95 الفوائد المنتقاه من شرح مختصر صحيح مسلم – رقم 95
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
( ألقاه الأخ : سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة في مجموعات السلام1،2،3 والمدارسة ، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
مشاركة عبدالله الديني وأحمد بن علي
——-
بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ
4274 – عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا
4275 – عن أَنَسٍ قَالَ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ قَالَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ
4276 – عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ فَقَالَ أَنَسٌ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا
4277 – عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ فَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ
4278 – عن جابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ :رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَقَالَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ
فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِ فَقُمْتُ فَقُلْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا فَحَثَى أَبُو بَكْرٍ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لِي عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِائَةٍ فَقَالَ خُذْ مِثْلَيْهَا
_______
مشاركة عبدالحميد البلوشي:
(سخاؤه صلى الله عليه وسلم)
ذكر باب سخائه صلى الله عليه وسلم بعد باب جوده تفنن، وكأنه ذكر في الباب الأول إثبات صفة الجود، وفي الباب الآخر أمثلة لهذا الجود،
(ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا) قال الحافظ ابن حجر: وليس المراد أنه يعطي ما يطلب منه جزما، بل المراد أنه لا ينطق بالرد، بل إن كان عنده أعطاه، إن كان الإعطاء سائغا، وإلا سكت
وقال العز بن عبد السلام: معناه لم يقل: لا، منعا للعطاء، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها اعتذارا كما في قوله تعالى قلت لا أجد ما أحملكم عليه [التوبة: 92] ولا يخفى الفرق بين قوله لا أجد ما أحملكم عليه وبين لا أحملكم. اهـ.
(ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه) وهذا معنى قول أنس في الرواية الثالثة “إن كان الرجل ليسلم، ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها” والمراد أنه يظهر الإسلام أولا للدنيا، لا بقصد صحيح بقلبه، ثم من بركة النبي صلى الله عليه وسلم، ونور الإسلام، لا يلبث إلا قليلا، وينشرح صدره بحقيقة الإيمان، ويتمكن من قلبه، فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها.
قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ “فما يسلم” وفي بعضها “فما يمسي” وكلاهما صحيح. اهـ.
وتصديقا لهذا يصرح صفوان – في الرواية الرابعة – بأن إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، بدأ ومحمد أبغض الناس إليه، ولم ينته حتى كان محمد أحب الناس إليه.
(وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية….) كانت غنيمة حنين أربعة وعشرين ألفا من الإبل، وأربعين ألفا من الغنم، وكان صفوان بن أمية ممن خرج إلى حنين وهو لم يسلم بعد، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء تأليفا لقلبه، ليسلم، كما أعطى بعض كبراء قريش، قريبي عهد بكفر، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى مالك بن عوف مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى العباس بن مرداس مائة.
وصفوان بن أمية بن خلف. قتل أبوه يوم بدر كافرا، قالوا: إنه هرب يوم فتح مكة، وأسلمت امرأته، فأخذ له ابن عمه أمانا من النبي صلى الله عليه وسلم، فحضر، وحضر وقعة حنين قبل أن يسلم، قال يوم حنين: لأن يريني رجل من قريش أحب إلي من أن يريني رجل من هوازن، وكان صفوان أحد العشرة الذين انتهى إليهم شرف الجاهلية، ووصله لهم الإسلام من عشر بطون، ونزل صفوان – بعد حنين – على العباس بالمدينة، ثم أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى مكة، فأقام بها، حتى مات بها، مقتل عثمان رضي الله عنه.
(لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، وقال بيديه جميعا) أي وأشار بكفيه، وهو يقول: هكذا، والمقصود من مال البحرين مال الجزية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، وكان من أهل حضرموت، وكان ذلك سنة الوفود، سنة تسع، وبعث صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح، فأتى بمال الجزية، فوزعه صلى الله عليه وسلم، ثم وعد جابرا أن يعطيه من جزية العام القابل.
_________
مشاركة احمد بن علي بنقل كلام العثيمين وابن عبدالبر وشاركه عبدالله الديني بنقل كلام العثيمين : قال العثيمين في شرح رياض الصالحين :
60- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير
ثقة بالله تعالى
قال تعالى 🙁 وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(البقرة:272) .
وقال تعالى : ( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)(البقرة: 273).
1/544- وعن ابن مسعودٍ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطهُ على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حِكمة، فهو يقضي بها ويعلمها)) متفق عليه.
2/545- وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسل : ((أيكم مالُ وارثهِ أحب إليه من مالهِ؟)) قالُوا: يا رسول الله، ما مِنا أحد إلا مالُهُ أحب إليه. قال : ((فإن مالهُ ما قدم ومال وارثه ما آخر)) رواه البخاري.
3/546- وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))متفق عليه.
6/549- وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” قال الله تعالى : ((انفق يا ابن آدم ينفق عليك))متفق عليه.
الشرح :
قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب الحث على إنفاق المال في سبل الخير مع الثقة بالله عز وجل.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن:15)، فمن الناس من ينفقه في شهواته المحرمة، وهو وبال عليه .
ومن الناس من ينفقه ابتغاء وجه الله فهذا ماله خيرا له.
ومن الناس من يبذل ماله في غير فائدة، ليس في شيء محرم ولا في شيء مشروع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
والممسك لماله تدعو عليه الملائكة بالتلف :
والتلف نوعان: تلف حسي، وتلف معنوي:
1- التلف الحسي: أن يتلف المال نفسه، بأن يأتيه آفة تحرقه أو يُسرق أو ما أشبه ذلك.
2- والتلف المعنوي: أن تنزع بركته، بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حسناته
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً على الإسلام إلا أعطاه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس، وكان يبذل أمواله فيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا سأله شخص على الإسلام يعني على التأليف على الإسلام والرغبة فيه إلا اعطاه، مهما كان هذا الشيء… فانظر إلى هذا العطاء كيف أثر في هذا الرجل هذا التأثير العظيم، حتى أصبح داعية إلى الإسلام.
وهكذا أيضاً الفساق هادهم، أنصحهم باللين، وبالتي هي أحسن، ولا تقل: أنا أبغضهم لله، ابغضهم لله وادعهم إلى الله اهـ مختصرا
قال ابن عبدالبر في الاستذكار:
وفي هذا من الفقه أن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وذلك من أخلاق أهل الإيمان.
وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضا لإجماع الجميع من الفقهاء على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء كذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن في المروءة ولا يقضى به
ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن يستحق صاحبه الحمد والشكر والمدح على الوفاء به ويستحق على الخلف في ذلك الذم.
ولما كان هذا من مكارم الأخلاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بها وأنذرهم إليها وكان أبو بكر خليفته أدى ذلك عنه وقام مقامه من الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمها منه ولذلك لم يسأل أبو بكر الصديق البينة على ما ادعاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدة لأن تلك العدة لم تكن شيئا أداه جابر في ذمة رسول الله وإنما ادعى شيئا في بيت المال وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام .
تتمة في البخاري : وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ لَنَا: هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ المُنْكَدِرِ -، وَقَالَ مَرَّةً فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَسَأَلْتُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ -[91]- فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي قَالَ: قُلْتَ: تَبْخَلُ عَنِّي؟ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ، قَالَ سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ، فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ: عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ، قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ يَعْنِي ابْنَ المُنْكَدِرِ: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ البُخْلِ
تنبيه من الديني : ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من رئيسكم قالوا: الجد بن قيس إلا أننا نبخله قال : وأي داء أدوأ من البخل.
إشكال : هل المال الذي وعد به جابر من الخمس :قال ابن حجر قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عَليّ هُوَ بن عبد الله الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِزْيَةِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَأَنَّهُ مِنَ الْجِزْيَةِ لَكِنْ فِيهِ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَعَدَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرًا كَانَ بَعْدَ السَّنَةِ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بِالْمَالِ وَظَهَرَ بِذَلِكَ جِهَةُ الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهُ من الْجِزْيَة فأغنى ذَلِك عَن قَول بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخُمُسِ أَوْ مِنَ الْفَيْءِ وراجع كلام ابن حجر قبل ذلك على أحاديث أخرى في الباب .
* قال باحث عن الكريم الأكرم :
فهذه بعض الآثار لهذين الاسمين الشريفين :
ومنها: أن من عرف ربه بهذا الكرم أحسن ظنه فلا يخشى على نفسه فقرا أبدا، و لا يلوم قدرا و لا يذل لمخلوق كائنا من كان بل يسارع عند النوازل والكروب والضائقات المالية والنفسية إلى من أن يمينه ملأى سحا الليل والنهار
ومنها: أن يتحلى بوصف الكرم والسخاء، والجود والعطاء لأنه يحب من عباده الكرماء.
قال ابن القيم: “ومن وافق الله في صفه من صفاته قادته تلك الصفة اليه بزمامه وأدخلته على ربه وأدنته منه وقربته من رحمته وصيرته محبوبا له فانه سبحانه رحيم يحب الرحماء كريم يحب الكرماء عليم يحب العلماء ” [الجواب الكافي ص44]
“ولمحبته لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها فأمرهم بالعدل والإحسان والبر ولما كان سبحانه يحب أسماءه وصفاته كان أحب الخلق إليه من اتصف بالصفات التي يحبها وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التي يكرهها فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت … ” [طريق الهجرتين ص215]
ورتب الله على النفقة والبذل أجورا عظيمة وهي لا تنقص من المال شيئا بل تزيده؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم , وهي أيضا مخلوفة على العبد؛ فلينفق العبد وهو يوقن بالخلف من الله (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]
قال ابن القيم: “ومن عامل خلقه بصفة عاملة الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والاخرة فالله تعالى لعبده على ما حسب ما يكون العبد لخلقه” [الوابل الصيب ج1/ص54].
ومنها: أن يحذر البخل والشح ويجاهد ويجتهد ليقيه الله شح نفسه وحينئذ سيكون من المفلحين قال تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وكيف يبخل المسلم وليس البخل منع الآخرين وإنا هو في الحقيقة حرمان الانسان نفسه من الخير (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38]
وأشد البخل في منع ما وجب لله أو وجب لخلقه
ولعلنا إن شاء الله نتكلم عن البخل في مناسبه أخرى
الإنفاق والقرض الحسن:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة/ 245) . صدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمّن معنى الطّلب، وهو أبلغ في الطّلب من صيغة الأمر.
والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟
وسمّي ذلك الإنفاق قرضا حسنا حثّا للنفوس، وبعثا لها على البذل؛ لأنّ الباذل متى علم أنّ عين ماله يعود إليه ولا بدّ طوّعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أنّ المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه، فإن علم أنّ المستقرض يتّجر له بما اقترضه، وينمّيه له ويثمّره حتّى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنّه مع ذلك كلّه يزيده من فضله وعطائه أجرا آخر من غير جنس القرض، فإنّ ذلك القرض حظّ عظيم، وعطاء كريم؛ فإنّه لا يتخلّف عن قرضه إلّا لآفة في نفسه من البخل والشّحّ، أو عدم الثّقة بالضّمان. وذلك من ضعف إيمانه. ولهذا كانت الصّدقة برهانا لصاحبها. وهذه الأمور كلّها تحت هذه الألفاظ الّتي تضمّنتها الآية، فإنّه سمّاه قرضا، وأخبر أنّه هو المقترض- لا قرض حاجة- ولكن قرض إحسان إلى المقرض واستدعاء لمعاملته، وليعرف مقدار الرّبح فهو الّذي أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به ثمّ أخبر عمّا يعطيه فوق ذلك من الزّيادة وهو الأجر الكريم، وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيّده بكونه حسنا، وذلك يجمع أمورا ثلاثة:
أوّلها: أن يكون من طيّب ماله، لا من رديئه وخبيثه.
ثانيها: أن يخرجه طيّبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة الله.
ثالثها: أن لا يمنّ به ولا يؤذي.
فالأوّل يتعلّق بالمال، والثّاني يتعلّق بالمنفق بينه وبين الله، والثّالث بينه وبين الآخذ.
وأمّا قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 261) فقد شبّه الله سبحانه النّفقة في سبيله سواء كان المراد بها الجهاد أو جميع سبل الخير بمن بذر بذرا فأنبتت كلّ حبّة منه سبع سنابل اشتملت كلّ سنبلة على مائة حبّة. والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها. فإنّ ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص، والتّثبيت عند النّفقة، وهو إخراج المال بقلب ثابت، قد انشرح صدره بإخراجه وشرحت به نفسه وخرج من قلبه قبل خروجه من يده، فهو ثابت القلب عند إخراجه غير جزع ولا هلع، ولا متّبعته نفسه، ترجف يده وفؤاده. ويتفاوت بحسب نفع الإنفاق وبحسب مصادفته لموقعه، وبحسب طيب المنفق وزكائه. وتحت هذا المثل من النّفقة: أنّه سبحانه شبّه الإنفاق بالبذر، فالمنفق ماله الطّيّب لله، لا لغيره، باذر ماله في أرض زكيّة، فمغلّه بحسب بذره، وطيب أرضه وتعاهد البذر بالسّقي، ونفي الدّغل والنّبات الغريب عنه. فإذا اجتمعت هذه الأمور ولم يحرق الزّرع نار، ولا لحقته جائحة جاء أمثال الجبال، وكان مثله كمثل جنّة بربوة فتتربّى الأشجار هناك أتمّ تربية. فنزل عليها من السّماء مطر عظيم القطر فروّاها ونمّاها. فآتت أكلها ضعفي ما يؤتيه غيرها، لسبب ذلك الوابل فإن لم يصبها وابل فطلّ، فيكفيها لكرم منبتها، فتزكو على الطّلّ، وتنمو عليه، وفي هذا إشارة إلى نوعي الإنفاق الكثير والقليل. فمن النّاس من يكون إنفاقه وابلا، ومنهم من يكون إنفاقه طلّا. والله لا يضيع مثقال ذرّة … .انتهى نضرة النعيم خصلة الإنفاق وعزوه للتفسير القيم لابن القيم بتصرف يسير.
قال الشنقيطي في الاضواء:
ثُمَّ كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَكَانَتْ مُوَاسَاةُ الْأَنْصَارِ، لَقَدْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ تَارِكًا مَالَهُ وَمَالَ خَدِيجَةَ، حَتَّى إِنَّ الصِّدِّيقَ لَيَدْفَعُ ثَمَنَ الْمِرْبَدِ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيْءُ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَ يَقْضِي الْهِلَالَ، ثُمَّ الْهِلَالَ، ثُمَّ الْهِلَالَ، لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – نَارٌ، إِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ.
ثُمَّ جَاءَتْ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ، وَرَجَعَ بِدُونِ شَيْءٍ، وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرِينِ فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ مَا يُطِيقُ حَمْلَهُ، وَأَخِيرًا تُوُفِّيَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى، يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ; لِأَنَّ «أَغْنَى» تَعْبِيرٌ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، فَقَدْ كَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِنْ حَيْثُ الْمَالِ حَالًا فَحَالًا، وَالْوَاقِعُ أَنَّ غِنَاهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ غِنَى النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ النَّاسِ، وَيَكْفِي أَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَجْوَدُ النَّاسِ.
وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ وَدَارَسَهُ الْقُرْآنَ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، فَكَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْقُدْوَةَ فِي بالصبر والشكر.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ عَطَاءِ اللَّهِ لَهُ مِمَّا فَاقَ كُلَّ عَطَاءٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [15 \ 87] ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [15 \ 88] .
قال الشنقيطي في التفسير :
تَعْدَادِ النِّعَمِ: فَآوَى، فَهَدَى، فَأَغْنَى. أُسْنِدَ كُلُّهُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُنْعِمِ، وَلَمْ يُبْرِزْ ضَمِيرَ الْخِطَابِ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لِمُرَاعَاةِ رُءُوسِ الْآيِ وَالْفَوَاصِلِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ – وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ امْتِنَانٌ، وَأَنَّهَا نِعَمٌ مَادِّيَّةٌ لَمْ يُبْرِزِ الضَّمِيرَ لِئَلَّا يُثْقِلَ عَلَيْهِ الْمِنَّةَ، بَيْنَمَا أَبْرَزَهُ فِي: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ [94 \ 1 – 2] ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [94 \ 4] ; لِأَنَّهَا نِعَمٌ مَعنَوِيَّةٌ، انْفَرَدَ بِهَا. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
-وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر الفقراء على أهله فشكت إليه فاطمة ما تلقي من خدمة البيت و طلبت منه خادماً يكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح و التكبير و التحميد عند نومها، و قال: (لا أعطيك و أدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع)
————
تنبيه : لا تعارض بين سورة الضحى وبين انه مات ودرعه مرهونه:
قال أعضاء اللجنة الدائمة :
لا تعارض بين ما ذكرت لأمرين :
الأول : أنه كان فقيرا فأغناه الله ، كما هو نص آيتي الضحى الثاني : أنه مع كثرة ما أعطاه الله وتحقق رضاه بما أعطاه من الخيرات المادية وغيرها كانت مسئولياته تجاه أمته ومصالحها العامة والخاصة أعظم ، وبذله ونفقاته في ذلك أكثر من دخله ، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، كما وصفه أعرابي بذلك لقومه في ثنائه عليه ، ومن ذلك قضاؤه لدين من مات وعليه دين ، وتكفله من مات عائلهم بتولي جميع شئونهم من رعاية ونفقات ، وقد ثبت عنه أنه قال : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فهو لورثته » رواه أحمد والبخاري ومسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم : « أيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني ، فأنا مولاه » رواه البخاري ، فلم تكن قلة ماله أخيرا عن فقر ، بل عن بذل وكرم .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ذكر بعض لجان الفتوى وسائل لترغيب الناس في الإسلام والثبات عليه:
والواجب في دعوة الناس إلى الإسلام اتباع منهج خير الأنام عليه الصلاة والسلام بمراعاة ما يلي:
أولاً: بيان التوحيد وأصول الإيمان وأركان الإسلام بصورة واضحة ومبسطة، كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس حين وفدوا إليه.
ثانياً: التدرج معها في أمور الحلال والحرام، لأن التدرج سنة كونية وأمر شرعي ثابت في الكتاب والسنة، وهو أدعى للثبات على الدين، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان:32] .
ثالثاً: ترجمة معاني وأخلاق وآداب الإسلام من خلال التعامل معها.
رابعاً: التأكيد على عقيدة الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين، واختيار الصحبة الصالحة، لأن ذلك أنفع لها في الثبات والبعد عن الزيغ والانحراف.
-إطلاقه القول بأن القلوب لا تكسب بالمال غير صحيح. بدليل أن الله تعالى جعل المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة.
لماذا شرعت الهدية، وهي مادية؟ أليس لما لها من أثر في القلوب وكسب ودها؟ ولهذا حذر من هدايا العمال لأنها تعمل عملها في قلوبهم ثم في تصرفاتهم.
المؤلفة قلوبهم:
كل من رأى فيه الإمام نفعا للإسلام والمسلمين إذا أعطاه من مال الصدقة يستميله بذلك للدخول في الإسلام، إن كان ما زال على كفره، أو ليطمئن إلى إسلامه إن كان حديث عهد بالإسلام، أو رجل له نفوذ في قومه يستميله وقومه للدخول في دين الله..
ومذهب أبي حنيفة أن حظ المؤلفة قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته.
أما المالكية والحنابلة والشافعية فيقولون بتأليف القلوب على الإسلام في كل زمان، وذلك عند الحاجة إليه، ولعله في هذا الوقت بالذات يفيد.. خصوصا في البلاد ذات الأقلية المسلمة والتي توجد تلك الأقليات المسلمة في حالة تهاجم فيها من لدن طوائف المنصرين وغيرهم من أصحاب المذاهب المنحرفة عن الإسلام؛ كالقاديانية والبهائية وغيرها، ولا شك أن استعمال أموال الزكاة في هذا الميدان له تأثير عظيم في تثبيت الكثيرين من البسطاء على دينهم، وعلى المسؤولين من المسلمين أن يجتهدوا في الأسلوب الذي يجب العمل به، والمقدار الذي يعطى من مال الصدقات لتثبيت الإيمان في قلوب هؤلاء.
وهذا بحث في الأسباب الجالبة للبركة في الرّزق اختصرته من بحث لأحد الباحثين :
… وهو في عشرة مطالب:
المطلب الأوّل:
تقوى الله – عزّ وجلّ – والتّقرّب إليه بالطّاعات
جاء عند أحمد في غير موضع وبأسانيد عن أبي قتادة وأبي الدهماء – رضي الله عنهما – قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى وقال: “إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله جل وعز إلا أعطاك الله خيرًا منه” ، وقال الهيثمي: “رواه أحمد بأسانيد ورجاله رجال الصحيح” .
قلت: والواقع العملي خير شاهد لمثل هذا، ومن هذا ما جاء في قصة يوسف – عليه السلام – مع امرأة العزيز وامتناعه عن الوقوع في الحرام مع تهيئة جميع أسباب السلامة له، مخافة لله تعالى، وفي قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبق عليهم
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، وقال أيضًا: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} .
القيام بالفرائض:
أ-ومنه الصلاة قال تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} .
قال الحافظ ابن كثير: ” قوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب
وعن أنس – رضي الله عنه – مرفوعًا: “من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلاَّ ما قدر له”، وقال الألباني صحيح . وراجع كلام ابن القيم في الزاد عن فضيلة الصلاة وانها جالبه للارزاق دافعه للمضرات
ب-والحج: ففي الحديث
“تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة”
ج- الزكاة وما يتبعها من صدقات وصلة أرحام، وتوسعت في شرحه؛ لأنه يخص حديث الباب.
وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} .
قال القرطبي: “في معناه قولان: أحدهما: أنه تضاعف لهم الحسنات، والآخر: أنهم قد أضعف لهم الخير والنعيم أي هم أصحاب أضعاف” .
والآيات والأحاديث التي تبين أن الصدقة والإنفاق سبب في جلب الرزق وحصول البركة ودوام النعمة كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} . قوله: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} : أي ينميها في الدنيا بالبركة، ويكثر ثوابها بالتضعيف في الآخرة .
وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}وراجع تفسيرها
وروى البخاري ، ومسلم ، وأحمد حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا”، هذا لفظ البخاري ومسلم.
ذكر ابن حجر أن الحديث فيه الترغيب في الإنفاق في وجوه البر، وأن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل بالزيادة وفي الآجل بالثواب .
وقال النووي: “الإنفاق الممدوح هنا ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات” .
وقال القرطبي: “وهو يعم الواجبات والمندوبات” .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – وغيره مرفوعًا، وفيه لفظ: “أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً”
وقد أطلق العراقي أن الحديث ضعيف من جميع طرقه، لكن قال ابن حجر عقب حديث أبي هريرة: إسناده حسن .
قال صاحبنا الديني : هو في الصحيحة.
وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عند كل من البخاري ، ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: “أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك”. هذا لفظ عند البخاري ومسلم وأحمد إلا أنه قال عند مسلم “انفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصي … ”
قال النووي: “ولا تحصي … ” معناه: يمنعك كما منعت ويقتر عليك كما قترت، ويمسك فضله عنك كما أمسكته، وقيل معنى لا تحصي: أي لا تعديه فتستكثريه فيكون سببًا لانقطاع إنفاقك .
وقال ابن حجر: “النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب، والإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله قطع البركة عنه، أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة “.
وقال السندي: لا تمنعي ما في يدك فيشدد الله عليك أبواب الرزق، وفيه أن السخاء يفتح أبواب الرزق والبخل بخلافه .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا عند كل من مسلم ، والترمذي ، والدارمي ، وأحمد بلفظ: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”.
أي ما نقصت صدقة مالاً، أو بعض مال، أو شيئًا من مال، بل تزيد أضعاف ما يعطي منه بأن ينجبر بالبركة الخفية وذلك بدفع المضرات، أو بالعطية الجلية، أو بالمثوبة العلية .
وعن هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا عند كل من البخاري ، ومسلم وغيرهما: “مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبتان، (وفي لفظ جُنتان) من حديد من ثُدَيِّهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت – أو وفرت – على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقه مكانها، فهو يوسِّعها ولا تتسع”. هذا لفظ البخاري، وهو عند مسلم بنحوه.
فبين الحديث أن المنفق يستره الله تعالى بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، وينمي ماله بالصدقة والإنفاق، كستر هذه الجبة وضفائها على لابسها، وأما البخيل فهو كمن لبس جبة إلى ثدييه فقط فيبقى مكشوفًا بادي العورة مفتضحًا في الدنيا والآخرة وذلك بمحق ماله في الدنيا وحسناته في الآخرة .
تنبيه :ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن الدعاء للمتصدق وباذل المال له أهمية كبيرة في حصول النماء والبركة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمن يدفع الزكاة، أو الصدقات
د – وصلة الرحم :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من سرَّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه” ومن قطعها قطعه الله
المطلب الثّاني:
التّوكُّل على الله – سبحانه وتعالى – مع الأخذ بالأسباب تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
وعن عمران بن الحصين – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها”. أخرجه الطبراني في الأوسط
قال صاحبنا ناصر الكعبي :وهو في الضعيفه 6845
وحديث “من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل) حسنه محققو المسند وقالوا إن سيار هو أبوحمزة. وقلنا في مشروعنا ليس على شرط الذيل على الصحيح المسند للخلاف في تعيين سيار. وسيار أبوحمزة لم يوثقه معتبر
وفي الحديث “لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا ، وتروح بطانا ”
المطلب الثالث : التسميه فإذا سمى لم يشركه الشيطان فبورك له .
المطلب الرّابع: الذّكر والدّعاءولا يخفى أهمية الذكر والدعاء
المطلب الخامس: شكر الله تعالى وحمده{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
المطلب السّادس: التّوبة والاستغفارقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}ومن ذلك قول هود – عليه السلام – لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}
حديث ابن عباس – رضي الله – عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من لزم الاستغفار – وفي لفظ (أكثر) – جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب”.
المطلب السّابع: السَّعْي في الكسب أخذًا بالأسباب قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}”ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبي الله داود – عليه السلام – كان يأكل من عمل يده” أخرجه البخاري
المطلب الثّامن: القناعة والعفاف، والإجمال في الطّلب
الإجمال في الطلب، وعدم التشوف والحرص، فقال في الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث جابر – رضي الله عنه -: “يا أيها الناس! اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم”، وصححه الألباني . وعند البزار من حديث حذيفة – رضي الله عنه – بنحوه. وقال البزار عقبه: لا نعلمه عن حذيفة إلا بهذا الإسناد.
قلت: وما قبله وما بعده يشهد له.
وقد روى الترمذي حديث خولة بنت قيس قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن هذا المال خَضِرَة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورُبَّ متخوِّضٍ فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار”. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وكذا صححه الألباني .
وجاء عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن أناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نَفِدَ ما عنده فقال: “ما يكون عندي من خير فلن أدَّخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبَّر يصبِّره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر”.
المطلب التّاسع: الاقتصاد في المعيشة وعدم التّبذير
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِب الْمُسْرِفِينَ}4- أفاد بعض العلماء أن التبذير الذي جاء في الآية هو الإنفاق في غير حق. قاله ابن مسعود، وابن عباس – رضي الله عنهما – وقد روى ابن أبي حاتم بإسناده إلى مجاهد قال: وأنفقت مثل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله لم يكن إسرافًا، ولو أنفقت صاعًا في معصية الله كان إسرافًا
المطلب العاشر: اتباع السنة في ما سبق وايضا ارشد النبي صلى الله وسلم لبعض الامور التي تاتي بالبركة كالخيل والغنم ، ولعق الاصابع …
_____
مشاركة عبدالحميد البلوشي
فقه الحديث
ويؤخذ من أحاديث الباب
1- جود النبي صلى الله عليه وسلم وسخاؤه، وعدم رده للسائل
2- ذم البخل
3- إعطاء المؤلفة قلوبهم وسبق في الزكاة أحكامه تفصيلاً.
4- أخذ البخاري أن من تكفل عن ميت دينا، فليس له أن يرجع عن الكفالة
5- وفيه قبول خبر الواحد المعدل من الصحابة، ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يطلب من جابر شاهدا على صحة دعواه.
6- قد يستدل به على جواز حكم الحاكم بعلمه، على احتمال أن أبا بكر كان يعلم هذه العدة، فحكم بعلمه.
7- وفيه فضيلة عظمى لأبي بكر، لتحمله ما تحمل صلى الله عليه وسلم، ووفائه بالوعد الذي وعده صلى الله عليه وسلم
قلت سيف : نقله صاحبنا عبدالحميد من فتح المنعم واختصرته .