973 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة خميس العميمي ومجموعة رامي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة، والمدارسة.
بإشراف سيف بن محمد بن دوره الكعبي
—————–
الصحيح المسند؛
973_قال الإمام أحمد رحمه الله654:حد ثنا وكيع ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن على رضي الله عنه لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
قال محققو مسند أحمد:
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حارثة بن مضرب، فقد روى له البخاري في “الأدب المفرد” وأصحاب السنن وهو ثقة، وإسرائيل سماعه من جده في غاية الإتقان للزومه إياه وكان خصيصا به. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 357 و358، وأبو الشيخ في “أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ” ص57 من طريق وكيع، بهذا الإسناد. وسيأتي برقم (1042) و (1347) انتهى.
معنى يلوذ في معجم المعاني الجامع
لاذَ (فعل):
لاذَ / لاذَ إلى / لاذَ بـ يلوذ، لُذْ، لَوْذًا ولَواذًا ولِواذًا ولِياذًا ولُواذًا، فهو لائذ، والمفعول مَلوذ إليه
لاذ الشَّخْصُ: هرَب: مستخفين ومستترين بعضكم ببعض
لاذ بالفرار: هرب
لاذ إلى الجبل / لاذ بالجبل: اعتصم؛ لجأ إليه واستتر به وتحصَّن
لاذ بالصَّمت: سكت، تحصَّن بالسُّكوت
لاذ الشَّخْصُ بالقوم: التجأ إليهم واستغاث بهم
لاذَ الطريقُ بالدار: أَحاط بها واتَّصل.
أحاديث في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
-قال رجل للبراء رضي الله عنه:
((يا أبا عمارة، أفررتم يوم حنين؟
قال: لا والله، ما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه وأَخِفَّاؤُهم حُسَّرًا ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن، وبني نصر، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: أنا النَّبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، ثُمَّ صفَّهم)).
رواه البخاري ومسلم.
– وعن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: ((شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها؛ إرادةَ أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم … ))
رواه مسلم.
بعض أقوال أهل العلم في الشجاعة:
وقال عمرو بن معد يكرب: “الفزعات ثلاثة: فمن كانت فزعته في رجليه، فذاك الذي لا تقله رجلاه، ومن كانت فزعته في رأسه، فذاك الذي يفر عن أبويه، ومن كانت فزعته في قلبه، فذاك الذي لا يقاتل” (الفروسية لابن القيم ص 498).
– وقال ابن تيمية: “ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشَّجَاعَة والكرم، بيَّن الله سبحانه أنَّه من تولى عنه بترك الجهاد بنفسه، أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولَّى عنه بإنفاق ماله، أبدل الله به من يقوم بذلك” (الاستقامة لابن القيم 2/ 269).
– وقال ابن القيم: “الجبن والشَّجَاعَة غرائز وأخلاق، فالجبان يفر عن عرسه، والشجاع يقاتل عمَّن لا يعرفه، كما قال الشاعر:
يفرُ جبانُ القومِ مِن أُمِ نَفسِه *** ويحمي شُجاعُ القومِ مَن لا يُناسبه
والشجاع ضد البخيل؛ لأن البخيل يضن بماله، والشجاع يجود بنفسه، كما قال القائل:
كم بين قوم إنَّما نفقاتهم *** مال وقوم ينفقون نفوسا
(الفروسية لابن القيم ص 498).
– وقال الذهبي: “الشَّجَاعَة والسخاء أخوان، فمن لم يجد بماله، فلن يجود بنفسه”
(سير أعلام النبلاء للذهبي 19/ 235).
و كتب باحث
معنى الشَّجَاعَة لغةً واصطلاحًا:
معنى الشَّجَاعَة لغةً:
الشجاعة: شدَّة القلب عند البأس، وأصل هذه المادة يدل على جرأة وإقدام. يقال: شجُع شجاعة: اشتد عند البأس.
معنى الشَّجَاعَة اصطلاحًا:
قال ابن حزم: “حد الشَّجَاعَة: بذل النفس للموت، عن الدين، والحريم، وعن الجار المضطهد، وعن المستجير المظلوم، وعن الهضيمة ظلمًا في المال، والعرض، وفي سائر سبل الحق، سواء قلَّ من يعارض أو كثر” (الأخلاق والسير لابن حزم ص 80).
الفرق بين الشَّجَاعَة وبعض الصفات:
– الفرق بين الشجاعة والقوة:
كثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة وهما متغايران، فإن الشجاعة هي ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش. وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر وغيره أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم، ويشجعهم (الفروسية لابن القيم ص 500).
– الفرق بين البسالة والشَّجَاعَة:
أنَّ أصل البسل: الحرام، فكأن الباسل يتعذَّر على أحد أو يحرم عليه، أن يصيبه في الحرب بمكروه؛ لشدته فيها وقوته. والشَّجَاعَة: الجرأة، والشُّجاع: الجريء، المقدام في الحرب ضعيفًا كان أو قويًّا، والجرأة قوة القلب الداعي إلى الإقدام على المكاره، فالشَّجَاعَة تنبئ عن الجرأة، والبسالة تنبئ عن الشدَّة (الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص 99).
– الفرق بين الشَّجَاعَة والجرأة:
أنَّ الشَّجَاعَة من القلب: وهي ثباته واستقراره عند المخاوف، وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن، فإنَّه متى ظن الظفر وساعده الصبر ثبت، كما أنَّ الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر، فلا يظن الظفر ولا يساعده الصبر. وأما الجرأة: فهي إقدام، سببه قلة المبالاة، وعدم النظر في العاقبة، بل تقدم النفس في غير موضع الإقدام معرضة عن ملاحظة العارض، فإمَّا عليها، وإمَّا لها (الروح لابن القيم ص 237 – بتصرف).
النصوص الواردة في الشجاعة:
أولًا: في القرآن الكريم
– أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالقتال في سبيله، والثبات عليه، والإقدام في الحروب، وعدم الجبن، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَاوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16].
– وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65].
قال السعدي: “يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ أي: حثهم وأنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم وينشِّط هممهم، من الترغيب في الجهاد، ومقارعة الأعداء، والترهيب من ضد ذلك، وذكر فضائل الشَّجَاعَة والصبر، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة، وذكر مضار الجبن، وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة، وأنَّ الشَّجَاعَة بالمؤمنين أولى من غيرهم” (تيسير الكريم الرحمن ص 325).
– وقال سبحانه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190].
– وأمر الله المسلمين بالثبات في الجهاد فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال:45].
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم: 2664).
قال النووي: “والمراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه، وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة، والصوم، والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك” (شرح النووي على صحيح مسلم: 4/ 2052).
– وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: «كان سعد يعلِّم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، فحدثت به مصعبًا فصدقه» (رواه البخاري: 2822).
قال المهلب: “أما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجبن، فإنَّه يؤدي إلى عذاب الآخرة؛ لأنَّه يفر من قرنه في الزحف فيدخل تحت وعيد الله لقوله: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ} [الأنفال: 16] الآية، وربما يفتن في دينه، فيرتد لجبن أدركه” (شرح البخاري لابن بطال: 5/ 35).
– وعن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم” (رواه البخاري: 7199، ومسلم: 1709).
——-
“قلت سيف: تتمات:
بوب النووي على صحيح مسلم
باب في شجاعة النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدمه للحرب؛ وأورد مسلم:
حديث أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف. وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا. قال: وجدناه بحرا، أو إنه لبحر) وكان فرسا يبطأ.
وفي رواية قال: كان بالمدينة فزع، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، يقال له: مندوب، فركبه فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحراً.
ومما ذكرنا في الفوائد المنتقاه على صحيح مسلم مما يخص بحثنا:
وأما صفاته صلى الله عليه وسلم فهو المقدم في كل صفه حميدة عرفت شرعاً أو طبعاً.
ففي الكرم … وفي الشجاعة وذكرنا النصوص السابقة وزدنا:
وقال علي رضي الله عنه: “كنا إذا أحمر البأس، ولقي القوم القومَ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب من العدو منه” أخرجه أحمد في المسند 1/ 156 وبنحوه مسلم رقم 79 كتاب الجهاد من حديث البراء رضي الله عنه.
ومن شجاعته قصته مع الأعرابي الذي اخترط سيفه وتهدده فلم يرتعد بل لما قال من يعصمك مني قال: الله.
وطعن في أحد أبي بن خلف بحربته فأرداه عن فرسه فمات عدو الله وهم قافلون به إلى مكة
وتجلت شجاعته ورباطة جأشه في رحلة الهجرة التي صحبه فيها الصديق الأعظم: أبو بكر، رضي الله عنه، فكان، بلا مرية، أشجع هذه الأمة بعد نبيها.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام:
ملاك الشجاعة، كما يقول ابن تيمية رحمه الله:
“الصبر الذي يتضمن قوة القلب وثباته ولهذا قال تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
والشجاعة قوة القلب وثباته فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال وعلى قوة القلب وخبرته به والمحمود هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
[الاستقامة، (2/ 270، 271)].
وهذه الخصلة يحتاج إليها في أمراء الحروب وقواده ومقدميه أكثر من الأولى فإن المقدم إذا كان شجاع القلب ثابتا أقدم وثبت ولم ينهزم فقاتل معه أعوانه وإذا كان جبانا ضعيف القلب ذل ولم يقدم ولم يثبت ولو كان قوي البدن.
“منهاج السنة”، (8/ 77، 78).
ويشير إلى حقيقة الشجاعة الدينية في كلمات موجزات فيقول:
“ومما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة إنما فضيلتها في الدين؛ لأجل الجهاد في سبيل الله … فشجاعة علي والزبير وخالد وأبي دجانة والبراء بن مالك وأبي طلحة وغيرهم من شجعان الصحابة إنما صارت من فضائلهم لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله فإنهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين””منهاج السنة”، (8/ 86).مختصرا
ويقول في موضع آخر:
والله سبحانه حمد الشجاعة والسماحة في سبيله كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (قيل يا رسول الله: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وقد قال سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) “.
الاستقامة، (2/ 284، 285).
وضد السماحة: الشح قال تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). ومنه حديث (إياكم والشح … )
فجعل أبو بكر يقول له: (هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك)، وهذا يدل على كمال يقين الصديق وثقته بوعد الله وثباته وشجاعته شجاعة إيمانية زائدة على الشجاعة الطبيعية.
“منهاج السنة”، (8/ 79).
وليعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع المحذور.
“منهاج السنة”، (8/ 80_82).
وتطرق ابن تيمية، رحمه الله، إلى بحث آخر فريد عن المفاضلة بين شجاعة أبي بكر، رضي الله عنه وغيره فخلص إلى أنه:
كان لأبي بكر مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية وهي قوة يقينية بالله عز و جل وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين.
والجهاد ينقسم أقساما ثلاثة:
أحدها: الدعاء إلى الله تعالى باللسان.
والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير.
والثالث: الجهاد باليد في الطعن والضرب.
فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم: فإن أبا بكر أكابر الصحاب أسلموا على يديه
وبقي القسم الثاني وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمر. منهاج السنة (8/ 87_89)
والكرم لازم الشجاعة، فمن قوي قلبه، سخت يده، فلم يخش الفقر أبدا
وكون النبي صلى الله عليه وسلم يضرب له عريش في بدر فهذا بطلب من الصحابة وهو من سياسة الحرب:
وورد في مسلم:
(والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل). اهـ
قال بعض لجان الفتوى:
وأما بقاؤه في الخيمة فكان استجابة لاقتراح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقرا لقيادته استعدادا للطوارئ وتقديرا للهزيمة قبل النصر حيث قال: يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم. انتهى
—–
وقوله (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه و سلم)
أسباب النصر في غزوة بدر:
ترجع أسباب انتصار المسلمين في هذه المعركة التاريخية الفاصلة من حيث الجوهر إلى السنن التي تشير إليها الآيات الكريمة:
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (سورة الحج -40).
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (سورة محمد -4)
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (سورة آل عمران -160).
{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الروم – 47).
وأما من حيث التفصيل فيرجع هذا النصر إلى أمور منها:
1 – شوق المسلمين إلى الشهادة في سبيل الله
2 – شدة انضباط المسلمين، وتنفيذهم أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بكل رغبة وإخلاص.
3 – صدق القيادة، وحكمتها، بل كانت قريبة من أرض المعركة، روي عن علي رضي الله عنه [50] “كنا إذا حمى البأس .. اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا”.
4 – اجتذاب القيادة لقلوب الجنود حتى قال قائلهم للرسول صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، أمض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه” [51].
5 – لقد طلع النبي صلى الله عليه وسلم على الأعداء بأسلوب جديد في القتال. وهو أسلوب الصف.