96 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة أبي عيسى عبدالله البلوشي وعبدالله المشجري وأبي علي الحوسني وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
96 – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج 8 ص 451): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أخبرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (1) قَالَ حَمَّادٌ هَكَذَا وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بِطَرَفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أُنْمُلَةِ إِصْبَعِهِ الْيُمْنَى قَالَ فَسَاخَ الْجَبَلُ {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} (2).
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ … نَحْوَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
* وقد أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” (ج 3 ص 125) فقال: حدثنا أبو المثني معاذ بن معاذ العنبري قال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله تعالى {فلما تجلى ربه للجبل} قال قال هكذا -يعني أنه أخرج طرف الخنصر-. قال أبي: أرانا معاذ قال فقال له حميد الطويل ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتقول أنت ما تريد إليه!
—————–
أولًا: دراسة الحديث رواية:
1- الحكم على حديث الباب:
* الحديث في المختارة 1672.
* جاء في علل ابن أبي حاتم 1759- وسئل أبو زرعة ، عن حديث ، رواه أبو سلمة المنقري عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس موقوفا فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال ساخ الجبل.
ورواه عبد الصمد بن عبد الوارث ومحمد بن كثير العبدي كلاهما عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فلما تجلى ربه للجبل وذكر الحديث.
قال أبو زرعة كان أبو سلمة يقول قبلنا عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فلما قرأت عليه لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح مرفوعا.
* وذكر محقق علل ابن أبي حاتم بعد كلام أبي زرعة السابق: “وذكر الحافظ ابن كثير بعض طرقه في “تفسيره” (3/466-467) وقال: «ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، عن محمد بن علي بن سويد، عن أبي القاسم البغوي، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره، وقال: هذا إسناد صحيح لا علة فيه» . اهـ.”
* جاء في الفوائد المجموعة للشوكاني ص 455: 10 – حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( فلما تجلى ربه للجبل ) أشار بأصبعه فمن نورها جعله دكا رواه ابن عدي عن أنس مرفوعا وفي إسناده أيوب بن خوط متروك الحديث وقد أخرجه الطبراني من وجه آخر بلفظ ( فلما تجلى ربه للجبل ) قال تجلى له بخنصره وأخرجه أيضا ابن مردويه وأخرجه أحمد في مسنده والترمذي وقال حسن صحيح والحاكم في المستدرك والضياء في المختارة وصححه كلهم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) قال أخرج خنصره على إبهامه فساخ الجبل فالعجب من ابن الجوزي حيث أدخل هذا الحديث في موضوعاته وقد أخرج له الحاكم شاهدا وصححه عن ابن عباس قال تجلى منه مثل طرف الخنصر فجعل الجبل دكا
* صححه الألباني في سنن الترمذي 3074.
* قال محققو المسند (19/281): ” إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم. ”
* جاء في مستدرك الحاكم 66 عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ} [الأعراف: 143] «بَدَا مِنْهُ قَدْرُ هَذَا» قال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
وفي الحديث رقم 3249 قَالَ حَمَّادٌ: هَكَذَا وَوَضَعَ الْإِبْهَامَ عَلَى مَفْصِلِ الْخِنْصَرِ الْأَيْمَنِ، قَالَ: فَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ: فَضَرَبَ ثَابِتٌ صَدْرَ حُمَيْدٍ ضَرْبَةً بِيَدِهِ وَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ بِهِ وَأَنَا لَا أُحَدِّثُ بِهِ؟» قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وقال الذهبي: على شرط مسلم.
ثانيًا: ما ورد في هذا الباب:
* عَنِ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ طَارَتْ لِعَظَمَتِهِ سِتَّةُ أَجْبُلٍ فَوَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ أُحُدٌ، وَوَرْقَانُ، وَرَضْوَى، وَوَقَعَ بِمَكَّةَ [ص:315] ثَوْرٌ، وَثَبِيرٌ، وَحِرَاءٌ» قال أبو نعيم في الحلية (6/314): ” غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، وَالْجَلْدُ، وَمُعَاوِيَةُ الضَّالُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ الْمَخْزُومِيُّ”.
– وقال محقق تفسير ابن كثير ت سلامة (3/471): “ورواه ابن الأعرابي في معجمه (166/2) والمحاملي في أماليه (1/172/1) كما في االسلسة الضعيفة للشيخ ناصر الألباني برقم (162) والخطيب االبغدادي في تاريخ بغداد (10/441) كلهم من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عبد الله به.
قال الخطيب: “هذا الحديث غريب جدا لم أكتبه إلا بهذا الإسناد” وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1/120) وقال: “قال ابن حبان: موضوع، وعبد العزيز متروك يروى المناكير عن المشاهير”.”
* جاء في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (7/ 95) 11017 – قوله تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا }عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لما تجلى الله لموسى بن عمران تطايرت سبعة أجبال ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن اثنان وفي الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان وفي اليمن حصور وصبر
رواه الطبراني في الأوسط وفيه طلحة بن عمرو المكي وهو متروك
* جاء في السنة لابن أبي عاصم 484: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قَالَ: مَا تَجَلَّى عَنْهُ إِلا مثل الخنصر قال: فجعله {دَكّاً} قَالَ: تُرَابًا {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} مِنْ أَنْ أَسْأَلَكَ الرُّؤْيَةَ {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِكَ من بني إسرائيل.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في ظلال الجنة (1/212):
484- إسناده ضعيف حسين بن الأسود هو الحسين بن علي بن الأسود العجلي أبو عبد الله الكوفي صدوق يخطىء كثيرا كما قال الحافظ في “التقريب”.
وسائر رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أسباط وهو ابن نصر يخطىء كثيرا. والحديث أخرجه الطبري في “تفسيره” 9/37: حدثني الحسين بن محمد بن عمرو العنقزي قال: ثني أبي قال: ثنا أسباط به دون قوله: {فَلَمَّا أَفَاقَ … } . ولكنه ساق شطره الأخير في مكان آخر 9/39 بهذا الإسناد. ومنه تبين لي أن قوله في الموضع “الأول” الحسين بن محمد بن عمرو من المقلوب وكذلك وقع في طبعة شاكر 13/97 والصواب: الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي وكذلك على الصواب وقع في الموضع الثاني في طبعة شاكر 13/104 والحسين هذا قال أبو حاتم: لين يتكلمون فيه. وقال أبو زرعة: كان لا يصدق.
ثانيًا: دراسة الحديث دراية:
1- تبويبات الأئمة على حديث الباب وما في معناه:
* بوب البخاري في صحيحه 4638 بَابُ {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ، قَالَ: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ” أَرِنِي: أَعْطِنِي ” عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ فِي وَجْهِي، قَالَ: «ادْعُوهُ» فَدَعَوْهُ، قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِاليَهُودِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، فَقُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ، قَالَ: «لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ»
* أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق 227 تحت باب تعظيم ذكر الله عز وجل.
* أخرج ابن بطة هذا الحديث في الإبانة الكبرى 272 (7/326): في باب جامع من أحاديث الصفات رواها الأئمة، والشيوخ الثقات، الإيمان بها من تمام السنة، وكمال الديانة، لا ينكرها إلا جهمي خبيث.
* بوب ابن خزيمة في صحيحه (1/254) باب ذكر البيان أن الله عز وجل في السماء.
* بوب ابن أبي عاصم في السنة (1/210): باب في ذكر تجلي ربنا عز وجل للجبل عند كلامه لموسى عليه السلام.
2- شرح الحديث:
* قال ابن الأثير في جامع الأصول (2/139): ” فساخ: ساخت قوائم الدابة في الأرض: إذا غاصت. فخر: خر إلى الأرض: إذا سقط لوجهه. صعقا: الصعقة: الغشي و الموت”.
* أورد ابن بطة في الإبانة الكبرى 105 (7/139): ” قال عبد الله بن المبارك: إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وزعم الجهمي أن الله لا يخلو منه مكان، وقد أكذبه الله تعالى، ألم تسمع إلى قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: 143]؟ فيقال للجهمي: أرأيت الجبل حين تجلى له؟ وكيف تجلى للجبل وهو في الجبل؟.
* قال ابن خزيمة في صحيحه (1/254): ” باب ذكر البيان أن الله عز وجل في السماء كما أخبرنا في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه عليه السلام، وكما هو مفهوم في فطرة المسلمين، علمائهم وجهالهم، أحرارهم ومماليكهم، ذكرانهم وإناثهم، بالغيهم وأطفالهم، كل من دعا الله جل وعلا: فإنما يرفع رأسه إلى السماء ويمد يديه إلى الله، إلى أعلاه لا إلى أسفل قال أبو بكر: قد ذكرنا استواء ربنا على العرش في الباب قبل، فاسمعوا الآن ما أتلو عليكم من كتاب ربنا الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب، مما هو مصرح في التنزيل أن الرب جل وعلا في السماء، لا كما قالت الجهمية المعطلة: إنه في أسفل الأرضين فهو في السماء عليهم لعائن الله التابعة قال الله تعالى: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} [الملك: 16] وقال الله تعالى: {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} [الملك: 17] ، أفليس قد أعلمنا – يا ذوي الحجا – خالق السماوات والأرض، وما بينهما في هاتين الآيتين: أنه في السماء وقال عز وجل: {إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] ، أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا والألباب أن الرب جل وعلا فوق من يتكلم بالكلمة الطيبة، فتصعد إلى الله كلمته؟، لا كما زعمت المعطلة الجهمية أنه تهبط إلى الله الكلمة الطيبة كما تصعد إليه ألم تسمعوا يا طلاب العلم، قوله تبارك وتعالى لعيسى ابن مريم: {يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} [آل عمران: 55] ، أليس إنما يرفع الشيء من أسفل إلى أعلى، لا من أعلى إلى أسفل؟ وقال الله عز وجل: {بل رفعه الله إليه} [النساء: 158] ، ومحال أن يهبط الإنسان من ظهر الأرض إلى بطنها، أو إلى موضع أخفض منه وأسفل فيقال: رفعه الله إليه، لأن الرفعة في لغة العرب – الذين بلغتهم خوطبنا – لا تكون إلا من أسفل إلى أعلى وفوق ألم تسمعوا قول خالقنا جل وعلا يصف نفسه: {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام: 18] ، أو ليس العلم محيطا، إن الله فوق جميع عباده، من الجن والإنس، والملائكة، الذين هم سكان السماوات جميعا؟ أو لم تسمعوا قول الخالق البارئ {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة، والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النحل: 50] فأعلمنا الجليل جل وعلا في هذه الآية أيضا أن ربنا فوق ملائكته، وفوق ما في السماوات، وما في الأرض، من دابة، أعلمنا أن ملائكته يخافون ربهم الذي فوقهم والمعطلة تزعم أن معبودهم تحت الملائكة، ألم تسمعوا قول خالقنا: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} [السجدة: 5] ، أليس معلوما في اللغة السائرة بين العرب التي خوطبنا بها وبلسانهم نزل الكتاب، أن تدبير الأمر من السماء إلى الأرض، إنما يدبره المدبر، وهو في السماء لا في الأرض، كذلك مفهوم عندهم: أن المعارج: المصاعد، قال الله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج: 4] ، وإنما يعرج الشيء من أسفل إلى أعلى وفوق، لا من أعلى إلى دون وأسفل، فتفهموا لغة العرب لا تغالطوا وقال جل وعلا: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] فالأعلى: مفهوم في اللغة: أنه أعلى شيء، وفوق كل شيء، والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه، أعلمنا أنه العلي العظيم، أفليس العلي يا ذوي الحجا ما يكون عليا، لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل، ووسط، ومع كل شيء، وفي كل موضع من أرض وسماء، وفي أجواف جميع الحيوان ولو تدبروا آية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها: لعقلوا أنهم جهال، لا يفهمون ما يقولون، وبأن لهم جهل أنفسهم، وخطأ مقالتهم وقال الله تعالى لما سأله كليمه موسى عليه السلام أن يريه ينظر إليه قال: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} [الأعراف: 143] إلى قوله: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف : 143] أفليس العلم محيطا يا ذوي الألباب أن الله عز وجل لو كان في كل موضع، ومع كل بشر وخلق كما زعمت المعطلة، لكان متجليا لكل شيء، وكذلك جميع ما في الأرض، لو كان متجليا لجميع أرضه سهلها ووعرها وجبالها، وبراريها ومفاوزها، ومدنها وقراها، وعمرانها وخرابها، وجميع ما فيها من نبات، وبناء لجعلها دكا كما جعل الله الجبل الذي تجلى له دكا، قال الله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: 143] ”
ثم أورد حديث الباب ثم قال: ” فاسمعوا ياذوي الحجا دليلا آخر من كتاب الله: أن الله جلا وعلا في السماء، مع الدليل على أن فرعون مع كفره وطغيانه قد أعلمه موسى عليه السلام بذلك، وكأنه قد علم أن خالق البشر في السماء [ص:264] ألا تسمع قول الله يحكي عن فرعون قوله: {يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى} [غافر: 37] ففرعون عليه لعنة الله يأمر ببناء صرح، فحسب أنه يطلع إلى إله موسى، وفي قوله: {وإني لأظنه كاذبا} [غافر: 37] ، دلالة على أن موسى قد كان أعلمه أن ربه جل وعلا أعلى وفوق وأحسب أن فرعون إنما قال لقومه: {وإني لأظنه كاذبا} [غافر: 37] ، استدراجا منه لهم، كما خبرنا جل وعلا في قوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14] فأخبر الله تعالى: أن هذه الفرقة جحدت – يريد بألسنتهم – لما استيقنتها قلوبهم، فشبه أن يكون فرعون إنما قال لقومه: {وإني لأظنه كاذبا} [غافر: 37] وقلبه: أن كليم الله من الصادقين، لا من الكاذبين، والله أعلم، أكان فرعون مستيقنا بقلبه على ما أولت أم مكذبا بقلبه ظانا أنه غير صادق وخليل الله إبراهيم عليه السلام عالم في ابتداء النظر إلى الكواكب والقمر والشمس أن خالقه عال فوق خلقه حين نظر إلى الكواكب والقمر والشمس، ألا تسمع قوله: {هذا ربي} [الأنعام: 76] ، ولم يطلب معرفة خالقه، من أسفل، إنما طلبه من أعلى مستيقنا عند نفسه أن ربه في السماء لا في الأرض “.
* قال ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد (2/889) بعد أن أخرج حديث: عن أبي قلابة، عن النعمان وهو ابن بشير قال: انكسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج يجر ثوبه فزعا حتى أتى المسجد، فلم يزل يصلي حتى انجلت، فلما انجلت قال: «إن أناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت أحد عظيم من العظماء، وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل، والله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة» [ص:890] قال أبو بكر: معنى هذا الخبر يشبه بقوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: 143] الآية أن أبا قلابة لا نعلمه سمع من النعمان بن بشر شيئا ولا لقيه. انتهى
وحكم الألباني بالضعف على حديث النعمان كما في ضعيف الجامع.
* جاء في موسوعة الألباني في العقيدة (9/341): “[1638] باب معاني “الصعق” في القرآن
[قال ابن أبي عاصم في “السنة”]:
حدثنا أزهر بن مروان صاحب النَّوَى ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس في قوله:
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قال: أشار إليه بيده أو قال: بأصبعه، فتعفر الجبل بعضه على بعض {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي: ميتاً.
[قال الإمام]: (إسناده صحيح).
[وعلق على قول قتادة: أي: ميتًا بقوله]:
كذا قال قتادة رحمه الله تعالى، ولعله يعني: كالميت، وإلا فظاهره مخالف للقرآن وتفسير ابن عباس الآتي بعد حديث، ولذلك قال الحافظ ابن كثير: والمعروف أن الصعق هو الغشي هنا كما فسره ابن عباس وغيره لا كما فسره قتادة بالموت، وإن كان ذلك صحيحاً في اللغة كقوله تعالى: {وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (الزمر:68) فإن هناك قرينة تدل على الموت كما أن هناك قرينة تدل على الغشي, وهي قوله: {فلما أفاق} والإفاقة لا تكون إلا عن غشي.
“ظلال الجنة في تخريج السنة” (ص 196).”
* قال ابن حجر في فتح الباري (6/430): “ساق في رواية كريمة الآيتين كلتيهما وقوله وأتممناها بعشر فيه إشارة إلى أن المواعدة وقعت مرتين وقوله صعقا أي مغشيا عليه قوله يقال دكة زلزلة هذا ذكره هنا لقوله في قصة موسى عليه السلام فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال أبو عبيدة جعله دكا أي مستويا مع وجه الأرض وهو مصدر جعل صفة ويقال ناقة دكاء أي ذاهبة السنام مستو ظهرها ووقع عند بن مردويه مرفوعا ان الجبل ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة وسنده واه وأخرجه بن أبي حاتم من طريق أبي مالك رفعه لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بمكة حرى وثور وثبير وثلاثة بالمدينة أحد ورضوى وورقان وهذا غريب مع إرساله”.
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (26/457): “(أم جوزي بصعقة الطور) التي حصلت في الدنيا، كما قال الله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143] فحصل له الصعق مرتين: مرة في الدنيا، ومرة في يوم القيامة، هذا إن حصل له الصعق في الآخرة، وإن لم يحصل له الصعق في الآخرة، بل سلم من ذلك الصعق، فيكون جوزي بصعقة يوم الطور التي حصلت له في الدنيا، والتي ذكرها الله عز وجل في القرآن: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ [الأعراف:143]، فيكون شأن موسى بالنسبة لهذا الصعق الذي حصل للناس إما أنه حصل له ما حصل لهم، أو أنه لم يحصل له ذلك ولكن حصل له شيء في الدنيا مثله، فجوزي عن تلك الصعقة التي في الدنيا بأنه سلم من هذه الصعقة في الآخرة، وقد جاء في هذا رواية: (أو كان ممن استثنى الله)، فإما أن يكون المقصود به أنه استثني فلم يصعق؛ لأنه قد حصل له ذلك في الدنيا كما جاء في الحديث الآخر، أو يكون المقصود منه: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68]، لكن هذه الصعقة التي في هذه الآية المراد بها صعقة الموت لمن كان حياً في آخر الزمان، فهناك صعقة الموت، ثم صعقة البعث، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68] أي: ممن لم يشأ الله أن يحصل له الموت، كالذين خلقوا في الجنة ولم يشأ الله موتهم كالحور العين، فإنهن خلقن للبقاء في الجنة، فلا يحصل لهن موت فيكن ممن استثني. وهذا نقله شارح الطحاوية عن أبي الحجاج المزي ، وقال به أيضاً ابن كثير ، فذكروا أن الصعق إنما هو في الآخرة عندما يأتي الله لفصل القضاء، وأن موسى عليه الصلاة والسلام إما أن يكون صعق مرة أخرى يوم القيامة فيفيق قبل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه لم يصعق ولكنه جوزي بصعقة الدنيا عندما تجلى الله عز وجل للجبل وخر موسى صعقاً، كما جاء ذلك مبيناً في سورة الأعراف.”
* قال ابن الملقن في التوضيح (15/472): “ومعنى (يصعقون): يخرون صراعا بصوت يسمعونه يوجب فيهم ذلك. و (الصعق): الغشيان أو الموت، وقيل: الإغماء من الفزع.
وقوله: (“فإذا موسى باطش جانب العرش”) أي: قابض عليه بيده.
وقوله: (“أو كان ممن استثنى”) يريد قوله: إلا من شاء الله، أي: لا يصعق.
وقال الداودي: معنى (“أو كان ممن استثنى الله”)، أي: كان ليثانيا (1) في الإفاقة، وحمل بعض الناس أن الصعقة في الموقف، ومن استثنى هم الشهداء وهو بعيد أن يصعق الرسل في الموقف، والله تعالى أمنهم فيه حيث قال: {وهم من فزع يومئذ آمنون} [النمل: 89] ويستحيل أن يصعق الأنبياء ولا يصعق الشهداء.
وقال عبد الملك في قوله: “أو كان ممن استثنى الله” إشكال ولا يدرى ممن قال الله أم لا؛ لأن هذا هو الصعق الأول وهو الذي استثنى الله فيه، وأما صعق البعث فلا استثناء فيه والنبي – صلى الله عليه وسلم – أخبر أنه صعق البعث.
وقوله: صعق البعث غير بين؛ لأن النفخة الثانية لا تسمى صعقة وإنما تسمى صعقة الأولى.
وقوله: (“فلا أدري كان فيمن صعق أو حوسب بصعقته الأولى”)، أنكره الداودي كما سلف، واستدل بهذا الحديث. قال: فأخبر فيه أن الصعقة قبل انشقاق الأرض عنه وهي النفخة الأولى في الصور، فيصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله وهو جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل، وزاد كعب: حملة العرش (1).
ورواه أنس مرفوعا: “ثم يموت الثلاثة الأول، ثم ملك الموت بعدهم وملك الموت يقبضهم، ثم يميته الله” (2) فكيف يصعق موسى بتلك الصعقة وقد مات قبل ذلك؟ قال: واعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض وأنه لم يعلم حين أفاق هل أفاق قبل موسى أو كان له ثانيا؟ قال: وإن كان المحفوظ أم جوزي بصعقة طور سيناء يريد فلم يصعق، وعوفي لأجلها.
وروى أنس مرفوعا: “آخرهم موتا جبريل” وقال سعيد بن جبير: إلا من شاء الله، الشهداء مقلدين بالسيوف (3) حول العرش، والصعق والصعقة: الهلاك والموت، يقال منه: صعق الإنسان -بفتح الصاد وضمها- وأنكر بعضهم الضم.
وقال ابن عباس فيما حكاه ابن جرير: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: 143]: ترابا، {وخر موسى صعقا} [الأعراف: 143] مغشيا عليه. وفي رواية: “فلم يزل صعقا ما شاء الله” (1). وهو في حديث أبي سعيد بالموت أشبه كما قال ابن الجوزي، ويؤيده قول قتادة وابن جريج فيما حكاه ابن جرير: صعقا: ميتا (2). وقال الأزهري: في قوله: {فلمآ أفاق} دليل على الغشي؛ لأنه يقال للذي غشي عليه والذي يذهب عقله: قد أفاق، وفي الميت: بعث ونشر، قال تعالى: {ثم بعثناكم من بعد موتكم} (3) [البقرة: 56]. وكذا قاله ابن سيده (4) وغيره. قال القزاز: ولا يقال: صعق، ولا: وهو مصعوق.
وقوله: (“فأكون أول من يفيق”)، وفي لفظ: “أول من تنشق عنه الأرض” هو مشكل، كما قال القرطبي بالمعلوم من الأحاديث الدالة على أن موسى قد توفي وأنه – عليه السلام – رآه في قبره.
ووجه الإشكال أن نفخة الصعق إنما يموت بها من كان حيا في هذه الدار، وأما من مات فيستحيل أن يموت ثانيا، وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث، وموسى قد مات، فلا يصح أن يموت مرة أخرى، ولا يصح أن يكون مستثنى من نفخة الصعق؛ لأن الأنبياء أحياء لم يموتوا ولا يموتون، ولا يصح استثناءهم من الموتى، وقد قال بعضهم: يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من الأنبياء وهو باطل (5).
ويحتمل كما قال القاضي: أن يكون المراد بهذه الصعقة صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السموات والأرض (6)، ويحتمل كما قال النووي: مغشيا عليه. وفي رواية: “فلم يزل صعقا ما شاء الله” (1). وهو في حديث أبي سعيد بالموت أشبه كما قال ابن الجوزي، ويؤيده قول قتادة وابن جريج فيما حكاه ابن جرير: صعقا: ميتا (2). وقال الأزهري: في قوله: {فلمآ أفاق} دليل على الغشي؛ لأنه يقال للذي غشي عليه والذي يذهب عقله: قد أفاق، وفي الميت: بعث ونشر، قال تعالى: {ثم بعثناكم من بعد موتكم} (3) [البقرة: 56]. وكذا قاله ابن سيده (4) وغيره. قال القزاز: ولا يقال: صعق، ولا: وهو مصعوق.
وقوله: (“فأكون أول من يفيق”)، وفي لفظ: “أول من تنشق عنه الأرض” هو مشكل، كما قال القرطبي بالمعلوم من الأحاديث الدالة على أن موسى قد توفي وأنه – عليه السلام – رآه في قبره.
ووجه الإشكال أن نفخة الصعق إنما يموت بها من كان حيا في هذه الدار، وأما من مات فيستحيل أن يموت ثانيا، وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث، وموسى قد مات، فلا يصح أن يموت مرة أخرى، ولا يصح أن يكون مستثنى من نفخة الصعق؛ لأن الأنبياء أحياء لم يموتوا ولا يموتون، ولا يصح استثناءهم من الموتى، وقد قال بعضهم: يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من الأنبياء وهو باطل .
ويحتمل كما قال القاضي: أن يكون المراد بهذه الصعقة صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السموات والأرض ، ويحتمل كما قال النووي: أنه – عليه السلام – قال هذا قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره، وإن كان نبينا أول من تنشق عنه الأرض فيكون موسى من تلك الزمرة وهي -والله أعلم- زمرة الأنبياء .
فإن قلت: إذا جعلت له تلك عوضا من الصعقة فيكون حيا حالة الصعق وحينئذ لم يصعق.
فالجواب: أن الموت ليس بعدم، إنما هو انتقال من دار إلى دار، بيانه أن الشهداء بعد قتلهم ودفنهم أحياء عند ربهم، وإذا كان هذا للشهداء، كان الأنبياء بذلك أحق وأولى مع أنه قد صح عنه – عليه السلام – أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، وأنه اجتمع بهم ليلة الإسراء ببيت المقدس والسماء خصوصا موسى ، فتحصل من جملة هذا القطع، بأنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة، فإنهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامته، فإذا تقرر أنهم أحياء فيما بين السموات والأرض، وإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله، وأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه غشي، فإذا نفخ ثانيا، فمن مات حيي ومن غشي عليه أفاق، ويحصل من هذا أن نبينا تحقق أنه أول من يفيق، وأول من يخرج من قبره قبل الناس كلهم الأنبياء وغيرهم إلا موسى، فإنه حصل له فيه تردد، هل بعث قبله أو بقي على الحالة التي كان عليها؟ وعلى أي الحالتين فهي فضيلة عظيمة لموسى ليست لغيره.
قلت: وقد يقال: إن نبينا لما يرفع بصره حين الإفاقة يكون إلى جهة من جهات العرش، ثم يرفع ثانيا إلى جهة أخرى منه فيجد موسى وبه يلتئم: “أنا أول من تنشق عنه الأرض” وإن قدر الله الوصول إلى كتاب: الحشر نزيد ذلك إيضاحا مع أن هذا كاف.”
* قال ابن كثير في تفسيره (3/473): “وَقَوْلُهُ: “فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الصَّعْقَ يَكُونُ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، يَحْصُلُ أَمْرٌ يُصْعَقُونَ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا جَاءَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَتَجَلَّى لِلْخَلَائِقِ الْمَلِكُ الدَّيَّانُ، كَمَا صَعِقَ مُوسَى مِنْ تَجَلِّي الرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ، وَلِهَذَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: “فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ”؟
وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ “الشِّفَاءِ” بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يُبْصِرُ النَّمْلَةَ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، مَسِيرَةَ عَشَرَةِ فَرَاسِخَ” ثُمَّ قَالَ: “وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا أَنَّ يَخْتَصَّ نَبِيًّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، بَعْدَ الْإِسْرَاءِ وَالْحَظْوَةِ بِمَا رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.
انْتَهَى مَا قَالَهُ، وَكَأَنَّهُ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، وَلَا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَجَاهِيلَ لَا يُعْرَفُونَ، وَمِثْلُ هَذَا إِنَّمَا يُقْبَلُ مِنْ رِوَايَةِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.”
قال الإمام أحمد كما في (مجموع الفتاوى) (5/ 257) لشيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وهو الذي كَلَّم موسى تكليماً، *وتَجَلَّى للجبل فجعله دكاً*، ولا يماثله شيءٌ من الأشياء في شيءٍ من صفاته، فليس كَعِلمه علمُ أحدٍ، ولا كقدرته قدرةُ أحدٍ، ولا كرحمته رحمةُ أحدٍ، ولا كاستوائه استواء أحدٍ، ولا كسمعه وبصره سمع أحدٍ ولا بصره، ولا كتكليمه تكليم أحدٍ، *ولا كَتَجَلِّيِهِ تَجَلِّي أحدٍ*.
قال ابن عبدالبر في التمهيد (7/ 153): وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَنْزِل ربُّنَا إلى السماء الدنيا)) *عندهم مثل قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ومثل قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً [الفجر:22] كلهم يقول يَنْزِل ويَتَجَلَّى ويجيء، بلا كيف، لا يقولون: كيف يجيء وكيف يَتَجَلَّى وكيف يَنْزِل، ولا من أين جاء ولا من أين تَجَلَّى ولا من أين يَنْزِل*، لأنه ليس كشيءٍ من خلقه، وتعالى عن الأشياء، ولا شريك له، *وفي قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ دلالةٌ واضحةٌ أنه لم يكن قبل ذلك متجلِّيَاً للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التَنْزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فلينظر في تفسير بقيُّ بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق*
قال ابن منظور في (لسان العرب): قال الزجاج: تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أي: ظهر وبان قال: وهذا قول أهل السنة والجماعة وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العين): قال الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أي ظهر وبان.
شرح العقيدة الواسطية – صالح آل الشيخ (1/ 378)
ولما سأل موسى الكريم سأل ربه الرؤية قال الله جل وعلا له {لَن تَرَانِي} يعني في الدنيا لن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} وفي تفاسير السلف قالوا *(تجلى الله جل وعلا للجبل كقدر هذه) فخر الجبل وخر موسى صعقا وساح الجبل* .
ففي الدنيا لا يمكن لأحد أن يرى الله جل جلاله .
في كتاب العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ:
قال الله مجيبًا لموسى: {لَن تَرَانِي} [الأعراف: آية 143] (لن) هنا حرف نفي {لَن تَرَانِي} يعني: لن تراني في هذه الدار الدنيا كما سنوضحه قريبًا إن شاء الله، والمعنى: أنت أضعف يا موسى من أن تقدر على رؤية خالق السماوات والأرض؛ لأن شأنه أعظم وأمره أكبر وأجلّ من أن يقدر على رؤيته أحد في الدنيا؛ لأن الناس في الدنيا مركّبون تركيبًا لا يبلغ غاية القوة، معرضون للموت والهلاك، فأنت بهذه الدار لا تقدر أن ترى رب السماوات والأرض، وهذا هو التحقيق في الآية كما سنوضحه إن شاء الله. ثم إن الله كأنه يقول له: هذا الجبل لا شك أنه أقوى منك وأصلب، فهو إذن سأتجلى له، فإنْ تحمّل الجبل رؤيتي وتجلِّيّ له فأنت يمكن أن تقدر وَسَتَرانِي، وإن عجز الجبل عن ذلك -صار دكًّا وصار فتاتًا ترابًا- علمتَ أن الشيء الذي يدك الجبال لا يقدر عليه الدم واللحم منك يا موسى، وهذا معنى قوله: {لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} مع قوته وصلابته {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} وتحمّل تجلّيّ له فيمكن أن تراني، وإن صار الجبل فتاتًا فالذي يدك الجبال لا تقدر عليه أنت يا موسى، فأنت أضعف من أن تتحمل ذلك، وهذا معنى قوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} جاء في حديث عند الحاكم
أن الله كشف من نوره شيئًا قليلاً بقدر بعض الخنصر، فلما كَشَفَهُ وظهر للجبل صار الجبل دكًّا، اندك الجبل حَتَّى استوى بالتراب، وصار ترابًا.
{وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} الصحيح أن معنى قوله: {صَعِقًا}: مغشيًّا عليه، خلافًا لقتادة القائل: (خَرَّ صعقًا) أي: ميتًا ( 1). وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن معنى (صعقًا): مغشيًا عليه، وهي قوله: {فَلَمَّا أَفَاقَ} لأن الإفاقة من الغشية والموت يقال: بعثه بعد الموت. لا أفاق بعد غشيته منها. وهذا معنى قوله: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}.
قرأ هذا الحرف عامّة القراء غير حمزة والكسائي {جَعَلَهُ دَكًّا} مصدر بمعنى اسم المفعول، وقرأه حمزة والكسائي: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكَّاءَ وخر موسى صعقًا} ( 2).
أما على قراءة الجمهور: صار الجبل دكًّا، أي: مدكوكًا ( 3)، والدكّ: أصله طحن الجبال، فطحنه الله. قال بعضهم: حتى استوى بالتراب وصار فتاتًا ترابًا لعظمة رب العالمين (جل وعلا). فتبين لموسى أن الله لو تجلى له -يعني- لما أطاق ذلك؛ ولأن ما فتت الجبال لا يقدر على حمله موسى، هذا معنى الآية.
ومَعْلُوم أنَّ المُعْتَزِلة والخوارج وبعض الضُلاَّل يستدلون بهذه الآية من سورة الأعراف على أن رؤية الله مستحيلة بتاتًا في الدنيا والآخرة، ويزعمون أن (لن) في قوله: {لَن تَرَانِي} [18/ب] أنها للنفي المؤبد في المستقبل/ وأنها تنفي الرؤية مستقبلاً بتاتًا في الدنيا والآخرة، وأن موسى تاب إلى الله من هذا الطلب، حيث قال: {تُبْتُ إِلَيْكَ} ( 1).
والتحقيق الذي لا شك فيه الذي يجب على كل مسلم اعتقاده في شأن رؤية الله (جل وعلا) أنها بدار الدنيا جائزة عقلاً غير واقعة شرعًا، أما جوازها عقلاً فمن أعظم الأدلة عليه: أن نبي الله موسى طلبها من ربه، ولا يخفى على موسى الجائز عقلاً من المستحيل عقلاً، فمن المحال الباطل أن يكون نبي الله موسى يجهل المستحيل بحق الله ويعلمه أشياخ القدرية الجهلة الضُّلال!! أشياخ المعتزلة الجهلة الضُّلاّل!! هذا مما لا يكون ولا يقع!! فقول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} يدل على أن رؤية الله في دار الدنيا جائزة عقلاً، والذي منع منها عجز الآدميين عن تحمُّلها؛ لأن الله لما تجلى للجبل انْدَكَّ الجبل، فما بالك باللحم والدم؟! فهي في دار الدنيا جائزة عقلاً، وأما في الآخرة فلا شك أنها واقعة، ومن أنكرها فهو ملحد في دين الله، ضال مُضل منابذ للسنة المتواترة والقرآن العظيم.
_________
قال ابن عثيمين في سؤال حول اختلاف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه أم لا، نريد توجيهاً سديداً في هذه المسألة مأجورين.
الجواب:
الشيخ: القول الراجح في هذه المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه؛ لأنه نفسه صلوات الله وسلامه عليه سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: «نور أنّى أراه». وفي رواية: «رأيت نوراً». والله عز وجل قد يحتجب عن عباده بحجب النور لا يمكن اختراقها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفى أن يكون رأى الله فلا يمكن بعد ذلك أن يدعي مدعٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وما ذكر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن عباس لم يصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه يقظة، وأن قوله أي ابن عباس يعني أنه رآه بفؤاده، وهو كناية عن العلم اليقيني الذي يكون في القلب حتى كأنه رآه بالعين، وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الحق، ولم يتمكن أحد في الدنيا أن يرى ربه يقظة أبداً؛ ولهذا لما قال موسى عليه الصلاة و السلام: ﴿ربِّ أرني أنظر إليك﴾ شوقاً إلى الله عز وجل، قال الله له: ﴿لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني﴾. : ﴿فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً﴾.
فالمهم أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله تبارك وتعالى يقظة في الدنيا، ولن يستطيع أحد أن يثبت لذلك،
أما في الآخرة فقد دل القرآن والسنة المتواترة و إجماع الصحابة رضي الله عنهم أن الله سبحانه وتعالى يرى في الآخرة رؤية حقيقة بالعين. قال الله تبارك وتعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى ربها ناظرة﴾. وهذا صريح بأن الإنسان يرى ربه بالعين. ومن الأدلة على ذلك على أن الله تعالى يرى في الآخرة قول الله تعالى: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾. فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله كما فسرها بذلك أعلم الخلق بالله وآياته محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. واستدل العلماء بقوله تعالى في أهل الجنة: ﴿لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد﴾. وقالوا: إن هذا المزيد هو الزيادة التي ذكرت في الآية التي سقناها الآن، وهو النظر إلى وجه الله عز وجل. واستدلوا أيضا بقول الله تبارك وتعالى في الأبرار: ﴿على الأرائك ينظرون﴾. قالوا إنهم ينظرون لله عز وجل، وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم لقوله في الفجار: ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾. فلما حجب الفجار في حال الغضب جعل النظر للأبرار في حال الرضا.
حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك في وجه صريح أصرح من الشمس في رابعة النهار، حيث قال: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته». وقال: «إنكم ستلقون ربكم عياناً كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب». وأما أقول الصحابة فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة، فما منهم أحد قال ولا بحرف واحد أن الله تعالى لا يرى في الآخرة، وهذه أقوالهم مأثورة في كتب السنة، ما منهم أحد نفى أن يرى الله تعالى في الآخرة، بل كلهم مجمعون على هذا، حتى إن بعض أهل العلم قال: من أنكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو كافر؛ لوضوح الأدلة فيها وصراحتها وإجماع الصحابة عليها وإجماع الأئمة المتبوعين عليها، ولم يرد عن أحد منهم إنكارها. أسأل الله تبارك وتعالى لي ولإخواني النظر إلى وجه الله الكريم، وأسأل الله الهداية لمن أنكروا هذه الرؤية العظيمة التي هي ألذ ما يجده أهل الجنة في الجنة. والله على كل شيء قدير
فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين