97 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد الكعبي
————
وَقَالَ أَحْمَدُ 1/ 342 (3187)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي سِمَاكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فَقُلْتُ لَهُمْ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين، فقال لعلي رضي الله عنه: «اكْتُبْ يَا عَلِيُّ هـذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«امْحُ يَا عَلِيُّ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ امْحُ يَا عَلِيُّ وَاكْتُبْ هـذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ وَقَدْ مَحَا نفسه ولم يكن محوه ذلك يمحوه مِنَ النُّبُوَّةِ أَخَرَجْتُ مِنْ هـذِهِ؟ قَالُوا نَعَمْ
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْيَمَامِيِّ بِنَحْوِهِ.
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيح المسند)
هو في الصحيح المسند 695 وعزاه لأبي داود طريق عمر بن يونس بن القاسم اليمامي أخبرنا عكرمة بن عمار أخبرنا أبو زميل حدثني عبدالله بن عباس وعزاه لأبي داود وإنما ذكر قدوم ابن عباس في حله وقوله (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل) ورواية أحمد تكلمت عن حجة ابن عباس عليهم
———–
[الصلح مع الشركين لا يسلتزم مودتهم ولا موالاتهم]
قوله (اعْتَزَلُوا) أي: عن جماعة المسلمين الذين كانوا مع علي وكانوا أولًا معهم، وقالوا: لو كان عليٌ أمير المؤمنين كيف محا اسمه ذلك من كتاب الصلح الذي جرى بينه وبين معاوية؟ (وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ) أي: اسمه ووصفه أنه رسول الله، أو هو تأكيد لفاعل محا (يُمْحَاهُ) يقال: محا يمحو ويمحى، أي: أزال (أَخَرَجْتُ) على لفظ التكلم (مِنْ هَذِهِ) المسألة، أي: أذكرت لكم جوابها، وخرجت من عهدتها. حاشية السندي على مسند الإمام أحمد.
الحرورية بفتح المهملة وضم الراء نسبة إلى حروراء وهي القرية التي كان ابتداء خروج الخوارج على علي منها قاله ابن حجر في الفتح (8/ 425).
قال ابن تيمية كما في المجموع (7/ 481): وأن قتال الخوارج مما أمر به صلى الله عليه وسلم ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة والأئمة. وهؤلاء الخوارج لهم أسماء يقال لهم: ” الحرورية ” لأنهم خرجوا بمكان يقال له حروراء ويقال لهم أهل النهروان: لأن عليا قاتلهم هناك ومن أصنافهم ” الإباضية ” أتباع عبد الله بن إباض و ” الأزارقة ” أتباع نافع بن الأزرق و ” النجدات ” أصحاب نجدة الحروري.
[و من أصول الخوارج] وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من الذنوب واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك. انتهى
وللخوارج ألقاب فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج، ومن ألقابهم: الحرورية ومن ألقابهم الشراة والحرارية ومن ألقابهم المارقة ومن ألقابهم المحكمة وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والسبب الذي له سموا خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب، والذي له سموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم: لا حكم إلا لله، والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أول أمرهم، والذي له سموا شراة قولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة. مقالات الاسلاميين (128) لأبي الحسن الأشعري.
بوب الإمام البخاري ((قوله باب الصلح مع المشركين)
قال الصنعاني: الحديث دليل على جواز المهادنة بين المسلمين وأعدائهم من المشركين مدة معلومة لمصلحة يراها الإمام وإن كره ذلك أصحابه. (سبل السلام) (2/ 500)
قال الحافظ في الفتح (7/ 504): وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليا هو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله (فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب) لبيان أن قوله (أرني إياها) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة وعلى أن قوله بعد ذلك (فكتب) فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب وبهذا جزم بن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير كقوله كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا فإن كثيرا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميا وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول وتبعه ابن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند: كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك قال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليا أن يكتب انتهى.
وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظر كبير والله أعلم.
[الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم]
قال العلامة ابن باز: الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم، بل ذلك يقتضي الأمن بين الطرفين، وكف بعضهم عن إيذاء البعض الآخر وغير ذلك، كالبيع والشراء، وتبادل السفراء .. وغير ذلك من المعاملات التي لا تقتضي مودة الكفرة ولا موالاتهم. وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ولم يوجب ذلك محبتهم ولا موالاتهم، بل بقيت العداوة والبغضاء بينهم، حتى يسر الله فتح مكة عام الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وهكذا صالح النبي صلى الله عليه وسلم يهود المدينة لما قدم المدينة مهاجراً صلحاً مطلقاً، ولم يوجب ذلك مودتهم ولا محبتهم، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يعاملهم في الشراء منهم والتحدث إليهم، ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الإسلام، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله. ولما حصل من بني النضير من اليهود الخيانة أجلاهم من المدينة عليه الصلاة والسلام، ولما نقضت قريظة العهد ومالؤوا كفار مكة يوم الأحزاب على حرب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم فقتل مقاتلتهم، وسبى ذريتهم ونساءهم، بعدما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم فحكم بذلك، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حكمه قد وافق حكم الله من فوق سبع سماوات.
وهكذا المسلمون من الصحابة ومن بعدهم، وقعت الهدنة بينهم – في أوقات كثيرة – وبين الكفرة من النصارى وغيرهم فلم يوجب ذلك مودة، ولا موالاة، وقد قال الله سبحانه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وقال سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَأَىءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقال عز وجل: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومما يدل على أن الصلح مع الكفار من اليهود وغيرهم إذا دعت إليه المصلحة أو الضرورة لا يلزم منه مودة، ولا محبة ولا موالاة: أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر صالح اليهود فيها على أن يقوموا على النخيل والزروع التي للمسلمين بالنصف لهم والنصف الثاني للمسلمين، ولم يزالوا في خيبر على هذا العقد، ولم يحدد مدة معينة، بل قال صلى الله عليه وسلم: ((نقركم على ذلك ما شئنا))، وفي لفظ: ((نقركم ما أقركم الله)) فلم يزالوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه، وروي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه لما خرص عليهم الثمرة في بعض السنين قالوا: (إنك قد جرت في الخرص، فقال رضي الله عنه: والله إنه لا يحملني بغضي لكم ومحبتي للمسلمين أن أجور عليكم، فإن شئتم أخذتم بالخرص الذي خرصته عليكم، وإن شئتم أخذناه بذلك). وهذا كله يبين أن الصلح والمهادنة لا يلزم منها محبة، ولا موالاة، ولا مودة لأعداء الله، كما يظن ذلك بعض من قل علمه بأحكام الشريعة المطهرة. وبذلك يتضح للسائل وغيره أن الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يقتضي تغيير المناهج التعليمية، ولا غيرها من المعاملات المتعلقة بالمحبة والموالاة، والله ولي التوفيق.
منقول من موقعه.
قال العلامة العباد: أورد أبو داود باباً في صلح العدو. أي: الصلح مع الكفار، والصلح مع الكفار يجوز في حال ضعف المسلمين وعدم قوتهم، وأما مع قوتهم فإنه لا يصلح أن يصالح الكفار، وإنما يكون ذلك مع الضعف كما قال الله عز وجل: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ) [محمد:35] فالصلح يجوز عند وجود ما يقتضيه من عدم قوة بالمسلمين.
كانت العادة عندما كان الشخص يخاطب غيره يمسك بلحيته، وليس هذا من باب الإهانة، وإنما هو من باب الملاطفة.
وهذا يدل على أن القيام على رأس الأمير عند حضور الكفار لا بأس به، وأن هذا من احترام الأمير، ومن المحافظة عليه، وأما إذا كان لغير ذلك فإنه لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم لما اشتكى وصلى جالساً، وصلى وراءه أناس قياماً أشار إليهم أن اجلسوا، ولما سلم قال: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) فالقيام محذور إذا كان في غير هذه الحالة، أما إذا كان في هذه الحالة فهو سائغ؛ لأن هذا حصل من المغيرة بن شعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالقيام على الرجل له حالتان: حالة فيها احترام الإمام وتوقيره، والمحافظة عليه عند الكفار، وإظهار تقديره عند الكفار. والثانية: إذا كان لغير ذلك. فهذه الحالة التي جاءت في قصة المغيرة تدل على جوازه في مثل هذه الحالة، والحديث الذي فيه: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس) يدل على أن ذلك لا يجوز.