93 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
إشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————
سنن أبي داود:
5183 – حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لِأَبِي مُوسَى «إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ»
[قال الألباني]:
صحيح الإسناد
قال سيف وصاحبه:
على شرط الذيل (قسم الزيادات على الصحيحين)
ورد في مسلم 2154 عن ابي موسى: وفيه أن أبي بن كعب قال لعمر يعاتبه: (لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت)
———–
التثبت في الرواية لمن خفي حاله
(إني لم أتهمك) أي بالكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم (ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم شديد) خاف عمر رضي الله عنه مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه و سلم بما لم يقل كما يفعله المبتدعون والكذابون وكذا من وقع له قضية وضع فيها حديثا على النبي صلى الله عليه و سلم فأراد سد الباب خوفا من غير أبي موسى فطلب منه البينة للتثبت لا للشك في روايته والاتهام به. انتهى من عون المعبود
قال الشافعي في كتابه الماتع الرسالة (434 – 435): فإن قال قائل فإلى أي المعاني ذهب عندكم عمر الله تعالى قلنا أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط لأن أبا موسى ثقة أمين عنده إن شاء الله فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟ قلنا قد رواه مالك بن أنس عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم حديث أبي موسى وأن عمر قال لابي موسى وأما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله فإن قال: هذا منقطع. فالحجة فيه ثابتة لأنه لا يجوز على إمام في الدين عمر ولا غيره أن يقبل خبر الواحد مرة وقبوله له لا يكون إلا بما تقوم به الحجة عنده ثم يرد مثله أخرى ولا يجوز هذا على عالم عاقل أبدا ولا يجوز على حاكم أن يقضي بشاهدين مرة ويمنع بهما أخرى إلا من جهة جرحهما أو الجهالة بعدلهما وعمر غاية في العلم والعقل والأمانة والفضل.
قال ابن بطال: وظاهر حديث أبي موسى يرد هذا القول، لأن أبا موسى حمل الحديث على أنه لا يزاد على ثلاث مرات، ودل أنه على ذلك تلقى معناه من النبى عليه السلام ولو كان عند أبى موسى أنه يجوز الزيادة على الثلاث فى الاستئذان لم يكن مخالفا لمذهب عمر ابن الخطاب، ولم يحتج أبو موسى أن ينزع بقوله عليه السلام: (الاستئذان ثلاثا) حين أنكر عليه عمر ترك الزيادة على الثلاث. وقد زعم قوم من أهل البدع أن مذهب عمر رد قبول خبر الواحد العدل، وهذا خطأ فى التأويل وجهل بمذهب عمر وغيره من السلف. وقد جاء فى بعض طرق هذا الحديث أن عمر قال لأبى موسى: (أما انى لم أتهمك، ولكنى أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله).
ففيه من الفقه التثبيت فى خبر لما يجوز عليه من السهو وغيره، وحكم عمر بخبر الواحد أشهر من أن يخفى، وقد قبل خبر الضحاك ابن سفيان وحده فى ميراث المرأة من ديه زوجها، وقبل خبر حمل بن مالك الهذلى الاعرابى فى أن ديه الجنين غره عبد أو أمه، وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف فى الجزية وفى الطاعون، ولا يشك ذو لب أن أبا موسى أشهر فى العدالة من الأعرابى الهذلى. وقد قال فى حديث السقيفة: إنى قائل مقالة فمن حفظها ووعاها فليتحدث بها، فكيف يأمر من سمع قوله: أن يحدث به، وينهى عن الحديث عن رسول الله ولا يقبل خبر الواحد؟ هذا لايقوله إلا معاندا وجاهل. وفيه: أن العالم المستبحر قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه، وإلاحاطة لله وحده. شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 28 – 29).
قال ابن عبدالبر: وقد قال له عمر في حديث ربيعة هذا أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على اجتهاد كان من عمر رحمه الله في ذلك الوقت لمعنى الله أعلم به وقد يحتمل أن يكون عمر رحمه الله كان عنده في ذلك الحين من لم يصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل العراق وأهل الشام؛ لأن الله فتح عليه أرض فارس والروم ودخل في الإسلام كثير ممن يجوز عليهم الكذب؛ لأن الإيمان لم يستحكم في قلوب جماعة منهم وليس هذه صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد أخبر أنهم خير أمة أخرجت للناس وأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه وإذا جاز الكذب وأمكن في الداخلين إلى الإسلام فيمكن أن يكون عمر مع احتياطه في الدين يخشى أن يختلقوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرهبة والرغبة أو طلبا للحجة وفرارا إلى الملجأ والمخرج مما دخلوا فيه لقلة علمهم بما في ذلك عليهم فأراد عمر أن يريهم أن من فعل شيئا ينكر عليه ففزع إلى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليثبت له بذلك فعله وجب التثبت فيما جاء به إذا لم تعرف حاله حتى يصح قوله فأراهم ذلك ووافق أبا موسى وإن كان عنده معروفا بالعدالة غير متهم ليكون ذلك أصلا عندهم وللحاكم أن يجتهد بما أمكنه إذا أراد به الخير ولم يخرج عما أبيح له
انتهى من التمهيد (3/ 199 – 200)
قال العباد: أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: أن عمر قال: أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك: يريد أن الناس يحسبون حساباً للحديث وللرواية ولا يتساهلون، وأن الأمر ليس بالهين إذا عرفوا من عمر رضي الله عنه أنه يرى مثل هذا الرأي أو يقف مثل هذا الموقف، فإنهم يعتبرون الأمر عظيماً وأنه ليس بالأمر الهين، وهذا مثل قوله: إن الحديث عن رسول الله شديد، يعني: أنه ليس بالأمر الهين، فيحتاج إلى تثبت واحتياط. شرح سنن ابي داود