98 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—–
مسند أحمد 12399
الإِمَامُ أَحْمَدُ: حدثنا هاشم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هـذِهِ الآيَةُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ- إلى قوله- وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رَفِيعَ الصَّوْتِ فَقَالَ:
أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، أنا من أهـل النار حبط عملي وَجَلَسَ فِي أَهـلِهِ حَزِينًا فَفَقَدَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: تَفَقَّدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ؟
قَالَ: أَنَا الَّذِي أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْهَرُ لَهُ بِالْقَوْلِ حَبِطَ عَمَلِي أَنَا مِنْ أَهـلِ النَّارِ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، بَلْ هـوَ مِنْ أَهـلِ الْجَنَّةِ» قَالَ أنس رضي الله عنه: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهـلِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ كَانَ فِينَا بَعْضُ الاِنْكِشَافِ فَجَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ فَقَالَ: بِئْسَمَا تُعَوِّدُونَ أَقْرَانَكُمْ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قتل رضي الله عنه.
قال سيف وصاحبه: على شرط الذيل. (القسم الذي ذكر إسناده في الصحيح ولم يسق متنه)
أشار مسلم (119) (188) للسند بدون أن يسوق المتن. كأنه يعلل رواية حماد بن سلمة التي فيها ذكر سعد بن معاذ وأنه جار له. … وصرح ابن كثير بأن الأسانيد الثلاثة التي ذكرها مسلم تعلل رواية حماد بن سلمة. تفسير سورة الحجرات
فهذا على شرط الذيل (قسم ما ذكر إسناده ولم يذكر متنه)
“”””””””””””
قصة ثابت ابن قيس الكلام فيه من وجوه:
الاولى: النهي في رفع الصوت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد، قال: كنت قائما في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين. قال: فجئته بهما، فقال: من أنتما – ومن أين أنتما؟ – قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله. رواه البخاري
قال ابن رجب في الفتح (2/ 565): إنما فرق عمر بين أهل المدينة وغيرها في هذا؛ لأن أهل المدينة لا يخفى عليهم حرمة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، بخلاف من لم يكن من أهلها؛ فإنه قد يخفى عليه مثل هذا القدر من احترام المسجد، فعفى عنه بجهله.
ورفع الأصوات في المسجد على وجهين:
أحدهما: أن يكون بذكر الله وقراءة القرآن والمواعظ وتعليم العلم وتعليمه، فما كان من ذلك لحاجة عموم أهل المسجد إليه، مثل الأذان والإقامة وقراءة الإمام في الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فهذا كله حسن مأمور به.
الوجه الثاني: رفع الصوت بالاختصام ونحوه من أمور الدنيا، فهذا هو الذي نهى عنه عمر وغيره من الصحابة.
ويشبه: إنشاد الضالة في المسجد، وفي صحيح مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم كراهته والزجر عنه، من رواية أبي هريرة وبريدة.
وأشد منه كراهة: رفع الصوت بالخصام بالباطل في أمور الدين؛ فإن الله ذم الجدال في الله بغير علم، والجدال بالباطل، فإذا وقع ذلك في المسجد ورفعت الأصوات به تضاعف قبحه وتحريمه.
وقد كره مالك رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره. انتهى بتصرف
قلت: ومما ورد في السنة رفع الصوت في التأمين خلف الإمام، أورد أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته
وقال الدارقطني في سننه حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان ح وحدثنا أبو محمد بن صاعد ثنا يعقوب الدورقي قالا نا عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة عن حجر بن عنبس قال سمعت وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين ومد بها صوته.
قال القرطبي في التفسير (16/ 307): وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام. وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء.
الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه، وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به. وقد نبه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]. وكلامه صلى الله عليه وسلم من الوحي، وله من الحكمة مثل ما للقرآن، إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه.
قال العلامة الاتيوبي في شرح المجتبى (9/ 55):
وحاصله أن يقال: إن رفع الصوت في المسجد إن كان فيما يتعلق به غرض ديني، أو نفع دنيوي فجائز، وإلا فلا، وعلى ذلك يدل عمل الإِمام البخاري رحمه الله في صحيحه، حيث ترجم “باب رفع الصوت في المساجد”، ثم ساق بسنده عن السائب بن يزيد، قال: “كنت قائمًا في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت، فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أنتما -أو من أين أنتما-؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“.
ثم أورد بسنده حديث كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَدٍ دينًا له عليه في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كشف سجْفَ حُجْرَته، ونادى: “يا كعب بن مالك، يا كعب”، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضَعِ الشطر من دينك، قال: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “قم فاقضه”.
الوجه الثاني: توقير النبي صلى الله عليه وسلم و احترامه و تعظيمه:
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان (5/ 52): وهذه الآية الكريمة علم الله فيها المؤمنين أن يعظموا النبي صلى الله عليه وسلم ويحترموه ويوقروه، فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، أي ينادونه باسمه: يا محمد، يا أحمد، كما ينادي بعضهم بعضا.
وإنما أمروا أن يخاطبوه خطابا يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض، كأن يقولوا يا نبي الله أو يا رسول الله ونحو ذلك.
قال السعدي في التفسير: وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطب له، صوته معه، فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره، في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه، من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال.
الوجه الثالث: من خاف أمن
بوب البخاري (باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر)، وبوب مسلم نحو تبويب البخاري باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله.
وقال إبراهيم التميمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا.
وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ([آل عمران: 135].
قال ابن رجب في الفتح (1/ 178): وممن كان يتعوذ من النفاق من الصحابة: حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري (550). وأما التابعون: فكثير، قال ابن سيرين: ما علي شيء أخوف من هذه الآية (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ([البقرة 8]. وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي. وقال معاوية بن قرة: كان عمر يخشاه وآمنه أنا (551)؟. وكلام الحسن في هذا المعنى كثير جدا.
قال النووي على مسلم (2/ 142): وكان ثابت رضي الله عنه جهير الصوت وكان يرفع صوته وكان خطيب الأنصار ولذلك اشتد حذره أكثر من غيره وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لثابت بن قيس رضي الله عنه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من أهل الجنة وفيه أنه ينبغي للعالم وكبير القوم أن يتفقد أصحابه ويسأل عمن غاب منهم.
الوجه الرابع: حبوط العمل
ورد الحبوط في النصوص على معنيين:
المعنى الاول: حبوط العمل يكون بالموت على الردة وهذا العنى متفق عليه، قال تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُم)
قال العثيمين: وفي هذه الآية دليل على أن كل من استهان بأمر الرسول – عليه الصلاة والسلام – فإن عمله حابط؛ لأن الاستهانة بالرسول – عليه الصلاة والسلام – ردَّة، والاستهزاء به ردَّة كما قال الله تعالى في المنافقين الذين كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب}. تفسير سورة الحجرات.
المعنى الثاني: حبوط العمل قد يبطل بعض الأعمال بوجود ما يفسده.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 110): فقوله: (أن يحبط عمله) أي يحرم ثواب عمله لأنه لا يثاب إلا على ما أخلص فيه وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأنه يقوي مذهب الاحباطيه الذين يقولون إن السيئات يبطلن الحسنات.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في الرد عليهم القول الفصل في هذا أن الاحباط احباطان: أحدهما: إبطال الشيء للشيء واذهابه جملة كاحباط الإيمان للكفر والكفر للإيمان وذلك في الجهتين إذهاب حقيقي.
ثانيهما: إحباط الموازنة إذا جعلت الحسنات في كفة والسيئات في كفة فمن رجحت حسناته نجا ومن رجحت سيئاته وقف في المشيئة إما أن يغفر له وإما أن يعذب فالتوقيف إبطال ما لأن توقيف المنفعة في وقت الحاجة إليها إبطال لها والتعذيب إبطال أشد منه إلى حين الخروج من النار ففي كل منهما إبطال نسبى أطلق عليه اسم الاحباط مجازا وليس هو إحباط حقيقة لأنه إذا أخرج من النار وأدخل الجنة عاد إليه ثواب عمله وهذا بخلاف قول الاحباطية الذين سووا بين الاحباطين وحكموا على العاصي بحكم الكافر وهم معظم القدرية والله الموفق.
قال ابن تيمية: و لا يحبط الأعمال غير الكفر لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة و يخرج من النار إن دخلها و لو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط و لأن الأعمال غنما يحبطها ما ينافيها و لا ينافي الأعمال مطلقا إلا الكفر و هذا معروف من أصول أهل السنة نعم قد يبطل بعض الأعمال بوجود ما يفسده كما قال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى} [البقرة: 264] و لهذا لم يحبط الله الأعمال في كتابه إلا بالكفر. الصارم المسلول (59).
و قال أيضا: قلت: الذي ينفي من الإحباط على أصول أهل السنة هو حبوط جميع الأعمال فإنه لا يحبط جميعها إلا بالكفر، وأما الفسق فلا يحبط جميعها؛ سواء فسر بالكبيرة، أو برجحان السيئات؛ لأنه لا بد أن يثاب على إيمانه فلم يحبط.
وأما حبوط بعضها وبطلانه إما بما يفسده بعد فراغه وإما لسيئات يقوم عقابها بثوابه، فهذا حق دل عليه الكتاب والسنة كقوله:
{لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [264/ 2] فأخبر أن المن والأذى يبطل الصدقة، كما أن الرياء المقترن بها يبطلها وإن كان كل منهما لا يبطل الإيمان؛ بل يبطله ورود الكفر عليه أو اقتران النفاق به.
وقوله في الحديث الصحيح: «إن الذي تفوته صلاة العصر فقط حبط عمله» وقول .. (1): «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض أو مال فليأته فليستحل منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار، وإنما فيه الحسنات والسيئات» وقوله: «ما تعدون المفلس
فيكم»؟ قالوا: المفلس من ليس له درهم ولا دينار، قال: «ليس ذلك بالمفلس وإنما المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيعطى هذا
من حسناته وهذا من حسناته فإذا لم يبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». المستدرك في المجموع (1/ 127 – 128).
سئل العثيمين رحمه الله:
السائل: قال صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله هل هذا يدل على كفر من ترك بعض الصلوات؟
الشيخ: هذه استدل بها من قال ترك صلاة واحدة توجب الكفر لأن حبوط العمل …….. لكن أجاب العلماء الآخرون قالوا المراد إما عمل ذلك اليوم أو المعنى حبط أي قارب الحبوط مثل ما يعبر إذا دخل الخلاء يعني قارب الدخول وهذا تحريف لأنهم قالوا بناءً …….. على كفر من ترك الصلاة واحدة أو لا يكفر مطلقاً بترك الصلاة والمعنى الصحيح أنه حبط عمله الذي يظهر والله أعلم إما ذلك اليوم أو حبط عمله لو صلاها فإنها لا تقبل منه. تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة.
مسألة: هل الكبائر تحبط الأعمال الصالحة؟
قال ابن رجب في الفتح (1/ 181): والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها. حتى قال حذيفة قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة. وخرجه البزار عنه مرفوعا (566). (209 – أ / ف). وعن عطاء قال: إن الرجل ليتكلم في غضبه بكلمة يهدم بها عمل ستين سنة أو سبعين سنة. وقال الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد، عنه: ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله. وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة، فقد أبطل فيما قال ولم يقف عل أقوال السلف الصالح في ذلك. نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار. وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك.
أن المعاصي والبدع تحبط أجر ما يقابلها من الحسنات على سبيل الجزاء، نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية لأكثر أهل السنة. انظر “مجموع الفتاوى” (10/ 322)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى” (10/ 321 – 322)
وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار، ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة، ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته. وكتاب الله عز وجل يفرق بين حكم السارق والزاني وقتال المؤمنين بعضهم بعضا، وبين حكم الكفار في ” الأسماء والأحكام “، والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة يدل على ذلك، وعند أهل السنة والجماعة يُتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره ” انتهى باختصار.
قال الزجاج: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} التقدير لأن تحبط، أي فتحبط أعمالكم، فاللام المقدرة لام الصيرورة وليس قوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع. كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم. الجامع لاحكام القران (16/ 308)
الوجه الخامس: فيه رد على المرجئة وغيرها من أهل البدع
(قوله باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 110):
هذا الباب معقود للرد على المرجئة خاصة وأن كان أكثر ما مضى من الأبواب قد تضمن الرد عليهم لكن قد يشركهم غيرهم من أهل البدع في شيء منها بخلاف هذا
والمرجئة بضم الميم وكسر الجيم بعدها ياء مهموزة ويجوز تشديدها بلا همز نسبوا إلى الإرجاء وهو التأخير لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان فقالوا الإيمان هو التصديق بالقلب فقط ولم يشترط جمهورهم النطق وجعلوا للعصاة أسم الإيمان على الكمال وقالوا لا يضر مع الإيمان ذنب أصلا ومقالاتهم مشهورة في كتب الأصول ومناسبة إيراد هذه الترجمة عقب التي قبلها من جهة أن أتباع الجنازة مظنة لأن يقصد بها مراعاة أهلها أو مجموع الامرين وسياق الحديث يقتضى أن الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا أي خالصا فعقبه بما يشير إلى أنه قد يعرض للمرء ما يعكر على قصده الخالص فيحرم به الثواب الموعود وهو لا يشعر.
قال ابن رجب في الفتح (1/ 117): مراد البخاري بهذا الباب: الرد عل المرجئة بأن المؤمن يقطع لنفسه بكمال الإيمان وأن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل وأنه لا يخاف على نفسه النفاق العملي مادام مؤمنا.
الوجه السادس: لا يُشْهَدَ على مُعين من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة جزماً أو من أهل النار جزماً إلا من أخبر الوحي بأنه في هذا الفريق أو في هذا الفريق.
قال الطحاوي: وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قال ابن ابي العز في شرح الطحاوية (248):: يُرِيدُ: أَنَّا لَا نَقُولُ عَنْ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَة إنه مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، إِلَّا مَنْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ أنه مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة، كَالْعَشَرَة رضي الله عَنْهُمْ. وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ: إنه لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مَنْ يَشَاءُ الله إِدْخَالَه النَّارَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَة الشَّافِعِينَ، وَلَكِنَّا نَقِفُ في الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، فَلَا نَشْهَدُ له بِجَنَّة وَلَا نَارٍ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ الحَقِيقة بَاطِنَة، وَمَا مَاتَ عليه لَا نُحِيطُ به، لَكِنْ نَرْجُو لِلْمُحْسِنينِ، وَنَخَافُ على الْمُسِيءِ.
وَلِلسَّلَفِ في الشَّهَادَة بِالْجَنَّة ثَلَاثَة أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُشْهَدَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا يُنْقَلُ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّة، وَالْأَوْزَاعِي.
والثاني: أنه يُشْهَدُ بِالْجَنَّة لِكُلِّ مُؤْمِنٍ جَاءَ فيه النَّصُّ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَالثَّالِثُ: أنه يُشْهَدُ بِالْجَنَّة لِهَؤُلَاءِ وَلِمَنْ شَهِدَ له الْمُؤْمِنُونَ، كَمَا في الصَّحِيحَيْنِ: أنه «مُرَّ بِجِنَازَة، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا بِخَيْرٍ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ:”وَجَبَتْ”، وَمُرَّ بِأُخْرَى، فَأُثْنِي عَلَيْهَا بِشَرٍّ، فَقَالَ:”وَجَبَتْ». وفي رِوَايَة: كَرَّرَ: «وَجَبَتْ”ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، مَا وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ:”هَذَا أَثْنَيْتُمْ عليه خَيْرًا وَجَبَتْ له الْجَنَّة، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عليه شَرًّا وَجَبَتْ له النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ الله في الْأَرْضِ». وَقَالَ صلى الله عليه وَسَلَّمَ: «تُوشِكُونَ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّة مِنْ أَهْلِ النَّارِ”، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ:”بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ». فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ به أَهْلُ الْجَنَّة وَأَهْلُ النَّارِ.
قال العلامة صالح الفوزان: نحن لا نشهد لأحد، مهما بلغ من الصلاح والتقى، لا نشهد له بالجنة؛ لأننا لا نعلم الغيب، ولا نحكم لأحد من المسلمين بالنار مهما عمل من المعاصي، لا نحكم عليه بالنار؛ لأننا لا ندري بما ختم له وما مات عليه، وهذا في المعيّن.
فنحن ما لنا إلا الظاهر فقط، وكذلك لا يحكم لأحد بالنار، إلا من شهد له بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء بجنة أو نار، مثل العشرة المبشرين بالجنة، وهم الخلفاء الراشدون الأربعة، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وطلحة بن عبيد الله، رضي الله عنهم. وكذلك شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، شهد له بالجنة …
الحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد لأحد بالجنة، فإننا نشهد له بالجنة، ونقطع له بالجنة، وأما غيره فلا نقطع له، ولكن نرجو له الخير. وكذلك الكافر المعين لا نحكم عليه بالنار؛ لأنه قد يتوب ويموت على التوبة، يختم له بخير، لكننا نخاف عليه، هذا من حيث التعيين.
أما من حيث العموم: فنقطع أن المسلمين في الجنة، ونقطع أن الكفار من أهل النار.
الوجه السابع: وفيه أنه ينبغي للعالم وكبير القوم أن يتفقد أصحابه ويسأل عمن غاب منهم.