967 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي،،
مجموعة خميس العميمي
(بإشراف: سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والإستفادة
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
”””””””””””
الصحيح المسند:
967 قال أبوداود رحمه الله حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص يعني ابن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه).
__________
حديث علي رضي الله تعالى عنه هذا في بيان كيفية المسح وموضعه.
قال بعض العلماء المعاصرين:
قوله: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)؛ لأن أسفل الخف هو الذي يباشر المشي على الأرض، لكن عند التأمل يجد الإنسان أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم موافق للعقل؛ لأن العقل الصحيح يوافق النقل الصريح؛ لأنه إذا مسح أسفل الخف اتسخت يده واحتاج إلى غسلها.
قال ابن تيمية قوله: “لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقاد إليها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه”.
وتقديم العقل دخل حتى في التفسير فترك أهل الأهواء التفسير بالمأثور وحكموا أهواءهم وانقسموا في التفسير إلى قسمين رئيسيين هما:
1 التفسير بالرأي أو المنهج العقلي في التفسير.
2 التفسير الصوفي والإشاري أو المنهج الكشفي في التفسير.
والسلف في ذمهم للآراء لم يقصدوا إلغاء العقل:
يقول ابن تيمية: “والسلف لم يذموا الكلام، فإن كل آدمي يتكلم، ولا ذموا الإستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به رسوله، والإستدلال بما بينه الله ورسوله، بل ولا ذموا كلاما هو حق. بل ذموا الكلام الباطل وهو المخالف للكتاب والسنة، وهو المخالف للعقل أيضا وهو الباطل.
وأهل الباطل الذين يقصدهم السلف بالذم؛ فرق:
أما الفريق الأول من المتكلمين فهم الذين اعتبروا متشابه القرآن محكما، ومحكمه متشابها، وعلى رأس هؤلاء الخوارج. وفي ذلك يقول ابن تيمية: ” وهؤلاء أضل ممن تمسك بما تشابه عليه من آيات الكتاب، وترك المحكم كالنصارى والخوارج وغيرهم، إذ كان هؤلاء أخذوا بالمتشابه من كلام الله وجعلوه محكما، وجعلوا المحكم متشابها”. مجموع الفتاوى 13/ 143
2 أما الفريق الثاني من المتكلمين فهم الذين وضعوا أصولا غير الكتاب والسنة، بحيث جعلوا أقوال مشايخهم البدعية محكمة يجب اتباعها والإهتداء بها، واعتبروا من خالفهم أو عارضهم فيها إما كافرا أو جاهلا. وفي ذلك يقول ابن تيمية: “وعمدة الطائفتين في الباطن غير ما جاء به الرسول، يجعلون أقوالهم البدعية محكمة يجب اتباعها واعتقاد موجبها، والمخالف إما كافر وإما جاهل لا يعرف هذا الباب، وليس له علم بالمعقول ولا بالأصول، ويجعلون كلام الله ورسوله الذي يخالفها من المتشابه الذي لا يعرف معناه إلا الله، او لا يعرف معناه إلا الراسخون في العلم. والراسخون عندهم من كان موافقا لهم على ذلك القول، وهؤلاء أضل ممن تمسك بما تشابه عليه من آيات الكتاب وترك المحكم “. مجموع الفتاوى 13/ 142
الاستناد إلى العقل وتقديمه على النقل:
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية (201): لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقاد إليها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال: من الله الرسالة ومن الرسول البلاغ وعلينا التسليم وهذا كلام جامع نافع.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة من المتأولين في هذا الباب في أمر مريج، فإن من ينكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها, وأنه مضطر فيها إلى التأويل, ومن يحيل أن لله علماً وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل، بل من ينكر حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقيين في الجنة يزعم أن العقل أحال ذلك وانه مضطر إلى التأويل، ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل.
ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل، بل منهم من يزعم أن العقل جوز وأوجب ما يدعى الآخر أن العقل أحاله. مجموع الفتاوى 5/ 28
الافتتان بالذكاء:
وقال الإمام الخطابي رحمه الله:: فنحن اليوم في ذلك الزمان وبين أهله فلا تنكرْ ما تشاهدُه منه، وسَلِ اللهَ العافيةَ من البلاء، واحمده على ما وهب لك من السلامة، ثم إني تدبرت هذا الشأن، فوجدت عظم السبب فيه؛ أن الشيطان صار بلطيف حيلته يسوّل لكل مَن أحسّ من نفسه بفضل ذكاء وذهن، يوهمه أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهرٍ من السُّنة، واقتصر على واضح بيان منها، كان أسوة العامة، وعُدَّ واحداً من الجمهور والكافة، فحرّكهم بذلك على التنطُّع في النظر، والتبدع بمخالفة السنة والأثر، ليَبينوا بذلك عن طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، واختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا في حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاء نفس، ولا قبلوها بيقين علم، ولما رأوا كتاب الله تعالى ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض، وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم، واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم، ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولسننه المأثورة عنه، وردّوها على وجوهها، وأساءوا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنة، وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث، والجهل بتأويله، ولو سلكوا سبيل القصد، ووقفوا عند ما انتهى بهم التوقيف؛ لوجدوا بَرْدَ اليقين، وروح القلوب، ولكثرت البركة، وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
واعلم أن الأئمة الماضين، والسلف المتقدمين، لم يتركوا هذا النمط من الكلام، وهذا النوع من النظر، عجزاً عنه، ولاانقطاعاً دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة، وأفهام ثاقبة؛ وكان في زمانهم هذه الشبهوالآراء، وهذه النحل والأهواء، وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا عنها؛ لما تخوفوه من فتنتها حذروه من سوء مغبتها، وقد كانوا على بينةٍ من أمرهم، وعلى بصيرةٍ من دينهم، لما هداهم الله به من توفيقه، وشرح به صدورهم من نور معرفته، ورأوا أن فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته، وتوقيف السنة وبيانها، غنى ومندوحة عما سواهما، وأن الحجة قد وقعت بهما، والعلة أُزيحت بمكانهما ….. الحجة في بيان المحجة.
وقال آخر: العقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزِن به أمور التوحيد، والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائِق الصفات الإِلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب، فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا يدل على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن العقل قد يقف عنده، ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته، فإِنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه.
والراغب الإصفهاني في كتابه ” تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين “، قد عقد فصلاً مهماً قال فيه ما نصه :
الباب العشرون: في أن من لم يختص بالشرع وعبادة الله فليس بإنسان
والعقل لن يكمل بل لا يكون عقلاً إلا بعد اهتدائه بالشرع كما تقدم ولذلك نفي العقل عن الكفار لما تعرّوا عن الهداية بالشرع في غير موضع من كتابه، والاهتداء بالشرع هو عبادة الله تعالى.
فالإنسان إذاً في الحقيقة هو الذي يعبد الله ولذلك خُلقَ كما قال الله تعالى: (وما خلقتُ الجن والإنس إلاّ ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون). وكما قال تعالى: (وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصينَ له الدين) وقال تعالى: (صمٌ بكمٌ عميٌ). فيمن لم ينتفع بهذه الأعضاء.
فالإنسان يحصل له من الإنسانية بقدر ما يحصل له من العبادة التي لأجلها خُلق، فمن قام بالعبادة حق القيام فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية فصار حيوانا أو دون الحيوان كما قال الله تعالى في وصف الكفار: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا). وقال: (إن شر الدواب عند الله الصمُّ البكُم الذين لا يعقلون). فلم يرضَ أن يجعلهم أنعاماً ودواب حتى جعلهم أضلَّ منها وجعلهم من أشرارها، وأخرج كلامهم عن جملة البيان فقال تعالى: (وما كان صلاتهم عند بيت إلا مُكاءً وتَصْدِيَة) تنبيها على أنهم كالطيور التي تمكو وتُصَدّي. انتهى مع حذف مواضع
ومن كتاب العقل عند الأصوليين اخترنا هذه المباحث:
المبحث التاسع: العقل عند السلف الصالح
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: استعراض موقفهم من العقل
بَّين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى موقف السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم من العقل وأهم ملامح هذا البيان يتجلى في أربع سمات:
السمة الأولى:
(أن العقل عندهم يحسَّن ويقبَّح):
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (القائلون بالتحسين والتقبيح من أهل السنة والجماعة من السلف والخلف يثبتون القدر والصفات ونحوهما مما يخالف فيه المعتزلة أهل السنة، ويقولون مع هذا بإثبات الحسن والقبح العقليين، … ونَفْيُ الحسن والقبح العقليين مطلقاً لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، بل ما يؤخذ من كلام الأئمة والسلف في تعليل الأحكام وبيان حكمة الله في خلقه وأمره، وبيان ما في ما أمر الله به من الحسن الذي يعلم بالعقل، وما في مناهيه من القبح المعلوم بالعقل ينافي قول النفاة).
السمة الثانية:
(أن الثواب والعقاب على حسن الفعل وقبحه ثابتان عندهم بالشرع لا بالعقل):
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة … ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحاً موجباً للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل).
السمة الثالثة:
(أن العقل عندهم لا يهتدي إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع):
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنَّة عليهم أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم، بل أشر حالاً منها، فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية، ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية).
السمة الرابعة:
(أن العقل الصريح عندهم لا يعارض النقل الصحيح):
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولا يوجد نص يخالف قياسياً صحيحاً، كما لا يوجد معقول صريح يخالف المنقول الصحيح).
ولذلك فقد ألف رحمه الله تعالى كتاباً أسماه: ” درء تعارض العقل والنقل “.
المطلب الثاني: دراسة موقف السلف الصالح من العقل:
إن العقل عند السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم موظَّف للعمل بالنصوص الشرعية، ومُسْتَثْمَر في فهم مقاصدها ومعرفة دلالاتها، وهذا من شأنه أن يحرر العقل من أسر التقليد وغل العادات حتى يكون في مستوى المكانة التي وضعه فيها الإسلام الحنيف.
ومنهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في تعاملهم مع العقل منهج يقوم على الوسطية والاعتدال، فقد عرفوا ما أعطاه الله تبارك وتعالى للعقل من مساحة يتحرك خلالها ليؤدي وظيفته التي أرادها الله عز وجل منه وهي فَهْمُ مراده سبحانه من النصوص الشرعية حتى يوجه صاحبه للعمل بها دونما زيغ أو شطط.
وجعلوا ذلك العقل في الوقت نفسه تابعاً للنقل لا يعارضه في حكم، ولا يستقل عنه بتصور، بل يستنير بنوره ويهتدي بهداه.
ولو أن من شط بعقله سلك هذا المنهج الوسطي المعتدل لسعد بهذا العقل ولما شقي به أبداً، فإن كل من قاده عقله إلى طريق الشقاء إنما كان ذلك نتيجة الغلو في تعظيم العقل ووضعه في المقام الذي لا يناسب حجمه، أو نتيجة تعطيل ذلك العقل دون استثمار لطاقاته واعتبار لقدراته اتكالاً على تقليد أعمى، أو وقوفاً عند عادة من العادات حُتّم عليه اتباعها وحُرَّم عليه اجتنابها.
المبحث العاشر: الفارق بين القياس وحجة العقل
يلاحظ أن المنكرين لحجية القياس كالظاهرية والشيعة هم من القائلين بإثبات حجة العقل، فهل هذا يعني أنَّ هناك فارقاً بين القياس والعقل؟
وإذا لم يكن هناك فارق بينهما فهل يعني هذا أنَّ هناك تناقضاً لديهم في الموقف واضطراباً في الرؤية؟
وقرر الباحث اضطرابهم
ثم ذكر خلاصة بحثه واخترنا منها:
المعتزلة يقرون بإدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبْحها، ويرتبَون على ذلك الثواب والعقاب، كما يقدَمون العقل على الشرع تقديم الأصل على الفرع.
الأشاعرة ينكرون إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقبُحها، ومرادهم من ذلك نَفْيُ أن يكون الثواب والعقاب ثابتين بالعقل.
الظاهرية يثبتون حجج العقول رغم إنكارهم القياس، ووظيفة العقل عندهم فهْمُ مراد الله تعالى من الأوامر والنواهي، دون أن يملك تحريماً أو تحليلاً أو تدخلاً فيما لا مجال له فيه.
الشيعة يجعلون العقل حجة باطنة، وسبيلاً إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار، ووافقوا المعتزلة على ترتيب الثواب والعقاب بالعقل.
العقل عند علماء السلف الصالح يحسَن ويقبَح، والثواب والعقاب عندهم ثابتان بالشرع لا بالعقل، والعقل لا يهتدي عندهم إلى تفاصيل النافع والضار إلا بالشرع، ولا يوجد في الواقع تعارض عندهم بين صريح العقل وصحيح النقل.
الفارق بين القياس وحجة العقل عند منكري القياس من الظاهرية والشيعة: أن القياس تشريع من غير إذن إلهي والحجة العقلية طريق لإثبات صِدْق المخبر في خبره حتى يحصل برد اليقين باتباعه.
لا خلاف بين المعتزلة والأشاعرة والظاهرية والشيعة والسلف الصالح في كون العقل حجة في إدراك المدركات العقلية، بل الجميع متفق على ذلك.
انفراد المعتزلة والشيعة عن الأشاعرة والظاهرية وسلف الأمة الصالح حين رتَّبوا الثواب والعقاب على مجرد إدراك العقل لحُسْن الأشياء وقُبحْها. انتهى
وقد ورد سؤال للجنة الدائمة:
أفيدونا يرحمكم الله ببيان دور العقل في فهم آيات الله عز وجل.
ج 1: لا تنافي بين الآيتين؛ لأن العقل مصدره القلب وله اتصال بالدماغ كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم، والعقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح، فإن تعارضا ففي أحدهما خللا. ثم ما كل ما جاء في النصوص يدركه العقل، فالواجب تقديم النقل؛ لأن النقل معصوم، والعقل ناقص وغير معصوم.
قال باحث:
إن الأدلة الشرعية لا تنافي ما تقتضيه العقول السليمة، وهذا الأمر مقطوع به، والأدلة عليه كثيرة، ومن أهمها:
(1) أن الأدلة الشرعية لو جاءت على خلاف ما تقتضيه العقول لكان التكليف بمقتضاها تكليفاً بما لا يطاق، وذلك من جهة التكليف بتصديق ما لا يصدقه العقل ولا يتصوره، بل يتصور خلافه ويصدقه.
(2) أن مناط التكليف هو العقل، ولذلك رفع التكليف عن فاقد العقل كالمجنون والمعتوه، ونحوهما، ولو جاءت الأدلة الشرعية على خلاف ما تقتضيه العقول لكان لزوم التكليف على العاقل أشد من لزومه على المجنون والمعتوه، لأنه لا عقل لهؤلاء يصدق أو لا يصدق، بخلاف العاقل الذي يأتيه ما لا يمكن تصديقه به.
(3) أنه لو كان كذلك لكان الكفار أول من رد الشريعة به، لأنهم كانوا في غاية الحرص على رد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كانت على خلاف ما تقتضيه العقول لقالوا: إن هذا لا يعقل، لكنهم لم يقولوا شيئاً من ذلك، فدل على موافقتها للمعقول.
وإذا ثبت أن أدلة الشريعة وأحكامها جارية على ما يوافق العقول السليمة، فإنه لا يمكن ولا يتصور أن يقع تعارض أو تناقض بين النقل الصحيح والعقل الصريح، لما سبق ذكره من ملاءمة الشريعة للعقول السليمة، وإذا حصل عند الإنسان تعارض بينهما فإن هذا التعارض إنما هو في نظر الإنسان، وليس في نفس الأمر وحقيقته والمقدم هنا هو النقل، لأن النقل الصحيح لا يعتريه ما يعتري العقل من الأهواء والآفات والأمراض.
ولأجل هذا فإن المرجع في استنباط الأحكام وتحرير الفتاوى والبحث في النواحي الشرعية هو النصوص الشرعية الصحيحة، سواء وافق ذلك عقولنا أم خالفها، لأننا في هذا المجال لا نبحث عن حكم عقولنا، وإنما نبحث عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وطريق معرفة حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلمهو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة.
ومما يؤيد هذا الأمر أن الأحكام الشرعية منها ما هو معقول المعنى وهو الكثير، ومنها ما ليس كذلك، بحيث لا يهتدي العقل إليها، بل يتلقاها المسلم بالقبول من غير أن يكون للعقل مدخل فيها، كأعداد الركعات في الصلوات، وأعداد الحصى في رمي الجمرات، والغسل من بول الجارية، والنضح من بول الغلام، ومسح أعلى الخف، وترك أسفله، وأشباه ذلك مما لا مجال للعقل فيه.
ولو جعلنا العقل حاكماً في المسائل الشرعية لما قبلنا هذا النوع من الأحكام؛ لأن العقل لا يهتدي إليها، ولا يفهم مما سبق ذكره أن الإسلام لا يجعل للعقل اعتباراً واهتماما، بل اهتم الإسلام بالعقل وأمر بإعماله في فهم سنن الله في الكون، وفي التدبر في أحكامه وشرائعه وآياته، ولذلك فإن كثيراً من الآيات تختم بما يدل على الاهتمام بالعقل نحو قوله: “أفلا تعقلون” [البقرة: 44] و”أفلا تتفكرون” [الأنعام: 50]، ونحو ذلك، إلا أن الإسلام جعل للعقل حدوداً لا يتعداها ولا يقصر عنها، وهذه الحدود موضحة في نصوص الكتاب والسنة، والمجال لا يتسع لذكرها.
ومما تحسن الإشارة إليه أن أهل العلم بحثوا هذه المسألة وتكلموا عنها في كتبهم المختلفة، ومن أهم هذه المؤلفات وأحسنها: كتاب درء تعارض العقل مع النقل، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللهوهو كتاب نادر وفريد في بابه، ينصح بالاطلاع عليه لمن أراد الاستزادة حول موضوع موافقة المعقول للمنقول.
وفي فتوى لبعض أهل العلم:
والعقل من نعم الله عز وجل على الإنسان التي ميزه بها على غيره من المخلوقات، وعقل الإنسان له حدود لا يصح أن يتجاوزها، قال أبو القاسم الأصبهاني: [العقل نوعان: عقلٌ أُعين بالتوفيق، وعقلٌ كِيدَ بالخذلان، فالذي أعين بالتوفيق يدعو صاحبه إلى موافقة الأمر المفترض بالطاعة، والانقياد لحكمه، والتسليم به، والعقل الذي كيد يطلب بِتَعَمُّقِه الوصول إلى علم ما استأثر الله بعلمه وحجب أسرار الخلق عن فهمه، حكمةً منه بالغة].
وينبغي أن يعلم أن تقديس العقل وإنزاله في غير منزلته الصحيحة أمر مرفوض شرعاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والداعون إلى تمجيد العقل إنما هم في الحقيقة يدعون إلى تمجيد صنم سموه عقلاً، وما كان العقل وحده
كافياً في الهداية والإرشاد، وإلا لما أرسل الله الرسل] موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول 1/ 21.
كما ينبغي التنبيه على أن شريعة الإسلام لا تعارض العقل السليم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، فالعقلاء متفقون على أن العقل الصريح لا يخالف نقلاً صحيحاً] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/ 338.
وقال العلامة ابن القيم: [كيف ينقدح في ذهن المؤمن أن في نصوص الوحي المنزلة من عند الله عز وجل ما يخالف العقول السليمة؟! بل كيف ينفك العقل الصريح عن ملازمة النص الصحيح؟! بل هما أخوان لا يفترقان، وصل الله بينهما في كتابه، وإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذنا بالنقل الصحيح، ورُمي بهذه العقول تحت الأقدام، وحُطَّت حيث حطها الله وأصحابها، فكيف يُظن أن شريعة الله الكاملة، ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم] الصواعق المرسلة 2/ 458 459.
وقال الإمام الشاطبي: [العقل لا يُجعل حاكماً بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع، بل الواجب أن يقدم ما حقه التقديم وهو الشرعويؤخر ما حقه التأخير وهو نظر العقلأنه لا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل؛ لأنه خلاف المعقول والمنقول] الاعتصام 2/ 326.
وبناءً على ما سبق فإن العقل لا مدخل له في أمور العقيدة والغيبيات وكذا الأحكام التعبدية كصلاة المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً ونحو ذلك،
[واعلم: أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الإتباع والمأثور تبعاً للمعقول، وأما أهل السنة، قالوا: الأصل في الدين الإتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول لجاز للمؤمنين أن لا يقبلوا شيئاً حتى يعقلوا] الحجة في بيان المحجة 1/ 320
قال صاحبنا ناصر الريسي:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فيأخذ المسلمون جميعَ دينهم من الاعتقادات والعبادات وغير ذلك = من كتاب الله وسنة رسوله ل وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. وليس ذلك مخالفًا للعقل الصريح، فإنّ ما خالف العقل الصريح فهو باطل، وليس في الكتاب والسنة والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعض الناس، أو يفهمون منها معنى باطلًا، فالآفة منهم لا من الكتاب والسنة. فإن الله تعالى قال: ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ” “.
[مجموع الفتاوى، 490/11 491]
يأخذ من السنة ما زاد على القرآن:
عند الزرقاني في شرح الموطأ في معرض رده على الأحناف في عدم الأخذ بالشاهد واليمين في القضاء:
وهذا جهل وعناد وكيف يكون خلافه يعني القرآن وهو زيادة بيان كنكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم} سورة النساء الآية 24 وكالمسح على الخفين وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع مع قوله {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} سورة الأنعام الآية 145 اهـ.
تنبيه: أحاديث العقل وأن الله خلقه وقال قم فقام …. ما خلقت خلقا هو خير منك …. بك آخذ وبك اعطي وبك اعرف لك الثواب وعليك العقاب ..
فلا يصح حديث في العقول قرر ذلك ابن الجوزي وابن القيم والعقيلي وابن حبان والسخاوي.
وقد أخرج الحارث في مسنده عن داود بن المحبر في للعقل بضعا وثلاثين حديثا؛ قال ابن حجر: كلها موضوعة.
وراجع اول حديث في السلسلة الضعيفة