98 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله المشجري وابي علي الحوسني وعبدالملك
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
98 – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج 6 ص 114): أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صِدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامَ أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ فَأَسْلَمَ فَكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ وَاللهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا.
قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ.
هذا حديث صحيحٌ.
وقال الحافظ في “الإصابة” في ترجمة أم سليم: ولهذا الحديث طرق متعددة.
—————–
أولًا: دراسة الحديث رواية:
1- الحكم على حديث الباب:
* أخرجه المقدسي في المختارة 2254.
* صححه الألباني في سنن النسائي 3340.
* صححه صاحب أنيس الساري (4/2674) برقم 1819.
قال الشيخ محمد علي آدم الأتيوبي رحمه الله:
لطائف هذا الإسناد:
- منها: أنه من رباعيات المصنف رحمه الله تعالى
- منها: أن رجاله كلهم رجال الصحيح.
- منها: أنه مسلسل بالمدنيين، غير شيخه فبغلاني، نسبة إلى بغلان قرية من قرى بلخ، وفيه أنس رضي الله عنه من المكثرين السبعة والله تعالى أعلم.
* قال الشيخ سيف الكعبي في مجموعة السلام (1/164) في شرح صحيح مسلم باب من فضائل أم سليم، أم أنس بن مالك، وبلال، رضي الله عنهما: “وفي سير أعلام النبلاء، جاء: عن هَمَّامُ بنُ يَحْيَى: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ: أَنَّهَا آمَنَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو أَنَسٍ وَكَانَ غَائِباً، فَقَالَ: أَصَبَوْتِ؟ فَقَالَتْ: مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي آمَنْتُ. وَجَعَلَتْ تُلَقِّنُ أَنَساً: قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قُلْ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلَ اللهِ، فَفَعَلَ، فَيَقُوْلُ لَهَا أَبُوْهُ: لاَ تُفْسِدِي عَلَيَّ ابْنِي. فَتَقُوْلُ: إِنِّي لاَ أُفْسِدُهُ. فَخَرَجَ مَالِكٌ، فَلَقِيَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَتْ: لاَ جَرَمَ، لاَ أَفْطِمُ أَنَساً حَتَّى يَدَعَ الثَّدْيَ، وَلاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى يَامُرُنِي أَنَسٌ.
فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَأَبَتْ. [أخرجه ابن سعد]
وهذا فيه ما كان يعلمه الصحابه لأبنائهم في الصغر.
قلت سيف بن دورة: إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة من الطبقة الرابعة روايته عن جدته مرسلة بينهما عكرمة كما في الجامع للمراسيل. راجع علل أبي حاتم 163 حيث حكم ابوحاتم بأنه لم يسمع منها حديث المرأة ترى ما يرى الرجل الذي أخرجه مسلم قالَ أبِي: إسحاقُ بن عبد الله بْنِ أبِي طَلْحة، عَنْ أُمِّ سُلَيم، مُرسَلٌ، وعِكرِمَة بْنُ عمّار روى عَنْ إسْحاقَ، عَنْ أنَسٍ: أنّ أم سُلَيم وحديثُ الأوزاعيِّ
أشبَهُ مُرسَلً من المُوَصَّلِ انتهى خلافا لمسلم ٣١٠ حيث ذكر بينه إسحاق وجدته أنسا لكن مسلم أورده في المتابعات لأصل القصة
وكذلك الدارقطني في العلل 2342 رجح المرسل .
راجع حاشية الجريسي على علل ابن أبي حاتم
وجاء في (السير) عن خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ آمَنْتُ، فَإِنْ تَابَعْتَنِي تَزَوَّجْتُكَ.
قَالَ: فَأَنَا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتِ عَلَيْهِ. فَتَزَوَّجَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَكَانَ صَدَاقَهَا الإِسْلاَمُ.
قال محقق سير أعلام النبلاء في الحاشية: رجاله ثقات خلا خالد بن مخلد وهو القطواني، فقد قال الحافظ في “التقريب”: صدوق له أفراد: وهو في ” طبقات ابن سعد ” 8/ 426.
وورد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس وفيه (ولا يحل لي أن أتزوجك)
وهي عند النسائي من طريق قتيبة :
وأخرجه النسائي 6/ 114 في النكاح: باب التزويج على الإسلام من طريق قتيبة، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل ابي طلحة فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت، نكحتك، فأسلم، فكان صداق ما بينهما.
[وهذا سند صحيح]. سير 2/ 20. انتهى. وهو الحديث الذي أورده مقبل في الصحيح المسند ٩٨
وأعل العراقي هذه اللفظة (ولا يحل لي أن أتزوجك) قال العراقي رحمه الله في كتابه طرح التثريب في شرح التقريب (2/27): ” (والوجه الثالث) أنه لا يصح هذا عن أبي طلحة، والحديث، وإن كان صحيح الإسناد، فإنه معلل بكون المعروف أنه لم يكن حينئذ نزل تحريم المسلمات على الكفار إنما نزل بين الحديبية وبين الفتح حين نزل قوله تعالى {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10] كما ثبت في صحيح البخاري فقول أم سليم في هذا الحديث: ولا يحل لي أن أتزوجك شاذ مخالف للحديث الصحيح، وما اجتمع عليه أهل السنن والله أعلم.”
– وقال الإتيوبي رحمه الله ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 9) بعد أن نقل كلام العراقي رحمه الله:
” النكارة في هذا الحديث قولها: “ولا يحلّ لي أن أتزوّجك” فقط، وإلا فالحديث تقدّم بالإسناد الماضي، وليست فيه هذه الجملة، والظاهر أن هذه من منكرات جعفر بن سليمان، فإنه وإن كان ثقة، إلا أن له مناكير، فقد نقل في ترجمته في “تهذيب التهذيب” عن ابن المدينيّ، أنه قال: أكثرَ عن ثابت، وكتب مراسيل، وفيها أحاديث مناكير عن ثابت، عن النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم -. وقال أيضًا: أكثرَ عن ثابت، وبقية أحاديثه مناكير. وقال الأزديّ: وأما الحديث، فعامّة حديثه عن ثابت وغيره، فيها نظر ومنكر. انتهى [راجع “تهذيب التهذيب” 1/ 306 – 308].
والحاصل أن الحديث صحيح، غير “ولا يحلّ لي أن أتزوّجك”، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.
فهذه اللفظة شاذة تصلح على أحاديث معلة ظاهرها الصحة. وبقية الحديث صحيح”
وإليك الحديث من أحكام الجنائز للالباني ص٣٦ مجموعة من عدة روايات :
فقال أنس : ” قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم – وهي أم أنس -: إن هذا الرجل – يعني النبي ﷺ يحرم الخمر – فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك فجاء أبو طلحة، فخطب أم سليم، في كلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لى أن أتزوجك! فقال: ما ذاك دهرك، قالت: وما دهري قال: الصفراء والبيضاء! قالت: فإني لا أربد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الاسلام، (فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره)، قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله ﷺ، فانطلق أبو طلحة يريد النبي ﷺ ورسول الله ﷺ جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام بين عينيه، فأخبر رسول الله ﷺ بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذالك، قال ثابت (وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس) فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الاسلام مهرا، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صغر، فكانت معه حتى ولد له بني، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا.
ومرض الصبي (مرضا شديدا)، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له،
(فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي ﷺ فيصلى معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجئ يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب، فلم يجئ إلى صلاة العتمة) فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي ﷺ (وفي رواية: إلى المسجد) ومات الصبي فقالت أم سليم: لا يتعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي أنعاه له، فهيأت الصبي (فسجت عليه)، ووضعته (في جانب البيت)، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله ﷺ حتى دخل عليها (ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه) فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة ماكان منذ اشتكى أسكن منه الساعة (وأرجو أن يكون قد استراح!) فأتته بعشائه (فقربته إليهم فتعشوا، وخرج القوم)، (قال فقال إلى فراشه فوضع رأسه)، ثم قامت فتطيبت، (وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك)، (ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلي أهله)، (فلما كان آخر الليل) قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما علية لهم، فسألو هم إياها أكان لهم أن يمنعو هم؟ فقال: لا، قالت فإن الله عزوجل كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر! فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني! (فاسترجع، وحمد الله)، (فلما أصبح اغتسل)، ثم غدا إلى رسول الله ﷺ (فصلى معه) فأخبره، فقال رسول الله ﷺ، بارك الله
لكما في غابر ليلتكما، فثقلت منت ذلك الحمل، وكانت أم سليم تسافر مع النبي ﷺ، تخرج إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله ﷺ إذا ولدت فأتوني بالصبي، (قال: فكان رسول الله ﷺ في سفر وهي معه، وكان رسول الله ﷺ إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، واحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله ﷺ، فقال أبو طلحة: يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، دقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أد فانطلقا قال: وضربها المخاض حين قدموا)، فولدت غلاما، وقالت لابنها أنس: (يا أنس! لا يطعم شيئا حتى تغدوا به إلى رسول الله ﷺ، (وبعثت معه بتمرات)، قال: فبات يبكي، وبت مجنحا (١) عليه، أكالئه حتى أصبحت، فغدوت إلى رسول الله ﷺ)، (وعليه بردة)، وهو يسم إبلاء أو غنما (قدمت عليه)، فلما نظر إليه، قال لانس: أولدت
بنت ملحان؟ قال: نعم، (فقال: رويدك أفرغ لك)، قال: فألقى ما في يده، فتناول الصبي وقال: (أمعه شئ؟ قالوا: نعم، تمرات)، فأخذ النبي ﷺ (بعض) التمر (فمضغهن، ثم جمع يزاقه)، (ثم فغز فاه، وأوجره إياه)، فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ: (يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله ﷺ، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على ريق رسول اللله ﷺ فقال: انظروا إلى حب الانصار التمر، (قال: قلت: يارسول الله سمه، قال:) (فمسح وجهه) وسماه عبد الله، (فما كان في الانصار شاب أفضل منه)، قال: فحرج مننه رجل كثير، واستشهد عبد الله بفارس)».
قال الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز (1/ 26) أخرجه الطيالسي (رقم 2056) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4/ 65 – 66 – وابن حبان (725) وأحمد (3/ 105 – 106، 181، 196، 287، 290) والزيادات كلها له كما سيأتي، ورواه البخاري (3/ 132 – 133) ومسلم (6/ 174 – 175) مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي، وروى النسائي (2/ 87) قسما من أوله، والزيادة الأولى له، والسادسة والثامنة والخامسة عشر والسادسة عشر للبخاري، والتاسعة عشر والثانية والعشرون لمسلم، وسائرها لاحمد كما سبق.
*وقد عنيت عناية خاصة بجمع روايات هذه القصة وألفاظها، لما فيها من روعة وجلالة، وليأخذ القارئ عنها فكرة جامعة صادقة، وذلك تتم العبرة والفائدة.* انتهى
قال الذهبي في المهذب على سنن البيهقي :
روى مسلم أكثره واختصره (خ) من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة بن أنس.
وهو عند الطيالسي مطولا
٢١٦٨ – حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ المُغِيرَةِ، وحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، كُلُّهُمْ عَنْ ثابِتٍ. حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: عَنْ أنَسٍ وحَدَّثَناهُ شَيْخٌ، سَمِعَهُ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أنَسٍ، وقَدْ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، قالَ: قالَ مالِكٌ أبُو أنَسٍ لِامْرَأتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وهِيَ أُمُّ أنَسٍ: إنَّ هَذا الرَّجُلَ يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ يُحَرِّمُ الخَمْرَ، فانْطَلَقَ حَتّى أتى الشّامَ فَهَلَكَ هُناكَ، فَجاءَ أبُو طَلْحَةَ فَخَطَبَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَكَلَّمَها فِي ذَلِكَ، فَقالَتْ: يا أبا طَلْحَةَ، ما مِثْلُكَ يُرَدُّ، ولَكِنَّكَ امْرُؤٌ كافِرٌ، وأنا امْرَأةٌ مُسْلِمَةٌ، لا يَصْلُحُ لِي أنْ أتَزَوَّجَكَ ….
فقوله : وحَدَّثَناهُ شَيْخٌ، سَمِعَهُ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أنَسٍ، وقَدْ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ :
يدل ان هناك ألفاظ بالسند المجهول لأن الروايات تداخلت فكل لفظ لا شاهد له يعتبر ضعيف
ومن الألفاظ التي لا شاهد لها
( جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام بين عينيه )
وبقية الألفاظ التي لا شاهد لها تحتاج لتتبع كذلك
فقوله ( غُرَّةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ) إن صحت تدل أنه أسلم رغبة في الإسلام ليس من أجل الزواج فقط
وكذلك مما يدل على أنه تمهل ودخل في الإسلام رغبة لفظ ( حتى أنظر في أمري ) :
أخرجه أبو نعيم: حدثنا محمد بن علي، ثنا الحسين بن محمد الحراني، ثنا أحمد بن سنان، ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد، عن ثابت، وإسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت: «يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد خشبة تنبت من الأرض نجرها حبشي بني فلان» قال: بلى، قالت: «أفلا تستحي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان؟ إن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره» قال: لا حتى أنظر في أمري فذهب ثم جاء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالت: «يا أنس زوج أبا طلحة»
بل أخرجه النسائي في السنن الكبرى
٥٣٧٤ – أخْبَرَنا أحْمَدُ بْنُ سِنانٍ الواسِطِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ ثابِتٍ، وإسْماعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ أبا طَلْحَةَ، خَطَبَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقالَتْ: يا أبا طَلْحَةَ ألَيْسَ إلَهُكُمُ الَّذِي تَعْبُدُ خَشَبَةً نَبَتَتْ مِنَ الأرْضِ نَجَرَها حَبَشِيُّ بَنِي فُلانٍ؟، قالَ: بَلى، قالَتْ: فَلا تَصْحَبْنِي إنْ تَعْبُدْ خَشَبَةً نَبَتَتْ فِي الأرْضِ نَجَرَها حَبَشِيُّ بَنِي فُلانٍ إنْ أنْتَ أسْلَمْتَ لَمْ أُرِدْ مِنكَ شَيْئًا غَيْرَهُ، قالَ: حَتّى أنْظُرَ فِي أمْرِي، قالَ: فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقالَ: «أشْهَدُ أنَّ لا إلَهَ إلّا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ»، قالَتْ: يا أنَسُ زَوِّجْ أبا طَلْحَةَ
وهو في فوائد الفوائد لابن خزيمة
٦ – حدثنا ابن أبي حاتم ثنا أحمد بن سنان الواسطي ثنا يزيد بن هارون ثنا حماد بن سلمة عن ثابت وإسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك به
والحاكم في المستدرك
٢٧٣٥ – حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ حَمْشاذَ العَدْلُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْراهِيمَ، وحَجّاجُ بْنُ المِنهالِ، قالا: ثنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، وإسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسٍ به
لكن حكم عليه الإمام أحمد بالبطلان:
قيل للإمام أحمد: إسحاق بن راهويه رفعه.
قال: باطل، ليس هو مرفوعًا
مسائل ابن هانئ» (٢٢١٨). وجامع علوم احمد ١٥/٥٦
وليس المقصود توهيم إسحاق بن راهويه في حفظه لأنه متابع لكن المقصود أنه لم ينتبه إلى علته وأن الراجح أنه غير مرفوع .
ثانيًا: ما ورد في هذا الباب:
* ينظر شرح صحيح مسلم باب من فضائل أم سليم، أم أنس بن مالك، وبلال، رضي الله عنهما
ثانيًا: دراسة الحديث دراية:
1- تبويبات الأئمة على حديث الباب وما في معناه:
* بوب النسائي في سننه 3340 باب التزويج على الإسلام.
* أورده ابن الأثير في جامع الأصول (7/7) 4981 في كتاب الصداق الفصل الأول: في مقدار الصداق وما يصح أن يسمى صداقا، ومما أورده تحت هذا الباب:
- (خ م ط د ت) سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – قال : «جاءتِ امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت : يا رسول الله ، جئتُ أهَبُ نفسي لك ، فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فصعَّدَ النظر فيها وصَوَّبَه ، ثم طأْطَأَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه ، فلما رأت المرأةُ أنه لم يَقْضِ فيها شيئا جلستْ ، فقام رجل من أصحابه ، فقال: يا رسول الله ، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنِيها. فقال : فهل عندك من شيء ؟ فقال: لا والله يا رسول الله ، فقال : اذهب إلى أهلِك فانظر : هل تجِدُ شيئا ؟ فذهب، ثم رجع ، فقال :[ص:4] لا والله ، ما وجدتُ شيئا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :» انظُرْ ولو خاتَما من حديد ، فذهب ، ثم رجع فقال : لا ، والله يا رسول الله ، ولا خاتَما من حديد ، ولكن هذا إزاري – قال سهل : ما له رِداء – فلها نصفه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «ما تصنع بإزارك ؟ إن لَبِستَهُ لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبِسَتْهُ لم يكن عليك منه شيء» فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام ، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُوَلِّيا ، فأمر به فَدُعِيَ ، فلما جاء قال : ماذا معك من القرآن ؟ قال : معي سورة كذا ، وسورة كذا- عَدَّدها – قال : تقرؤهنَّ عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم. قال : «اذهب ، فقد ملَّكْتُكَها بما معك من القرآن».
هذا حديث عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه ، من رواية قتيبة عنه ، ويقاربه في اللفظ حديث يعقوب بن عبد الرحمن القارِئ.
وفي حديث زائدة: «انطلقْ فقد زَوَّجْتُكَها ، فعلِّمها من القرآن».
وفي حديث غَسَّان : «فقد أنكحناكها بما معك من القرآن».
وفي حديث فضيل بن سليمان «فَخَفَّض فيها البصر ورَفَعه ، فلم يُردْها ، فقال رجل من أصحابه : زوِّجْنيها» ، وفيه «ولكن أُشقِّقُ بُرْدَتي هذه، فأعطيها النصف ، وآخذُ النصف ، قال : هل معك من القرآن من شيء ؟ قال : نعم. قال : اذهب فقد زوَّجتُكها بما معك من القرآن».
وفي رواية ابن المديني قال : «إني لَفي القوم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، إذْ قامتِ[ص:5] امرأة فقالتْ : يا رسول الله ، إنَّها قد وهبت نَفْسَها لك ، فَر فيها رَأيَكَ ، فلم يُجِبْها شيئا ، ثم قامت الثانية ، فقالت : إنها قد وهبت نفسها لك ، فَرَ فيها رأيك ، [فلم يُجِبْها شيئا ، ثم قامت الثالثة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لك ، فَرَ فيها رَأيَكَ] فقام رجل ، فقال : [يا رسول الله] أنْكِحْنِيها».
وفي أخرى مختصرا : أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لِرَجُل : «تزوَّجْ ولو بخاتَم من حديد». أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرج «الموطأ» والترمذي وأبو داود الرواية الأولى.
وله في أخرى قال : إني لَفِي القوم ، إذْ قالت امرأة : [إني] قد وَهَبْتُ نفسي لك يا رسول الله ، فَرَ فِيَّ رأيَك. فقام رجل فقال : زوجْنِيها. فقال : اذهب ، فاطلُبْ ولو خاتما من حديد. فذهب ولم يَجِيءْ بشيء ولا بخاتَم من حديد ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «معكَ من سُوَرِ القرآن شيء ؟ قال : نعم ، فزوَّجَهُ بما معه من سُوَرِ القرآن».
- (د) أبو هريرة – رضي الله عنه – قال نحو هذه القصة ، ولم يذكر الإزارَ والخاتَم – إلى أن قال : «وما تحفظُ من القرآن ؟ قال : سورةَ البقرة والتي تَلِيها، قال : قُمْ فعلِّمْها عشرين آية ، وهي امرأتُك» أخرجه أبو داود عقيب الحديث الأول. [ضعفه محقق جامع الأصول]
- (د) جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «مَن أعطى في صداق امرأة مِلْءَ كفَّيْه سَوِيقا أو تمرا فقد اسْتَحَلَّ». وفي رواية قال : «كُنّا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نستمتع بالقُبْضة من الطعام ، على معنى المُتْعة» ، أخرجه أبو داود. [ضعفه محقق جامع الأصول]
- (ت) عبد الله بن عامر : عن أبيه «أن امرأة من بني فَزَارَةَ تزوَّجتْ على نَعْلَيْن» فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «أرضيتِ من نفْسِكِ ومالِكِ بنعلين ؟ قالت : نعم، فأجازَه». أخرجه الترمذي. [ضعفه محقق جامع الأصول]
- حديث الباب.
- (د ت س) أبو العجفاء السلمي : قال : خطبنا عمر يوما فقال : «ألا لا تُغَالوا في صَدُقاتِ النساء ، فإن ذلك لوْ كان مَكْرُمَة في الدنيا وتقوى عند الله ، كان أوْلاكُم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ما أصْدَقَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته أكثرَ من ثِنْتَيْ عشرةَ أُوقِيَّة».أخرجه أبو داود.
وفي رواية الترمذي بعد قوله : كان أولاكم بها نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم- : «ما علمتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَكَحَ شيئا من نسائه ، ولا أنْكح شيئا من بناته على أكثر من ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّة».
وأخرج النسائي الأولى ، وزاد عليها : «وإن الرَّجل لَيُغْلِي بصَدُقة المرأة ، حتى يكونَ لها عَدَاوة في نفسه ، وحتى يقول : كَلِفْتُ لكم عَلَق القِرْبة – ،وكنتُ غلاما عَربيّا مُوَلَّدا ، فلم أدْرِ ما عَلَق القِرْبة ؟ – قال : وأخرى يقولونها لمن قُتل في مغازيكم هذه ، أو مات : قُتِل [فلان] شهيدا أو مات شهيدا ، ولعله يكون قد أوْقَرَ عَجُزَ دابته ، أوْ دَفَّ رحله ذهبا أو وَرِقا ، يطلُب التجارةَ ، فلا تقولوا ذاكم ، ولكن قولوا كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- : من قُتِل في سبيل الله ، أو مات ، فهو في الجنة». [صححه الألباني]
- (م د) أبو سلمة بن عبد الرحمن : قال : «سألتُ عائشةَ – رضي الله عنها – زوْجَ النبي -صلى الله عليه وسلم- – : كم كان صَدَاقُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ قالت : كان صداقُه لأزواجه ثِنتيْ عشرةَ أوقِيَّة ونَشّا ، قالت : أتدري ما النَّشُّ ؟ قلتُ : لا ، قالت : نصف أوقية ، فذلك خمسمائةُ درهم».
- (س) أبو هريرة – رضي الله عنه – قال : «كان لنا صَدُقات إذْ كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ أوَاقيَّ» أخرجه النسائي. [صححه محقق جامع الأصول]
- (د س) أم حبيبة – رضي الله عنها – : «أنها كانت تحت عبيد الله بنَ جَحْش ، فمات بأرضِ الحبشة ، فزوَّجها النجاشيُّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ، وأمْهَرَها عنه أربعةَ آلاف، وبعث بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع شُرَحبِيل بنِ حَسَنَة». [في الصحيح المسند 1534]
وفي رواية «أن النجاشيَّ زوَّجَ أمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صَدَاق أربعةِ آلاف درهم ، وكتب بذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَبِلَ» أخرجه أبو داود. [ضعفه الألباني في سنن أبي داود 2108]
وعند النسائي : «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوَّجها وهي بأرض الحبشة ، زوَّجها النجاشيُّ ، وأمْهَرها أربعةَ آلاف ، وجهَّزَها من عنده ، وبعث بها مع شُرَحبيلِ بنِ حَسَنَةَ، ولم يبعث إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء ، وكان مُهورُ نسائه أربعمائة درهم». [صححه الألباني]
- (خ م د ت س) أنس بن مالك – رضي الله عنه – : «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعْتَق صفيَّة [بنت حُيَيّ] ، وجعل عِتْقَها صدَاقَها». أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي. وهو طرف من حديث طويل قد أخرجه البخاري ومسلم.
- (خ م ت س ط د) أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قَدِمَ عبد الرحمن بنُ عوف ، فآخى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعدِ بنِ الرَّبيع الأنصاريِّ ، وعند الأنصاريِّ امرأتان ، فعرض عليه أن يُناصِفَه أهلَه ومالَهُ ، فقال له : بارك الله [لك] في أهلك ومالك ، دُلُّوني على السُّوق. فأتَى السوقَ ، فرَبِحَ شيئا من أقِط ، أو شيئا من سَمْن ، فرآه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعد أيام ، وعليه وَضر من صُفْرة ، فقال : مَهَيم ، يا عبد الرحمن ؟ قال : تزوجتُ أنصاريَّة. قال : فما سُقْتَ ؟ قال : وَزْنَ نواة من ذَهَب، فقال : «أوْلِمْ ولو بشاة». أخرجه البخاري ومسلم.[ص:12]
ولمسلم «أن عبد الرحمن تزوَّج امرأة على وزن نَوَاة من ذهب» لم يزد على هذا القدر.
وزاد في أخرى أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال له : «أوْلِمْ ولو بشاة».
وفي رواية الترمذي قال : «هَلُمَّ أُقَاسِمْك مالي نصفين ، وليَ امرأتان فأُطَلِّقُ إحداهما ، فإذا انقضت عِدَّتُها تزوَّجتَها ، فقال : بارك الله لك…» وذكر الحديث. وهذه قد أخرجها البخاري أيضا ، وقد تقدَّم ذِكْرُها في «كتاب الصحبة» وأخرج الترمذي الرواية الآخرة التي لمسلم.
وفي رواية النسائي : أن عبد الرحمن جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبه أثَرُ الصُّفْرة ، فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فأخبره أنه تزوَّج امرأة من الأنصار ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «كم سُقتَ ؟» قال : زِنَةَ نَوَاة من ذهب ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «أوْلِمْ ولو بشاة» وفي رواية «بارك الله لك ، أوْلِمْ ولو بشاة».
وفي أخرى [قال] : «رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليَّ بَشَاشَةُ العُرْسِ ، فقلت : تزوجتُ امرأة من الأنصار ، قال : كم أصدقتَها ؟ قلت له : نواة من ذهب».
وأخرج النسائي أيضا الرواية الأولى ، وأخرج «الموطأ» وأبو داود رواية[ص:13] النسائي الأولى.
- (م) أبو هريرة – رضي الله عنه – قال : «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : إني تزوَّجتُ امرأة من الأنصار فأعِنِّي على مَهْرِها. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : هل نَظَرْتَ إليها ، فإن في عُيُون الأنصار شيئا ؟ قال : قد نظرتُ إليها ، قال : على كم تزوَّجتَها ؟ قال : على أربع أوَاق ، قال : [على أربع أواق ؟] كأنَّكم تنْحِتُونَ الفِضَّةَ من عُرْض هذا الجبل ، ما عندنا ما نُعْطِيك ، ولكن عسى أن نبْعثَك في بعْث تُصِيبُ منه ، قال : فبعث بَعْثا إلى بني عبْس ، فبعثه معهم» أخرجه مسلم.
2- شرح الحديث:
* قال السندي في حاشية النسائي (6/114): ” فَكَانَ صدَاق مَا بَينهمَا الْإِسْلَام الصَدَاق بِالْفَتْح وَالْكَسْر الْمهْر وَالْكَسْر أفْصح وَالْمعْنَى صدَاق الزَّوْج الَّذِي بَينهمَا الْإِسْلَام أَي إِسْلَام أبي طَلْحَة وتأويله عِنْد من لَا يَقُول بِظَاهِرِهِ أَن الْإِسْلَام صَار سَببا لاستحقاقه لَهَا كالمهر لَا أَنه الْمهْر حَقِيقَة وَمن جوز أَن الْمَنْفَعَة الدِّينِيَّة تكون مهْرا لَا يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل وَلَا يخفى أَن الرِّوَايَة الْآتِيَة ترد التَّأْوِيل الْمَذْكُور وَقد يؤول بِأَنَّهَا اكتفت عَن الْمُعَجل بِالْإِسْلَامِ وَجعلت الْكل مُؤَجّلا بِسَبَبِهِ فَلْيتَأَمَّل فَكَانَ أَي الْإِسْلَام قَوْله وَلَا أَسأَلك غَيره أَي معجلا فَصَارَ الْإِسْلَام بِمَنْزِلَة الْمُعَجل وَبَقِي الْمُؤَجل دينا على الذِّمَّة وَلَا يخفي بعد التَّأْوِيل قَوْله وَجعله أَي عتقهَا صَدَاقهَا قيل يجوز ذَلِك لكل من يُرِيد أَن يفعل كَذَلِك وَقيل بل هُوَ مَخْصُوص بِهِ إِذْ يجوز لَهُ النِّكَاح بِلَا مهر وَلَيْسَ لغيره ذَلِك سَوَاء قُلْنَا مَعْنَاهُ أَنه أعْتقهَا فِي مُقَابلَة العقد أَو أَنه أعْتقهَا من غير شَرط ثمَّ تزَوجهَا بِلَا مهر وَالله تَعَالَى أعلم “.
* قال ابن حجر في فتح الباري (1/17): ” ما وقع في قصة إسلام أبي طلحة فيما رواه النسائي عن أنس قال تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت إني قد أسلمت فإن أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية أو بطوافه العبادة وملازمة الغريم واختار الغزالي فيما يتعلق بالثواب أنه إن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر أو الديني أجر بقدره وإن تساويا فتردد القصد بين الشيئين فلا أجر وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره والله أعلم”.
* قال العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب (2/26) في الفائدة السابعة والخمسين من فوائد حديث “إنما الأعمال بالنيات”: ” (السابعة والخمسون) إن قيل ما وجه ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة أم سليم أن أبا طلحة الأنصاري خطبها مشركا فلما علم أنه لا سبيل له إليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها وحسن إسلامه.
وهكذا روى النسائي من حديث أنس قال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما، بوب عليه النسائي (التزوج على الإسلام) وروى النسائي أيضا من حديثه أيضا قال خطب أو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن أسلمت فذاك مهري فلا أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم (الإسلام) .
فدخل بهذا الحديث وأخرجه ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه فظاهر هذا أن إسلامه كان ليتزوج بها فكيف الجمع بينه وبين حديث الهجرة المذكورة مع كون الإسلام أشرف الأعمال؟ والجواب عنه من وجوه:
(أحدها) أنه ليس في الحديث أنه أسلم ليتزوجها حتى يكون معارضا لحديث الهجرة، وإنما امتنعت من تزوجه حتى هداه الله للإسلام رغبة في الإسلام لا ليتزوجها ولا يظن ذلك بأبي طلحة أنه إنما أسلم ليتزوج أم سليم فقد كان من أجل الصحابة.
والوجه الثاني أنه لا يلزم من الرغبة في نكاحها أنه لا يصح منه الإسلام رغبة فيه فمتى كان الداعي إلى الإسلام الرغبة في الدين لم يضر معه كونه يعلم أنه يحل له بذلك نكاح المسلمات ولا ميراث مورثه المسلم ولا استحقاق الغنيمة ونحو ذلك إذا كان الباعث على الإسلام الرغبة في الدين.
وذكر ابن بطال عند حديث الرجل يقاتل للمغنم من كان ابتداؤه نية الأعمال لله تعالى لم يضره بعد ذلك ما عرض في نفسه وخطر بقلبه من حديث النفس ووسواس الشيطان ولا يزيله عن حكمه إعجاب اطلاع العباد عليه بعد مضيه إلى ما ندبه الله إليه ولا سروره بذلك، وإنما المكروه أن يبدأ بنية غير مخلصة وحكاه أيضا في موضع آخر عن الطبري، وأنه حكاه عن قول عامة السلف – رضي الله عنهم -.
والحق في اجتماع الباعثين أو البواعث على الفعل الواحد أنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد منهما أو منها لو انفرد لكان كافيا في الإتيان بالفعل أو يكون الكافي لذلك أحدهما أو لعلة أحدهما، فإن كان كل واحد كافيا بالإتيان به فهذا يضر فيه التشريك لقوة الداعي، وإن غلب أحدهما بأن يكون حصوله أسرع إلى وقوع المنوي، وإن كان الباعث على الفعل أحدهما بحيث لو عدم الآخر لم يتخلف عن المنوي فالحكم للقوي كمن يقوم للعبادة، وهو يستحسن إطلاع الناس عليه مع أنه لو علم أنه لو لم يطلع عليه أحد لما صرفه ذلك عنها ولا عن الرغبة فيها فهذا لا يؤثر في صحة عبادته، وإن كان الأكمل في حقه التسوية بين اطلاع الناس وعدم اطلاعهم، والأسلم له عدم محبة اطلاعهم.
(والوجه الثالث) أنه لا يصح هذا عن أبي طلحة، والحديث، وإن كان صحيح الإسناد، فإنه معلل بكون المعروف أنه لم يكن حينئذ نزل تحريم المسلمات على الكفار إنما نزل بين الحديبية وبين الفتح حين نزل قوله تعالى {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10] كما ثبت في صحيح البخاري فقول أم سليم في هذا الحديث: ولا يحل لي أن أتزوجك شاذ مخالف للحديث الصحيح، وما اجتمع عليه أهل السنن والله أعلم.”
* قال علي ملا القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2103):
” 3209 – (وعن أنس قال: تزوج أبو طلحة) : قال المؤلف: هو زيد بن السهل الأنصاري النجاري وهو مشهور بكنيته وهو زوج أم أنس بن مالك وكان من الرماة المذكورين، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” «لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة خلاف» “، تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك فولدت له أنسا ثم قتل عنها مشركا وأسلمت. (أم سليم) : بالتصغير قال المؤلف: هي بنت ملحان وفي اسمها خلاف تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك فولدت له أنسا ثم قتل عنها مشركا وأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته إلى الإسلام فأسلم، فقالت: إني أتزوجك ولا آخذ منك صداقا لإسلامك فتزوجها أبو طلحة (فكان صداق ما بينهما الإسلام) : برفعه أو نصبه (أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت فقد نكحتك) : أي: تزوجتك ولم آخذ منك مهرا (فأسلم فكان) : وفي نسخة ” وكان ” – أي الإسلام – (صداق ما بينهما) : أي: فوقع النكاح بصداقها ووهبته إياه بسبب إسلامه على مقتضى وعدها فكان الإسلام صداق ما بينهما من نكاح، فيه إشعار بأن المنفعة الدينية يجوز أن تكون عوضا للبضع، وأن تعليم القرآن يجوز أن يحمل على هذا المعنى، قلت: هذا حمل بعيد فإن المنفعة الدينية ما لا يكون فيه المنفعة الدنيوية مع أنه مخالف لقوله – تعالى – {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24] وبالإجماع لا يطلق على المنفعة الدينية اسم المال، والله – تعالى – أعلم بالحال. (رواه النسائي) .
* قال الإتيوبي رحمه الله في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 6):
” (أُمَّ سُلَيْمٍ) بضمّ السين المهملة، وفتح اللام مصغّرًا – بنت مِلْحان بن خالد الأنصارية، والدة أنس الراوي عنها، يقال: اسمها سَهْلة، أو رُميلة، أو رُميثة، أو مُليكة، أو أُنيثة، وهي الغُميصاء، أو الرُّمَيصاء، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات، ماتت – رضي اللَّه تعالى عنها – في خلافة عثمان – رضي اللَّه عنه -. روى لها الجماعة، وتقدّمت 43/ 737
(فَكَانَ صِدَاقُ) قال الفيّوميّ: صداق المرأةِ فيه لغاتٌ، أكثرُها فتح الصّاد، والثانيةُ كسرها، والجمعُ صُدُقٌ- بضمّتين-، والثالثةُ لغةُ الحجاز: صَدُقةٌ -أي بفتح، فضم- وتُجمَعُ على لفظها صَدُقَات، وفي التنزيل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} الآية. والرابعةُ لغةُ تميم: صُدْقَةٌ -أي بضمّ، فسكون- والجمعُ صُدُقات، مثلُ غرفة وغُرُفَات في وجوهها، وصَدْقَةٌ -أي بفتح، فسكون- لغةٌ خامسةٌ، وجمعُها صُدَقٌ، مثلُ قَرْيَةٍ وقُرَى انتهى [“المصباح المنير” في مادّة صدق 335 – 336].
[تنبيه]: الصداق هو ما تستحقّه المرأة بدلًا في النكاح، قال ابن قدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَي-: وله تسعة أسماء: الصّداقُ، والصّدُقَةُ، والمهر، والنِّحْلة، والفريضة، والأجر، والعَلائق، والعُقْرُ، والْحِبَاءُ. رُوي عن النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – أنه قال: “أَدُّوا العلائق”. قيل: يا رسول اللَّه، وما العلائق؟، قال: “ما تراضى به الأهلون” [(2) رواه الدارقطنيّ في “سننه” 3/ 244 – من حديث ابن عباس، مرفوعًا بلفظ: “أنكحوا الأيامى، ثلاثًا، قيل: ما العلائق بينهم يا رسول اللَّه؟ قال: “ما تراضى عليه الأهلون، ولو قضيب من أراك”. وفي سنده محمد بن عبد الرحمن البيلمانيّ منكر الحديث، وفيه اضطراب، راجع “التعليق المغني على الدارقطني” 3/ 244 – 245.]
وقال عمر: لها عُقْرُ نسائها. يقال: أصدقت المرأة، ومَهَرتُها، ولا يقال: أمهرتها. انتهى [المغني” 10/ 97 – 98].
وقد نظمت الأسماء التسعة بقولي:
وَلِلصَّدَاقِ تِسْعَةٌ أَسْمَاءُ … الْمَهرُ وَالنِّحْلَةُ وَالْحِبَاءُ
وَالأَجْرُ وَالصَّدَاقُ وَالصَّدُقَةُ … والْعُقْرُ وَالعَلَاِئقُ الْفَرِيضَةُ
فقوله: “صداقُ” مبتدأ، وهو مضافٌ إلى قوله (مَا بَيْنَهُمَا) “ما” اسم موصول، بمعنى “الذي”، وقوله (الإِسْلَامَ) خبر المبتدإ، وهو صداق، أي مهر النكاح الذي جرى بينهما هو الإسلام، أي إسلام أبي طلحة (أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ) – رضي اللَّه تعالى عنهما – (فَخَطَبَهَا) أي خطب أبو طلحة أم سُليم ليتزوّها (فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ) أي دخلت في الإسلام (فَإِنْ أَسْلَمْتَ: نَكَحْتُكَ) أي تزوّجتك، يقال: نَكَح الرجل، والمرأة أيضًا يَنْكِحُ، من باب ضَرَبَ نِكَاحًا: إذا تزوّجا (فَأَسْلَمَ) أبو طلحة (فَكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا) اسم “كان” ضمير يعود إلى الإسلام، أي كان الإسلام صداقَ النكاح الذي جرى بينهما، ولم يذكرا مالًا. وهذا محلّ الترجمة، فإنه ظاهر في أن الإسلام يجوز أن يكون مهرًا للنكاح، وهذا هو المذهب الراجح. قال السنديّ: وتأويله عند من لا يقول بظاهره أن الإسلام صار سببًا لاستحقاقه لها كالمهر، لا أنه المهر حقيقةٌ، ومن جوّز أن المنفعة الدينية تكون مهرًا لا يحتاج إلى تأويل، ولا يخفى أن الرواية الآتية تردّ التأويل المذكور. وقد يؤوّل بأنها اكتفت عن المعجّل بالإسلام، وجعلت الكلّ مؤجّلًا بسببه، فليتأمّل انتهى.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: تأويله الأخير بعيدٌ أيضًا، يبعده “فإن تُسلم، فذاك مهري، وما أسألك غيره”، فقد أكّدت نفي المهر الماليّ مطلقًا، معجلًا، أو مؤجّلًا، حيث قالت: “وما أسألك غيره”، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
( فذاك مهري ) هي التي أوردها الشيخ مقبل في الصحيح المسند ٩٨ وصححه الألباني
وتوبع عليها: قال الإمام النسائي رحمه الله (ج 6 ص 114): أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صِدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامَ أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ فَأَسْلَمَ فَكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا. وهو أيضا في الصحيح المسند ٩٨
(المسألة الثانية): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان جواز النكاح على أن يكون المهر إسلام الزوج. (ومنها): أن فيه بيان فضيلة أم سليم – رضي اللَّه تعالى عنها -، حيث كانت سببًا لإِسلام زوجها. (ومنها): جواز إسلام الرجل ليتزوّج امرأة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): استُشكل هذا الحديث مع حديث الهجرة، حيث قال – صلى اللَّه عليه وسلم -: “ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هجر إليه”.
[وأجيب] عنه بأجوبة، تقدّم بيانها في أوائل هذا الشرح، عند شرح حديث النيّة.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا استشكلوه، وعندي أنه لا إشكال في ذلك أصلًا، إذ دخول الشخص في الإسلام لأيّ سبب من الأسباب لا يضرّه، إذا حسن بعد ذلك إسلامه؛ إذ بعض المؤمنين الأولين هكذا كان دخولهم في الإسلام، ثم رزقهم اللَّه تعالى الثبات فيه، كما قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا}، إلى أن قال: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} الآية [النساء: 94]، ولذلك جعل اللَّه تعالى في الصدقات قسم المؤلّفة قلوبهم، فكثيرٌ من الناس يدخل في الإسلام، طمعًا في مال، أو جاه، ثم يدخل الإيمان في قلبه، فيكون من خيار المسلمين، فيكون أبو طلحة – رضي اللَّه عنه – من هذا القبيل، وإنما يضرّه أن يكون بعد دخوله في الإسلام لا حاجة له إلا غرضه ذلك، بحيث لو قُدّر أن فقده ما ثبت على الإسلام، كما قال اللَّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} الآية [الحجّ: 11]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
3- مسائل أخرى:
* يوجد مقال منشور في مجلة البحوث الإسلامية لهيئة كبار العلماء بعنوان: “تحديد المهور” واشتمل على العناصر الآتية:
أولا: مهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته.
روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال «سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا
قالت: أتدري ما النش؟
قلت: لا
قالت: نصف أوقية، فذلك خمسمائة درهم (1)».
«وقال عمر رضي الله عنه ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية (2)» قال الترمذي حديث حسن صحيح، انتهى.
وروى أبو داود والنسائي «عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة (1)» وفي رواية «أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل (2)» وعند النسائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهور نسائه أربعمائة درهم (3)».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية ” بنت حيي ” وجعل عتقها صداقها (4)» أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم.
ثانيا: ما عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم.
ذكروا حديث التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم
ثم قالوا: وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل (3)» وفي رواية قال «كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة (4)».
وفي سنده موسى بن مسلم وهو ضعيف قال الحافظ ابن حجر في التلخيص وروي موقوفا وهو أقوى وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف وذكر أبو داود أن بعضهم رواه موقوفا وقال رواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر ثم ذكر الرواية الأخرى قال أبو داود رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم وهذا الذي رواه أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)».
وقال أبو بكر البيهقي وهذا وإن كان في نكاح المتعة، ونكاح المتعة قد صار منسوخا فإنما نسخ منه شرط الأجل فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد فيه النسخ.
وروى الترمذي عن عبد الله بن عامر عن أبيه «أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت نعم فأجازه (6)» أخرجه الترمذي.
وفي سنده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف، وقال الترمذي: حديث عامر بن ربيعة حديث حسن صحيح قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن حكى تصحيح الترمذي هذا: إنه خولف في ذلك. وروى النسائي في سننه، قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما، وفي رواية أخبرنا محمد بن النضر بن مساور، قال: أنبأنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، قال: خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره، فأسلم وكان ذلك مهرها، قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم، الإسلام، فدخل بها فولدت له.
وروى أبو داود بسنده عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” مهيم “؟
فقال يا رسول الله: تزوجت امرأة
قال ما أصدقتها؟
قال: وزن نواة من ذهب، قال: أولم ولو بشاة، » وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار فأعني على مهرها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئا
قال: قد نظرت إليها
قال: على كم تزوجتها؟
قال: على أربع أواق
قال: (وعلى أربع أواق؟) كأنكم تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه.
قال: فبعث بعثا إلى بني عبس فبعثه معهم ».
وروى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أترضى أن أزوجك من فلانة؟
قال: نعم، وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا؟
قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا، ولم يعطها شيئا، وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة – يعني امرأته – ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذته فباعته بعد موته بمائة ألف، » قال أبو داود: وزاد عمر بن الخطاب (وحديثه أتم) في أول الحديث، قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم «خير النكاح أيسره » وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل، ثم ساق معناه.
قال أبو داود: يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقا؛ لأن الأمر على غير هذا.
ثالثا: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور؟
لا نعلم دليلا من القرآن ولا من السنة يدل على تحديد المهور، فالأدلة التي جاءت في القرآن منها ما فيه التنبيه على جواز دفع المهر الكثير ومنها ما هو عام يشمل القليل والكثير، والأدلة التي جاءت من السنة الدالة على تفسير هذا العموم بجوازه بالقليل والكثير، ونحن نذكر فيما يلي نقولا عن أهل العلم بعدم التحديد ثم نتبعها بالأدلة من القرآن ثم الأدلة من السنة.
أما النقول عن أهل العلم فمن ذلك:
قال القرطبي: ” وقد أجمع العلماء على أن لا تحديد في أكثر الصداق ” .
قال ابن قدامة: وأما أكثر الصداق فلا توقيت فيه بإجماع أهل العلم قاله ابن عبد البر انتهى.
وأما الدليل من القرآن المنبه على جواز كثرة المهر فهو قوله تعالى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (3) الآية.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: فيها دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح (4) انتهى.
وقال ابن كثير: في الآية دليل على جواز الإصداق بالمال الكثير (1) انتهى. وأما ما جاء من القرآن عاما يشمل القليل والكثير فمن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} .
وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} فإن لفظ الأموال ولفظ الأجور عام يشمل القليل والكثير.
وأما الأدلة التي جاءت من السنة دالة على وقائع مختلفة حصل فيها تفاوت كبير في المهور كمهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته رضي الله عنهن، وما عرف من مهور زوجات أصحابه رضي الله عنهم كالتزويج على ما مع المتزوج من القرآن، والتزويج على النعلين، وعلى وزن نواة من ذهب، وعلى أربع أواق فقد سبق ذكر ذلك في الأمر الأول والثاني.
رابعا: قصة عمر مع من أنكرت عليه حديثه في تحديد المهور.
روى أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي العجفاء السلمي قال: «خطبنا عمر يوما فقال: ” ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية (1)» هذه رواية أبي داود.
وفي رواية الترمذي بعد قوله: ” كان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم «ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ».
وأخرج النسائي الأولى وزاد عليها: وإن الرجل ليغلي بصدقة المرأة حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقول: كلفت لكم علق القربة – وكنت غلاما عربيا مولدا فلم أدر ما علق القربة ” انتهى المقصود.
وقال القرطبي في تفسيره: «وخطب عمر فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية فقامت إليه امرأة
فقالت يا عمر: يعطينا الله وتحرمنا، أليس الله سبحانه وتعالى يقول: قال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وفي رواية فأطرق عمر
ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر، وفي أخرى: امرأة أصابت ورجل أخطأ والله المستعان ».
وترك الإنكار أخرجه أبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبي العجفاء السلمي، قال: خطب عمر الناس فذكره إلى قوله: اثنتي عشرة أوقية، ولم يذكر فقامت امرأة إلى آخره، وأخرجه ابن ماجه في سننه عن أبي العجفاء وزاد بعد قوله: أوقية وإن الرجل ليغلي صدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ويقول وقد كلفت إليك علق القربة أو عرق القربة وكنت رجلا عربيا مولدا ما أدري ما علق القربة أو عرق القربة .
وقال ابن كثير في تفسيره: وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين قال: نبئت «عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغلوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه وحتى يقول كلفت إليك علق القربة » ثم رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن محمد بن سيرين عن أبي العجفاء واسمه هرم بن سيب البصري وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
طريق أخرى عن عمر قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن خالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلأعرفن ما زاد الرجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن، قال: وأي ذلك قالت أما سمعت الله يقول {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} الآية، قال: فقال: اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر، فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل، إسناده جيد قوي، طريق أخرى، قال ابن المنذر: حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن قيس بن ربيع عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله يقول ” وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب ” – قال وكذلك هي من قراءة عبد الله بن مسعود – فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئا فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته.
(طريق أخرى عن عمر فيها انقطاع) قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي قال: قال عمر بن الخطاب لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي القصة. يعني يزيد بن الحصين الحارثي فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال فقالت امرأة من صفة النساء طويلة في أنفها فطس: ما ذاك لك، قال ولم؟ قالت إن الله قال {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} الآية فقال عمر امرأة أصابت وأخطأ عمر .
خامسا: ما الفرق بين تحديد أسعار الأعيان والمنافع وتحديد المهور.
تحديد الأسعار بالنسبة للأعيان والمنافع محل خلاف بين أهل العلم وقد سبق أن أعد في ذلك بحث ووزع على أصحاب السماحة والفضيلة أعضاء المجلس في الدورة الثامنة وبإمكانهم الرجوع إليه ولكن الفرق بين تحديد الأسعار في الأعيان والمنافع عند من يقول به وتحديد المهور يمكن أن يقال بأن تحديد أسعار الأعيان والمنافع يمكن ضبطه أما تحديد المهور فلا يمكن ضبطه؛ لأن العادات في إظهار الاهتمام مختلفة والرغبات لها مراتب متفاوتة وظروف الناس وأمكنتهم وقدراتهم تختلف فيعطي كل بحسب حاله ومع ذلك فقد ورد التنبيه في السنة إلى اليسر في ذلك وعدم التغالي فيه ومنه حديث «إن من خير النساء أيسرهن صداقا» رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس وحديث «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير إصداقها » رواه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث عائشة.
ويمكن أن يقال: إن الفرق بينهما أن المعاوضة في السلع والمنافع يغلب عليها المغالبة أما بذل المال في النكاح فيغلب عليه قصد التكرم دون المغالبة.
ويمكن أن يقال أيضا هناك فرق آخر وهو أن المقصود في المعاملات المالية سواء أكانت أعيانا أو منافع هو المال، أما في النكاح فالمقصود ذات المرأة والاستمتاع بها وذات الزوج لا المال.
سادسا: مبررات التحديد ومضار عدمه.
أ- مبررات التحديد: قد يقال إن للتحديد مبررات كثيرة منها:
1 – تيسير الزواج.
2 – بقاء النسل وتكثيره بطريق شرعي.
3 – خلو المجتمع من العناصر الفاسدة ومن الفساد.
4 – عمار الأرض بآلات صالحة.
5 – حفظ كيان الأسرة والعمران بنسل شرعي.
6 – تحصين الفروج وغض البصر.
7 – استفراغ الشهوة واستنزاف مواد المضرة وإصلاح الجسد بالطريق الشرعي.
ب- مضار عدمه: قد يقال إن لعدم التحديد مضارا كثيرة منها:
1 – قلة الزواج؛ لأن الغلو في المهور يكلف الرجال ما لا طاقة لهم به.
2 – قلة الزواج تؤدي إلى انتشار الفساد بين الرجال والنساء وبين الرجال أنفسهم وبين النساء أنفسهن فتكثر الفواحش بسبب ذلك.
3 – وجود شيء من هذه المفاسد في شخص ما تجعله عضوا أشل لا ينتفع به في مجال البناء السليم دينيا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا وصناعيا وغير ذلك من الأمور التي تنفع دنيا وأخرى.
4 – المجتمع الذي تنتشر به هذه المفاسد يكون مجتمعا غير مترابط.
5 – يضاف إلى ما سبق أن الشخص إذا تعذر عليه الزواج من بلده نتيجة غلاء المهر اضطر إلى أن يتزوج من الخارج والزواج بالأجنبية في هذا الوقت له آثاره السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
6 – قد يؤدي عدم التحديد إلى أن المرأة هي التي تخطب الرجل مستقبلا وتدفع له المهر كما هي عادة غير المسلمين.
7 – من النتائج السيئة لعدم التحديد أن الآباء قد يمنعون الأكفاء لأنهم لا يستطيعون دفع مهر كثير ويزوجون غير الأكفاء لأنهم يدفعون ما يرضي الآباء من المهر.
إذا علم ما سبق من المصالح المترتبة على التحديد والمفاسد الناشئة عن عدم التحديد فإن من القواعد المقررة في الشريعة أن المصالح إذا تعارضت قدم أرجحها، وأن المفاسد إذا لم يمكن تركها كلها وجب ترك أعظمها ضررا ولو بارتكاب أقلها ضررا، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح منها، وإذا تساوت في نظر المجتهد فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
سابعا: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح وإن لم يكن فما العلاج؟
قد يقال إن تحديد المهور ليس بعلاج عملي ناجح في دفع مغالاة الناس فيها لأمور:
أحدها: أن الناس جبلوا على التقليد فينظر الضعيف منهم للقوي والفقير للغني فإذا وجدوا الوجهاء والأغنياء غلوا في مهور بناتهم أو من يتزوجونهن مجاملة أو إكراما أو فخرا قلدوهم في ذلك.
الثاني: أن النقود اليوم قد هبطت قيمتها نتيجة لعدة عوامل فالشيء الذي يساوي مائة ريال سابقا- مثلا- يساوي اليوم عشرين ألفا تقريبا فإذا قيست على المهور سابقا فقد لا تعتبر مغال فيها وربما تعلل أولياء البنات بهذا وادعوا أن ما تعطاه البنت من المهر لا يقوم بما تحتاجه لتستعد بما يلزم لزواجها من الأثاث والملابس وغيرها.
الثالث: الإبقاء على النكاح والتخلص منه بيد الزوج فإذا حددت المهور بمبلغ فربما يسهل على الزوج أمر الطلاق ويكثر منه وهذا مما لا يتفق مع مقاصد الشريعة في النكاح من الاستقرار وطمأنينة النفس وبناء الأسرة.
وقد يقال إن العلاج ممكن بدون تحديد وذلك بما يأتي:
أ- توعية الناس بطرق الإعلام والخطابة في الجوامع والمجامع المناسبة ويركز على تحذير الأولياء من العضل ويرغب الناس في الاصطلاح بينهم على مهر معين وذلك بأن يتفق أهل كل بلد أو كل قبيلة على مقدار معين.
ب- منع الناس من الإسراف في مراسم الزواج.
ج- التطبيق العملي من الطبقة الواعية من الناس بأن يزوجوا مولياتهم من الأكفاء ويقتنعوا بما تيسر. هذا ما تيسر ذكره.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
قرار رقم 52 وتاريخ 4/ 4 / 1397هـ
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء قد اطلع في دورته العاشرة المعقودة في مدينة الرياض فيما بين يوم 21/ 3 / 1397هـ و / 4/ 1397هـ على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة من هيئة كبار العلماء في موضوع تحديد مهور النساء بناء على ما قضى به أمر سمو نائب رئيس مجلس الوزراء من عرض هذا الموضوع على هيئة كبار العلماء لإفادة سموه بما يتقرر وجرى استعراض بعض ما رفع للجهات المسئولة عن تمادي الناس في المغالاة في المهور والتسابق في إظهار البذخ والإسراف في حفلات الزواج ويتجاوز الحد في الولائم وما يصحبها من إضاءات عظيمة خارجة عن حد الاعتدال ولهو وغناء بآلات طرب محرمة بأصوات عالية قد تستمر طول الليل حتى تعلو في بعض الأحيان على أصوات المؤذنين في صلاة الصبح وما سبق ذلك من ولائم الخطوبة وولائم عقد القران كما استعرض بعض ما ورد في الحث على تخفيف المهور والاعتدال في النفقات والبعد عن الإسراف والتبذير فمن ذلك قول الله تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} – وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال «سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا قالت: نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم ».
وقال عمر رضي الله عنه: «ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية » قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلا بما معه من القرآن».
وروى الترمذي وصححه «أن عمر رضي الله عنه قال لا تغلوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون عداوة في نفسه وحتى يقول كلفت لك علق القربة» والأحاديث والآثار في الحض على الاعتدال في النفقات والنهي عن تجاوز الحاجة كثيرة معلومة وبناء على ذلك ولما يسببه هذا التمادي في المغالاة في المهور والمسابقة في التوسع في الولائم بتجاوز الحدود المعقولة وتعدادها قبل الزواج وبعده وما صاحب ذلك من أمور محرمة تدعو إلى تفسخ الأخلاق من غناء واختلاط الرجال بالنساء في بعض الأحيان ومباشرة الرجال لخدمة النساء في الفنادق إذا أقيمت الحفلات
فيها مما يعد من أفحش المنكرات، ولما يسببه الانزلاق في هذا الميدان من عجز الكثير من الناس عن نفقات الزواج فيجرهم ذلك إلى الزواج من مجتمع لا يتفق في أخلاقه وتقاليده مع مجتمعنا فيكثر الانحراف في العقيدة والأخلاق بل قد يجر هذا التوسع الفاحش إلى انحراف الشاب من بنين وبنات، ولذلك كله فإن مجلس هيئة كبار العلماء يرى ضرورة معالجة لهذا الوضع معالجة جادة وحازمة بما يلي:
1 – يرى المجلس منع الغناء الذي أحدث في حفلات الزواج بما يصحبه من آلات اللهو وما يستأجر له من مغنيين ومغنيات وبآلات تكبير الصوت؛ لأن ذلك منكر محرم يجب منعه ومعاقبة فاعله.
2 – منع اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها ومنع دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات ومعاقبة من يحصل عندهم ذلك من زوج وأولياء الزوجة معاقبة تزجر عن مثل هذا من المنكر.
3 – منع الإسراف وتجاوز الحد في ولائم الزواج وتحذير الناس من ذلك بواسطة مأذوني عقود الأنكحة وفي وسائل الإعلام وأن يرغب الناس في تخفيف المهور ويذم لهم الإسراف في ذلك على منابر المساجد وفي مجالس العلم وفي برامج التوعية التي تبث في أجهزة الإعلام.
4 – يرى المجلس بالأكثرية معاقبة من أسرف في ولائم الأعراس إسرافا بينا وأن يحال بواسطة أهل الحسبة إلى المحاكم لتعزر من يثبت مجاوزته الحد بما يراه الحاكم الشرعي من عقوبة رادعة زاجرة تكبح جماح الناس عن هذا الميدان المخيف؛ لأن من الناس من لا يمتنع إلا بعقوبة وولي الأمر – وفقه الله – عليه أن يعالج مشاكل الأمة بما يصلحها ويقضي على أسباب انحرافها وأن يوقع على كل مخالف من العقوبة ما يكفي لكفه.
5 – يرى المجلس الحث على تقليل المهور والترغيب في ذلك على منابر المساجد وفي وسائل الإعلام وذكر الأمثلة التي تكون قدوة في تسهيل الزواج إذا وجد من الناس من يرد بعض ما يدفع إليه من مهر أو اقتصر على حفلة متواضعة لما في القدوة من التأثير.
6 – يرى المجلس أن من أنجح الوسائل في القضاء على السرف والإسراف أن يبدأ بذلك قادة الناس من الأمراء والعلماء وغيرهم من وجهاء الناس وأعيانهم وما لم يمتنع هؤلاء من الإسراف وإظهار البذخ والتبذير فإن عامة الناس لا يمتنعون من ذلك لأنهم تبع لرؤسائهم وأعيان مجتمعهم فعلى ولاة الأمر أن يبدءوا في ذلك بأنفسهم ويأمروا به ذوي خاصتهم قبل غيرهم ويؤكدوا على ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم واحتياطا لمجتمعهم لئلا تتفشى فيه العزوبة التي ينتج عنها انحراف الأخلاق وشيوع الفساد وولاة الأمر مسئولون أمام الله عن هذه الأمة وواجب عليهم كفهم عن السوء ومنع أسبابه عنهم وعليهم تقصي الأسباب التي تثبط الشباب عن الزواج – ليعالجوها بما يقضي على هذه الظاهرة والحكومة أعانها الله ووفقها قادرة بما أعطاها الله من إمكانات متوفرة ورغبة أكيدة في الإصلاح أن تقضي على كل ما يضر بهذا المجتمع أو يوجد فيه أي انحراف وفقها الله لنصرة دينه وإعلاء كلمته وإصلاح عباده وأثابها أجزل الثواب في الدنيا والآخرة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء