: 987 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالحميد البلوشي وأبي طارق
—–
الصحيح المسند 987
سنن أبي داود
(4702) – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، [قَال] َ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، [قَال] َ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ، أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَرَاهُ اللَّهُ [عز وجل] آدَمَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَعَلَّمَكَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ فقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فِيمَ تَلُومُنِي فِي شَيْءٍ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْقَضَاءُ قَبْلِي؟.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: [فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى]، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى [عليهما السلام].
———-
صححه الألباني في الصحيحة 909 و 1702
وورد عن أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ [التَّوْرَاةَ بِيَدِه] ِ، تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟! [فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى]، فحج آدم موسى. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ.
أخرجه البخاري 6614،ومسلم 2652
قال ابن كثير بعد أن جمع طرق الحديث في قصص الأنبياء:
وقد اختلف مسالك الناس في هذا الحديث: فرده قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر السابق.
واحتج به قوم من الجبرية، وهو ظاهر لهم بادى الرأى حيث قال: فحج آدم موسى، لما احتج عليه بتقديم كتابه، وسيأتى الجواب عن هذا.
وقال آخرون: إنما حجه لانه لامه على ذنب قد تاب منه، والتائب من الذنب كمن لاذنب له.
وقيل إنما حجه لانه أكبر منه وأقدم.
وقيل لانه أبوه.
وقيل لانهما في شريعتين متغايرتين.
وقيل لانهما في دار البرزخ وقد انقطع التكليف فيما يزعمون.
والتحقيق: أن هذا الحديث روى بألفاظ كثيرة بعضها مروى بالمعنى، وفيه نظر.
ومدار معظمها في الصحيحين وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة، فقال له آدم: أنا لم أخرجكم، وإنما أخرجكم الذى رتب الاخراج على أكلى من الشجرة، والذى رتب ذلك وقدره وكتبه قبل أن أخلق، هو الله عزوجل، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلى أكثر من أنى نهيت عن الاكل من الشجرة فأكلت منها، وكون الاخراج مترتبا على ذلك ليس من فعلى، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه، وله الحكمة في ذلك.
فلهذا حج آدم موسى.
ومن كذب بهذا الحديث فمعاند ; لأنه متواتر عن أبى هريرة رضى الله عنه، وناهيك به عدالة وحفظا وإتقانا.
ثم هو مروى عن غيره من الصحابة كما ذكرنا.
ومن تأوله بتلك التأويلات المذكورة آنفا، فهو بعيد من اللفظ والمعنى، وما فيهم من هو أقوى مسلكا من الجبرية.
وفيما قالوه نظر من وجوه: أحدها: أن موسى عليه السلام لا يلوم على أمر قد تاب عنه فاعله.
الثاني: أنه قد قتل نفسا لم يؤمر بقتلها، وقد سأل الله في ذلك بقوله: ” رب إنى ظلمت نفسي فاغفر لى فغفر له “.
الثالث: أنه لو كان الجواب عن اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابته على العبد، لا نفتح هذا لكل من ليم على أمر قد فعله، فيحتج بالقدر السابق فينسد باب القصاص والحدود.
ولو كان القدر حجة لاحتج به كل أحد على الامر الذى ارتكبه في الامور الكبار والصغار، وهذا يفضى إلى لوازم فظيعة.
فلهذا قال من قال من العلماء، بأن جواب آدم إنما كان احتجاجا بالقدر على المصيبة لا المعصية.
والله تعالى أعلم.
—
وقال صاحب تحفة الأحوذي: قال ابن عبد البر: هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر، وأن الله قضى أعمال العباد، فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله، فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله، فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها، وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، فأما آدم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل. اهـ
—–
وقال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: “فصل في قوله صلى الله عليه وسلم: «فحج آدم موسى» لما احتج عليه بالقدر.
وبيان: أن ذلك في المصائب لا في الذنوب، وأن الله أمر بالصبر والتقوى فهذا في الصبر لا في التقوى، فأمر بالصبر على المصائب والاستغفار من المعائب.
وذلك أن بني آدم اضطربوا في هذا المقام ـ مقام تعارض الأمر والقدر ـ وقد بسطنا الكلام على ذلك في مواضع.
قال أبو المظفر السمعاني: وأما الكلام فيما جرى بين آدم وموسى من المحاجة في هذا الشأن، فإنما ساغ لهما الحجاج في ذلك؛ لأنهما نبيان جليلان خصا بعلم الحقائق وأذن لهما في استكشاف السرائر، وليس سبيل الخلق الذين أمروا بالوقوف عندما حد لهم والسكوت عما طوي عنهم سبيلها، وليس قوله: «فحج آدم موسى» إبطال حكم الطاعة، ولا إسقاط العمل الواجب، ولكن معناه ترجيح أحد الأمرين، وتقديم رتبة العلة على السبب، فقد تقع الحكمة بترجيح معنى أحد الأمرين، فسبيل قوله: فحج آدم موسى، هذا السبيل، وقد ظهر هذا في قضية آدم قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَة إِنِّي جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُو ا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
إلى أن قال: فجاء من هذا أن آدم لم يتهيأ له أن يستديم سكنى الجنة [إلا] بأن لا يقرب الشجرة؛ لسابق القضاء المكتوب عليه في الخروج منها، وبهذا صال على موسى عند المحاجة. وبهذا المعنى قضي له على موسى فقال: فحج آدم موسى.” اهـ.
وخلاصة القول أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يلم آدم عليه الصلاة والسلام بأن ارتكب الذنب وخاصة أنه تاب وقبل الله توبته فموسى نبي حكيم لا يلوم أحدا بشيء قد عفا الله عنه، ولكنه إنما لالمه على إخراج نفسه وذريته من الجنة. فما كان من آدم عليه الصلاة والسلام إلا أن قال له أنا إنما قدر الله علي أن أكون خليفته في الأرض فلا بد لي من الخروج من الجنة عاجلا أم آجلا وهذا ما قدّره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة. فحج آدم موسى.
قال ابن القيم في ” شفاء العليل ” (1/ 14):
الحديث متفق على صحته وهـذا التقدير بعد التقدير الاول السابق بخلق السماوات بخمسين ألف سنة، وقد رد هـذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كأبي علي الجبائي ومن وافقه على ذلك وقال لو صح لبطلت نبوات الانبياء فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الامر والنهي فإن العاصي بترك الامر أو فعل النهي إذا صحت له الحجة بالقدر السابق ارتفع اللوم عنه وهـذا من ضلال فريق الاعتزال وجهلهم بالله ورسوله وسنته فإن هـذا حديث صحيح متفق على صحته لم تزل الامة تتلقاه بالقبول من عهد نبيها قرنا بعد قرن وتقابله بالتصديق والتسليم ورواه أهـل الحديث في كتبهم وشهدوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله وحكموا بصحته فما لأجهل الناس بالسنة ومن عرف بعداوتها وعداوة حملتها والشهادة عليهم بأنهم مجسمة ومشبهة حشوية وهـذا الشأن ولم يزل أهـل الكلام الباطل المذموم موكلين برد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تخالف قواعدهـم الباطلة وعقائدهـم الفاسدة.
—–
وسأل ابن عثيمين:
السؤال: هل في محاجة آدم وموسى إقرار للاحتجاج بالقدر؟ وذلك أن آدم احتج هو وموسى فقال له موسى: “أنت أبونا خيّبتنا!! أخرجتنا ونفسك من الجنة!! “، فقال له آدم: “أتلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟ “، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “فحج آدم موسى، فحج آدم موسى”، أي غلبه بالحجة وآدم احتج بقضاء الله وقدره؟
الإجابة: هذا ليس احتجاجاً بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ولهذا قال: “خيبتنا وأخرجتنا، ونفسك من الجنة”، ولم يقل: عصيت ربك فأخرجت من الجنة، فاحتج آدم بالقدر على الخروج من الجنة الذي يعتبره مصيبة، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، أرأيت لو أنك سافرت سفراً وحصل لك حادث، وقال لك إنسان: لماذا تسافر لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء؟!! فستجيبه: بأن هذا قضاء الله وقدره، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث، وإنما خرجت لمصلحة، فأصبت بالحادث، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة؟ لا. فالمصيبة إذاً التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجاً صحيحاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “حج آدم موسى، حج آدم موسى”، وفي رواية للإمام أحمد: “فحجه آدم” يعني غلبه في الحجة.
مثال آخر: رجل أصاب ذنباً وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول: له يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء؟ فقال: هذا قضاء الله وقدره. فهل يصح احتجاجه هذا أولا؟ نعم يصح لأنه تاب، فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته، لكنه نادم ومتأسف، ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل ليلة على علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما، فقال: “ألا تصليان؟ ” فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله، فإن شاء الله أن يبعثنا بعثنا، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم يضرب على فخزه، وهو يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل حجته، وبيّن أن هذا من الجدل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الأنفس بيد الله، لكن يريد أن يكون الإنسان حازماً فيحرص على أن يقوم ويصلي.
على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريراً لموقف الإنسان واستمراراً فيها فغير جائز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثاني – باب القضاء والقدر.
تنبيه: مسعود بن ناصر كان قدريا فقرأ: فحج آدم بالنصب. … وهو شاذ
راجع سير أعلام النبلاء. وتذكرت الحفاظ
وبين البغوي في شرح السنة أن آدم مرفوع الميم على معنى الفاعل.
وورد في رواية (فحجه آدم) وسندها أئمة
فوائد الحديث:
إثبات اليد لله عزوجل
وإثبات المناظرة ولها أصول وضوابط