99 – رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
وشارك حسين البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه:
باب الحرص على الحديث
99 – حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه
فوائد الباب:
1 – قوله (الحرص على الحديث) أي أن الحديث النبوي من العلم الذي ينبغي الحرص عليه وهو من الوحي، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وترجم عليه النسائي في السنن الكبرى ” الحرص على العلم”.
2 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه انفرد بإخراجه البخاري دون أصحاب الكتب الستة.
3 – قوله (قال قيل يا رسول الله) وعند البخاري والنسائي في السنن الكبرى من طريق إسماعيل بن جعفر ” قلت يا رسول الله” أي أن القائل هو أبو هريرة نفسه.
4 – فيه إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
5 – شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع منها “أن يشفع في الخلق لإراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها – وهذه أنكرها الخوارج والمعتزلة-، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن استوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها”. قاله الحافظ ابن حجر.
6 – قال صالح آل الشيخ في «شرح الطحاوية» (ص203 بترقيم الشاملة آليا):
[المسألة الرّابعة]:
أنَّ الشفاعة التي للنبي صلى الله عليه وسلم بما جاء في الأخبار يوم القيامة أنواع:
– أولاً: الشفاعة العظمى:
وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن يُحَاسَبُوا، الشفاعة العظمى جاءت فيها عدة أحاديث، وعليها التفسير في قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، وكما جاء في دعاء المجيب للأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم مقاما محمودا الذي وعدّته).
(المقام المحمود) هو المقام الذي تحمده عليه الخلائق جميعا، ويُثْنِي عليه به صلى الله عليه وسلم جميع الخلائق الذين وقفوا في الحساب، وهو مقام الشفاعة العظمى
– ثانياً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر:
وهذه قد جاء بها الدليل الخاص في قوله صلى الله عليه وسلم «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» ..
وهذه الشفاعة لأهل الكبائر لها نوعان؛ يعني لعموم اللفظ «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» نوعان:
أ – النوع الأول: في قومٍ أَهْلُ كبائر رَجحت سيئاتهم على حسناتهم، فأُمِرَ بهم إلى النار فيَشفع فيهم صلى الله عليه وسلم في أن لا يدخلوا النار، فيُشفَّع فيهم صلى الله عليه وسلم.
ب – النوع الثاني: في أقوامٍ دخلوا النار فيشفع فيهم صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا منها، فيخرجون منها كأنهم الحِمَمْ فيوضعون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحِبَّة في جانب السيل.
– ثالثاً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أن يدخل أقوام الجنة بغير حساب ولا عذاب:
وهذه يُستدلّ لها بقول عُكَّاشة في حديثه (يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم) قال (أنت منهم).
– رابعاً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات بعض أهل الجنة:
وهي شفاعة متفق عليها حتى عند أهل البدع.
فيُسْتَدَلُّ لها:
– بالإتفاق.
– بما استدل به ابن القيم رحمه الله في شرحه على تهذيب سنن أبي داوود حيث قال (ويستدل لها بقوله صلى الله عليه وسلم لما صلى على أبي سلمة «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين».
– خامساً: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم وصاروا على الأعراف، في أن يعفو الله عنهم ويُدخلهم الجنة:
فهؤلاء يدخلون في عموم قوله تعالى {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف:46]، على أحد أوجه التفسير من أنَّ أصحاب الأعراف هم الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم.
– سادساً: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة:
فإنَّ الناس إذا جاوزوا الصراط يُحبسون في عرصات الجنة مدة، ثم يأتي صلى الله عليه وسلم فيقرع باب الجنة فيُفتح له
– سابعاً: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأبي طالب عمِّه في أن يخفف الله عنه العذاب:
فيُشَفَّع فيه فيكون في ضحضاح من نار نعلاه من نار يغلي منهما دماغه، نعوذ بالله من عذابه.
هذه سبعة أنواع وبعض أهل العلم يجعلها ثمانية؛ لأجل أنَّ أهل الكبائر -كما ذكرنا لكم- نوعان، فيجعل شفاعته لأهل الكبائر يعدها نوعين من الشفاعة، وهي واحدة لأن الدليل فيها واحد. اهـ
7 – قوله (أحد أول منك) قال ابن بطال ” يعني قبلك. وقال سيبويه: هي بمنزلة أقدم منك”.
8 – قوله (لما رأيت من حرصك على الحديث) وعند البزار من طريق الدراوردي ” لما رأيت من شهوتك للعلم” … وعند الإمام أحمد في مسنده 8070 بإسناد آخر من طريق معاوية بن معتب الهذلي عن أبي هريرة ” لما رأيت من حرصك على العلم”.
9 – قال ابن عبد البر كما في جامع بيان العلم وفضله ” في الخبر الأول: “لما رأيت من حرصك على الحديث”. وفي هذا: “لما رأيت من حرصك على العلم” فسمى الحديث علما على الإطلاق. ”
10 – فيه الترغيب في قول لا إله إلا الله وما جاء في فضلها قاله المنذري في الترغيب والترهيب.
11 – قوله (من قال لا إله إلا الله) فيه أن كلمة التوحيد سبب لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
12 – قال ابن تيمية في «قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق» (ص128):
فأهل التوحيد المخلصون لله هم أحق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم، فمن كان لا يدعو إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يدعو مخلوقا، لا ملكا، ولا بشرا، لا نبيا، ولا صالحا، ولا غيرهما، كان أحق بشفاعته ممن يدعوه، أو يدعو غيره من المخلوقين، فإن هؤلاء مشركون، والشفاعة إنما هي لأهل التوحيد.
وإذا كان كذلك فالذين يدعون المخلوقين، ويطلبون من الموتى، والغائبين، من الملائكة، والبشر، الدعاء، والشفاعة، هم أبعد عن الشفاعة فيهم، والذين لا يدعون إلا الله هم أحق بالشفاعة لهم، والله تعالى قد جعل الملائكة يدعون، ويستغفرون لأهل التوحيد، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ • رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. اهـ
13 – فيه ” سِرّ مِنْ أَسْرَار التَّوْحِيد. وَهُوَ أَنَّ الشَّفَاعَة إِنَّمَا تُنَال بِتَجْرِيدِ التَّوْحِيد، فَمَنْ كَانَ أَكْمَل تَوْحِيدًا كَانَ أَحْرَى بِالشَّفَاعَةِ. لَا أَنَّهَا تُنَال بِالشِّرْكِ بِالشَّفِيعِ. كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَر الْمُشْرِكِينَ ” قاله ابن القيم كما في تهذيب سنن أبي داود.
14 – قوله (قال لا إله إلا الله) أي قال بلسانه، فيه دليل على اشتراط النطق”.
15 – قوله (خالصا من قلبه أو نفسه) وعند البخاري من طريق إسماعيل بن جعفر ” خالصا من قبل نفسه”.
16 – قال المهلب: فيه أن الحريص على الخير والعلم يبلغ بحرصه إلى أن يسأل عن غامض المسائل، ودقيق المعاني نقله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
17 – وفيه: أن للعالم أن يتفرس فى متعلميه، فيظن فى كل واحد مقدار تقدمه فى فهمه، وأن ينبهه على تفرسه فيه، ويعرفه ذلك، ليبعثه على الاجتهاد فى العلم والحرص عليه. قاله ابن بطال في شرحه.
18 – وفيه: أن للعالم أن يسكت إذا لم يسأل عن العلم حتى يسأل عنه، ولا يكون كاتما، لأن على الطالب أن يسأل قاله ابن بطال.
19 – وليس للعالم أن يسكت إذا رأى تغييرا فى الدين إذا علم أن ذلك لا يضره قاله ابن بطال
20 – ثم على العالم أن يبين إذا سئل، فإن لم يبين بعد أن يسأل فقد كتم، إلا أن يكون له عذر فيعذر قاله ابن بطال في شرحه.
21 – رواة حديث الباب “بأجمعهم مدنيون” قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
22 – قوله (حدثني سليمان) هو ابن بلال صرح به ابن مندة في الإيمان له 904، تابعه إسماعيل بن جعفر كما عند البخاري 6570 والنسائي في السنن الكبرى 5811، تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي كما عند ابن أبي عاصم في السنة 825 والبزار في مسنده 8469، تابعه عبد الله بن جعفر كما عند ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال 3
23 – قوله (عن عمرو بن أبي عمرو) وعند الإمام أحمد في مسنده 8858 من طريق إسماعيل ” حدثني عمرو”. تابعه معاوية بن معتب كما عند الإمام أحمد في مسنده والبخاري في التاريخ الكبير 2138 وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك 233
24 – وقال الحاكم عقبه ” هذا حديث صحيح الإسناد فإن معاوية بن معتب مصري من التابعين، وقد أخرج البخاري حديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك، الحديث، بغير هذا اللفظ، والمعنى قريب منه ”
25 – قال العلامة الألباني في رياض الجنة “ورجاله ثقات كلهم غير معاوية بن معتب قال الحسيني: وثقة ابن حبان وهو مجهول. وأقره الحافظ في التعجيل.” قلت يقصد جهالة حال لأنه روى عنه اثنان وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي تابعي بصري ثقة وأورده البخاري في التاريخ الكبير 1415 ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكان في حجر أبي هريرة رضي الله عنه. وقال ابن يونس في تاريخ مصر روى عَنهُ سَالم بن أَبى سَالم الجيشاني وَبشير بن عمر الْأَسْلَمِي، وزاد الحسيني في إكماله ” يزيد بن أبي حبيب” وتعقبه الحافظ ابن حجر.
26 – تنبيه: قال ابن حجر: في باب الحرص على الحديث: المراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وكأنه أراد به مقابلة القرآن لأنه قديم. انتهى
لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
السلف قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وقالوا لم يزل متكلما إذا شاء
فبينوا أن كلام الله قديم، أي: جنسه قديم لم يزل.
ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم
بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق.
(الفتاوى/ (54) / (12))
قال العباد متعقبا كلام ابن حجر: هذا غير مستقيم؛ فلا يقال سمي حديثا مقابل القديم. ولا يوصف القرآن بأنه قديم، إنما سمي الحديث حديثاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حدث به وهو السنة. فكلام الله قديم النوع حادث الآحاد ويتكلم بمشيئته وإرادته. وكلامه أزلي. … وقال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَاهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيث ا)
[سورة النساء 87].