95 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
إشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—–
مسند أحمد
23003 – حدثنا حسن بن موسى، وأحمد بن عبد الملك قالا: حدثنا زهير قال: أحمد بن عبد الملك في حديثه، حدثنا زبيد بن الحارث اليامي، عن محارب بن دثار، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان فقام إليه عمر بن الخطاب ففداه بالأب والأم يقول: يا رسول الله ما لك؟ قال: ” إني سألت ربي في استغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم، ولا تشربوا مسكرا ”
__
أخرجه أحمد، وأبو عوانة في مستخرجه، والطحاوي في مشكل الآثار، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى من طرق عن زهير بن خيثمة به
قال البيهقي رواه مسلم (977) في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن زهير دون قصة أمه
قال صاحبنا أبوصالح: إسناده صحيح على شرط مسلم، لكن قوله (رحمة لها من النار) كأنها شاذة فلم ترد إلا من طريق زهير والله أعلم
الجواب: على شرط المتمم على الذيل
ذكر مسلم أسانيد 977، ولم يسق المتن من طريق أبي خيثمة عن زبيد ..
ولم أجد المتن في مكان آخر فنبقى هذا السند على شرط المتمم على الذيل، لأن في المتن زيادة على ما في صحيح مسلم
——-
الحديث بين من أهم المسائل في أصول الفقه الناسخ و المنسوخ في حديث واحد
جاء النهي بعدم الإستغفار للمشركين و لو كان من أقرب الناس، قال تعالى
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}.
قال السعدي في التفسير (353): يعني: ما يليق ولا يحسن للنبي وللمؤمنين به {أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} أي: لمن كفر به، وعبد معه غيره {وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} فإن الإستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد، فلا يليق بالنبي والمؤمنين، لأنهم إذا ماتوا على الشرك، أو علم أنهم يموتون عليه، فقد حقت عليهم كلمة العذاب، ووجب عليهم الخلود في النار، ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين، ولا استغفار المستغفرين.
وأيضا فإن النبي والذين آمنوا معه، عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه، ويوالوا من والاه اللّه، ويعادوا من عاداه اللّه، والإستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك، مناقض له، ولئن وجد الإستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه {عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} في قوله {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه.
فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للّه، سيموت على الكفر، ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير {تَبَرَّأَ مِنْهُ} موافقة لربه وتأدبا معه.
قال الألباني: وتشرع زيارة القبور للإتعاظ بها وتذكر الآخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى، أو تزكيته والقطع له بالجنة. (أحكام الجنائز) (ص 178)
و قال بعد ذلك: والمقصود من زيارة القبور شيئان:
1 – انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار وهو الغرض الأول من الزيارة، كما يدل عليه ما سبق من الأحاديث.
2 – نفع الميت والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء والاستغفار له، وهذا خاص
بالمسلم، وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع، فيدعو لهم، فسألته عائشة عن ذلك؟ فقال: إني أمرت أن أدعو لهم).
أخرجه أحمد (6/ 252) بسند صحيح على شرط الشخين.
ومعناه عند مسلم وغيره من طريق أخرى مطولا، وقد مضى بتمامه في المسألة (119).
الثاني: عنها أيضا قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل فيقول: السلام عليكم [أهل] دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم وما توعدن غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد).
أخرجه مسلم (3/ 63) والنسائي (1/ 287) وابن السني (585) والبيهقي (4/ 79) وأحمد (6/ 180) وليس عنده الدعاء بالمغفرة، والزيادة له ولابن السني.
الثالث: عنها أيضا في حديثها الطويل المشار إليه قريبا قالت: (كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون).
أخرجه مسلم وغيره.
قال البغوي: ويقال: كان قبر أمه بالأبواء، فمر به عام الحديبية، ويروى أنه زار قبر أمه في ألف مقنع، أي: في ألف فارس مغطى بالسلاح.
قال رحمه الله: زيارة القبور مأذون فيها للرجال، وعليه عامة أهل العلم، أما النساء، فقد روي عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
” لعن زوارات القبور “.
وعن ابن عباس قال: ” لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج “.
فرأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص في زيارة القبور، فلما رخص عمت الرخصة الرجال والنساء، ومنهم من كرهها
للنساء، لقلة صبرهن، وكثرة جزعهن.
أما اتباع الجنازة، فلا رخصة لهن فيه، قالت أم عطية: نهينا عن اتباع الجنازة، ولم يعزم علينا. انتهى من شرح السنة (5/ 463 – 464).
ما هي زيارة القبور السنية، وما هي الزيارة البدعية والشركية؟
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي – قسم العقيدة (ص: 363)
س 48: سئل الشيخ: ما هي زيارة القبور السنية، وما هي الزيارة البدعية والشركية؟.
فقال الشيخ -رحمه الله -: “زيارة القبور قسمان: القسم الأول وهو الأصل، وهو سنة وقربة يؤجر الإنسان على فعلها وهي ما كانت الزيارة للعبرة والعظة وتذكر الدار الآخرة، فإن الإنسان إذا زار القبور فإنه يذكر هؤلاء الأموات وهم آباؤه وأجداده فيتذكر أن هذه الحياة الدنيا فانية وزائلة، وأنه لا بد من الموت وأنه ميت ومقبور مثلهم، وإذا كان كذلك فإنه يتيقن أنه مسئول في قبره، وأن الإقامة في القبر إما حياة عذاب وجحيم إذا كان عاصيا مفرطا في جنب الله، أو حياة إكرام وتنعيم إذا كان من الموحدين المطيعين لله، ثم إن الحياة والإقامة في القبر ليست دائمة ولا نهائية، ولكن بعدها البعث والنشور والقيام لله رب العالمين.
هذه المعاني كلها فيها العظة والعبرة للزائر، وهذه المعاني كذلك تذكر الزائر
بالآخرة والحساب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».
وفي هذه الزيارة السنية المشروعة فائدة أخرى غير العبرة والعظة وتذكر الآخرة، ذلك إذا كان الميت المقبور المزور من المسلمين فإنه يستحب للزائر أن يدعو له بالمغفرة والرحمة، وأن يوسع الله عليه أو عليهم قبورهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا زار القبور دعا لأهل القبور.
النوع الثاني: الزيارة البدعية وهذه الزيارة قد تكون بدعية فقط، وقد تكون بدعية وشركية على حسب ما يقع من الزائر من نية وأعمال، فإذا ذهب المسلم إلى قبر من القبور بنية التبرك بهذا القبر لكونه قبر أحد الصالحين، أو لدعاء صاحب القبر والاستغاثة به أو لطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك، فهذه زيارة شركية، ومن جنسها ما قد يقع من الزائر من الطواف حول القبر أو التمسح به، فهذا كله شرك، ولا نقول لفاعله مشرك وهذا ما تقول العلماء هذا شرك النوع وليس شرك العين، يعني أن هذا الفعل فعل شرك وفاعله ليس مشركا؛ لأن فاعله قد يكون معذورا بأي نوع من أنواع الأعذار كالجهل، أو متأولا أو مخدوعا بفتوى بعض الناس ممن ينتسبون إلى العلم والفتوى الذين يعتقدون بعض العقائد الباطلة، أو من أصحاب الطرق الصوفية، المقصود أن مثل هذا معذور ويجب له النصح والبيان والتلطف معه فلا نغلظ عليه بادئ الأمر حتى لا نضع في قلبه حواجز تمنعه من الأخذ بالصواب والنصيحة المقدمة له.
ويجب أن نفرق بين أمرين:
الأول: أن المقبور الميت الذي يزار وتفعل عنده البدع أو الشركيات قد يكون هذا المقبور من الصالحين المتقين وهو غير مسئول عما يقع عند قبره من المخالفات التي تسخط الله.
والأمر الثاني: أن صلاح هذا الميت المقبور ليس مبررا أن نصرف إليه العبودية التي هي حق رب العالمين على عباده كالدعاء، والاستغاثة، والتوكل، والتعلق، والخوف، والذل المصاحب للحب، فهذه وغيرها من حقوق الله سبحانه وتعالى.
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي – قسم العقيدة ص: 365))
(قوله باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي)
قال الحافظ في الفتح (10/ 25): أي من غير تقييد بثلث ولا نصف وما يتزود منها أي للسفر وفي الحضر وبيان التقييد بثلاثة أيام إما منسوخ وإما خاص بسبب.
وفيه قد أرخص رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسلمين في ذلك وأخرجه النسائي وصححه بن حبان من طريق زينب بنت كعب عن أبي سعيد فقلب المتن جعل راوي الحديث أبا سعيد والممتنع من الأكل قتادة بن النعمان وما في الصحيحين أصح وأخرجه أحمد من وجه آخر فجعل القصة لأبي قتادة وأنه سأل قتادة بن النعمان عن ذلك أيضا وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قام في حجة الوداع فقال إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا الأضاحي فوق ثلاثة أيام لتسعكم وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم الحديث فبين في هذا الحديث وقت الإحلال وأنه كان في حجة الوداع وكأن أبا سعيد ما سمع ذلك وبين فيه أيضا السبب في التقييد وأنه لتحصيل التوسعة بلحوم الأضاحي لمن لم يضح …
قلت ويؤيده ما في حديث جابر كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فإن ثلاث منى تتناول يوما بعد يوم النحر لأهل النفر الثاني قال الشافعي لعل عليا لم يبلغه النسخ وقال غيره يحتمل أن يكون الوقت الذي قال علي فيه ذلك كان بالناس حاجة كما وقع في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وبذلك جزم بن حزم فقال إنما خطب علي بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حوصر فيه وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة فاصابهم الجهد فلذلك قال علي ما قال قلت أما كون علي خطب به وعثمان محصورا فأخرجه الطحاوي من طريق الليث عن عقيل عن الزهري في هذا الحديث ولفظه صليت مع علي العيد وعثمان محصور وأما الحمل المذكور فلما أخرج أحمد والطحاوي أيضا من طريق مخارق بن سليم عن علي رفعه أني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فادخروا ما بدا لكم ثم جمع الطحاوي بنحو ما تقدم وكذلك يجاب عما أخرج أحمد من طريق أم سليمان قالت دخلت على عائشة فسألتها عن لحوم الأضاحي فقالت كان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عنها ثم رخص فيها فقدم علي من السفر فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها فقال أو لم ننه عنه قالت إنه قد رخص فيها فهذا علي قد اطلع على الرخصة ومع ذلك خطب بالمنع فطريق الجمع ما ذكرته وقد جزم به الشافعي في الرسالة في آخر باب العلل في الحديث فقال ما نصه فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وأن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة قال الشافعي ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخا في كل حال قلت وبهذا الثاني أخذ المتأخرون من الشافعية فقال الرافعي الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال وتبعه النووي فقال في شرح المهذب الصواب المعروف أنه لا يحرم الادخار اليوم بحال وحكى في شرح مسلم عن جمهور العلماء أنه من نسخ السنة بالسنة قال والصحيح نسخ النهي مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الادخار فوق
ثلاث والأكل إلى متى شاء اه وإنما رجح ذلك لأنه يلزم من القول بالتحريم إذا دفت الدافة إيجاب الإطعام وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة ونقل ابن عبد البر ما يوافق ما نقله النووي فقال لا خلاف بين فقهاء المسلمين في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وأن النهي عن ذلك منسوخ كذا أطلق وليس بجيد فقد قال القرطبي حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة فلما ارتفعت ارتفع لارتفاع موجبه فتعين الأخذ به وبعود الحكم تعود العلة فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا تعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث قلت والتقييد بالثلاث واقعة حال وإلا فلو لم تستد الخلة إلا بتفرقة الجميع لزم على هذا التقرير عدم الإمساك ولو ليلة واحدة وقد حكى الرافعي عن بعض الشافعية أن التحريم كان لعلة فلما زالت زال الحكم لكن لا يلزم عود الحكم عند عود العلة قلت واستبعدوه وليس ببعيد لأن صاحبه قد نظر إلى أن الخلة لم تستد يومئذ إلا بما ذكر فأما الآن فإن الخلة تستد بغير لحم الأضحية فلا يعود الحكم إلا لو فرض أن الخلة لا تستد إلا بلحم الأضحية وهذا في غاية الندور وحكى البيهقي عن الشافعي أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث كان في الأصل للتنزيه قال وهو كالأمر في قوله تعالى (فكلوا منها وأطعموا القانع) وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالا وقال المهلب أنه الصحيح لقول عائشة وليس بعزيمة والله أعلم. انتهى بتصرف
قَالَ النوويّ: قَالَ أهل اللغة: الدّافّة -بتشديد الفاء-: قوم يسيرون جميعًا سيرًا خفيفًا، ودفّ يدِفّ بكسر الدال، ودافّةُ الأعراب منْ يَرِد منهم العصر، والمراد هنا مَن ورد منْ ضعفاء الأعراب للمواساة. انتهى. “شرح مسلم” 13/ 131.
قال الحافظ العراقي: وقال شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي – رحمه الله -: الصحيح أن النهي كان مخصوصا بحالة الضيق والصحيح أيضا أنه إذا حدث ذلك في زماننا أن يعود المنع على خلاف ما رجحه الرافعي …. ثم نقل كلام الشافعي والقرطبي السابق الذي نقله ابن حجر
قَالَ الجامع (الأتيوبي) عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي استظهره الحافظ منْ كون هَذَا النهي ليس بنسخ، وإنما هو منْ باب التخصيص، هو الحقّ، كما سبق بيانه مستوفًى، فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم.
(ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: وفي هَذَا الْحَدِيث أبواب منْ أصول الفقه، وهو أن الشرع يُراعي المصالح، ويحكم لأجلها، ويسكت عن التعليل، ولَمّا تصفّح العلماء ما وقع فِي الشريعة منْ هَذَا وجدوه كثيرًا، بحيث حصل لهم منه أصل كلّيّ، وهو أن الشارع مهما حكم، فإنما يحكم لمصلحة، ثم قد يجدون فِي كلام الشارع ما يدلّ عليها، وَقَدْ لا يجدون، فيسبُرُون أوصاف المحلّ الذي يحكم فيه الشرع حَتَّى يتبيّن لهم الوصف الذي يمكن أن يعتبره الشرع بالمناسبة، أو لصلاحيته لها، فيقولون: الشرع يحكم بالمصلحة، والمصلحة لا تعدو أوصاف المحلّ، وليس فِي أوصافه ما يصلح للاعتبار إلا هَذَا، فتعيّن. انتهى. “المفهم” 5/ 379. استفدته من شرح المجتبى (34/ 38).
قال العلامة العباد:
وهو ذكر الناسخ والمنسوخ في حديث واحد، ففيه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ألا فادخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأسقية فانتبذوا في كل سقاء ولا تشربوا مسكراً)؛ لأنه قبل كان نهاهم أن ينتبذوا في الدبا والحنتم والمقير من الأوعية التي قد يحصل فيها إسكار دون أن يظهر على ظاهرها، ثم بعد ذلك أذن لهم أن ينتبذوا في كل وعاء ولكن بشرط ألا يشربوا مسكراً. فهذا حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه اشتمل على ثلاثة أمور فيها إشارة إلى المنسوخ والإتيان بالناسخ، ومنه هذه المسألة التي معنا في حديث عائشة رضي الله عنها. شرح سنن ابي داود
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 61): ولكن حديث بريدة ظاهر في تعميم الإذن في الجميع يفيد أن لا تشربوا المسكر فكأن الأمن حصل بالإشارة إلى ترك الشرب من الوعاء ابتداء حتى يختبر حاله هل تغير أو لا فإنه لا يتعين الاختبار بالشرب بل يقع بغير الشرب مثل أن يصير شديد الغليان أو يقذف بالزبد ونحو ذلك.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر تأخر حديث بُريدة -رضي الله عنه-، فإن سياقه يدلّ عَلَى هَذَا، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: “فاشربوا فِي أيّ وعاء شئتم”، وقوله “فانتبذوا فيما بدا لكم”، وغير ذلك منْ الألفاظ الدالّة عَلَى أن النسخ عامّ متأخّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. شرح المجتبى (40/ 243).
قال الصنعاني في التنوير: (غير ألا تشربوا مسكراً) فهو نسخ للنهي عن الانتباذ في الأسقية (م) (3) عن بريدة) ولم يخرجه البخاري.