أعلم.
فوائد:
– فيه الابتلاء وفضيلة الصبر.
أغلب زيجات النبي صلى الله عليه وسلم ليس من أجل قضاء وطر وإنما لحكم أخرى.
– فيه فضيلة لعمر بن الخطاب
– فيه أن الطيبات للطيبين وحفصة طيبة لذا هي أخذت سيد الطيبين.
– فيه الهجر التأديبي
مشروعية الطلاق والرجعة وفيه نصوص من القرآن والسنة وعليه الإجماع. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث. والعبد ان طلق دون اثنتين أن لهما الرجعة في العدة.
والحكمة إعطاء الزوج الفرصة ليتروى ويستدرك. وكذلك المرأة تصلح من عشرتها
وهناك أحكام للرجعة لعلنا بإذن الله نتوسع فيها في جامع الأجوبة الفقهية.
– ممن طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل وقصتها في البخاري من حديث سهل بن سعد لما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بسط يده إليها فكانها كرهت ذلك فأمر أبا أسيد أن يكسوها ثوبين رازقيين
وابنة الجون وقصتها في البخاري عن عائشة رضي الله عنها وقالت: أعوذ بالله منك. فقال: لقد عذت بعظيم إلحقي بأهلك
وفاطمة بنت الضحاك وقصتها عند أحمد حيث وجد في كشحها بياضا. ولا يصح
لا يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد طلاق سودة فكانت تتعرض له في الطريق ليراجعها.
لكن الذي في الصحيحين قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة.
وفي سنن أبي داود 2135 وهو في الصحيح المسند 1607 وفيه ( … فرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت: نقول: في ذلك أنزل الله عزوجل وفي اشباهها أراه قال: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا)
أما حسن بن نور فقال: فيه عبدالرحمن بن أبي الزناد ضعيف.
– وفي الرواية التي نقلناها وفيها بكاء حفصة فيها مدى حب حفصة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلها تبكي.
======
وهذا بحث للشيخ علي بن يحيى الحدادي: فيه رد من أراد تنقص عمر وحفصة:
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد.
لم يكن الله تعالى ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا خير النساء وأكملهن حتى يكنّ نعم السكن له، ونعم العون له في قيامه بمهمات الدعوة إلى الله وتبعاتها الجسيمة.
وحتى يكنّ من بعده منارات هدى. ونال الخليفتان شرف مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم لهما كما نال الخليفة الثالث والرابع شرف المصاهرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتزوج عثمان من ابنتيه رقية ثم أم كلثوم وتزوج علي فاطمة رضي الله عن الجميع.
أما أبوها فهو الفاروق عمر أمير المؤمنين المُحدّث الملهم الشهيد المبشر بالجنة فاتح العراق وفارس ومصر والشام، وأمها زينب بنت مظعون القرشية الجمحية إحدى المهاجرات رضي الله عنها.
وعمها زيد بن الخطاب سابق عمر إلى الإسلام وإلى الشهادة وحامل راية المسلمين يوم اليمامة وكان عمر يقول (ما هبّت الصًّبا إلا وأنا أجد ريح زيد).
وخالها عثمان بن مظعون أحد سادات المسلمين أسلم وهاجر ومات بالمدينة سنة ثلاث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فشهده النبي صلى الله عليه وسلم وقبّله بعد موته ودموعه تسيل على خديه ورأته إحدى الصالحات في منامها وله عين تجري فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ذاك عمله)
أسلمت حفصة وتزوجت خنيس بن حذافة والذي وافته منيته بعد غزوة بدر شهيداً حميداً رضي الله عنه وكانت في زهرة شبابها تقارب العشرين عاماً.
وقع اختيار عمر على عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضها عليه ولكن عثمان أجابه بأنه بدا له أن لا يتزوج ذلك الوقت فوجد عليه أن فات ابنته رجل كعثمان خيراً وفضلاً.
فلقي أبا بكر فعرض عليه أن يزوجه حفصة فسكت أبو بكر ولم يجبه بشيء فوجد عليه أكثر مما وجد على عثمان.
وبعد ليال جاء سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم يخطبها فزوجه عمر وصارت حفصة بذلك أما
للمؤمنين.
ولما تم ذلك اعتذر أبو بكر لعمر قائلاً: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا. قال عمر قلت نعم. قال أبو بكر فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أنى كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها.
فأين الآباء الذين يعضلون بناتهم
أين هم من عمر الذي أخذ بنفسه يبحث لابنته عن الكفؤ ويعرضها مرة بعد مرة على خيار الناس وكرامهم.
وكان في خطبته لها وزواجه منها صلى الله عليه وسلم بتوفيق الله مصالح كثيرة ومن تلك المصالح:
أنه يأتي كالمكافأة لها على حسن بلائها وهجرتها إلى الله ورسوله، وجبراً لمصابها في فقد زوجها شهيدا في مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن فيه تطييباً لقلب عمر صاحبه ووزيره وتوثيقاً لرباط الأواصر بينهما ورفعة من شأنه أن تكون ابنته تحت النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو تأملنا زيجات النبي صلى الله عليه وسلم لوجدناها كذلك تنطوي على حكم بالغة ومقاصد عظيمة فلم يكن الأمر منحصراً في مسألة قضاء الوطر ولذا لم يكن في زوجاته بكراً غير عائشة رضي الله عن الجميع ولو كان إنما يقصد ذلك فقط لكن له شأن آخر صلوات الله وسلامه عليه.
ولحكمة بالغة تخللت حياة حفصة مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المنغصات وصل معها الحد إلى أن طلقها النبي صلى الله عليه وسلم. فلما سمع عمر دخل عليها وهي تبكي فقال لها: و ما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك، إنه كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي، والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ”.
لكن أمره ربه بمراجعتها.
وتشريع الطلاق من محاسن الشريعة الإسلامية التي أذنت فيه لكن أحاطته بجملة من الأحكام التي تهدف إلى جعله علاجاً أخيراً للمشكلات الأسرية والتي تهدف إلى تقليل حالاته ما أمكن والتي تضمن أيضا خط الرجعة لاستئناف الحياة الزوجية مرة ثانية ومرة ثالثة.
روت احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
كما كانت باذلة للنصح والمشورة الصائبة فلما عرفت أن ابن عمر ربما أغضب ابن صياد (وكان يُظن أنه المسيح الدجال) نصحته باجتنابه وقالت أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه يخرج بعد غضبة يغضبها.
ولِما كانت تتمتع به من رجاحة العقل والحلم استودعها عمر رضي الله عنه المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه فبقي عندها محفوظا مصونا إلى أن لحقت بربها رضي الله عنها.
وتوفيت سنة إحدى وأربعين ودفنت بالبقيع.
شبهه وجوابها:
هل كان الرسول لا يحب حفصة؟
وجه هذا السؤال لبعض العلماء:
السؤال: روى الإمام مسلم في صحيحه (كتاب الطلاق – باب الإيلاء) حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، قال عمر لابنته حفصة: “والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك”.
ما معنى هذا الحديث؟ وكيف نرد على الرافضة في احتجاجهم بهذا الحديث على حفصة رضي الله عنها؟
الإجابة: مقالة عمر الفاروق رضي الله عنه لها مناسبتها وملابساتها فقد قالها لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، وظن المسلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلَّق نساءه، ولما قال عمر رضي الله عنه مقالته المذكورة، بكت حفصة أشد البكاء، لما اجتمع عندها من الحزن على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها عليها، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (286 – 9).
ولعل باعث الفاروق من تلك المقالة -والله أعلم- أمران: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والاهتمام بأحواله من جهة، والنصح والإشفاق والتأديب لابنته من جهة أخرى. بل إن في روايات الحديث ما يدل على بطلان قول الرافضة، فلا يمكن لمبتدع أن يستدل بدليل صحيح لبدعته إلا كان هذا الدليل عند التحقيق حجة عليه، فقد جاء في روايات في صحيح مسلم ما يقطع بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفصة رضي الله عنها، فإن عمر رضي الله عنه قال بعد ذلك: “يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك، أي عائشة رضي الله عنها هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حفصة، لكن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة أعظم من محبته لحفصة، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأمر آخر أن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية، فأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
(فائدة): قال الألباني دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته ولو أنها كانت صوامة قوامة ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه وقد يكون هناك أمور داخلية لا يمكن لغيرهما الاطلاع عليها ولذلك؛ فإن ربط الطلاق بموافقة القاضي من أسوإ وأسخف ما يسمع به في هذا الزمان! الذي يلهج به كثير من حكامه وقضاته وخطبائه بحديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق. وهو حديث ضعيف كما في إرواء الغليل رقم 2040.].
وفيما أعلم، لا أعرف رواية بينت سبب طلاقها – رضي الله عنها – لا كبر سن ولا غيره. ولعل الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى – أشار لذلك في فائدته السابقة.